فوز مريح لنهضة بركان على النادي القسنطيني قبل لقاء العودة في الجزائر    الجيش الإسرائيلي يقر بحصول "إخفاقات مهنية متعددة" في واقعة مقتل 15 مسعفا في غزة    ميرسك تلاحق صحيفة دنماركية قضائيًا بعد اتهامات باطلة بشأن شحنات أسلحة إلى إسرائيل.. وجهات معادية تقف وراء استهداف ميناء طنجة    الثانوية التأهيلية المجد بامطل تختم فعاليات الدورة الأولى للأيام الثقافية للمؤسسة    البوليساريو... الذراع العسكرية لإيران في شمال إفريقيا برعاية جزائرية    الأمن يتفاعل بسرعة مع أحداث عنف في القصر الكبير ويوقف ثلاثة مشتبه فيهم    الحسيمة.. انعقاد الاجتماع التشاوري الأول حول مخطط التدبير التشاركي للفرشة المائية غيس – النكور    المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بجامعة وجدة تشهد تأسيس أول نادٍ سينمائي    خمس لاعبين مغاربة ضمن التشكيلة المثالية لكأس إفريقيا للفتيان    مغاربة داعمون للقضية الفلسطينية يحتجون أمام ميناء "طنجة المتوسط"    ابن تمسمان الأستاذ سعيد بنتاجر، يقارب الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي في معرض الكتاب بالرباط    ترامب يعيد هيكلة الخارجية الأمريكية    تفاصيل حريق المسبح البلدي بالناظور    الدرك يطيح بأحد كبار مروجي الخمور باقليم الدريوش    "نداء القنيطرة" يدعو لإصلاح الإعلام    أفاية: قراءات اختزالية تستهدف "النقد المزدوج" عند عبد الكبير الخطيبي    فتح بحث قضائي لتحديد ظروف وفاة طفلين في حضانة غير مرخصة بالدار البيضاء    لقاء إقليمي بالحسيمة يسلط الضوء على آفاق الاستثمار في إطار قانون المالية 2025    برلماني يسائل وزير الفلاحة حول توتر العلاقة بين أعضاء من الغرفة الفلاحية والمديرية الإقليمية بطنجة    الربيع الأمازيغي يُوحّد الشعارات ويُقسّم الساحات.. احتجاجات بالرباط ومراكش تندد بتهميش اللغة والهوية    مستشار ترامب: الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء لا لبس فيه    المغرب يتصدر صادرات الفواكه والخضروات عالميًا: ريادة زراعية تنبع من الابتكار والاستدامة    مقاولون يقاضون "التيكتوكر" جيراندو بالمغرب وكندا بتهم التشهير والابتزاز    السعدي: الحكومة ملتزمة بتعزيز البنية التحتية التكوينية المخصصة للصناعة التقليدية    القوات المسلحة تُكوّن ضباطًا قطريين    "موازين" يواصل جذب نجوم العالم    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في فعاليات معرض "جيتكس إفريقيا"    القفطان يجمع السعدي وأزولاي بالصويرة    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني لأقل من 17 سنة إثر تتويجه باللقب القاري    الفنان الريفي عبد السلام أمجوظ يتألق في مسرحية سكرات    عبد العزيز حنون يدعم البحث في اللسانيات الأمازيغية بأطروحة حول التمني بأمازيغية الريف    تفاصيل اجتماع نقابات الصحة مع مدير الوكالة المغربية للدم ومشتقاته    بعد القرار الأمريكي المفاجئ .. هل يخسر المغرب بوابته إلى السوق العالمية؟    "الكاف" يختار المغربي عبد الله وزان أفضل لاعب في البطولة القارية للناشئين    الأرصاد الجوية تتوقع نزول زخات مطرية متفرقة اليوم الأحد    بنكيران: الأمة بكل حكامها تمر من مرحلة العار الكبير ولا يمكن السكوت على استقبال سفن السلاح    الآلاف يتظاهرون ضد ترامب في الولايات المتحدة: لا يوجد مَلك في أمريكا.. لنُقاوِم الطغيان    الاتحاد الوطني للشغل يدعو إلى تعبئة شاملة في فاتح ماي    " هناك بريق أمل".. رواية جديدة للدكتورة نزهة بنسليمان    ندوة علمية تناقش الحكامة القضائية    الكوكب يسعى لتحصين صدارته أمام الدشيرة والمنافسة تشتعل على بطاقة الصعود الثانية    دراسة تدعو إلى اعتماد استراتيجية شاملة لتعزيز الأمن السيبراني في المغرب    الأساتذة المبرزون يحتجون الخميس المقبل    لقاء يناقش دور المجلس الأعلى للحسابات في تتبع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    دورة برشلونة لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل للمباراة النهائية    برشلونة يضع المدافع المغربي إدريس أيت الشيخ تحت المجهر … !    