شهد يوم الثاني عشر من يونيو 2009 بآسفي انتخابات جماعية،أريد لها أن تكون قنطرة عبور نحو عوالم الديمقراطية والتعبير الحر، والقطع مع ممارسات الأمس، بعيدا عن سلطة المال والوعود العرقوبية . غير أن ما أفرزته هذه المحطة من عزوف وإطلاق يد المفسدين ، جعل البعض يعتبرها حلقة لا تختلف بكثير عن سابقاتها . فما الذي حدث يا ترى ؟ وما الذي أفرزته من نتائج وظواهر ؟ وما الرسالة التي يحملها العزوف الانتخابي؟ انتهى اقتراع الثاني عشر من يونيو، بعد أن أفرز أربعة لوائح فائزة يتقدمها حزب الاستقلال (4816 صوتا) حيث حصل على 14 مقعدا يليه حزب العدالة والتنمية (4563) ب 13 مقعدا ثم حزب الأصالة والمعاصرة (4209) وحقق 12 مقعدا وحزب الأمل ( 2622) ب 08 مقاعد إضافة لوكيلة حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية .نتائج تطرح أكثر من علامة استفهام، سيما في ظل العزوف الكبير، فمن أصل 136627 ناخبا مسجلا بآسفي، لم يصوت سوى 38547 ناخبا، وهي نسبة ضعيفة إذا ما قورنت بغيرها من الانتخابات. إن تراجع نسبة المصوتين يرجع بالأساس للإقبال الضعيف الذي عرفته المشاركة بآسفيالمدينة والتي لم تتجاوز حدود 28.21 في المائة، بعكس المجال القروي الذي عرف نسبة مشاركة أكبر، حيث لم تستطع كل اللوائح الاثنتي والعشرين المحلية في حشد ناخبي المدينة، فقد ظلت مكاتب التصويت بآسفيالمدينة تعرف حركة رتيبة. وبلغة الربح والخسارة، يبقى حزب الاستقلال و العدالة والتنمية هما الرابحين الكبيرين نظرا للتفويض الواسع الذي أعطاهما التصويت الشعبي، و الذي جعلهما في مقدمة اللوائح بالنظر للسمعة الطيبة والفعالية التي يحظى بها مرشحو الحزبين .أما الخاسر الكبير ومفاجأة هذه الانتخابات، فهو حزب الاتحاد الاشتراكي الذي تلقى هزيمة غير منتظرة، على اعتبار أن منتخبي الحزب كانوا يحصلون على مقاعد في كل الاستحقاقات الجماعية بآسفي. وعلى هامش الندوة الصحفية التي أقيمت بمقر جريدة الاتحاد الاشتراكي بآسفي أصدر وكلاء لوائح أحزاب اليسار بآسفي بيانا يدينون فيه عملية الإفساد الفظيعة للانتخابات الجماعية والتي كان أبطالها أباطرة المال الحرام. أخطبوط السماسرة ما كادت حمى الانتخابات بآسفي تضع أوزارها، ويسدل الستار عن انتخاب الرئيس ونوابه وباقي اللجان ، حتى خرج راديو المدينة عن صمته، ليتحدث وبإسهاب كبير عن كواليس الحملة الانتخابية ، وما صاحبها من خروقات وفساد وطعون وصل بعضها إلى ردهات المحاكم . فرغم التطور الذي بذلته السلطات في تقنين ومراقبة العملية الانتخابية، فإن ذلك لم يحل دون استمرار ممارسات الأمس التي خلناها ولت إلى غير رجعة، لكنها أبت إلا أن تنتفض في وجه الجميع، حيث أطلق العنان للسماسرة لاستعمال المال الحرام وشراء الذمم، حتى بتنا بآسفي أمام معادلة جديدة اسمها التاجر / المترشح ، على اعتبار أن بعض المرشحين وزعوا الأموال بشكل كبير للحصول على أصوات الناخبين، فالتاجر اشترى الأصوات والمواطن باع ضميره ليقبض الثمن . ولعل أغرب وأعجب ما سمعناه عن مسلسلات الإفساد بآسفي، هو تقسيم الورقة المالية إلى نصفين نصف يسلم للمصوت، والنصف الآخر بعد اتباث التصويت، من خلال تصوير ورقة الانتخاب ووضع العلامة على الرمز المرغوب فيه، ناهيك عن نقل شحنات المصوتين في السيارات إلى مكاتب التصويت وافتعال وتمويل حفلات الزفاف وليالي اكناوة والعقيقات، واللجوء إلى الوسطاء الذين أسهموا في توزيع الهبات العينية والنقدية والتفاوض والمقايضة