تعيش الأسر التي يكون أحد أفرادها مدمن مخدرات إكراهات تضعها بين خيار القبول أو الرفض، ولكل خيار ثمنه، ومهما كانت أسباب تعاطي المخدرات فإن تداعياتها على الأسر تكون وخيمة سواء تم احتضان المدمن ومرافقته إلى مراكز العلاج على قلتها، أو تم نبذه من قبل الأسرة ليجد أبواب الشارع مفتوحة عن آخرها باسطة بين يديه خيارات اقتحام عوالم السرقة والقتل والاغتصاب، كل هذه العوالم بطبيعة الحال تسهل ولوجه عالم السجن والمكوث وراء القضبان بعد أسره بأغلال أنواع المخدرات، ليتيه ويفقد بوصلة الحياة. المجتمع المدني صاحب الريادة في التصدي لكثير من الظواهر الاجتماعية يسجل حضوره في التصدي لظاهرة إدمان المخدرات سواء بالتحسيس أو المرافقة، لكن نتائج عمله تبقى محدودة مقارنة بالحجم الكبير لانتشار الظاهرة. من مستهلك إلى متاجر في حي شعبي بالعاصمة ترعرع شاب في حضن أم مطلقة ببنت، بدأ وهو في الإعدادي يتعاطى للتدخين وبعده إلى الحشيش، وبسبب مشاداة بين المتعاطين للمخدرات تعرض الشاب للضرب مما أدى إلى تشويه في وجهه، الشيء الذي أدى إلى إحراجه وبسببه غادر مقاعد الدراسة، ليتحول الشاب من مستهلك إلى متاجر للشيرا، حاولت أمه التي تعيله وأخته لأمه، إنقاذه لكنها فشلت في الأمر، ولما غرق في عالم المخدرات بسبب الرفقة السيئة أصبحت أمه هي التي تنادي الشرطة من أجل اعتقاله لأنه يأتي إلى البيت سكرانا فيكسر الأواني، أو يخبئ الحشيش بالبيت، مما جعل البيت مهددا بالتفتيش كل ساعة وأصبحت الأم، ترى في أن سجن ابنها أكثر أمنا لها من حريته.الشاب الآن، حسب شهادة ابن جيرانه، يوجد في السجن قبل خمسة أشهر، والسبب الاتجار في المخدرات ومشاداة مع أقران. خسران التحدي شاب من الذين يعلمون مدى خطورة المخدرات، بعد أن تبدلت أحواله وتغير أصدقاؤه، بدأ يتردد على الملاهي وبدأ يتعاطى الخمر وأنواع المخدرات كالكالة والشوكية، درس بالسنة التاسعة ثم التكوين المهني، بدأ يعمل بشركة الألمينيوم، وما يزال مستمرا بصداقة الذين تسببوا في إدمانه، أما أصدقاؤه القدامى منهم لم يعد يتردد عليهم، وإن كانوا هم أحسن من الذين دفعوا به إلى عالم الإدمان على المخدرات، وبيئته أصبحت كلها تقريبا تتعاطى المخدرات بمن فيهم الأصغر الذي بدأ يتعاطى الشيشا.أما عن موقف الأسرة حسب شهادة الصديق السابق للمتعاطي للمخدرات فتكتفي بالقول: ''إذا قدرت على بليتك فشأنك وشأنها، المهم أن لا أتكلف بالمصروف زيادة على الأكل والشرب''. قدوة سيئة طفل لم يتجاوز عمره 14 سنة يقطن بحي شعبي بالرباط كان يدرس إلا أنه لم يتجاوز مستوى الخامس ابتدائي، كانت له مشاكل عائلية، يعيش طلاق الوالدين وأمه هي التي تعيل الأسرة مما تجلبه من عملها بحمام شعبي، كان في البداية يرغب في تجربة ولوج عالم التدخين، لا لشيء إلا لأن إخوته أغلبيتهم يتعاطون التدخين، ورغم حرصهم على أن لا يكون مثلهم وهو الأصغر، إلا أنه بدأ يرافق بعض الممارسين للسرقة سواء بالبيوت أو بالأسواق، والهدف توفير مصروف ''البلية'' المخدرات. ضاقت الأسرة ذرعا بهذا المدمن وأصبحت هي تطلب من الشرطة اعتقاله، وهو ما تم فعلا بعد إقدامه على السرقة بشركة بالحي الصناعي بالرباط، ورغم محاولات ثنيه عن تعاطي المخدرات، فإنه مصر على الاستمرار. سارق بيت أبيه حالة أخرى من حالات شباب يتعاطى المخدرات وما أكثرها، شاب لم يكفه سرقة ما يكفيه لشراء مخدرات أصبح مدمنا عليها بل سولت له نفسه سرقة أموال أبيه وبطاقة الائتمان البنكي، ليس ذلك فحسب بل أتى على مجوهرات زوجة أبيه، وهرب إلى مكان مجهول.