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    أنور آيت الحاج: "فخور بمغربيتي"    قناة إيرلندية تُبهر جمهورها بسحر طنجة وتراثها المتوسطي (فيديو)    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في لقاء مفتوح للكتابة الإقليمية بسيدي بنور مع المندوب السامي للمقاومة مصطفى لكثيري: وثيقة 11 يناير 1944: رسالة جيل لجيل
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 11 - 01 - 2012

تخليدا للذكرى المجيدة لتقديم الوثيقة التاريخية و النضالية للمطالبة باستقلال المملكة، نظمت الكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بسيدي بنور مساء يوم السبت الماضي بقاعة الاجتماعات ببلدية سيدي بنور، محاضرة أطرها الدكتور مصطفى الكثيري المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير تحت عنوان « وثيقة 11 يناير 1944 للمطالبة باستقلال المملكة: رسالة جيل لجيل « ، حضرها بالإضافة إلى بعض أعضاء المجلس الوطني للمندوبية، مناضلات ومناضلو الحزب بالإقليم وعدد من المتتبعين والمهتمين بالقضايا الثقافية والتاريخية والاجتماعية للوطن من أساتذة وجمعيات المجتمع المدني وبعض المنتخبين الجماعيين بالإقليم، وكذا ممثلي المنابر الإعلامية الوطنية والجهوية المكتوبة والإلكترونية بالإقليم .
اللقاء الذي احتضنت قاعة الاجتماعات أشغاله، عرف في بدايته تلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم وكذا قراءة الفاتحة على أرواح الشهداء الذين دافعوا بالغالي والنفيس ووهبوا أرواحهم لأجل عزة الوطن وتقدمه.
الدكتور مصطفى لكثيري المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير في مداخلته المتميزة والتي تحمل أكثر من دلالة ومعنى لما شهده تاريخ المغرب من مواجهة ومقاومة شرسة ضد المستعمر ، أشار الى كون الباحثين في تاريخ المغرب المعاصر يجمعون على أهمية وثيقة المطالبة بالاستقلال 11 يناير 1944 باعتبارها وثيقة سياسية متميزة وصل الاعتناء بها حد اعتمادها في التحقيب التاريخي الخاص بعهد الحماية ، وبرزخا بين مرحلتين متباينتين من تاريخ الحركة الوطنية المغربية ، فالوثيقة / الحدث يقول الدكتور مصطفى بقدر ما تعلن نهاية مرحلة التساكن والتعايش مع نظام الحماية ، فإنها تؤذن ببزوغ فصل جديد من الصراع والتدافع السياسي ما بين الحركة الوطنية و سلطات الحماية من جانب وبين هذه الأخيرة والسلطان من جانب ثان، وهو فصل تخللته أحداث جسام عظام وسمت تاريخ المغرب ورسمت مساره وحددت مواقع خطاه على الصعيدين المحلي والدولي، لذلك وجب تناول مسألة وثيقة 11 يناير 1944 واستقراء قيمتها التاريخية وإبراز منزلتها الوطنية من خلال طرح ظروف وملابسات صدورها أولا ، ثم تحديد حمولتها الفكرية والسياسية والاجتماعية ثانيا، وأخيرا الخروج باستنتاجات وخلاصات يتضح من خلالها الرسائل الكامنة بين ثنايا الوثيقة والتي أرسلها جيل الحركة الوطنية لجيل 18 نونبر 1955 وجيل 9 مارس 2011 . وتماشيا مع ذلك ولأجل تسليط الضوء والإحاطة بكل ما يتعلق بوثيقة المطالبة بالاستقلال ، عمد الدكتور الكثيري إلى تقسيم عرضه إلى ثلاثة عناوين كبرى أساسية، وتتلخص في:
1 - من المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة بالاستقلال 2 - تحليل وثيقة المطالبة بالاستقلال 11 يناير 1944 3 - رسائل وثيقة 11 يناير 1944 للأجيال الصاعدة.
