يوما عن يوم ، تزداد العاصمة الاقتصادية اتساعا، من حيث مساحتها الجغرافية التي أضحت ممتدة الأطراف من شمال المدينة إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، ويزداد عمرانها ويمتد بنيانها. توسع إسمنتي بقدر ما ساهم في خلق فضاءات سكنية جديدة للمواطنين، بالقدر ذاته الذي زاد من حدة اختناقهم ومحاصرة أنفاسهم، التي باتت تتوق إلى استنشاق جرعة هواء نقية خالية من أي شكل من أشكال التلوث، ويتمنون أن يمتعوا أنظارهم بقليل من الخضرة التي باتت ضئيلة إن لم تكن منعدمة في مدينة طغى على تفاصيلها اليومية الإسمنت والتراب. شوارع العاصمة الاقتصادية أضحت في مجملها مقفرة من الأشجار والأزهار والعشب الأخضر، باستثناء بعضها المعدود على رؤوس الأصابع، وزادت من استفحال هذه الوضعية أشغال «الترامواي» التي بعثرت كل شبر من المحور الطرقي الذي وضعت عليه خطوط سكة وسيلة النقل هذه المرتقبة، في حين عبثت أيادي بعض المخربين واللامبالين بتلك المساحات الظرفية التي أينعت مرة وذبلت مرات، ولم تسلم من سلوكهم الهمجي، مما زاد المدينة المعروفة بالبياض مجازا، قتامة. هذه الوضعية المفروضة على البيضاويين، دفعت البعض منهم إلى محاولة الخروج منها، حيث يلاحظ بين الفينة والأخرى، أن بعضهم ينحو نحو خلق بدائل ممكنة وإن كانت بحيز ضيق من الاخضرار، وإن كان ذلك على حساب ركن من أركان شققهم بعدد من الإقامات، عله يشكل لهم متنفسا بيئيا بكلفة مادية قد تنضاف إلى سلسلة التكاليف التي تفرضها أعباء الحياة اليومية، إلا أن الغاية «الخضراء» التي تستأثر باهتمامهم تكون سيدة الموقف، وتدفعهم إلى مزيد من التضحية في سبيل تحقيق ذلك. خضرة تتشكل من أغراس ونباتات تدفعهم إلى التوجه صوب بعض المشاتل المتواجدة بأطراف المدينة وتحديدا بمنطقة بوسكورة، للبحث عن ضالتهم، المتشكلة من إناء طيني أو زجاجي وبضعة ورود، حيث يمكن أن يتواجد بالمشتل صاحب الفيلا ذات المساحة الشاسعة الباحث عن شجرة أو اثنتين من صنف معين، إلى جانب المواطن البسيط الذي ينتمي إلى الطبقة المتوسطة أو العادية، الذي يقطن بشقة قد تكون اقتصادية وقد تكون متوسطة الحجم، الذي يسعى بدوره إلى البحث عن بضعة أوراق من النعناع أو البقدونس أو«الدفلة» أو «اللواية»، أو غيرها من الورود والأزهار، التي يمكن أن يكون لها دور بيئي وجمالي، وتشكل متنفسا ومصدرا للخضرة وللرائحة الفواحة والزكية، وقد تتجاوز ذلك، إذ يمكن أن تصبح ، بقليل من الاهتمام، زادا لمطبخ ربات المنازل وسيدات هذه الشقق. مواطنون من الجنسين ومن مختلف الأعمار عاينت «الاتحاد الاشتراكي» في زيارة لها لمشتل «أربور إصانص» الممتد على مساحة هكتار مقسمة إلى مستويات، كل منها مخصص لعرض نوع من الأنواع، أنهم كانوا يحملون «قفتهم» بحثا عن المنتوج الذي يبتغونه، سواء من النباتات الجافة أو الاستوائية أو غيرها والتي تفاوتت أسعارها، عكس الفكرة السائدة لدى البعض من كون أثمان الأغراس بالمشاتل قد تكون باهظة، إذ أن مبلغ 50 درهما يمكن أن يحقق للمتبضع ضالته المنشودة، فضلا عن توفير متنفس بيئي ومنتزه للأطفال المجاني، وهي الغاية التي صرح بشأنها صاحب المشتل الذي يشترك فيه مغربي وفرنسي، بكونها تهدف إلى تشجيع البيضاويين على تزيين شققهم بيئيا، ومنحهم النصيحة اللازمة للحفاظ على «حياتها» لأمد كبير، معتبرا أن هذا المجال قد تطور، إذ أصبح ممكنا إنتاج أغراس معينة كانت إلى وقت قريب تستورد من الخارج، وبأن القيمة المضافة لذلك تستند إلى كونهم ينحدرون من أسرة فلاحية ولهم مساحات كبرى من الأراضي بأزمور التي تشتغل لهذه الغاية وتشغل معها عددا من الأيدي العاملة، مشيرا إلى أن 3 سنوات من الزرع والغرس والاهتمام بالمنتوج قد لايعكسه ثمن بيعها الذي قد لايتعدى 20 أو 30 درهما. هو توجه جديد أضحى يلفت الانتباه ب«بالكونات» الشقق ونوافذها بالعاصمة الاقتصادية، توجه بيئي يعتمد على الخضرة، مبعثه إحساس المواطنين بأهمية هذا البعد/المتنفس الذي تضمحل مساحته يوما عن يوم، ويجعل من بنيان المدينة كائنا جامدا بدون روح، يسعون من خلال هذه الخطوات الصغيرة إلى بعث الروح فيه، عله يتنفس هواء صحيا.