استبشرت خديجة, وهي عاملة منزلية لدى إحدى الأسر بالرباط خيرا, وهي تستمع إلى خبر مصادقة مجلس الحكومة, أمس الأربعاء, على مشروع القانون المحدد لشروط الشغل والتشغيل الخاصة بالعمال المنزليين, ورأت فيه بارقة أمل قد تنتشلها وزميلاتها, ممن اخترن أو أجبرن على هذا العمل,من واقع سوء المعاملة والتهميش والإقصاء اللائي يعانين منه. فمنذ ولجت خديجة أول بيت لتشتغل به, وهي لم تتجاوز حينها ال15 من عمرها, ذاقت الويلات وتجرعت مرارات عدة داخل بيوت لم تجد فيها الدفء الأسري الذي حرمت منه وهي لاتزال طفلة. كما أنها لم تسلم من نظرة المجتمع القاسية لهذا النوع من العمل ولمن تمارسنه. تستعيد خديجة شريط حياتها الأليم بعد أن أجبرتها ظروف أسرتها الفقيرة على أن تنقطع عن الدراسة لتعمل ك"خادمة", فلطالما تعرضت للضرب والإهانة من قبل ربي الأسرة وأفرادها, وتم إجبارها على الاشتغال على مدار الساعة وخلال أيام العطل الأسبوعية والأعياد لدرجة أنها لم تعد تعرف لحلاوة الاحتفال بالعيد في كنف الأسرة مذاقا. تقول خديجة في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء, إنها أصبحت تخال نفسها آلة مبرمجة في خدمة جميع أفراد الأسرة, صغيرا وكبيرا, ولا حق لها في المطالبة بأي حق من حقوقها مخافة تعرضها للطرد, بسبب امتهانها لعمل لا تؤطره أي قوانين ولا تحظى ممتهناته بأي حماية اجتماعية أو قانونية. غير أن خديجة يساورها قلق من أن يظل هذا الإطار القانوني حبرا على ورق, وأن تستمر معاناتها مع هذا العمل الذي لا تجد له بديلا, وهي التي حرمت من الدراسة ولم تتوفر لها الظروف لتعلم أي حرفة تقيها العوز والفقر. مشروع قانون جديد .. خطوة في الاتجاه الصحيح طال انتظارها انتظرت الفعاليات الحقوقية والجمعوية العاملة في مجال حماية حقوق العاملات المنزليات (خادمات البيوت) طويلا قبل أن تتحقق مطالبها بوضع إطار قانوني منظم لعمل هذه الفئة من النساء, اللواتي يضطلعن بدور هام في المجتمع, لكنهن لا يكافأن عليه بالشكل المطلوب. كما اعتبرت أن الفراغ القانوني في هذا المجال حفز بشكل غير مباشر الأسر المحتضنة لهؤلاء الفتيات والنسوة على ممارسة كافة أشكال سوء المعاملة إزاءهن والتجاوزات, بدءا بالراتب الذي يتحكم فيه في الغالب المشغل, مرورا بالاستغلال الكبير لهن وتحميلهن مسؤوليات أخرى غير الأشغال المنزلية, ولاسيما الاعتناء بالأطفال وقضاء شؤون أخرى للأسرة خارج المنزل. بل إن هذا الوضع تسبب في مآسي وفظائع يندى لها الجبين, بعدما أصبحت "الخادمات القاصرات" عرضة لشتى أنواع التعذيب والتحرش الجنسي داخل بيوت كانت تعتقد أسر هؤلاء الفتيات أنها ستوفر الأمان لفلذات أكبادها. ولا يزال الرأي العام المغربي تحت وقع صدمة وفاة الخادمة خديجة (7 سنوات) بمدينة الجديدة متأثرة بإصابات ناجمة عن التعنيف والتعذيب بوحشية, وزينب شطيط (11 سنة) التي تعرضت للتعذيب بمدينة وجدة على يد مشغلتها, وهما نموذجان صارخان يظهران الحجم الخطير الذي بلغته هذه الظاهرة, ويبرزان الضرورة الملحة لإخراج إطار قانوني يحمي هؤلاء الفتيات. وفي هذا الصدد, ثمنت السيدة نجاة أنور رئيسة جمعية "ما تقيش ولدي", الإصلاحات الكبرى التي انخرط فيها المغرب, ملكا وشعبا, والتي ساهمت في إخراج مثل هذه القوانين. وأبرزت السيدة أنور, في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء, أن مشروع هذا القانون يؤشر على منحى جديد في التعاطي مع القضايا العادلة, ويعد تكريسا لمطالب جمعيات المجتمع المدني في مجال حقوق الإنسان عامة, وحقوق الطفل على وجه الخصوص, ودعوتها لمحاربة الفقر الذي يجبر الأسر على دفع بناتها للعمل في البيوت. كما اعتبرت المصادقة على مشروع هذا القانون بداية لمسلسل إدماج المرأة بشكل عملي في التنمية, ومدخلا جد مهم لكسر جدار الصمت والسرية اللذين يكتنفان عالم خادمات البيوت,معربة عن أملها في أن يواكب مسطرة المصادقة عليه نقاش عميق ينخرط فيه الجميع لضمان حقوق هذه الفئات مقتضيات قانونية جديدة لحماية العاملات المنزليات وضبط علاقاتهن مع مشغليهم يتميز مشروع القانون الجديد باستبدال تسمية "خدم البيوت" ب"العمال المنزليين" تكريسا لمفهوم العمل اللائق, ويمنع تشغيل عمال منزليين