1 - من المطالبة بالإصلاحات
إلى المطالبة بالاستقلال :
في هذا الجانب أكد الدكتور مصطفى كون قضية الإصلاح والتغيير كانت العنصر الحاسم في إحداث الشرخ ما بين سلطات الحماية والمجتمع المغربي بريادة وقيادة السلطان سيدي محمد بن يوسف بحيث كان برنامج الإصلاحات الذي سلم إلى الإقامة العامة والسلطات الحكومية الفرنسية في فاتح دجنبر 1934 ، والذي اعتبرته السلطات الأجنبية الحامية حسب سلطاتها أن ثلثه يمكن تطبيقه حالا وثلثا آخر بعد حين مع استحالة تطبيق الجزء الثالث لأنها ترغب في الانسحاب من تلقاء نفسها، وليس بطلب أو ضغط من أحد كما يذكر ذلك المرحوم علال الفاسي في كتابه « الحركات الاستقلالية بالمغرب العربي « ، وقد كانت سلطات الإقامة العامة تتلكأ عن مطلب الحركة الوطنية بالإصلاح، متذرعة في كل مرة وحين بذرائع وحجج واهية ومردود عليها ، وفي المقابل تزيد من صلاحيات القواد الذين اعتبرتهم أدوات ناجعة للحد من طموح السلطان ومن خلفه الحركة الوطنية حينما أصرا على ضرورة مراجعة نظام الحماية في بنائه العتيق المتجاوز. ورغم محاولة سلطات الحماية المناورة، يقول الدكتور مصطفى، والالتفاف على وثيقة المطالبة بالاستقلال ل 11 يناير 1944 بإعلانها القبول بمسألة الإصلاحات، والتعبير عن رغبتها في إنجازها سعيا منها لإطالة عهد الحماية، فإن تلكؤها في التنفيذ خلال العقود السابقة أفرغ الأمر من كل مصداقية ، وكانت كل شعاراتها ومبادراتها الزائفة نكوصا على عقبها مرتدة وهي خائبة حسيرة أمام الرفض الشعبي والرسمي القاطعين، ومن ثم اعتبرت وثيقة 11 يناير 1944 إقبارا لمسألة المطالبة بالإصلاحات بشكل نهائي وإخراجها من المعادلة السياسية والصراع الدائر بين الوطنيين بزعامة جلالة المغفور له السلطان سيدي محمد بن يوسف طيب الله ثراه والإقامة العامة ، وإعلانا صريحا لا مراء فيه أن تحقيق الاستقلال يظل شرطا أساسيا للقيام بأي إصلاح داخل البلاد ، والوثيقة واضحة في توكيل هذه المهمة إلى السلطان بعد هذا التاريخ .
