السيد رئيس المجلس السيدة الوزيرة السيد رئيس الحكومة السادة الوزراء السيدات والسادة المستشارين تحية تقدير وإكبار للقوات المسلحة الملكية والأمن الوطني والدرك الملكي والقوات المساعدة المرابطة في أقاليمنا الصحراوية المسترجعة، تحية خشوع وإجلال لأرواح شهداء الوحدة الترابية وشهداء الديمقراطية والحرية، وشهداء الطبقة العاملة رمز الكفاح والتضحية. السيد رئيس الحكومة طبقا للفصل 88 من الدستور، يشرفني أن أتدخل باسم الفريق الفيدرالي للوحدة والديمقراطية بمناسبة مناقشة «البرنامج» الحكومي. واسمحوا لي بداية ببعض الملاحظات وإن كانت ذات طبيعة شكلية، فهي تعطينا صورة عن طريقة تشكيل الحكومة ونواياها وخلفياتها، وهي مرتبطة أشد الارتباط بطبيعة الثقافة والممارسة السياسيتين. لقد تردد في برنامجكم الحكومي أكثر من ست مرات التزامكم بشعار ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو مطلب شعبي ومقتضى دستوري سنعمل وإياكم على تجسيده، خاصة أن حكومتكم توفرت لها من الشروط التاريخية ما لم يتوفر لسابقاتها، حيث تشكلت في ظل دستور جديد جعل الاختيار الديمقراطي أحد ثوابت البلاد. وسنبدأ بهذا التمرين الديمقراطي عسى أن يتسع صدر الحكومة لذلك: فخلافا لما صرحتم به بعد تكليفكم بإجراء مفاوضات لتشكيل الحكومة من تجميع القطاعات المتقاربة والمتجانسة، وتقليص عدد الحقائب الوزارية إلى 15 حقيبة، فإن الحكومة الحالية تضم 31 وزيرا، واحتفظتم تقريبا بنفس الهيكلة الحكومية. مما يجعل حكومتكم حكومة جديدة في ثوب قديم، لها من عوامل الاستمرارية أكثر من عوامل التجديد. كما أخلفتم الموعد مع التفعيل الديمقراطي للدستور من خلال عودة التكنوقراط إلى تدبير الشأن العام مما يشوش على الطابع السياسي للحكومة التي كان الجميع يتطلع أن تكون منبثقة من صناديق الاقتراع. وكنتم خلال الفترات السابقة من أكثر الأحزاب انتقادا لحضور التكنوقراط في تشكيلة الحكومات السابقة، فما الذي تغير حتى يصبح ما كان مدانا بالأمس مستباحاً اليوم؟ فسبحان مبدل الأحوال. إننا لم نفهم أسباب التراجع واختزال المشاركة النسائية في التشكيلة الحكومية في امرأة واحدة، وهو مؤشر سلبي وأول تجاوز من طرفكم لمقتضيات الدستور الجديد، بل خرق واضح للمبادئ الكبرى التي نص عليها الدستور فيما يخص المناصفة والمساواة الكاملة بين الجنسين، كما نعتبره تراجعا وإنكارا للتراكمات التي ناضلت من أجلها الحركة النسائية المغربية. وإن ما نخشاه في هذا الصدد، أن يكون لتمثيلية المرأة في التشكيلة الحكومية دلالات سياسية وفكرية وأن يكون مقدمة لتراجعات أخرى فيما يتعلق بمشاركة النساء في تدبير الشأن العام، وقيم الحداثة والتزامات المغرب الدولية بخصوص مقاربة النوع الاجتماعي. خصوصاً وأن خطابكم عن الهوية إيديولوجي بشكل واضح. تأسيسا على ما سبق نتساءل صراحة عن المسار الديمقراطي في المغرب اليوم: فهل يمكن القول إن الوضع السياسي المغربي لم يعد كما كان عليه قبل 1998؟ وفي نفس الوقت لم يأخذ شكلا سياسيا متكاملا وواضحا؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي التوصيفات والتشخيصات الممكن إطلاقها بخصوص المرحلة السياسية الراهنة؟ هل هي مرحلة تفكك السلطوية القديمة والخروج نحو سلطوية جديدة؟ هل هي مرحلة انفتاح ليبرالي داخل عقد امتياز سياسي واقتصادي واجتماعي مراقب؟ هل هي مرحلة إعلان عن مقدمات المداخل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعدادات السيكولوجية للانتقال الديمقراطي؟ بما يعنيه من: 1التفاهم والتوافق بين الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين؛ 2 القطيعة مع الماضي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؛ 3 وضع إطار مؤسساتي يمكن من بناء الشرعية الدستورية الناظمة والمؤطرة للانتقال الديمقراطي. السيد رئيس الحكومة، إننا أمام تصريح بالنوايا أكثر منه برنامجا حكوميا واضح الأهداف والوسائل والجندرة الزمنية. إذ لم تقدموا لنا رؤيتكم وتحليلكم للظرفية الاقتصادية ولا التدابير والآليات والوسائل المالية والعملية والمدة الزمنية لبلوغ الأهداف المعلنة. ونتساءل معكم كيف يمكن «لبرنامجكم» أن يكون خارطة طريق بالنسبة للخمس سنوات القادمة. لقد اكتفى التصريح بتكرار واجترار واستنساخ المخططات والبرامج القطاعية للحكومات السابقة، وعلى سبيل المثال، فإن ما تقترحونه في تصريحكم بخصوص الإصلاح الإداري هو خلاصات المناظرة الوطنية الأولى للإصلاح الإداري سنة 2005 مع بعض الرتوشات التي فرضتها الملاءمة الدستورية. وهو ما يجعلكم حكومة يغلب عليها طابع الاستمرارية، بينما المرحلة تتطلب برنامجا مبدعا ومجددا وليس تكرارا للتجارب السابقة والتي لطالما انتقدتموها. السيد رئيس الحكومة، باعتبارنا مركزية نقابية تدافع عن قضايا الشغيلة المغربية لا يمكننا إلا أن نعبر لكم عن خيبة أملنا من خلو التصريح من أية إشارة لتحسين أوضاع الطبقة العاملة المنتجة للثروة. وفي هذا السياق يمكن أن نشير إلى النقص والفراغات التالية في البرنامج الحكومي الذي تنوون تطبيقه خلال ولايتكم الحكومية: 1 تم التغييب الكامل لتحسين أوضاع الطبقة العاملة من خلال الزيادة في الأجور، بل تم التراجع حتى عن الرفع من الحد الأدنى للأجر إلى 3000 درهم الواردة في البرامج الانتخابية ولم تتم الإشارة إلى أي رقم إطلاقا والاكتفاء بالإشارة إلى الرفع التدريجي للحد الأدنى للأجور وبدون أي أفق زمني محدد؛ 2 عدم التنصيص على التخفيض من الضريبة على الدخل ولا من الضريبة على القيمة المضافة خاصة ما يتعلق بالمواد الأساسية والأدوية؛ 3 لم يحدد التصريح آليات إصلاح صناديق التقاعد الموشك بعضها على الإفلاس ابتداء من أواخر سنة 2012 وتفعيل اللجنة الوطنية واللجنة التقنية لإصلاح أنظمة التقاعد؛ 4 لم يشر التصريح إلى إحداث آليات لفرض احترام قانون الشغل الذي يتم خرقه يوميا في كثير من المؤسسات الإنتاجية بالقطاع الخاص؛ 5 صمت التصريح عن آليات ووسائل حماية الحقوق والحريات النقابية التي يتم خرقها من طرف جل الشركات والمنشآت العامة والشبه عامة؛ 6 لم يتضمن التصريح أي مقاربة مؤسسية للحوار الاجتماعي تبرز رؤيتكم وكيفية التعاطي مع الفرقاء الاجتماعيين، وإبداع آليات جديدة لفض النزاعات الاجتماعية؛ 7 لم يتم الالتزام بالعمل على تفعيل اتفاق 26 أبريل الذي تم توقيعه مع الحكومة السابقة؛ 8 لم يرد في التصريح ما يفيد أن لكم مقاربة لإصلاح صندوق المقاصة. يجعلنا نثق في التزامكم بمحاربة إهدار المال العام دون المساس بحق الفئات الفقيرة والمتوسطة في العيش الكريم.. 