تتعايش عقلية المجتمع المغربي مع عمالة الطفلات الصغيرات.خلف أسوار عدد من البيوت المغربية المغلقة، تعيش ما بين 66000 و88000 طفلة صغيرة تشرف على "خدمة" أسر من ثلاثة إلى خمسة أفراد على الأقل، عوض الالتحاق بمكانهن الطبيعي وتجلسن على مقاعد الدراسة رفقة زملائهن . بجسد هزيل ملتحف بأسمال بالية وشعر منكوش ملفوف في منديل وسخ قدمت نجاة إلى العاصمة الرباط وعمرها لا يتجاوز 12 سنة من قرية آيت ورير،جنوبي المغرب، لكي تعيل أسرتها، ظلت تنتقل من أسرة إلى أخرى، خلال فترة عملها ببيوت العاصمة الرباط، طلبا لدراهم معدودة.أحبت الخادمة كأي مراهقة ابن مشغلتها، الذي كان يعاشرها جنسيا. كانت تعتقد، هذه الفتاة القادمة في أعماق الأرياف المغربية، أن ابن مشغلتها، الذي كان يكبرها ب 8 سنوات يحبها فعلا وينوي الزواج بها. لكن وبعد سنة من علاقتهما بدأت تظهر على الشابة علامات الحمل فأجبرها على إجهاض الجنين، وعمرها لا يتجاوز آنذاك 17 سنة، لتجد نفسها بدون عمل ولا معيل. سوى باب إحدى الجمعيات التي احتضنتها. نجاة نموذج لاستغلال الجنسي، الذي عادة تكون الخادمات ضحية له خاصة مع صغر سنهن، "الخادمات يتعرضن للاستغلال الجنسي، وهناك خادمات يتحولن إلى أمهات عازبات" تقول خديجة الرياضي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، العضو في الائتلاف من أجل حظر تشغيل الطفلات كخادمات في البيوت . رواتب هزيلة وساعات طويلة يتجاوز في الغالب مشكل الفتيات الخادمات الاستغلال الجنسي إلى حد الاستغلال الجسدي والاستغلال المادي، ففي ظل غياب قانون ينظم العمل داخل البيوت، قد يضمن حقوق لخادمات والصغيرات منهن، لا تخضع رواتبهم وعدد ساعات عملهن للمنطق فمعدل رواتبهن قد لا يتجاوز 400 درهم شهريا. الطفلة خديجة، 14 سنة، قدمت من مدينة بركان شرقي المغرب للعمل بالرباط من أجل تحسين مستوى عيش أسرتها، كانت تتقاضى 700 درهم في الشهر مقابل ساعات عمل تتجاوز 12 ساعة متواصلة" كنت أعمل منذ الصباح الباكر، وإلى غاية منتصف الليل" تقول خديجة، التي تركت العمل بعدما مرضت ولم تعتني بها زوجة صاحب المنزل الغنية، لكن " لم تقم صاحبة المنزل بالاعتناء بي رغم أني عملت بذلك المنزل الكبير منذ سنتين" تضيف هذه الشابة بحنق وحرقة . وإذا كانت مدونة الشغل في المغرب تمنع منعا قطعيا تشغيل الأطفال مادون سن الخامسة عشرة، كحالة الطفلة خديجة، فإن رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان خديجة الرياضي تعتبر أن عمل الخادمات الصغيرات في حده ذاته أكبر مشكلة، "فهن دون السن القانونية للعمل التي حددتها منظمة العمل الدولية، وهي 15 سنة. وحتى بالنسبة للفئة العمرية ما بين 15 و18 سنة لا يتم إلا في إطار احترام شروط محددة للعمل، تسمح بالنمو، أما أن يكون مخلة بالآداب والأخلاق فهو أمر غير مقبول ويجب أن يعاقب كل من يخرقها". قبل أن تضيف "لا يتم احترام ساعات عمل الطفلات الخادمات، كغيرهن من الخادمات، كما يتم إجبارهن على ساعات كثيرة، فالعمل في البيوت بالمغرب غير مقنن، على عكس بعض الدول التي تقنن ساعات العمل الخادمات والتقاعد ".