2 - تحليل وثيقة المطالبة بالاستقلال
11 يناير 1944 :
في هذا المجال تطرق الدكتور مصطفى إلى تحليل الوثيقة من حيث الشكل و من حيث المضمون ، نظرا لما تكتسيه الوثيقة من أهمية بالغة في الجانبين . فبالنسبة لتحليل الوثيقة من حيث الشكل أشار الدكتور الى أن أول ما يلاحظه المطلع على وثيقة 11 يناير 1944 هو تركيزها اللغوي الشديد و صغر حجمها بحيث لا يتعدى مجموع كلماتها 377 كلمة وهي مع الإمضاءات لا تتجاوز الصفحة الواحدة ووقع عليها من أعضاء الحزب الوطني كما كان يسمى سابقا خمسون شخصية، ومن قدماء تلامذة مولاي إدريس تسع شخصيات، ومن الشخصيات الحرة ثلاث ليصبح مجموع الموقعين هو خمسة وستون بالإضافة إلى امرأة واحدة أي 66 موقعا، لكن يضيف الدكتور لكثيري في هذا الباب أن الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال هم 67 وليس 66 فقط، لأن 66 وقعوا ماديا وذيلوا الوثيقة بخط يدهم وهم المعروفون لدينا كما هو مثبت في الوثيقة ، وواحد وقع معنويا على الوثيقة انه جلالة المغفور له محمد الخامس عندما أعطى موافقته على مضمون الوثيقة وفحواها .
ومن حيث انتماء الوطنيين الموقعين على الوثيقة، أفاد الدكتور المحاضر أنهم ينحدرون من مدن مختلفة تمثل مجموع المنطقة الخاضعة للحماية الفرنسية بحيث نجد 13 شخصية من فاس ومن الرباط 11 و من سلا سبعة ومن مراكش 5 ومن القنيطرة 3 ومن الخميسات 3 ومن آسفي 3 و من الدار البيضاء 2 ومن سيدي قاسم 1 و من وجدة 1 موكلا من إخوانه في الحركة الوطنية المحلية ، ومن حيث انتماءاتهم الاجتماعية فالموقعون ينتمون إلى طبقات مختلفة ، بحيث نجد 20 موقعا يعملون في قطاع التعليم و 13 موظفون و4 يمتهنون المحاماة و 5 يعملون في قطاع الصحافة و3 يعملون في سلك القضاء ، ووقع من العلماء اثنان وواحد يمتهن الطب وواحد يعمل في سلك الجندية ، وأخيرا 17 موقعا يعملون في مجال التجارة والأعمال الحرة .
أما في ما يخص الشق المتعلق بمضمون الوثيقة، فقد أظهر أن وثيقة 11 يناير 1944 ( الموافق 14 محرم الحرام سنة 1363 ه ) أثبتت استعادة الحركة الوطنية المغربية لزمام المبادرة عبر مراجعة النقاش المطروح داخل البلاد والارتقاء به مطلبيا درجة متقدمة في سلم الحرية والخلاص من نظام حكم الحماية، أي التحول من المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة بالاستقلال، وهو ما كان واضحا وجليا في الوثيقة التي تعمد واضعوها وكتبتها عدم الدخول في التفاصيل التي يمكن أن تفسرها الإقامة العامة حسب هواها ولغير صالح الهدف الذي وضعت من أجله وقد تضمنت الوثيقة ثلاثة محاور ، الأول يمكن اعتباره استهلالا أو تقديما ويتضمن العوامل والأسباب الداعية إلى تقديم مطلب الاستقلال، وهي أسباب طبيعية تاريخية تضمن للمغرب هذا الحق، وهو البلد الذي عاش مستقلا منذ أزيد من 12 قرنا ، وفي ظله وكنفه عاش المغاربة وحافظوا عليه ولم يسمحوا لأية قوة أجنبية أن تحتل بلادهم وقاوموا كل محاولات الدول الإيبيرية التي لم تتمكن في أقصى مراحل قوتها وعتوها سوى من اقتحام بعض ثغوره البحرية ، والتي تم استرجاع معظمها قبل نهاية القرن الثامن عشر باستثناء الثغرين سبتة ومليلية . فالاستعمار إذن ظاهرة غريبة على المغاربة، لابد من زوالها ، والحماية التي هي شكل من أشكال الاستعمار لا يمكن أن تبقى إلى الأبد .