9 لم يتحدث التصريح عن الهبات والمساعدات الدولية للمؤسسات المانحة والداعمة للإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالمغرب؛ 10 لم يتطرق تصريحكم لا من قريب ولا من بعيد للانتخابات المهنية ضمن الاستحقاقات المقبلة والتي لم تلتزمون صراحة بضمان نزاهتها وسلامتها ومراجعة القوانين المؤطرة لها، ولا جدولة زمنية تمكن مختلف الهيئات الجماعية والمهنية والأحزاب السياسية من تدبير الزمن السياسي في الأفق المنظور؛ 11 - لم يحدد التصريح كذلك، وسائل التمويل لإنجاز المشاريع التي تحدثم عنها، في ظل محدودية الإمكانات التمويلية للاقتصاد الوطني المتأثر بالأزمة الداخلية والأزمة العالمية والمتخوم بالمديونية الداخلية والخارجية. كما أنه لم يحدد الأولويات والإجراءات لمواجهة الحاجيات المستعجلة. فما هي مقترحات الحكومة لخلق دينامية الاستثمار المنتج الذي يخلق الثروات وفرص الشغل؟ ما هي الإجراءات التي ستتخذها الحكومة للحد من البطالة وتخفيضها إلى نسبة 8 في المئة كنسبة عامة ؟ وهو ما يتطلب إحداث ما لا يقل عن 220 ألف منصب شغل جديد ونسبة نمو تفوق 6 في المئة سنويا، أما بطالة الشباب حاملي الشهادات العليا التي تحاشيتم ذكر نسبتها فتفوق 22 في المئة. فالتصريح لم يتحدث عن إجراءات لضمان سهولة التشغيل واكتفى بتبني البرامج السابقة التي أثبتت محدوديتها «إدماج» «تأهيل» «مقاولتي» أو المزمع إحداثها «مبادرة» «تأطير» «استيعاب»، فلقد تعددت البرامج والبطالة واحدة، فهل تستوعب الحكومة أن الحاجة الاجتماعية غير قابلة للانتظار؟ كان آخر أشكالها مأساة وفاة أحد الأطر المعطلة على إثر احتراق ذاته احتجاجا على وضعه الاجتماعي. لم يتحدث التصريح عن كيفية مواجهة معضلة إغلاق المؤسسات وتسريح العمال بالعديد من المنشآت الاقتصادية والسياحية والخدماتية، وتقليص ساعات العمل في قطاعات أخرى تحت غطاء الأزمة الاقتصادية. السيد رئيس الحكومة لقد احتل الحديث عن الحكامة حيزا كبيرا في تصريحكم، وعلى العكس من كل التصورات ذات النزعة الوظيفية أو التدبيرية التي تختزل الحكامة الاقتصادية في النجاعة المحاسباتية والمالية، فإن الحكامة الديمقراطية التي نحن بحاجة إليها تعتمد على دور المؤسسات بوصفها بناءً جماعيا وعلى تنسيق السلوكات الخاصة والعمومية، وعقلنة مساطر اتخاذ القرار العمومي ومراقبة السياسات الاقتصادية والنفقات العمومية. وفي هذا الإطار، فإن إصلاح القانون التنظيمي للمالية يشكل فرصة لإعطاء نفس جديد لتحديث الدولة وتعزيز أداء التدبير العمومي وإضفاء المزيد من الفعالية ومساءلة المشرفين على التدبير وتقوية المراقبة البرلمانية والقضائية، والانتقال بنظام المالية العامة المغربية من إطار قانوني محاسباتي إلى مقاربة تعتمد ثقافة التدبير في خدمة التنمية، عبر المساءلة والمحاسبة وتقييم مختلف التدابير المرتبطة بالبرامج والوسائل الموضوعة رهن إشارة المشرفين على التدبير العمومي. كنا ننتظر منكم إجراءات وتدابير واضحة تنعكس على الحياة اليومية للمواطن، وليس كلاما عاما وفضفاضا قابل لأي تأويل. كنا ننتظر منكم جوابا على الأسئلة الحقيقية العالقة حول الإصلاح والتغيير الذي ينشده المغاربة، غير أننا وجدنا كلاماً مكروراً واستنساخاً لبرامج سابقة. كيف يمكننا والحالة هذه، ربط المسؤولية بالمحاسبة في الوقت الذي لم تعلن فيه الحكومة عن التزامات فعلية ودقيقة. إننا لا يمكن أن نعارض النوايا التي أعلنتم عنها ولا بعض الإجراءات التي عبرتم عنها، ولكننا نتساءل عن مدى التزامكم بالبرامج التي خولت للأحزاب المشاركة في الحكومة إحراز الأغلبية، لإعطاء المصداقية للعمل السياسي. السيد الرئيس إن خطاب الهوية الذي تصدر التصريح الحكومي وأطره يدفعنا إلى التساؤل عن الكيفية