الدكتور عبد الله إكرامن ( خاص بأسفي اليوم ) باحث في علوم التربية والديداكتيك نشر بموقع safitoday في أعقاب نتائج انتخابات المجالس البلدية بتاريخ 01/07/2009 ،مقالا عن يسار آسفي تحت عنوان:يا ساكنة آسفي إن يسارييك أهل كهف جدد،قدم -عبد ربه- من خلاله بعض ما اعتبره أسباب الضعف والهزيمة الانتخابية التي مني بها مكونات اليسار بالمدينة.ومر الآن بالضبط سنة ونصف عن المقال،وبمحض الصدفة اطلعت على ملصق يدعو فيه مكون من مكونات اليسار بآسفي للقاء –لنقل إنه أريد له أن يكون تشاوريا-.الفترة الزمنية ما بين نشر المقال واطلاعي على الملصق الدعوة ،تقييمها الملموس بالنسبة إلي هو أن حزبي نجح وبامتياز أن ينسيني،وينسي كل الرفاق أننا منتسبين له،وأننا علينا واجبات نحوه، وأن...وأن....الخ.لست أدري بالنسبة للتنظيمات اليسارية الأخرى،بخصوص شأنها الداخلي،ولكن بالنسبة للشأن العام،فأنا شخصيا استغربت لما حفلت به الساحة المحلية والجهوية والوطنية من أحداث-مرتبطة بكل مناحي الحياة- لها أهميتها،مرت مر الكرام،ولم تحرك ساكنا للهيآت السياسية اليسارية.ويلزم هنا التأكيد على المسؤولية الأساسية لمكاتب الهيآت السياسية في جمود العمل السياسي،فالجميع يعرف أن المكاتب المنتخبة عموما هي القاطرة،والدينامو المحرك،فهي صاحبة البادرة،ومن مهامها تحديدا الحفاظ على دينامية التنظيم،ولا مسؤولية لباقي مناضلي الهيآت السياسية،إلا في حالة عدم إسهامهم في بلورة برنامج نضالي سهر المكتب على وضع أسسه...قد يقول قائل إن على المناضلين خارج المكاتب المشكلة مسؤولية (تجباد الودنين )للمكاتب النائمة،وهو أمر صحيح،وحاوله البعض فعلا،ولكن في نهاية المطاف:فقد ضاع الطالب والمطلوب ..أخيرا إذن-والله وحده يعلم السبب-نية حسنة كسرت الصمت،وحاولت إيقاظ أهل الكهف من سباتهم..حضر اللقاء الذي ضمته قاعة من قاعات خزانة اعزيب الدرعي يوم 26/12 /2010، ممثلين عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية-الطليعة الديمقواطي الاشتراكي-الاشتراكي الموحد-المؤتمر الوطني الاتحادي-التقدم والاشتراكية...وغاب عن اللقاء باقي التنظيمات المحسوبة على اليسار ، وبحسب صاحب المبادرة،فإن الدعوة للقاء وجهت لكل الأطراف،ويشاع –والعهدة على الراوي أو الرواة-أن لفيفا من الطرف الذي دعا للقاء، برمج نشاطا آخر،بمكان آخر، في نفس التاريخ والساعة. اليسار بآسفي في: (لحظة تاريخية ؟؟؟!!!) بغاية تشكيل (خلية للتفَاكر...ماشي للتفكير؟؟؟!!!) ضم اللقاء مجموعة من الرفاق والإخوة،قدم في البداية الرفاق في الطليعة ما أدرجوه كنقط لجدول الأعمال التي سيتم التداول حولها،نقط هي اجترار للمألوف:واقع اليسار-التحالفات وشروط نجاحها- والمهام النضالية.أعطيت الكلمة في البداية لعضو من كل أعضاء التنظيمات الحاضرة بغاية تقديم تصور حزبه بخصوص ما يطرحه جدول الأعمال،فتح في أعقابها نقاش شارك فيه أغلب الحضور،وكانت السمة الأساسية المميزة لما قدم كتصورات للهيآت السياسية،ولما طرح خلال النقاش،هي اجترار نفس الخطاب المألوف،ومع بروز سمة الارتجال سواء في ما قدم كتصورات للهيآت السياسية،وكذا خلال النقاش،وغياب بشكل مطلق ما يفترض أن يبرز من استضمار لأحدات عرفنها الساحة المحلية والجهوية والوطنية،إدا استثنينا ما قدمه ممثل الاتحاد الاشتراكي مما يتوفر له من معطيات محلية-جهوية،كان يمكن لوحدها أن نشكل مجالا لنضال مشترك تقي من فترة سبات دامت سنة ونصف،وتبقى نقطة الضوء المتلألئة داخل العتمة،هي ما كشف عنه الحضور من حضور واستمرار روح، ونية النضال الفعلية التي تسكن الإخوة والرفاق،وهو ما لا يكفي بالتأكيد،فكما يقال: الجحيم مملوء بدوي النيات الحسنة.