لاستمالة الكتلة الناخبة، وإحراق بطائق الناخب، وتسخير الموظفين من خلال الحرص غير المعهود في قضاء أغراضهم المجمدة منذ سنوات، في شكل تسويات إدارية ومالية، إضافة لعمليات التوظيف بالجماعة والتي قامت اللجنة الموحدة للمعطلين بآسفي على فضحها والمطالبة بوقفها. ولعل نظرة على مجريات الاقتراع بإقليم آسفي، تؤكد بما لايدع مجالا للشك، سطوة المال الحرام الذي لعلع في غالبية أحياء آسفي الفقيرة، بدءا من كاوكي ومرورا بالسانية وانتهاءا ببياضة، حيث لا سلطة تعلو فوق سلطة المال الحرام، ولسان حالهم يقول : المال أصدق أنباء من البرامج ، في حده الحد بين الجد واللعب، ليعود أصحاب الشكاير ويتموقعوا على رأس بعض اللوائح، بدليل أن بعضهم غيروا ألوانهم الحزبية بسهولة بالغة غير ما مرة كما يغيرون ثيابهم ، ثم عادوا ليدخلوا غمار الانتخابات بألوان حزبية جديدة، مما يقوي من فرضية أن الأحزاب والبرامج ليست قيمة مضافة في نظر بعض المرشحين،لأن نمط الاقتراع الذي أريد له أن يكون تصويتا على البرامج والأحزاب، لم يكن في الحقيقة سوى تصويتا أحاديا على الأفراد وذوي النفوذ المالي. فالأحزاب باتت تتسابق على أصحاب الشكاير، لأنهم يستطيعون هزم أعتى الأحزاب، أما المناضلون فتحولوا إلى مجرد بروليتاريا حزبية عددية ينحصر دورها السياسي في دردشات المقاهي، فليشربوا ماء البحر ولهم أن يخطوا ماشاؤوا من احتجاجات على صفحات الجرائد...وغني عن البيان أن الحملات الانتخابية عند أصحاب المال تبتدئ مبكرا قبل أوانها، من خلال تشكيل خلايا الاستقطاب بالعديد من الأحياء، حيث" الكرم والجود " غير المعهود فيهم والذي يشملون به المواطنين، خدمات صغيرة ومحسوبة بعناية، يحسبها بعض المستفيدين تدخل في إطار أعمال البر والإحسان، كل ذلك يجعلهم في مأمن عن خوض الحملة الانتخابية تحت أي مسمى حزبي، فلذلك لم يعد أمر تجديد انتخابهم سوى مسألة وقت فقط، والنماذج بإقليم آسفي خير دليل على ما نقول. فساد ومال حرام وسماسرة يتحكمون في أزرار الكتلة الناخبة في كل أرجاء الإقليم ، يعرضون خدماتهم في السمسرة ويشغلون معهم شبكات من الوسطاء لهم خبرة في توزيع " الحبة " من فئة 100 إلى 200 درهم ، حتى أن بعض السماسرة والسمسارات الذين ذاع صيتهم عبر الإقليم، وفي غياب قوة الزجر القانوني، وجدوها فرصة مواتية لطلب المزيد من المال مقابل عرض خدماتهم الإجرامية في وضح النهار بل زادوا الطين بلة بالاشتغال مع أكثر من مرشح، كما أن بعضهم حولوا بيوتهم كمحطات نشطة في توزيع المال الحرام على الرؤوس التي قبلت بيع نفسها في سوق النخاسة.إنها بحق سوق للنخاسة، حضر فيها السماسرة والمال الحرام، وغابت فيها أعين السلطة التي لا تنام، وكأن الذي حدث فعله جان وليس إنسان. العزوف الانتخابي بآسفي أية قراءة شهدت مدينة آسفي كغيرها من المدن المغربية، عزوفا كبيرا عن التصويت، حيث فضل الكثيرون عدم المشاركة في الاستحقاق الانتخابي، وهي رسالة احتجاج صامت تحمل الكثير من المعاني، وتقتضي من الجميع الوقوف عند أسبابها بعيدا عن التفاسير المغلوطة . ونعتقد أن السبب في ذلك راجع بالأساس إلى فشل المجالس المنتخبة في تدبير محكم للشأن المحلي، و الحصيلة في مجالسنا تتراوح بين غياب تام للمشاريع أو مشاريع متوقفة منذ عقود حتى تحولت إلى أطلال خربة تسكنها العفاريت، أوتدبير مفوض فاقم من أزمة الجماعة المالية، أو وضع رهن الإشارة للتخلص من أملاك جماعية،أو تفويتات بالجملة وبأبخس الأثمان حتى أن دورة