التي ستعتمدونها لترجمته في السياسات الحكومية، وهو تساؤل يحيل على تجربة تاريخية مغربية حيث أدى تطبيق مثل هذا الخطاب في ميدان التعليم من طرف حليفكم حزب الاستقلال في سنوات سابقة إلى تدمير المدرسة العمومية وإدخال نظامنا التعليمي في متاهة لم يخرج منها إلى الآن رغم المجهود المالي المبذول، وأدى إلى التضحية بأبناء وبنات الفقراء وذوي الدخل المحدود وأغلق أبواب الترقي الاجتماعي أمامهم بينما مكن قلة من أبناء العائلات الغنية والنافذة التي تعلمت خارج المدرسة المغربية من تكريس سيطرتها على الثروة و السلطة. إن خطاب الهوية كما جاء في تصريحكم يضفي على المشترك الوطني للمغاربة، وبالأخص الإسلام واللغة العربية، طابع إيديولوجيا تنحو نحو الجمود، وتخلق النزاع بذل أن توحد وهو ما لا يمكن استساغته أو قبوله. فالهوية ليست إرثا جامدا و إنما هي عملية بناء جماعي تاريخي تساهم فيه كل مكونات الشعب في إطار التفاعل الخلاق والإيجابي داخليا ومع المحيط العالمي بعيدا عن التمييز أو النبذ أو معاداة الآخر وثقافته. ومن يريد تجميدها فكأنما يريد توقيف حركة التاريخ وهذا مستحيل. إن هويتنا تتقوى بتملك المعارف والعلوم ونبذ الخرافات والأراجيف وبضمان ممارسة الحريات واحترام حقوق الإنسان وبناء دولة القانون والمؤسسات ومغرب الحداثة والتنمية والتوزيع العادل لثمارها والارتقاء بالمواطنة. هذا هو الدرس الذي تعلمنا إياه تجارب شعوب تعيش في انسجام مع نفسها وتتقدم بسرعة وتبني نماذج جديدة للتنمية. السيد الرئيس لقد اكتست المسألة الاجتماعية أهمية كبرى في النقاش السياسي العام، بجعلها محور اهتمامات الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين، بعد أن ظهر بأنها من بين الأسباب الأساسية التي كانت وراء الحراك الاجتماعي في بعض البلدان العربية والمتوسطية، إذ مكنت هذه التحولات السياسية كل التعبيرات المجتمعية من الدخول إلى فضاء الاحتجاج والتعبير عن مطالبها. فعمق الأزمة التي أصابت المجتمع في المرتكزات الأساسية للتنمية البشرية من تعليم وصحة وسكن وتشغيل وغيرها، جعلت فئات واسعة من الشباب تنخرط في الحركات الاحتجاجية وخاصة حركة 20 فبراير كتعبير اجتماعي عن الاحتجاج السياسي. ففي ظل استمرار نظام التربية والتكوين، رغم البرامج والاعتمادات المرصودة، حيث يعتبر التعليم أكثر القطاعات الوزارية المستهلكة والمنفقة للمال العام، لكن الحصيلة إنتاج تعليم يفتقد إلى الجودة واستمرار الهدر المدرسي وعدم ضمان مقعد بالمدرسة لكل الأطفال في سن التمدرس، و ضعف التأطير التربوي والبيداغوجي، فأضحت المدرسة المغربية في حاجة ملحة إلى إعادة المقاربة وإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية. ولا يشد النظام الصحي عن القاعدة، فلازال حجم الخصاص جد مهول في البنيات الاستشفائية خاصة في المجال القروي وفي عدد الأطباء والممرضين والتفاوت على المستوى الجهوي وغياب التجهيزات والأدوية مما يؤثر على جودة الخدمات المقدمة، وهو ما يجعلنا في صفوف متأخرة عن المعايير الدولية لنظام صحي متوازن. فهل المناظرة الوطنية للصحة التي تقترحونها هي الجواب على الإشكالات الحقيقية لهذا القطاع؟ خاصة ما يتعلق بتمويل نفقات الصحة والتي يشكل الأداء المباشر للأسر 57 في المئة منها. و ينضاف إلى هذا الوضع السكن غير اللائق لفئات عريضة من المواطنين بمدن الصفيح وعدم قدرة الفئات ذات الدخل المحدود على الولوج إلى السكن اللائق بسبب غلاء العقار، وجشع المنعشين العقاريين بالرغم من كل التشجيعات والإعفاءات الجبائية التي يستفيد منها القطاع (22 ألف مليون درهم خلال الست السنوات الأخيرة) . أما المعضلة الكبرى التي تعتري المسألة الاجتماعية فهي البطالة التي تطال فئات واسعة من الشباب، بينهم نسبة عالية من العاطلين حاملي الشهادات كنتيجة موضوعية لعدم قدرة الاقتصاد الوطني على خلق مناصب للشغل وعدم إنتاج المنظومة التعليمية لكفاءات تستجيب لسوق الشغل. هذا مع استمرار مظاهر الهشاشة التقليدية من فقر وتسول وطفولة مشردة وبطالة مقنعة. لقد عرف الشارع المغربي تعبيرات جديدة للاحتجاج من فئات اجتماعية جديدة بفعل الحراك المجتمعي مما جعل جل مظاهر الخصاص الاجتماعي بتعبيراتها البشرية تنزل إلى الشارع للتعبير عن مطالبها، وهو ما يستدعي مقاربة شمولية وجديدة للمسألة الاجتماعية وإقرار برامج لمصاحبتها. إنها إشكالات كبرى تواجه الاقتصاد الوطني مع تداعيات المسألة الاجتماعية، غير أن التصريح الحكومي لم يكن في مستوى الإجابة عنها. السيد رئيس الحكومة، لقد سجلنا في تصريحكم تراجعا على مستوى محاربة الأمية الذي يناقض ما تم التعهد به من طرف الحكومة السابقة في إطار تحقيق أهداف الألفية بتقليص الأمية إلى 20 في المائة سنة 2015 بدل 2016 كما جاء في برنامجكم الحكومي، بل أكثر من هذا فإن الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية التي تم إحداثها طبقا للقانون رقم 09.38 من أجل تسريع وتيرة تقليص نسبة الأمية العامة إلى 10 في المئة سنة 2015 و5 في المئة في أفق 2020 والقضاء على هذه الآفة لدى الفئات العمرية ما بين سن 15 و 24 سنة 2015. وذلك لما تشكله هذه الظاهرة من تأثير مباشر على التنافسية الاقتصادية والرفع من نسبة النمو الاقتصادي، فهل يمكن أن نتصور أجرأة مقتضيات المخطط الأخضر في القطاع الفلاحي و59.8 في المئة من العاملين بالقطاع يعانون من الأمية؟ هل يمكن إنجاح مخطط أليوتيس بقطاع الصيد البحري و 33.1 في المئة ترزح تحت الأمية؟ هل يمكن تحديث الإدارة والارتقاء إلى الإدراة الالكترونية و 22.7 في المئة من العاملين بالإدارة أميين؟ هل يمكن أن نتقدم في القطاع التجاري و29.7 من الناشطين بهذا القطاع أميين؟ هل يمكن النهوض بقطاع الصناعة التقليدية بما له من رمزية على المستوى التاريخي والثقافي والحضاري و30.3 في المئة من الحرفيين أميين؟ إنها بعض المعطيات التي جاء «برنامجكم» الحكومي لإرجاء تقليصها إلى 2016. السيد رئيس الحكومة ، كما يعلم الجميع، يعيش الوطن العربي منذ أزيد من سنة على وقع الاحتجاجات والانتفاضات المطالبة، بالتحرر من الاستبداد وبالديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وهو ما أضحى يسمى بالربيع العربي الذي أدى إلى تحولات عميقة في العديد من الدول خاصة تونس، ومصر وليبيا واليمن والبقية ستأتي لا محالة بفضل انتفاضات الشعوب العربية وإصرارها على التحرر من بطش الاستبداد. وقد عشنا في المغرب منعطفا سياسيا هاما فجرته حركة 20 فبراير، التي ساهمت بشكل فعال في تسريع الاصلاحات التي ناضلت من خلالها القوى التقدمية والديمقراطية والنقابية بشكل أعاد طرح مطالب الشعب المغربي الثواق للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان داخل الساحة النضالية، مما أطلق دينامية التغيير بإقرار دستور جديد وانتخابات سابقة لأوانها. لذا فالممارسة الفعلية واليومية لمختلف القطاعات الوزارية يجب أن تجسد هذا المنحى الجديد في الممارسة السياسية، والقطع مع سياسة التعليمات والأوامر، وأن يمارس رئيس الحكومة كل السلطات المخولة له بمقتضى الدستور الجديد. إنها مرحلة تاريخية مفصلية في ممارسة الحكم ببلادنا، فهل ستكون الحكومة الجديدة في مستوى هذه اللحظة التاريخية من أجل محاربة الفساد وإسقاط الاستبداد، وإنهاء التحكم السلطوي؟؟ لذلك فالمطلوب هو الإسراع بكل القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الدستور الجديد، واتخاذ الإجراءات المستعجلة بخصوص تفعيل مؤسسات الحكامة، وتخليق الحياة العامة، وإحداث المنظومة الوطنية للنزاهة والشفافية، ومباشرة ورش إصلاح القضاء وتكريس استقلاليته، وتمكين المجتمع المدني من المشاركة الفعلية في إقرار السياسات العمومية. السيد رئيس الحكومة ، إن أول ما ينتظركم في هذا السياق، هو مواجهة هذه الرغبة في العودة ببلانا القهقرى إلى سنوات الرصاص التي ضربنا عنها صفحا من خلال توصيات وخلاصات هيئة الإنصاف والمصالحة. وكنا قد اعتقدنا أنها طويت بالفعل غير أن هناك من يريد إرجاعنا إلى ذلك الزمن الرديء غير المأسوف عليه. إن بلادنا اليوم محتاجة أكثر من أي وقت مضى لتدابير تعيد الثقة في العمل السياسي، وتعزز مسار الإصلاح وتسنده وتضاعف فرص إنجاحه. وأول هذه الإجراءات تصفية الجو السياسي والاجتماعي بالبلاد من خلال الإفراج عن معتقلي حركة 20 فبراير وكل معتقلي الحركات الاحتجاجية والصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان وإعادة المعتقلين السياسيين المفرج عنهم مؤخرا إلى عملهم وتسوية الملفات التي تركها سلفكم عالقة. فالشعب المغربي لا زال ينتظر الكشف عن الحقيقة في ملف اختطاف واغتيال عريس الشهداء المهدي بنبركة، وإماطة اللثام عن الجوانب المحيطة باغتيال الشهيد عمر بنجلون، والكشف عن ملفات مجهولي المصير (الحسين المانوزي، عبد الحق الرويسي وغيرهما كثير). إننا ننتظر ما ستقومون به في مجال تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ذات الصلة بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحكامة الأمنية، والاعتذار الرسمي للدولة حول ماضي الانتهاكات الجسيمة، حتى لا يتكرر ما وقع، والقطع مع كل الممارسات الحاطة من كرامة الإنسان المغربي. إننا ننتظر الكشف عن مآل البحث في ملف الفقيد «كمال عماري»، وكل من سقط ضحية العنف المفرط للقوات العمومية خلال فض المظاهرات الاحتجاجية السلمية. السيد الرئيس، لم يعد مقبولا ولا مستساغا عدم وفاء المغرب بالتزاماته الدولية، أمام مجلس حقوق الإنسان، وأمام لجان حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة و أمام منظمة العمل الدولية، وذلك من خلال المصادقة على كافة الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان خاصة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. السيد رئيس الحكومة ، إن أي حديث عن تخليق ونزاهة الحياة العامة ومحاربة كل مظاهر الرشوة والفساد، سيبقى دون معنى ما لم يقترن بإرادة سياسية وتدابير ملموسة أولها: تكريس مقومات وآليات الطابع البرلماني للنظام السياسي المغربي القائمة على مبادئ السيادة الشعبية، وسمو الدستور، وربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، وفصل السلط واستقلاليتها وتوازنها في إطار دولة الحق والقانون وحرية وكرامة المواطن، وذلك في