نظم فرع الحي المحمدي للاتحاد الاشتراكي بالدارالبيضاء، لقاء مفتوح بدار الشباب الحي المحمدي يوم الثلاثاء 20دجنبر 2011 من تأطير الأستاذ سعيد السعدي عضو الديوان السياسي للتقدم والاشتراكية والأستاذ محمد المريني عضو المجلس الوطني للحزب، وأدار هذا اللقاء الأستاذ عبد المقصود راشدي . في البداية تناول الكلمة الأستاذ كمال الهشومي عضو مكتب فرع الحي المحمدي، مذكرا بتوقيت هذا اللقاء الذي يستحضر ذكرى الشهيد عمر بن جلون وكذلك بعد استحقاقات 25 نونبر وقرار الحزب التموقع في المعارضة. وبعد ذلك أعطيت الكلمة إلى عبد المقصود راشدي لإدارة أشغال اللقاء. وكمنهجية لتسيير هذا اللقاء، ذكر المسير على أن اللقاء سيتناول بعض التساؤلات مع ضيوف اللقاء وتفاعل الحضور معها، ومن بينها سؤال تجذر المشروع الديمقراطي في المغرب . الأستاذ سعيد السعدي ذكر برمزية الشهيد عمر بن جلون كزعيم سياسي ونقابي، منظرا لمرحلة تاريخية ابتدأت في أواسط السبعينات انطلاقا من إسهاماته المتميزة في إعداد وتقديم التقرير الايديولوجي الصادر عن المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي، وكذا تميزه العلمي في تحليل الطبقة العاملة المغربية . وبعد ذلك انتقل الى ممارسة نوع من النقد الذاتي على اليسار المغربي الذي دخل غمار تدبير الشأن العام الحكومي معاتبا عليه انغماسه كيسار في مقاربة تدبيرية للحكم وليس في مواكبة التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي. كما أن هذا اليسار لم يقم بإعطاء المضمون الحقيقي للاختيارات الاشتراكية أثناء مزاولته لتدبير الشأن الحكومي، متناسيا أن الاختيارات الاشتراكية تقوم على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، وكذلك على العناية بالمرفق العمومي الديمقراطي، وليس على المرفق العمومي البيروقراطي. كما أن اليسار الحكومي بهذا المعنى في مقاربة تدبير الحكم فقد الارتباط العضوي بقواعده وجماهيره، غير أن الثقة لا تعني - حسب الأستاذ السعدي - أن فكر اليسار استنفد مستدلا بما يعرفه قلب الرأسمالية الأمريكية من احتجاجات على تحكم الرأسمال، وكذلك ما يعرفه الحراك العربي لذا وجب على اليسار أن يعود إلى هويته. وفي تفاعل الأستاذ محمد المريني مع التساؤل، انطلق في التذكير بالتراث الفكري و النظري للشهيد عمر بن جلون من خلال ثلاث وثائق أساسية هي وثيقة التقرير الايديولوجي، وثيقة الطبقة العاملة ووثيقة المذكرة التنظيمية. وأخذ الأستاذ المريني في التفصيل والتذكير بالوثائق الثلاث وهي: الوثيقة التنظيمية التي تعتبر كأول إنتاج تنظيمي مبدع للاتحاد الاشتراكي في عملية البناء التنظيمي، ذي الحمولة الاشتراكية المبنية على التنظيم القطاعي عوض التنظيم بناء على الدوائر الانتخابية، كما كان سائداً في الوثائق الحزبية في المذكرة التنظيمية للشهيد عمر بن جلون. ولذلك، وجب على الاتحاد الاشتراكي في هذه اللحظة التاريخية أن يستنير بروح اجتهادات الشهيد عمر، وكذلك اجتهادات الاشتراكيين في التجارب المتميزة في العالم. فهوية اليسار وقادته لا يجب أن تبقى مسنودة بمعاناة سنوات الرصاص بل الهوية اليوم لليسار لما يحققه من نقاش وتجذر في صفوف المجتمع من أجل مشروع المجتمع الحداثي. أما التساؤل الثاني الذي طرحه مسير اللقاء على الأساتذة المؤطرين فهو كالتالي: كيف ننظر اليوم لقوى اليسار، وكيف نطلب منه إنتاج شروط العودة الى المجتمع بما يعود بالشيء الإيجابي على المواطن؟ ولنعقب على هذا السؤال، أكد السعدي أن الهوية الاشتراكية يجب أن نعطيها مضموناً واضحاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً حتى لا نسقط في تأويلات الليبراليين الاجتماعيين، أو نتقمص بدون أن ندري هويتهم، بحيث أننا صفقنا للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ولم نقل بأن محاربة الفقر ليست بهذا الشكل، وكان حرياً بنا أن نقول إن محاربة الفقر تبتدىء بمحاربة آليات وليس النتائج، كما أكد الأستاذ السعدي على أن تدبير الشأن العام بالنسبة لليسار يجب أن يستند الى برنامج اليسار ذي الهوية الاشتراكية وعلى الدفاع عن المرفق العمومي لا على مرفق الدولة. كذلك يجب تعزيز علاقة اليسار مع الحركات الاجتماعية والشبابية وعلى حراك الشارع، وأن تمارس السياسة من قلب الشارع لا من داخل المقرات الحزبية. فوحدة اليسار ضرورة ملحة، يؤكد السعدي، ويسوق لذلك مثلا بمدينة الدارالبيضاء التي يوجد بها برلماني واحد لليسار، ولذلك وجب على الأجهزة الجهوية لأحزاب اليسار الانفتاح على بعضها البعض لنعيد للدار البيضاء مكانتها كقلب نابض لحركة التمدن في المغرب. أما بالنسبة لمحمد المريني في تعقيبه على السؤال الثاني، فيرى أن المقاربة السابقة انبنت على وحدة اليسار أو اجتماعه أو اندماجه ، وبأ، المقاربة اليوم تتطلب القيام بحوار شامل ومفتوح حول البرنامج والطريقة التنظيمية، كما يجب الاتفاق على التصور القادم وعلى كيفية تصريفه، ولذلك يؤكد الأستاذ المريني على أن وحدة اليسار يجب أن تكون وحدة برنامجية وليست تنظيمية وكذلك يجب إيقاف الاختراقات التي يعرفها الجسم اليساري اليوم. ولرفع هذا التحدي، يجب إعطاء كامل العناية والمساعدة للشباب. وبعد مداخلة الأستاذين سعيد السعدي ومحمد المريني، كإجابة على التساؤلين اللذين طرحهما مسير الجلسة عبد المقصود راشدي، أعطيت الكلمة للحضور للتفاعل بدورهم مع النقاشات والتساؤلات المطروحة. ونلخص محاور مداخلة الحضور في أن المرحلة الحالية تتطلب نقداً ذاتياً جريئاً لممارسة اليسار والتدبير الحكومي والمطلوب اليوم إعادة النظر في المضمون الهوياتي للاشتراكية، مع استحضار التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي ومكونات اليسار عموماً. اليسار الاشتراكي هو مشروع مجتمعي وليس دكاكين سياسية حزبية. على اليسار المغربي أن يقدم إجابات للوضعية الراهنة دون السقوط في فخ الشعبوية التي يمارسها الاسلاميون، وأن الاختلاف ضروري في الآراء وفي الاجتهادات، كما أكدت تساؤلات الحضور على مآل الكتلة الديمقراطية، وهل البرنامج الإصلاحي الذي عبرت عنه في ميثاقها التأسيسي قد استنفد. أما تعقيبات الأساتذة على تساؤلات الحضور، والتي أغنت هذا اللقاء، فقد أكد بخصوصهاالأستاذ سعيد السعدي على أننا بالفعل نتوق الى معنى جديد للاشتراكية اليوم، ولا نقتدي بالتجارب التي ثبت فشلها بل يجب أن نقتدي بالتجارب الناجحة، وببعض تجارب أمريكا اللاتينية خاصة البرازيل، فمضمون الاشتراكية اليوم، حسب السعدي، يجب أن يرفض النيوليبرالية وتأثيراتها الاقتصادية وكذلك رفض الخوصصة والاهتمام بالديمقراطية التشاركية ودور الدولة الديمقراطية الحريصة على التنمية، وعلى الحرية وتحسين مستوى الإنسان ومفهوم الملكية وعلاقة الإنتاج، وعلى تحليه بالقدرة للدفاع عن هذه المبادىء وتوطيد العلاقات بين اليسار والحركات الاجتماعية والحركات النسائية والعمالية و 20 فبراير، وتقوية تنظيمات اليسار في المدن، وخاصة الدارالبيضاء، ولكل ذلك، يجب خلق نواة للعمل المشترك بين فصائل اليسار المغربي الحقيقي. أما تعقيب الأستاذ محمد المريني، فقد ارتكز على توصيفين، التوصيف الأول يستند إلى القوى التي لعبت في تحريك المجتمع المغربي في الاتجاه الحداثي وهي قوى اليسار وقدمت تضحيات من أجل ذلك. فحالة اليسار اليوم راكدة وسلبية. ولهذا يجب العمل على إعادة الثقة في مكونات اليسار واستنهاضه وارتباطه بالجماهير، وهذه الثقة يجب أن تكون مبنية على المصداقية والنزاهة، والتوصيف الثاني يرتكز حسب المريني على أن اليسار يجب أن يغطي الجبهة الثقافية ويملأ الفراغات التي نراها وكذلك الاهتمام وتقوية الجبهة النقابية والعمل على تطوير المجتمع من خلال فرز قوة اشتراكية حقيقية غير مصنوعة إدارياً. وفي الختام، شكر الراشدي جميع المتدخلين والحضور وأن هذا النقاش ما هو إلا مساهمة أولية تدفعنا الى تعميق التفكير في قضايا اليسار بصفة خاصة، وقضايا المجتمع بصفة عامة.