ويتم الانتقال في نفس المحور إلى نقاش « منظومة الحماية « التي فرضت على الغرب في « ظروف خاصة « و في سياق الموجة الامبريالية التي اجتاحت العالم في مطلع القرن العشرين . والحماية التي تم تقبلها في ظل ظروف خاصة « لم تعد مقبولة بحكم عدم « وفائها « بالإصلاحات التي زعمت إدخالها على المنظومات الإدارية والاقتصادية والتي كان المغرب في حاجة إليها حسب بنود عقد الحماية، بل حولت المغرب إلى مستعمرة يحكمها المستعمرون بشكل مباشر دون إعطاء أدنى فرصة لأصحاب البلاد . والأكثر من ذلك فقد عملت على تقسيم الوطن إلى أربعة أقسام كما هو معروف، إمعانا منها في تحقيق أهدافها الاستعمارية البعيدة المدى والتي مازال المغرب يعاني منها إلى اليوم، ويتعلق الأمر بالنزاع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية المسترجعة وحول أحقية ومشروعية الوحدة الترابية والسيادة الوطنية على كامل التراب الوطني .
انطلاقا من هذه الحيثيات بالإضافة إلى مشاركة المغاربة في المجهود الحربي للحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، بكل إمكانياتهم ودورهم في الانتصارات التي تم تحقيقها، رأى المغاربة والوطنيون منهم على وجه الخصوص، أن المغرب مؤهل إلى المطالبة بالاستقلال و تحقيق مطامحه المشروعة في التحرر والتوحد وتدبير شؤونه لنفسه .
المحور الثاني من وثيقة 11 يناير 1944 تم فيه الإعلان صراحة و جهرا بمطلب الاستقلال، وذلك باستعمال لفظ « يقرر « وهذا اللفظ يحمل أبعادا تأسيسية وقانونية إذ الذي يقرر هو العاهل المفدى صاحب السيادة، وصاحبها حسب الوثيقة هو الشعب المغربي الممثل في الوطنيين بقيادة السلطان. وقد اتخذ هذا القرار في دائرة النظام الملكي ونجد أيضا في هذا المحور مطالبة الملك بالعمل على ضمان الاستقلال، باعتباره ممثلا شرعيا للأمة وأن يتدخل من موقعه لدى الدول الموقعة على ميثاق الاطلسي لضمان هذا الحق ، وهذا يقودنا إلى القول بأن الوطنيين هدفوا سحب البساط من تحت أرجل فرنسا وطرح قضية استقلال المغرب في بعدها الدولي، وأن المجتمع الدولي مطالب بالاعتراف بهذا الاستقلال وخاصة تلك الدول التي شاركت قبل فرض الحماية عليه في المصادقة على قرار إدخال إصلاحات على هياكله السياسية والاقتصادية و الإدارية والعسكرية ، وهي الآن مطالبة بالتدخل لتحقيق الاستقلال و ضمانه في مؤتمر للصلح . ويمكن تلخيص هذا المحور في النقط التالية : 1 - المطالبة بالاستقلال التام وتوحيد المناطق الأربعة 2 - المطالبة بضمانة هذا الاستقلال من قبل جميع الدول المعنية بالأمر 3 - المطالبة بقبول المغرب ضمن الدول الموقعة على ميثاق الأطلسي 4 - وجوب وضع دستور ديمقراطي 5 - الإشارة إلى السلطان بصفته الملك.
3- رسائل في وثيقة 11 يناير 1944 للأجيال الصاعدة
إن المتمعن يؤكد الدكتور لكثيري في وثيقة المطالبة بالاستقلال ل 11 يناير 1944 والمتفحص لما بين سطورها والمستنبط لدلالاتها وأبعادها، يجدها حبلى بالرسائل المباشرة منها والمشفرة المصرح بها والملمح إليها والتي لم تنته بانتهاء الظروف التي كانت وراء صدور هذه الوثيقة التاريخية المتميزة ومن أهمها وأبرزها ثلاث رسائل كبرى. فالرسالة الأولى تتعلق بالنضال الوطني والالتزام بالميثاق التاريخي بين العرش و الشعب ، بحيث لم يكن توجه الحركة الوطنية نحو العمل السياسي والنضال الوطني نابعا من حاجة لحظية، بل هو ثمرة التطور النضالي والحس الوطني للشعب المغربي الذي تدرج من الجهاد إلى قراءة اللطيف و التذرع إلى الخالق لرفع الضر، ثم إلى إعمال الفكر والوعي من أجل الانتقال إلى وضع مقاربة جديدة شكلت مرحلة راقية من مراحل مقاومة الاحتلال بطرق سيكون هذا الاحتلال بعد أقل من سنة هو الآخر مجبرا على القيام بنفس الفعل بعد الاحتلال النازي لفرنسا .