أفق إرساء ممارسة سياسة جديدة للانتقال إلى الملكية البرلمانية، في إطار دستور ديمقراطي، تكون فيه السيادة للأمة والشعب مصدر كل السلطات؛ التقدم في إصلاح القضاء، وذلك عبر الإسراع بإصدار القوانين المتعلقة بإصلاح القضاء وإحداث القضاء الاجتماعي، وتأكيد السلطة القضائية المنصوص عليها في الدستور بالتشاور مع كل مكونات أسرة القضاء وكذلك الحركة الحقوقية المغربية؛ وقف جميع أشكال التدخل للتأثير في قرارات القضاء من أي مصدر كان وتمتيع المتقاضين من الحق في المحاكمة العادلة، والعمل بشكل سريع على تنفيذ مختلف الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارات العمومية وضد أصحاب المال والنفوذ؛ وفي مجال محاربة الرشوة، أتى تصريحكم المسمى برنامجا، بنوايا فقط، ولم يضع الآليات التي من شأنها تنفيذ هذه النوايا. وانطلاقا من منظور أن معركة الديمقراطية اليوم بالمغرب تعني محاربة الفساد بمختلف أشكاله، فإننا في الفريق الفيدرالي نرى أنه من الضروري: - توسيع دائرة التجريم وأطراف الرشوة لتشمل: - محاولة ارتكاب جرائم الاختلاس والغدر والرشوة الانتخابية والتعسف في استعمال ممتلكات الشركات التجارية على غرار الجرائم الأخرى. بما يتفق مع الفصل 132 من المدونة الجنائية الذي يكرس بصفة عامة مبدأ المسؤولية الجنائية الشخصية. - التنصيص على تجريم محاولات تهرب المقاولات من المخصصات الاجتماعية ومستحقات العمال واعتبارها شكلا من أشكال الاغتناء غير المشروع واستغلال النفوذ؛ - توسيع دائرة أطراف الرشوة بتتميم الفصول 248 و251 و1-256 من القانون الجنائي لتشمل المستخدمين العموميين الأجانب وموظفي المنظمات الدولية تجاوبا مع مقتضيات المادة 16 من الاتفاقية الأممية. وتفعيل دور القضاء في محاكمة المسؤولين الكبار، أيا كانت سلطتهم، وأيا كان نفوذهم، متى ثبت تورطهم في قضايا الفساد؛ - الرفع من فعالية المراقبة السياسية بتعزيز قدرة البرلمان على توظيف الأدوات الرقابية المتاحة له بمتابعة تطبيق القوانين مع السلطة التنفيذية ومؤسسات إنفاذ القانون، المواكبة الدائمة لمختلف التقارير التي ترصد الفساد وطنيا ودوليا، و تجاوز دور المساءلة إلى ممارسة استقصاء واستطلاع الحقائق للوقوف على حقيقة ما يثار من موضوعات وبيان مواطن الفساد. - إعادة تحديد اختصاصات هيئات المراقبة المالية والإدارية وتحسين مستوى التنسيق بينها. - مراجعة الإطار القانوني للهيئة المركزية للوقاية من الرشوة بما يتلاءم مع مقتضيات المادة 6 للاتفاقية الأممية. - الرقي بالنص المنظم للصفقات العمومية إلى مرتبة قانون وتضمينه مقتضيات جديدة تتعلق بإحداث آلية مستقلة تتوفر على سلطة تقريرية للحسم في الشكايات والتظلمات المتعلقة بالصفقات العمومية . - تقوية دور العدالة باعتبارها الفاعل الأساسي لكل استراتيجية تتوخى مكافحة الفساد سواء على المستوى الوطني أو المحلي . إن مكافحة الفساد وإرساء مبادئ الحكامة الجيدة يستدعي مقاربة جماعية وتشاركية تستنهض كافة الفعاليات على الصعيد الدولي والوطني والجهوي والمحلي من أجل بناء تحالفات لمناهضة الفساد بجميع أشكاله وعلى جميع مستوياته مرورا بمجهود إعلامي وتواصلي هادف لتوسيع دائرة الإعلام والتواصل التحسيسي بالوقاية من الرشوة وتفعيل الدور الوازن لوسائل الإعلام في تعزيز منظومة النزاهة و تمتيعها بحرية المشاركة بفعالية في عمليات المساءلة والمحاسبة وفضح حالات الفساد. السيد الرئيس، من