خصصت بالكامل للتفويت،وعجزت الجماعة عن توفير مقبرة لدفن الأموات بعد أن امتلأت المقابر الأربع للمدينة، وأصبحت عمليات الدفن تتم في الأماكن المخصصة للمرور، زيادة على مراكمة الجماعة لديون تعود لسنوات 76 _89 _90 _دون الحديث عن فوائدها وقروض صندوق التجهيز الجماعي، وعجز متواصل في ميزانية الجماعة، وضعف كبير في مداخيل بعض الفصول وعائدات مجموعة من الممتلكات الجماعية، ومال سائب لا جهد لتحصيله، حتى بات الباقي استخلاصه يهيمن على كل فصول الميزانية ويتجاوز حدود 13 مليار، ينضاف إلى ذلك اصطدام المواطنين بغياب المرشحين طيلة الفترة التشريعية عن دائرتهم التي حازوا فيها على مقاعدهم، فضلا عن استمرار التهميش عن آسفي التي تحولت إلى مدينة راكدة في كل المجالات، ووجهة لشحنات الحمقى والمعتوهين المرحلين من مدن الجوار السياحية، والذين يجوبون شوارعها حفاة وعراة، كما لوكانت المدينة مارستانا لهم، ناهيك عن ظاهرة المشردين الذين يقتاتون على نفايات المدينة، ويضعون أقمشة السيلسيون على أنوفهم كما لو كانوا مزكومين على الدوام، علاوة على استثناء آسفي من حقها في المشاريع التنموية وجعلها بؤرة للمشاريع الملوتة التي تسببت في هجرة الأسماك لساحل آسفي، بعد أن كانت عاصمة السردين في العالم..ومما زاد الطين بلة في العزوف الانتخابي بآسفي، موجة الغلاء غير المقبولة ولا المستساغة، والتي أصابت بلهيبها جيوب المستضعفين وأتت على ما تبقى من قدرتهم الشرائية، حيث لوحظ غياب الشباب عن المشاركة وحضور النساء والمسنين مما أدى إلى تسجيل 6355 من الأصوات الملغاة، وهو رقم كبير تتحمل مسؤوليته الدولة باعتبارها المسؤولة عن نمط الاقتراع، والأحزاب التي قدمت استقالتها في تأطير المواطنين وبات ينحصر دورها في فتح دكاكينها السياسية مع بداية كل استحقاق، وإغلاقها بعد نهاية الاقتراع، حيث لم تفلح الحملات الدعائية عبر التلفزة وغيرها، ولا الحملات المخدومة في شكل مواكب زف العرسان بواسطة أبواق وطوابير السيارات، في إقناع الناخبين بجدوى المشاركة والواجب الوطني . وهي رسالة حملت معها عدم الثقة في المنتخبين والمجالس الاثنى عشر التي دبرت شأننا المحلي، فلم تعد المؤسسات تعني شيئا للشباب، بعد أن تحولت بعض الأحزاب إلى مقاولات متخصصة في إنتاج أصحاب الشكاير، الذين باتوا يهيمنون على الانتخابات بتجييشهم للمئات من الأجراء ، ويوزعون المال يمينا وشمالا مهما كلفهم ذلك من ثمن. فمن أجل ماذا تنفق هذه الأموال ؟ وهل بمثل هذه الكائنات الانتخابية سنتمكن من خدمة المدينة؟ إن النسبة الكبيرة للمقاطعين بآسفي، والتي بلغت مستويات قياسية، بعثت برسائل واضحة للمسؤولين وصناع القرار حول الحاجة إلى مزيد من الإصلاحات، وتنمية المدينة بدل تنمية الجيوب والأرصدة، وتقوية سلطة المنتخبين، ورفع واقع التهميش المفروض قسرا عن آسفي منذ عقود، فلا قيمة للعمل الجماعي في ظل استمرار معدلات الفقر والبطالة، وتدهور البنيات التحتية وترييف المدينة، ولا قيمة لعمل جماعي لا يستشعر المواطن آثاره ولا يجني المواطن ثماره، فالمنتخبون الجدد مطالبون برفع التحدي لتدارك الخصاص في التأهيل الحضري للمدينة، والقطع مع ممارسات الأمس التي جعلت من آسفي مدينة راكدة، تخترقها العديد من المشاريع المتوقفة، والشوارع المحفرة، والأملاك العمومية المحتلة بدون ترخيص، والأسواق العشوائية، ووجهة لشحنات الحمقى، وعاصمة لأسطول الكارويلات التي فاقت أسطول الحافلات .فماذا نحن فاعلون ؟