إذا كانت أعمارهم تقل عن15 عاما, ويقر العقوبة نفسها المقررة في مدونة الشغل في حالة تشغيل الأطفال أقل من15 عاما, وكذا عقوبة زجرية على الأشخاص الذين يتوسطون, بصفة اعتيادية, في تشغيل العمال المنزليين. وفي هذا الصدد, قال وزير التشغيل والتكوين المهني, جمال أغماني, في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء, إن هذا المشروع يأتي في سياق مجهودات تنزيل مقتضيات الدستور الجديد, والسعي إلى تنظيم العلاقة بين العمال المنزليين ومشغليهم. ويندرج هذا المشروع, حسب الوزير, في إطار تنفيذ أحد بنود خطة العمل الوطنية للطفولة2006 -2016 , ويأتي بعد مصادقة منظمة العمل الدولية, خلال دورتها ال100 المنعقدة مؤخرا, على اتفاقية وتوصية دولية حول العمل اللائق للعمال المنزليين حيث كان المغرب من بين الدول التي صوتت لصالح إقرار هذه الاتفاقية الدولية. وأوضح أن المشروع يتضمن أحكاما عامة تتعلق بتعريف مفهوم العامل المنزلي الذي هو "كل شخص يقوم بشكل مستمر مقابل أجر بإنجاز أشغال مرتبطة بالبيت كالتنظيف والطبخ وتربية الأطفال أو العناية بفرد من أفراد البيت أو سياقة السيارة لأغراض البيت أو إنجاز أعمال البستنة أو الحراسة». ويمنع مشروع القانون تشغيل الأفراد ما دون سن15 سنة, بينما يضع شروطا بالنسبة لتشغيل الأفراد ما بين15 و18 سنة تتمثل في ضرورة الحصول على رخصة مكتوبة من الأبوين أو ولي الأمر شريطة عدم تشغيلهم في الأشغال الشاقة, فضلا عن منحه مفتش الشغل صلاحيات إجراء محاولات الصلح بين المشغل والعامل المنزلي والتنصيص على آلية المراقبة والعقوبات في حالة خرق مقتضيات هذا القانون. كما ينظم الراحة الأسبوعية والعطلة السنوية وأيام الأعياد الوطنية والدينية, وكذا أيام العطل المرتبطة على الخصوص بحالات وفاة أحد الأقارب, فضلا عن الأجرة التي يتلقاها العامل المنزلي مقابل العمل الذي يقدمه لصاحب البيت. مشروع قانون لإقرار العدالة الاجتماعية للعاملات المنزليات ولترسيخ القوانين التي تحمي الطفولة المغربية يؤسس مشروع القانون حول العمال المنزليين لعلاقة عمل جديدة بين العامل والمشغل تقوم على أساس احترام حقوق وواجبات الطرفين والتي من شأنها أن تضع حدا للعديد من الظواهر التي أفرزها الفراغ القانوني في هذا المجال مثل ظاهرة "السماسرة"الذين يقومون بدور الوساطة في تشغيل الفتيات بالمنازل مقابل مبالغ مالية. وفي هذا السياق, ترى وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن, السيدة نزهة الصقلي, أن مصادقة مجلس الحكومة على مشروع هذا القانون يعتبر خطوة مهمة في اتجاه تنظيم قطاع العاملات في البيوت, اللواتي يشكلن فئة اجتماعية تستحق أن يكون عملها في إطار منظم يضمن حقوقها ويضبط واجباتها وعلاقات عملها, ويرسي مجموعة من الحقوق الاجتماعية المهمة لفائدتها. واعتبرت الوزيرة, في تصريح مماثل, أن الشق "التاريخي" في هذا المشروع يتعلق بمنع عمل الطفلات بالبيوت وفرض عقوبات زجرية على المشغل والوسيط, مضيفة أن هذا الشق يعد آلية أساسية لبلورة استراتيجية تؤدي إلى الإلغاء الكلي لهذه الظاهرة التي لا تليق أبدا بالانجازات التي حققها المغرب في مجال حقوق الإنسان وحقوق الطفل. وأبرزت أن تطبيق هذا القانون ستواكبه استراتيجية قوية للتحسيس والتوعية "لأن الأمر يتعلق بتغيير ثقافة مجتمعية" , موضحة أنه سيتم على الخصوص تنظيم حملات تواصلية في الإعلام ستكون هذه المرة مدعمة بقوة بالجانب القانوني الذي يضمن التطبيق الفعلي للحماية القانونية والاجتماعية للعاملات المنزليات. وأشارت إلى أن هذا القانون يتماشى مع الإجراءات المعتمدة في مجال النهوض بالطفلات القرويات, ولا سيما برنامج "تيسير", ومع مضامين خطة العمل الوطنية للطفولة "مغرب جدير بأطفاله", والرعاية الكبيرة التي يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للطفولة المغربية. والأكيد, أن إخراج هذا القانون سيشكل علامة فارقة في التعاطي مع هذا الموضوع الذي لم يحظ طوال السنوات الماضية بالاهتمام الذي يستحق, وسيجنب المجتمع المغربي مآسي اجتماعية يتسبب فيها الطرفان, العاملة المنزلية والمشغل, بسبب غياب أي تعاقد يحدد حقوق الطرف الأول وواجبات الطرف الثاني.