لقد أنتجت وثيقة 11 يناير 1944، يوضح الدكتور المحاضر، نمطا متحضرا وراقيا في طرح قضية شائكة لم يكن من الممكن طرحها أو حتى الحديث عنها قبل سنوات قليلة. إنها طريقة قارعت الفكر وساءلت المنطق واستفزت المشاعر وحركت سواكن الضمائر وألهبت المشاعر ، وأيقظت الشعور الوطني ولم يكن ليتغافل عنها إلا من في آذانه وقر أو على قلبه غشاوة . فهي وثيقة توثق لمرحلة متميزة من مراحل تطور الفكر النضالي المغربي وتجاسره ، وشاهد مادي على أهمية النضال السلمي في بلوغ الأهداف والمقاصد مهما صعب منالها وشق على النفس انتزاعها ، فوثيقة 11 يناير 1944 كانت الانطلاقة الفعلية للمطالبة باستقلال المغرب، وهو الطلب الذي تم التأكيد عليه من طرف السلطان محمد الخامس في خطابه التاريخي بطنجة في 9 أبريل 1947 وتم الإعلان عنه في 18 نونبر 1955 .
فالكلمة إن جوبهت بالسلاح سيعتبر الأمر عندها اعتداء ، وإن جوبهت بالقمع اعتبر الأمر إذلالا ، وان جوبهت بالمماطلة لا تزيد الناس إلا إصرارا ، وإن جوبهت بالكلمة فكلمة الحق أقوى لتزهق كلمة الباطل « ... إن الباطل كان زهوقا « صدق الله العظيم .
فعندما شنت سلطات الحماية حملة الاعتقالات ضد الوطنيين الموقعين على الوثيقة المطالبة بالاستقلال ، تبين من نتائج فعلتها أنها قد تصرفت على غير هدى وحادت عن جادة المنطق وخرجت عن منهاج الأمم المتحضرة التي ادعت أنها منهم وتمثلهم، وجاءت حاملة لرسالتهم نحو المغرب !! . فكانت كما تعلمون الانتفاضات الشعبية العارمة في كل من الرباط ، آزرو ، فاس ، مراكش ، سلا وغيرها من مدن المغرب وقراه .
أليست هذه رسالة إلى الأمم الحاضرة التي تجابه الكلمة بالرصاص ، فكان ما كان وحدث ما حدث وأنتم تعلمون ، وهنا تظهر وتتجلى العبقرية المغربية ، فعندما علا صوت الكلمة بالمطالب كان الجواب بكلمة ملكية سامية راقية تشع وطنية وتنضح مواطنة يوم 9 مارس 2011 مشكلة جسر مرور المغرب إلى مرحلة جديدة من تاريخه ، مرحلة كانت الكلمة أساسها ومحورها وسر استمراريتها .