دعوة لمواجهة عقلية
ورغم أن الائتلاف من أجل حظر تشغيل الطفلات كخادمات في البيوت، الذي يضم عدة جمعيات كل واحدة تنشط في مجال مختلف، بين المتابعة القانونية وتتبع العمل ميداني، حيث تنتشل الصغيرات من العمل وتوفر لهم إمكانية الدراسة، من خلال "مذكرة مطلبية" تم توقيعها أواخر أكتوبر الماضي وتدعو إلى تبني قانون خاص يعاقب تشغيل الطفلات دون سن 15 كخادمات في البيوت. خديجة الرياضي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تعتبر أن القانون هو فقط خطوة واحدة ولا يمكنه أن يقوم بالردع ، فالإشكالية بحاجة إلى توعية وتحسيس كافيين، لأن المشكل، حسب الرياضي له جذور ثقافية "محاربة هذه الظاهرة يعرف حاجزا ثقافيا فالمجتمع المغربي يعرف نوعا من التعايش مع تشغيل الطفلات الخادمات، فالأسر المستقبلة للصغيرات تعتقد أنها خدمة للأسرة بجلبها الخادمات من الأرياف إلى الحواضر ". هذا الأمر الذي تؤكده نتائج الدراسة التي قام بها الائتلاف، حيث خلصت إلى أن 67 في المائة من هذه الأسر تعرف الأحكام القانونية التي تحظر تشغيل الأطفال دون سن 15 سنة، وفي المقابل فإن نسبة 100 بالمائة من هؤلاء المشغلين يوظفون طفلات بين ثمان و15 سنة. بين الفينة والأخرى يطلع الإعلام المغربي، خاصة المكتوب منه، بقصص طفلات خادمات تعرضن للتعذيب، كقصة الطفلة زينب أشطيط، لكن المجتمع المغربي يظهر دائما تطبيعا كبيرا مع عمل الطفلات الخادمات، موضوع ما يزال يدخل في باب المحرمات التي تزعج . الحرمان من الدراسة تؤكد خديجة الرياضي نتائج الدراسة، التي أنجزها الائتلاف بأن 74 في المائة من المشغلين يتمتعون بمستوى عيش مريح وبإمكانهم استخدام أشخاص تفوق أعمارهم 16 سنة. كما أن 61 في المائة من المشغلين لهم مستوى تعليمي عالي والمعرفة الكاملة بحقوق الطفل. عائلة زينب، وهي طفلة اقتلعها والدها من الجو الأسري لإجبارها على العمل وعمرها لا يتجاوز عشر سنوات. كغيرها من أسر الطفلات يدفعها الفقر إلى إرسال بناتها للعمل في بيوت الآخرين" فحسب خديجة الرياضي، " عائلاتهن لا تملك القدرة على الإيفاء بحاجياتهن " . 79 في المائة من الطفلات الخادمات في البيوت دون سنة 15 تم استبعادهن من النظام المدرسي، هو الأمر، الذي يفرض، حسب خديجة الرياضي تغيير طريقة التعامل الإيجابي للدولة مع هذه الإشكالية،" فالدولة لا تعتمد على المنع في حملاتها". تغيير التعامل،تقول الرياضي، ينطلق من فرض إلزامية التعليم، لكن هذه الأخيرة لا يمكن أن تحقق في ظل عدم وجود شروط العيش الكريم لتشجيع تمدرس الفتيات في الأرياف. " فكيف يعقل أن ترسل أسر صغيراتها للتعلم في مدارس لا تتوفر حتى على مراحيض" تقول الرياضي. وعلى الرغم من اقتراح كل من وزارتي التشغيل والتنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن لمشروع قانون لمنع تشغيل الأطفال، فإن هذا القانون يبقى من وجهة نظر الائتلاف، غير كاف لتطويق الظاهرة، لذلك تصر الرياضي على ضرورة وضع آليات للتنفيذ، ومنع الوسطاء، لأنهم يشجعون الظاهرة. كما على الدولة توفير شروط العيش الكريم لهذه العائلات .