المعضلات التي يواجهها الاقتصاد المغربي نظام الامتيازات وسيادة اقتصاد الريع، فلم يعد من المقبول الاستمرار في سياسة إغناء الغني وإفقار الفقير. إن الارتفاع الكبير لنفقات صندوق المقاصة تتطلب اليوم من الحكومة اتخاذ قرارات جريئة وجرأة سياسية حتى يصل الدعم لمستحقيه، فلقد أبانت الدراسة التي قام بها مرصد الظروف المعيشية للسكان أن 20 % من الأسر الأكثر غنى تستحوذ على 40 % من الدعم الغذائي (40.2 %. القمح الطري،41.2 %. السكر) و 75 % من دعم المحروقات. في حين نجد أن 20 % من الأسر الأكثر فقرا لا تستفيد سوى من 6.1 %. بالنسبة للقمح الطري و9.3 % بالنسبة للسكر و 1 % فقط بالنسبة للمحروقات. وفي إطار قيم الشفافية ننتظر منكم السيد رئيس الحكومة تفعيل مقتضيات الفصل27 من الدستور واتخاذ كافة التدابير القانونية والتشريعية الكفيلة بضمان حق الولوج إلى المعلومة: نشر لائحة المستفيدين من رخص الصيد في أعالي البحار، ولائحة المستفيدين من الأذنيات (الكريمات)، ولائحة المستفيدين من المقالع الرملية، ولائحة المستفيدين من المعاشات الاستثنائية، ولائحة المنشآت العامة غير الخاضعة لأي مراقبة قبلية أو بعدية أو المراقبة المصاحبة، كما هو الشأن بالنسبة لصندوق الإيداع والتدبير مثلاً، ووضع حد للإعفاءات الجبائية التي ليس لها طابعا اجتماعيا، والتي بلغت خلال الست سنوات الأخيرة ما يفوق 174.000 مليون درهم؛ إلى غير ذلك من الإجراءات البسيطة والتي تتطلب الجرأة السياسية والصدق في محاربة اقتصاد الريع والاحتكار والامتيازات. السيد رئيس الحكومة لقد جاء تصريحكم مخيبا لآمال الجالية المغربية بالخارج، والتي كانت تنتظر إجراءات ملموسة لإشراكها في الحياة السياسية، حيث إن بداية تطبيق مقتضيات الفصل 17 من الدستور لم يكن سليما ولا ديمقراطياً. السيد الرئيس وبخصوص قضية الصحراء المغربية، فإن الحل الذي تقترحه بلادنا، عبر الحكم الذاتي، باعتباره حلا سياسيا توافقيا وعادلا لمشكل الصحراء ليعبر عن رغبة أكيدة من المغرب في إنهاء هذا المشكل وإيجاد حل دائم ونهائي يراعي سيادته ووحدة أراضيه وخصوصيات المنطقة وفقا لمبادئ الديموقراطية واللامركزية، وبناء اتحاد المغرب العربي لمواجهة كل التكثلات الاقتصادية والسياسية وربح نقطتين على مستوى النمو الاقتصادي، كما نؤكد في هذا الإطار، على العمل من أجل تحرير سبتة ومليلية والجزر الجعفرية. السيد رئيس الحكومة بالرغم من كل الملاحظات والإشارات السريعة، ومن موقعنا كمعارضة برلمانية موضوعية، وقوة اقتراحية. فإننا نقول لكم، وبصدق نضالي، أنه في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة والظروف الوطنية والعربية والعالمية الصعبة، لا خيار لنا جميعاً إلا إنجاح هذه التجربة الجديدة في الحياة السياسية المغربية وتطبيق مضامين الدستور بشكل ديمقراطي وتشاركي والحفاظ على آمال وأماني الشعب المغربي في التغيير وإقرار العدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية والمساواة والإنصاف وإعادة الاعتبار للمفهوم الشامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بإعادة صياغة مقوماتها على أسس جديدة محورها وهدفها المواطن المغربي في إطار اقتصاد وطني له من القدرة والمناعة ما يؤهله لتجديد هياكله وتحديثها وضمان قدرته على التفاعل مع محيطه الجهوي والدولي لتقوية تكامله وتماسكه في أفق مجتمع الحداثة والديمقراطية والمواطنة. والسلام عليكم