والنيات الحسنة أيضا لا يمكن أن تبرر العبث،فأن يحضر ما يقارب الثلاثين فردا،-أغلبهم حضر بالصدفة – لقاء،ولا يجد بعض من الحضور حرجا في اعتباره (لحظة تاريخية؟؟؟ !!! ...كذا !!!)،فهدا قمة العبث،وأن لا يجد أحدهم حرجا في التأكيد والإلحاح وتكرار المرة تلو الأخرى على أن ما يحتاجه اليسار هو خلق (خلية للتفاكر -...ماشي للتفكير –حسب إلحاح الرفيق-؟؟؟!!!)،و بغض النظر عن خلط الرفيق بين المشتقات: الفكر والتفكير والتفَكٌُر وإلحاحه على مشتق لا وجود له إلا في مخيلته ،فإن الظن بأن مجرد إدراك الرفيق للفرق الدلالي البسيط جدا بين مشتقات الفعل فكر،هو كفيل بحل كل مشاكل اليسار هو استهتار. في محاولة لفهم ما يحصل:فهم القطيعة المعرفية والاسترشاد بها ضرورة ملحة لنا كيسار بعيدا عن كل مقاربة نظرية معقدة بشأن فكر اليسار،وبشأن أزمته وأزماته-وطنيا وعالميا-،وبعيدا عن ضرورة الاستنجاد بما يحفظه التاريخ من نجاحات وإخفاقات اليسار -وطنيا وعالميا -،بغاية الاسترشاد بها للنهوض من جديد..بعيدا عن كل هذا،نعرف-في مثل الحالة- أن البسيط الهين والصارم في نفس الآن هو اللجوء لآخر الدواء الذي هو الكي،والكي، في ما يهم ما نحن بصدده هو تدقيقا اللجوء للقطيعة المعرفية.إن الفكر اليساري كان دائما ولا يزال يضع كل ثقته في التفكير العلمي،لدلك فهو بالتأكيد لا يمكن أن يتحفظ على ما بلح عليهGASTON BACHELARD من ضرورة اللجوء لقطيعة معرفية rupture épistémologique والتخلص من قناعات سابقة،كي تظهر معرفة جديدة تبني قناعات جديدة،أي أنه حسب باشلار،فإن قناعات سابقة(أفكار-آراء-مفاهيم...) قد تشكل عائقا معرفيا يحول دون بروز معرفة جديدة سليمة.فحسب باشلار: “ ليس الحقيقي هو ما يمكن تصديقه،بل هو دائما ما كان يجب التفكير فيه”.في علاقة ما سبق بأزمة اليسار،فإن أول شيء أنزه نفسي عنه،هو ادعاء مناقشة أزمة فكر اليسار،فالموضوع أكبر مني بكثير،.زمة اليسار المقصودة في مقالي هدا هو تحديدا أزمة تدبير يساريينا لشؤون أحزابهم،والقطيعة المعرفية المقصودة هنا تدقيقا،ليست القطيعة مع إيديولوجية أو فكر اليسار،بل القطع ووضع حد للظن أنه لا زال بالإمكان اللجوء لنفس الوسائل والآليات التي أعطت لأحزاب اليسار بريقها في بلدنا مند أواخر عقد الستينات،إلى ما بعد البريسترويكا ،فلا نفس وسائل الاستقطاب،ولا نفس الخطاب،ولا نفس أساليب التمويل والتنظيم ولا...ولا... باتت قادرة على أن تعطي نتائج.بشيء من التفكير يمكن أن نقول، إن الأزمة ليست أزمة فكر اليسار،بل الأزمة أزمة تدبير وتسيير اليساريين لتنظيمات اليسار.ولأن الفكر اليساري فكر علمي بامتياز،فإن تدبير اليساريين لأزمته ينبغي أن يكون بأسس علمية من قبيل ما تتيحه خطوات علم التطبيقات العملية LA DEMARCHE PRAXEOLOGIQUE أزمة اليساريين وعلم التطبيقات العملية LA PRAXEOLOGIE:أية علاقة؟ في مسألة بناء المواقف وتحديد المسارات(في المجال السياسي)،طرحت و لا تزال تطرح مسألة الزعامات وقدرة أفراد بعينهم-وليس التنظيم-على إنجاح مسار الحزب،ويحز في النفس أن يكون ليسارنا محليا وطنيا مواقف مماثلة كانت وراء مهزلة نتائج الانتخابات الأخيرة .وطرحت ولا تزال تطرح إشكالات بخصوص ما ينبغي أن يتخذ مرجعا،هل اعتماد خبرات وتجارب سابقة أعطت نتائج في فترة ما؟،أم خلخلة الأمور بناء على مستجدات؟،ولم يكن الحسم دائما سهلا،ففي سنوات السبعينات مثلا،وما بعدها،كان التوجه الفكري السائد يعتبر المعرفة العملية والفرد المؤهل أساس بناء المسارات،حاليا يتجه التفكير نحو اعتماد الخبرة والكفاءة،والكثيرون،وبمقارنة التوجهين،يتساءلون:هل يحكم التوجهين مجرد انزياح دلالي بسيط،أم أن الأمر يتعلق بقطيعة جوهرية بين توجه فكري سياسي سابق،وآخر آني...