أنا قطة. مجرد قطة. أنا، لو جاز لي أن أقول أنا: قطة فقط ، مجرد قطة. * * * لا أعرف ماذا كنت؟ «من « كنت؟ ولا من أين جئت؟ قبل أن أصبح اليوم قطة. * * * لا أعرف ما معنى أني قطة. كما لا أعرف سوى أنني قطة. ولا من سمّاني، كذلك، قطة. هم سمّوني، فصرت هكذا قطة. * * * لم يكن بمقدوري أن أعرف من هم. أو أن أسأل عنهم، من هم؟ أن اسأل عن أصلهم وفصلي. لأ ني، كما سمعت عني، مجرد قطة. * * * لا أذكر متى سألت ما معنى أني قطة. ولا لماذا لا أشبه من ليسوا مثلي قطة. ولا لماذا أمشي مستوية بالأرض كقطة. ولا لِمَ أفزّ كي لا يركلوني، لأني مجرد قطة. * * * ثم شيئا فشيئا بدأت أتعرف على أنا القطة. مثلا، أن أموء طويلا، جوعا، ولا يطعمني أحد قطة. اليوم، وغداً، بدداً، لأني جئت إلى هذا العالم مجرد قطة. فإن أصبت طعاما، فبقية أزبال لما تبقّى ..لأقلّ من قطة. * * * أتسلل بين العمارات، الفيللات، الأقدام، كأي قطة. أتمسّح بالجدران، السيقان، أتحنّن رجاءً، ككل قطة. للبشر بيتٌ، للفأر غارٌ، ولي العراء وحدَه ..كقطة. وحين يقرسني البرد، يهلكني الجوع،أتقطقط قطة. * * * حين أنهك مواء جرّاء ما شكوت.. أنا القطة. أُعزّي حالي، فالبشر حولي أحيانا أسوأ من قطة. أتنافس معهم على الأزبال لأراهم، عجبا، مثلي قطة. ينبشون، أنبش، حتى أخاف أن يأكلوا لحمي قطعا قطة. * * * ذات ليلة، في حَرْج، تصوروا حلمت أنا القطة. مفروشة أمامي مائدة حافلة بما يلذ يطيب لقطة! دجاج، سردين، نقانق، الخ، الخ،لي وحدي أنا القطة. فأكلت، نهشت،افترست حتى تجشأت، أنا القطة! * * * وما حدث طريف بعد ذلك، لصاحبتكم القطة. فقد كنت ألعب بذيلي، أتهادى كطاووس، أنا القطة. وتحت ذيلي يذهب فيّ ّيجيئ بما لذ لي..كقطة. وكان حولنا وبيننا صراخ مواء، أيّ شبق يشبق قطة! * * * فإني لما شبعت زبلا، نعست، نمت بنصف عين كقطة. تدغدغت في المنام، تحرك في أحشائي شيء؛ترى ما هو يا قطة؟ حريق من خلفي.. حتى حلقي، سمعت: خذي هذا يا قطة! في الصبح تحسست بللاً، حدست أن ثمة من فعل شيئا بالقطة! * * * بعد وقت كنت نسيت الحلم، حلمي، فأنا أيضا أنسى كأي قطة. ثم شيئا فشيئا..تثاقل مشيي، ثقلت ياه(!) ما لك تعبت يا قطة؟! نفرت مني القطط الأخرى، صرت ألهث، أحزن، أنا القطة. حتى تفجر مني دمي،، أوه، من تراه سيسعفني، ينجد قطة؟! * * * عدت نعست، حلمت، أكلت الزبل المغربي، أو ما يفضل لقطة. ولما فتحت عيني رأيتهم خمسة ملتصقين بي، وأنا لست إلا قطة. ملتصقين بي، فلعقتُهم واحداً، واحداً، كما تفعل كل أم قطة. جعت فجاعوا،مؤت فماؤوا، قلت لا حول ولا قوة إلا بالله يا قطة! * * * إلى أن هدانا الله إلى بيت سمعنا أن صاحبه رعى ذات يوم قطة. لم نجد إلا كتبا، إسم صاحبها أحمد المديني، أبذا ستقتات أسرة قطة؟! وكان مسافرا، سبحان من أحضره فجأة، فأطعمنا، أشبعنا قطة، قطة. وصرنا كل صباح ننتظر، ونعيش من بركاته، لا أسعد منا في الدنيا قطة. * * * وانتظرنا طويلا ذات صباح، جعنا وما حضر، مُؤنا شديدا، أفجع من أي قطة. ولما تضورنا، سحبت خمستي إلى الشارع، فهنا أخيرا بلا ملاذ كأي بشر، أي قطة. لم يبق لي صوت لأصرخ حين مرت شاحنة ودهستهم تحت بصري، أمهم القطة! مِزقاً صاروا، لا ينجدني أحمد المديني، من ينجدني، ما هَمَّه مصير قطة! * * * لا أعرف من أين جاءني صوته، عرفته وأنا أرتجف بردا وجوعا: « وصلت إلى لا بيتي،لا وطني، وحدتي في العراء، لا حبيب،لا رفيق،لا نديم! خواء في بطني، ولا نبض في قلبي،لا رجف في جسدي!». * * * برد الرباط شنيع، أين يوجد أشنع، فمن سيحفل فيها بقطة؟! نحن ستة بطون، واحدً تلو الثاني نتساقط، قط تلو قطة. كان يطعمنا كفتةً تارة، يسقينا حليبا أخرى، يرعانا وما نحن إلا قطة. أفيُرضيك الآن أن نُرمى في العراء يا صاحب الكتاب، أن تموت قطة؟ * * * برد الرباط، جوعها، قومُها أقسى من تحمّل بشر، فكيف إذا جاعت قطة؟! لم يبق إذن إلا أنت لتنجدنا يا مرسل الكتاب، رجاءً خذني أنا القطة! رأيتها تمسكهم من العنق، تهرب بالفلذات من الممات، مفزوعة هي القطة. لم أر من قبل هلعا، ولا مثله حدبا، كما رأيتها تسحب أبناءها هذه القطة. * * * أما أنا فوصلت من بعيد، اكتشفتني في الليل وحيدا وعاريا بلا سند كهذه القطة. النوافذ معتمة، ومصابيح الشوارع مطفأة، ولحمي ثلج مثل لحمها هي القطة. نظرت إليّ، نظرت إليها،لا حبيب،لا قريب لنا في الرباط، وحده الله لي ولها القطة. إن لم يكن تخلى، فأمسكت بيدي ومن شحّ هذه الأرض، قلت لا مناص من الرحيل يا قطة! الرباط في 07/12/2011