الرسالة الثانية وتتعلق بمسألة المساواة بين الجنسين ، فبالنسبة للجيل الحاضر، يقول الدكتور مصطفى، ربما يعتبر حضور المرأة في مجال أو ميدان ما أمرا عاديا لا يثير أي إشكال وقد لا يثير الانتباه حتى ، خاصة وأن المرأة ولجت المعتركات السياسية وغمار الميادين الاقتصادية والاجتماعية بشكل مكثف منذ ما يزيد عن أربع عشريات ، لكن النظرة ليست بهذه البساطة في مغرب الأربعينيات من القرن الماضي ، حيث المرأة كانت هي ذلك الجسد الملفوف في إزار ، وتلك النفس البشرية التي لا يسمح لها بمغادرة جدران البيت إلا كما يتردد في الثقافة الشعبية « إما لبيت زوجها أو إلى قبرها « لقد كان زمنا عانت فيه المرأة من ويلات وتبعات أفكار طرقية تقليدية الموغلة في التخلف والغارقة في السذاجة ، أفكار ومعتقدات ابتدعها أناس جهلة حكمت على المرأة بالانزواء خلف الجدران بدعوى أشغال البيت وتربية الأبناء والحرمة والعورة ... و غير ذلك من الأوصاف القدحية ، في هذه الأجواء التي سادت فيها هذه المعتقدات والبدع، حققت المرأة الوطنية قفزة نوعية من خلال المرحومة مليكة الفاسي التي حققت الفرق ومهرت بخط يدها وثيقة المطالبة بالاستقلال ودونت اسمها مع الموقعين، وفي ذلك رسائل عدة أولها أن الأسرة هي أصل كل إصلاح وتطور وتقدم ، الأمر الذي نحن بصدد التمعن فيه لم يكن ليتم لولا وجود إرادة قوية لدى أسرة المجاهدة المرحومة مليكة الفاسي ، كما أن وجود العنصر النسوي كانت الغاية منه هو إرسال رسالة ثانية إلى من يهمهم الأمر آنذاك، ونعني بهم سلطات الحماية الفرنسية المتحكمة في البلاد و العباد ، الرسالة تعني كون العنصر النسوي حاضر وهو في الخلف ولكن في العمق فهو يمثل الامتداد التاريخي لحضور المرأة بالمغرب ، ونذكر منهن السيدة الحرة زوجة المندري حاكمة شفشاون ، ونذكر نساء قبائل ايت عطا اللوائي واجهن الاحتلال الأجنبي في معارك بوغافر في الثلاثينات وغيرهن من المقاومات المناضلات اللواتي شاركن إخوانهن الرجال في حركة المقاومة، وهناك العديد من الإصدارات التوثيقية و التعريفية، لعل أهمها سلسلة « المرأة المغربية في ملحمة الاستقلال و الوحدة « في ثلاثة أجزاء .
كما أن المخيال المغربي جمح في هذا الباب ليعطي للمرأة حقها الطبيعي في الحضور أمام الرجل و خلفه و إلى جانبه في جميع الظروف و الأحوال ، فكان أن أنتج ذلك المخيال قصة « عائشة القديسة « أو « قنديشة كما هو في الأسطورة الشعبية « ، وهي المرأة / الطيف التي صورتها تلك الأسطورة على صهوة جواد تحارب البرتغاليين المحتلين لمدينة آزمور . فالرسالة إذن هي وجوب وجودالمرأة في مجموع المواقع والمراكز وإعطاء المرأة حقها ومكانتها القمينة بها ، والمبادرات المغربية في هذا الاتجاه كثيرة ومتعددة ووازنة واتخذت على أعلى المستويات ، وهذا من أبرز الدلائل وأصحها على توصل الأجيال الحالية بواحدة من تلك الرسائل التي حملتها وثيقة 11 يناير 1944 ، فكانت مدونة الأسرة وكانت اللائحة الوطنية للنساء في الانتخابات ، وكانت من النساء المستشارات الوزيرات ، ودسترة مقاربة النوع والمناصفة ... وغير ذلك كثير .