إلى حدود كتابة هذه السطور علمت ''التجديد'' من مصدر مطلع أن الأب يريد التبليغ عن ابنه السارق، لكن زوجة أبيه ترفض بشرط أن لا يعود إلى البيت، خصوصا وأنه سبق له أن قام بسرقات، وكان يرافق ما يسمى بعبدة الشيطان، بعد أن تخلى عن الدراسة. يحكي المصدر ل ''التجديد'' أن زوجة أب المدمن كانت تحاول مساعدته للابتعاد عن عالم المخدرات، لكنه سار في اتجاه معاكس واستمر على حاله إلى أن تحين الفرصة للسرقة والهرب إلى مكان مجهول. شر البلية شاب من مواليد 1986 يعيش مع والده وزوجة أبيه بحكم أن أمه مطلقة من أبيه، نشأ الشاب وهو يرى والده يدخن، وفي يوم من الأيام ساورته فكرة تقليد أبيه فبدأ يدخن، وعوض أن يترك الوالد التدخين ثم ينصح ابنه بالاقتداء به، حاول أن يمنع ابنه عن التدخين، وهو الشيء الذي رفضه الابن قائلا لأبيه: ''حين تترك التدخين أتركه أنا أيضا''، واتخذ الأمر في البداية على شكل تحدي، إلا أنه بعد ذلك بدأ يتعاطى للمخدرات بمختلف أنواعها، وترك الدراسة، وأصبح منبوذا من أسرته، حيث بنت له بيتا بالقصدير فوق السطح منعزلا عن إخوته لأبيه، إلا أن والده اكتفى بالقول: '' تبليتي قد على بليتك'' قاصدا من ذلك أنه غير قادر على تحمل مصاريف مخدرات ابنه، مما جعل هذا الأخير يلجأ إلى محلات القمار يسعى من أحد المترددين بعض المخدرات، وأصبح لا يهمه أن يلبس أو يأكل جيدا بقدرما يهمه أن يوفر ثمن المخدرات، ومن أجل ذلك يعمل حمالا يصرف ما يجنيه من عمله في شراء المخدرات. أم قوامة على مدمنين فاطمة سيدة وجدت نفسها مع مرور الأيام وهي قوامة على ثلاثة مدمنين هم زوجها وإثنان من أبنائها، وهي أم لأربعة أبناء ضمنهم فتاة، أصبح زوجها الذي كان يعمل خياطا حبيس جدران بيته بسبب تعاطيه المخدرات وأصبحت فاطمة التي كانت تعينه على توفير مصروف البيت بعملها في المخابز هي المسؤول الأول عن الأسرة، تتحمل مصاريف الكراء (750 درهم) وفاتورة الماء والكهرباء التي معدلها 600 درهم شهريا، إضافة إلى مصاريف التدريس والمؤونة. لم تذق فاطمة وهي من سكان حي يعقوب المنصور بالرباط طعم الراحة جراء تخلي زوجها عن العمل، وزاد الطين بلة حين وجدت أن ابنيها التحقا بركب أبيهم في تعاطي المخدرات، بل إن أصغرهما حكى أن والده سبب تعاطيه، إذ يراه كل ليلة وهو يتعاطى أنواع المخدرات دون أن يستجيب لطلباته ولو تعلق الأمر بدراهم معدودة، وأصبحت الأم ملزمة بتوفير 200 درهم يوميا لولديها لأن 100 درهم هي الكفيلة بسد حاجيات كل واحد منهما من أنواع المخدرات، أما في حالة عدم توفير المبلغ فإن السرقة ستكون هي الملجأ، وقد يكون اللجوء إلى البقال الذي تقترض من عنده الأم المواد الغذائية وبيع تلك المواد من أجل توفير قيمة المخدرات. إنها معاناة مزدوجة للسيدة فاطمة، إذ لا تجد راحة داخل البيت ولا خارجه، ولا ينفس عنها سوى ابنها الأكبر الذي تخرج من مدرسة عليا للتسيير ليعمل بإحدى الشركات الأجنبية لكنه في الآونة الأخيرة أعلن عجزه عن مسايرة مصاريف إخوته التي تستنزف جهده دون عطاء نافع، خصوصا وأنه بدأ يفكر في بناء مستقبله.