أدعو كل الرفاق للتأمل في الأمر وهم يستحضرون ما يشكو منه المواطنون من تشابه البرامج السياسية،واستنساخ كل الهيآت السياسية لنفس البرامج...لنفس الخطاب...حتى لا أقول سرقة هيآت سياسية لبرامج وخطاب فكري يساري،تألق حين كان له تفرده، وذبل حين امتدت له أياد الجهلة.ما سبق يحيلنا على السؤال :ما العمل وما الحل للخروج ليس من أزمة تُربط باليسار وهو منها بريء،في حين أن الأزمة كما سبق هي أزمة تدبير اليساريين لتنظيماتهم؟إن من نعيم الرصيد العلمي الإنساني،أنه –دون ادعاء أنه يجيب عن كل شيء-أنه،يكون ملجأ على الأقل لتفادي اضطراب وفوضى الاجتهاد الناتج عن شوفينية فرد أو أفراد،يظنون أن خبراتهم كافية لمعالجة كل الأزمات(ألم يكن هدا ما ميز مرشحي انتخابات ،نتائجها الإيجابية الوحيدة أنها كشفت صحة ما سبق) وقضايا من قبيل ما سبق همت مناحي الحياة في فترات تاريخية إنسانية ،هو أنتج علم التطبيقات العملية La praxéologie ،وهو أصلا علم هدفه الأساسي تحليل السلوك الإنساني،وتطورت مفاهيمه كي يصبح علما قابلا لإجراء مقاربات تحليلية للعمل،واعتمده فلاسفة وعلماء اجتماع مند أواخر ق 19 ووجهوه كي يصبح نظرية فعلية للتطبيقات العملية.ولأن المجال لا يتيح فرصة التطرق لمختلف خصائص البراكسيولوجبا،فإننا نكتفي هنا للإشارة إلى أنه عمليا،وإن كانت انطلاقته بدأت بالتركيز على كل ما لع علاقة بالتدبير المقاولاتي،فإنه اعتبر نقطة انطلاق أساسية لفهم ودراسة سلوك وعمل الإنسان،واستخلاص قوانينه العامة التي تكون مستقلة عن الظروف وعن النتائج المستهدفة.هدا فضلا عن أن البراكسيولويجيا بعيد كل البعد عن البراكماتية،وبعيد كل البعد عن كل سلوك نفعي،فهو لا يطلب نجاح الأمور فقط ويهتم بها بدرجة نفعيتها،بل يستهدف الإسهام في ما يمكن أن يحقق للمجتمع أفضل حالاته.وفي علاقة الموضوع بمسألة أزمة تدبير اليساريين لتنظيماتهم وأحزابهم نقف عند Henri Fayol –مهندس فرنسي توفي سنة 1925 - أحد أقطاب البراكسيولوجيا،وأحد أوائل من وضع أسس علوم التدبير،والذي له تأملات حكيمة همت سير مختلف أنظمة الدولة ومختلف المؤسسات العمومية،والأحزاب السياسية هي مؤسسات عمومية،ويهم يساريينا تأمل أربعة عشرة مبدأ وضعها Henri Fayol ، وتعرف بمبادئ Fayol،وربما تكون لاعتمادها في تدبيرهم لأزمة تنظيماتهم نتائجها. على سبيل الختم: مبادئ FAYOL للتأمل حدد FAYOL أربعة عشرة مبدأ اعتبرها ضرورية لضمان التدبير المحكم،والتدبير في عموميته،مرتبط أساسا بعمل الإنسان وتدبيره لمجال يتجاوز شؤونه الخاصة،ويحايث شؤون فئات قد تكون الأمة بكاملها،وأي تدبير سيئ فإن نتائجه الوخيمة ستصيب من نتدبر شؤونهم بالتأكيد.وضمان حفظ سلامة الأمة يتأنى من إخضاع العمل لمبادئ،يقترح FAYOL مجموعة منها للاستئناس-بالتأكيد ليست الوحيدة-،ولكن في غياب البديل،فإن تأملها له وجاهته.والمبادئ هي: توزيع المهام-الانضباط-وجود مصدر لاتخاذ الفرار -قيادة موحدة-إدارة موحدة-إخضاع المصلحة الفردية للمصلحة الجماعية-التمركز-تدقيق لتسلسل المسؤولية-النظام- النزاهة-استقرار العنصر البشري-اتخاذ المبادرة –اتحاد العنصر البشري .والمبادئ في عموميتها هي من البداهة بمكان،ولأن البديهي في الحقيقة أمور قد يكون الجميع يعرفها،ولكن الأكيد أن قلة قليلة من صرح بها وصاغها وجعلها تبدو بديهية...لست أدري بالنسبة ليساريينا محليا ووطنيا،ولكن بالنسبة لي فإن الكثير مما يعاني منه التنظيم الذي أنتمي إليه ،ترجع أسباب كل أزمات تدبير شؤونه محليا ووطنيا لغياب جل إن لم أقل كل هده المبادئ البديهية.