الرسالة الثالثة ، وهي إشارة إلى أن الوطن قوي في تعدده ، وفي هذا الصدد يقول الدكتور الكثيري أنه خلال التشريح لوثيقة 11 يناير 1944 ، والذي أورده في مستهل محاضرته كان قد قدم مجموع الأصناف الوظيفية التي ينتمي إليها الموقعون، فوجد من بينهم القاضي والعالم والمدرس والفقيه والتاجر ، حيث لم يمارس منطق الإقصاء بل كان منطق التواصل والتكامل ، تكامل يظهر جليا من خلال لغة الوثيقة التي نجد فيها فصاحة وبلاغة ، وفقها وقانونا وسياسة ودبلوماسية ، وكل هذه الأمور لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تبلغ ما بلغته في الوثيقة لولا تكاثف الجهود وتضافر المعارف ، حيث حوصرت الكلمات ومحصت وشرحت وحللت حتى لا يفهم غير قصدها ومدلولها كما فهمه الوطنيون عندما حرروها ، فمع تنوع المشارب الثقافية للموقعين وتباين اهتماماتهم الحياتية كانت النتيجة وثيقة حررت بشكل وجدت معه سلطات الحماية صعوبة بالغة في تحرير الرد وقد تأخرت أسبوعا وكان ردها ليس لغة أو كلمة بل رصاصا ونفيا و سجنا مقابل الحروف والكلمات التي عندما انتظمت شكلت مطالب لم تجد أمامها سلطات الحماية ما تقول أو تكتب . كما أن الانتماءات الجغرافية للموقعين ، وان كانت قد اقتصرت على منطقة الحماية الفرنسية، فقد تم الحرص ( وربما عن قصد وعلم ) على إشراك عدد مهم من المدن وهي فاس ، آسفي ، الرباط ، سلا ، مراكش ، القنيطرة ، الخميسات ، الدار البيضاء ، سيدي قاسم و وجدة ، وفي ذلك إشارة إلى أن التمثيلية الجغرافية في مواقع القرار أساسية في المغرب، وهو النهج الذي تم اعتماده واتباعه في مغرب ما بعد الاستقلال حيث نجد في كل الحكومات وعلى رأس جل القطاعات ، كفاءات تختار حسب توزيع جغرافي يحفظ التوازنات الاجتماعية و الجهوية وتلك رسالة أخرى من رسائل وثيقة 11 يناير 1944 التي تم التقاطها والعمل بها ، وهو ما أسس ومتن للمغرب هدوءه وأطفأ نار الفتنة وعصبية النعرة القبلية و الانتماء الضيق الذي حاول المستعمر الفرنسي أن يشعل ناره عندما أصدر ما يسمى بالظهير البربري التمييزي الذي لم يكن الهدف منه « ادعاء « صون المقومات والخصوصيات الأمازيغية بل كان يهدف إلى إحداث الفرقة والميز الإثني وأن يصبح المغرب شيعا وتذهب ريحه .
وصفوة القول أن وثيقة 11 يناير 1944 مثل نادر في الممارسة الوطنية الحقة التي تدفع الإنسان عن قناعة وبإيمان وقدر جهده لإيتاء الخير العميم لوطنه ودفع المضار عنه بمقتضى العقل والحكمة والشرع والقانون ، فوثيقة 11 يناير 1944 وما صاحب تقديمها من متاعب وما تعرض له الموقعون عليها من نفي و اعتقال، وما أنزل بالمتظاهرين الذين خرجوا عفويا لتأييد مضمونها من تنكيل وقتل، تبين أن الوطنية الحقة هي أن تنصهر و تذوب في مصلحة الوطن مصلحة الذات، ويضحي المرء بهذه لأجل تلك وأن يشقى الإنسان ليسعد بلده ويضحي ليسعد وطنه ويفقر ليستغنى ويهون عنده كل شيء ليحيى الوطن . تلكم هي رسائل الوطنية التي نستخلصها من وثيقة 11 يناير 1944 ، الوطنية الحقة التي على أساسها تشيد دعائم الوطن والتي بها تتقوى روح الشعب ويتغذى جسم الأمة .
في ختام المحاضرة القيمة التي ألقاها الدكتور مصطفى لكثيري ، نددت الكتابة الإقليمية بالمضايقات وكذا السلوكات المشينة لدى المجلس الرامية إلى إفشال اللقاء والتشويش على المناضلات والمناضلين، وأنها تستنكر وتشجب بشدة تلك الممارسات التي لم يعد لها وجود في مغرب اليوم سوى في مخيلة أعداء الديمقراطية الذين يسبحون في المياه العكرة، مؤكدة على أن تلك المحاولات الفاشلة واليائسة لن تزيد التنظيم الحزبي بالإقليم إلا صلابة وقوة. وعليه فإن الكتابة الإقليمية ستتخذ مواقف حازمة مع خوض محطات نضالية في المستقبل القريب ردا على هذا السلوك الأرعن المفضوح، والذي لا يخدم البلاد والعباد في شيء بقدر ما يفضح العقلية المتحجرة لبعض أعضاء المجلس البلدي .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.