معظم الخادمات يتعرضن للضرب
وكان تقرير حول خادمات البيوت في المغرب كشف النقاب عن أن 22.940 ألف خادمة من اللواتي تعملن في مدينة الدارالبيضاء كبرى مدن المغرب تقل أعمارهن عن 18 سنة وأن 59 في المائة منهن تقل أعمارهن عن 15 سنة. وقال بيان للمندوبية السامية للتخطيط أن التقرير الذي أنجز في إطار برنامج العمل 2000 و2001 بتعاون مع منظمة اليونيسيف كشف أن 55 في المائة من الخادمات يتعرضن للضرب من طرف مشغلاتهن و86 في المائة يتعرضن للشتم والقذف بينما تتعرض 4.2 في المائة للاعتداء الجنسي من مشغليهن. وأضاف التقرير أن معدل الأجر الذي تتقاضاه الخادمات يقدر بحوالي 400 درهم (حوالي 40 دولار) موضحا أن هذا المبلغ يختلف حسب سن كل خادمة، إذ يبلغ 220 درهم فقط حينما يتراوح سن الخادمة بين سبع وعشر سنوات و347 درهم مابين 11 و 14 سنة و500 درهم ما بين 15 و 17 سنة. وأشار إلى أن 70 في المائة منهن تقمن بالإضافة إلى أشغال البيت بجلب المتطلبات من الخارج ومرافقة الأطفال إلى المدارس، و 21.7 في المائة منهن لا تحصلن على عطلة سنوية ولا على يوم راحة حتى في الأعياد. وأضاف التقرير أن غالبية الخادمات تنتمين على أسر كثيرة العدد إذ يصل معدل الأسرة إلى ثمانية أفراد كما أن 22 في المائة منهن يتيمات الأم والأب معا و70 في المائة يتيمات الأب وحده. وتشرع الفتيات الخادمات في العمل في سن مبكرة جدا وخلص التقرير إلى أن ثمانية في المائة منهن تبدأن العمل ابتداء من سن الخامسة إلى السابعة. ويبلغ معدل سن بدء العمل في البيوت حوالي عشر سنوات وسبعة أشهر. وتحصل أغلب الخادمات على عمل عن طريق أحد أفراد عائلتها فيما تتدبر 20 في المائة منهن عملا عن طريق الوكالة أو وسيط. أغلب الخادمات أميات وأشار التقرير إلى أن أغلب الخادمات أميات وتقدر نسبة الأمية لديهن بحوالي 82،2 في المائة بينما لا تتجاوز نسبة اللواتي سبق لهن ولوج المدرسة 17،8 في المائة. موضحا أن الفقر (43.3 في المائة) ورفض أولياء الأمر ( 22.3 في المائة) وبعد المدرسة عن السكن ( 22،5 في المائة) هي أهم الأسباب التي تحول دون ولوجهن إلى المدرسة. وتوصل البحث شمل عينة مكونة من 529 طفلة خادمة إلى أن ثلث العائلات المستغلة تسكن في فيلات وأن 35،2 في المائة تقطن في شقق داخل عمارات و31،2 بدور عصرية أو تقليدية. وأبرز أن ثلثي الخادمات (65 في المائة) تتم زيارتهن من طرف عائلاتهن وأن 70 في المائة من هذه الزيارات تتم فقط لتسلم الأجرة الشهرية مقابل 30 في المائة من الزيارات التي تتم لأجل الاطمئنان عليهن. وأوضح أن 94 في المائة من هذه الأسر تقطن في سكن متكون من ثلاثة غرف في حين تبلغ نسبة الأسر المشغلة المكونة من ثلاث أفراد أو أكثر 82 في المائة مشيرا إلى أن 81 في المائة تجهل مشاكل الخادمات وانشغالاتهن. وأن 86،8 من الخادمات ينحدرن من أصول بدوية مقابل 13،2 في المائة من المدن .