لا شك أن أشكال الكراهية والحقد، بل والعنصرية، ترتبط بظاهرة الهوليغانز التي عرفتها وتعرفها بعض الملاعب العالمية، بالأخص منها الأوربية بكل من انجلترا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها، علما بأن هذه الظاهرة تجد أصلها في تسلل فلول من اليمين المتطرف إلى ملاعب أوربا، لتعلن حضورها بها من خلال شعارات وهتافات كلها دعوة إلى الكراهية والحقد والعنصرية، والتي تستهدف بالأساس اللاعبين الملونين، بالأخص منهم الأفارقة. فما موقعنا نحن من هذه الظاهرة؟ وهل يمكن القول إن ملاعبنا الوطنية أصبحت تعرف بدورها مثل هذه السلوكات والممارسات والتي تبقى، في أساسها، ضربا للفعل الرياضي في عمقه الحضاري والإنساني؟ نعتقد أنه عندما نتناول حجم ودرجة حضور مثل هذه الظواهر بملاعبنا، والذي لم يصل بعد إلى المستوى الذي تعرفه البلدان التي أشرنا إليها، علينا أن نحتاط توخيا للتعامل الموضوعي مع الظاهرة. فمن المعروف أن المنتوج الكروي عندنا، والرياضي عموما، مازال لا يستقطب حضورا جماهيريا كبيرا. فأغلب مباريات البطولة مثلا يبقى الحضور الجماهيري فيها محدودا، بل إن تلفزتنا الموقرة غالبا ما تتحفنا، عند نقلها للعديد من هذه المباريات، بمشهد المدرجات الفارغة أو شبه الفارغة للكثير من ملاعبنا التي تعاني فضاءاتها، في ظل هذه المحدودية، من بقع «التونيا». لكن هذا لا يمنع من أن نشاهد، خلال بعض المباريات القوية، كلقاءات الديربي، أو اللقاءات التي تجمع الفرق التي تمثل مدن وجهات مختلفة، كفرق سوس، ومراكش، والبيضاء، وفاس وغيرها، والتي تجتذب عادة جمهورا كبيرا وحماسيا، لا يمنع هذا إذن من أن تتخلل مثل هذه المباريات انفلاتات كلامية لا تخلو من عنصرية، وإن كانت هذه الإنفلاتات لا تكتسي طابع الحدة والخطورة التي نلمسها في بلدان أخرى. كما لا ينبغي أن نغفل في تعاملنا وتتبعنا لمثل هذه الإنفلاتات والتجاوزات، أن نؤكد على أن الجمهور الرياضي لا يمثل كتلة منسجمة ومتجانسة، بل يتكون من فئات ومجموعات بعضها يتكون عفويا داخل الملاعب، وبعضها الآخر يكون نتيجة لتنظيم أو هيكلة مقصودة ومتفق عليها، كما هو الأمر بالنسبة لمجموعات «الأولترا» التي أصبحت تؤثث حاليا الكثير من ملاعبنا، حيث أصبح لكل فريق تقريبا «أولتراه». فالأمر يتعلق بمجموعات منظمة تعلن عن نفسها من خلال اللافتات والشعارات التي ترفعها، والتي لا يخلو بعضها من إبداع أو طرافة. كما أن مجموعات الأولترا هذه ترتبط فيما بينها بعلاقات تتراوح ما بين المودة والصداقة، وبين والكراهية والعداوة، بحيث يلاحظ أنه في بعض المباريات التي تكون فيها العلاقات بين أولترا الفريقين متوترة يتفنن كل طرف في رفع الشعارات واللافتات التي تعرض بالخصم وتسخر منه. ولا تخلو هذه الشعارات عادة من كلام عنصري. وفي حالة العكس، نلاحظ كيف أن كل طرف يرحب بالطرف الثاني، بل وقد يهديه باقة ورد تعبيرا وتجسيدا لعلاقات الود التي تجمع بينهما. وعموما تبقى فضاءاتنا الرياضية معرضة لأن تنتشر فيها، بل وتتفاقم، كل أشكال الانفلاتات، بما فيها السلوكات والشعارات العنصرية التي لا يمكن محاربتها، في أفق وضع حد لها، بدون القيام بعمل تضافري وتشاركي ينخرط فيها كل الفاعلين من رياضيين، وإعلاميين، وممثلي الأولترات، بالإضافة الى المسؤولين الأمنيين، لأنه بدون انخراط كل هذة الجهات للعمل سويا على تنقية الأجواء بملاعبنا، وذلك بالمواجهة العقلانية والهادئة لكل التجاوزات، سنواجه أياما عسيرة لا نعرف ما هو الأفق، غير السار بالتأكيد، الذي ستفتحنا عليه.