أما البنت الصغرى فإن الأم عليها أن تلعب معها دور الأم والصديقة حتى لا تنحرف، وبذلك فهي تخضع لمتطلباتها، آخرها الاشتراك في شبكة الأنترنت كي لا تتذرع بها للخروج بعيدا عن البيت. حال فاطمة ليس سوى نقطة في واد من الأسر التي تعاني من تعاطي أبنائها للمخدرات، ولكل أسبابه ومظاهر معاناة أسرته. درهم وقاية أغلب الناس يعرفون ويرددون مقولة ''درهم وقاية خير من قنطار علاج''. ومن أجل الوقاية من الإدمان يقول الدكتور أحمد جمال أبو العزائم رئيس الاتحاد العربى للوقاية من الإدمان في موقع النفس المطمئنة: ''إننا نحتاج إلى تشجيع أبنائنا على أنشطة أخرى مثل الهوايات والرياضة، إن ذلك يساعد على وقايتهم من الإدمان ويساعدهم في الأيام الأولى على التوقف، وإذا لم يكن لابنك هواية ورياضة فأعطه الوقت والمحاولة للبحث عن شيء يميل إليه يجعله ينشغل عن التفكير في المخدرات ويجعله أكثر بعدا عنها. إنهم يحتاجون لنشاط جماعي مع الأسرة من زيارات للأهل ورحلات مع الأسرة والذهاب للمساجد وأماكن العبادة وأن يكون أهم شيء عندك هو قضاء وقت كاف معهم''. وأضاف أبو العزائم: ''إننا نحتاج إلى نشاط وقائي مشترك بين الأسرة والهياكل الاجتماعية المحيطة مثل النوادي والجمعيات الخيرية والنشاط الذي يهتم بالكشف عن أماكن التعاطي وأن نبذل جهدا لجعل الاتجار بالمخدرات حول مسكنك ليس سهلا بل ومحفوفا بالخطر حتى يبتعد مروجو المخدرات عن أسرتك''. حملات تحسيسية أوضحت نبيلة منير رئيسة الجمعية المغربية لضحايا الإدمان والمخدرات ل ''التجديد'' أن ''مشاكل الأسر مع المدنين من خلال تصريحات أولياء أمورهم كثيرة لذلك فنحن لا نقصد بضحايا المخدرات والإدمان في تسمية الجمعية المتعاطين فقط بل أولياء أمورهم أيضا، وفي السابق كان تعاطي المخدرات ناتج عن التفكك الأسري أما الآن فقد أصبح تعاطي الأبناء للمخدرات سببا في تفكك الأسر، وإننا في علاقتنا بالمدمنين وجدنا بعض المتعاطين لا تتجاوز أعمارهم سبع أو ثماني سنوات''. وبخصوص نشاط جمعيتها في المجال قالت المتحدثة: ''إننا نقوم قريبا بحملات تحسيسية انطلاقا من مؤسسة العيون بالدار البيضاء ومن نادي الأسرة الأمل التابع لمؤسسة محمد الخامس للتضامن، إضافة إلى مؤسسات أخرى. وتستعين الجمعية برجال القانون ومديري سجون الأحداث وأخصائيين نفسانيين وأطباء الأمراض العقلية والعصبية، وتشير نبيلة منير إلى أن قلة المراكز الاستشفائية يعيق مجهودات الجمعيات إذ هناك مركز بمستشفى الرازي بسلا ومصاريف الإيواء فيه (300 درهم لليوم) جد مكلفة مقارنة مع إمكانات الأسر التي يعاني أبناؤها من الإدمان، وعدد الأسرة قليل. وتلح نبيلة على ضرورة فتح مراكز بمؤسسات إعادة إدماج السجناء. وتتأسف المتحدثة نفسها لكون أبواب المؤسسات التعليمية والتكوين المهني مراتع لتعاطي المخدرات. وبخصوص الحالات التي أقلعت عن الإدمان، قالت نبيلة بأن خدماتها لهذه الفئة مجانية، كما أن فتح أوراش للحلاقة والرياضة استقطبت المدمنين، عملا بتوجيهات الأخصائيين النفسانيين، والحالات التي أقلعت عن التدخين أصبحت مشرفة على بعض هذه الأوراش، مما يحسسهم بالعطاء والاستمرار في الإقلاع عن المخدرات، أما حالات أخرى فإنها في طريق الإقلاع بالتدريج وبمجهودات المختصين إضافة إلى الرغبة في الإقلاع. وقد شهد المغرب في أبريل 2008 أنشطة تحسيسية وتوعوية في إطار ''حملة حماية'' استهدفت تحقيق مساعدة 500 مدمن على الإقلاع عن المخدرات، علما أن إحصائيات وزارة الصحة المغربية في دراستها حول الصحة النفسية الأخيرة أكدت أن ما نسبته 4,1 بالمائة من السكان هم مدمنون إدمانا كاملا على الخمور، ناهيك عن المدمنين على باقي أنواع المخدرات ابتداء من الكوكايين والهيرويين، وانتهاء بالحشيش والكيف وكافة الأنواع المركبة.