إن الحاكم هو صاحب السلطة المطلقة في الوطن العربي، فالكلمة التي تصدر من فمه كافية وحدها لإعدام من يشاء من غير محاكمة ولا بيان للأسباب، فهذا موضوع ارتبط منذ عقود طويلة بالطغيان والطاغية وبنضال الشعوب العربية من أجل تحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان ، هذا المطلب أصبح اليوم من اهتمامات المواطن العربي مدعما من الدول الغربية التي تزعم أنها تسعى إلى تحرير الشعوب العربية من الأنظمة الديكتاتورية وحمايتها من الطغيان وتحقيق الحرية والمساواة، لكن في الحقيقة ، فإن المواطن العربي أصبح لا يثق في سياسة الدول الغربية التي تتعامل في المجال الدولي بمعايير مختلفة، فهذه الدول التي تحمي «إسرائيل» وتشجعها على المزيد لبناء المستوطنات اليهودية واغتصاب الأراضي، وتمنع عنها كل متابعة أو محاكمة أمام محكمة الجنايات الدولية ضد الصهاينة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في فلسطين منذ سنة 1948 تاريخ النكبة وارتكاب المجازر ضد الشعب الفلسطيني ، فهذه الدول الغربية هي التي زرعت الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي واعترفت به فور إعلان تأسيس هذا الكيان، وبهذا تكون هذه الدول قد نصرت الباطل على الحق ، واعترفت بالغرباء ولا زالت لم تعترف بدولة فلسطين رغم مرور أزيد من 60 عاما، ومما زاد في قضية فلسطين تعقيدا هو طغيان الأنظمة العربية الأمر الذي أدى إلى إذلال الأمة العربية وإهانتها عن طريق تدخل الدول الغربية عسكريا وسياسيا في شؤون الدول العربية ، وما إظهار الرئيس صدام حسين بتلك الطريقة المهينة وهو يختبئ في حفرة ،وما هروب الرئيس التونسي وإسقاط نظامه المستبد ورحيل حسني مبارك ومحاكمته هو وأولاده أمام الشعب المصري إلا صورة من الشريط الطويل لواقع الأمة العربية المأساوي المؤلم المليء بالهزائم والكوارث. إن الذي وقع في العراق ومصر وتونس والذي يجري حاليا في سوريا واليمن وليبيا هو أكثر إيلاما وإهانة للأمة العربية بسبب طغيان هؤلاء الحكام الذين ارتكبوا جرائم ضد شعوبهم ومهدوا الطريق أمام التدخل الأجنبي في البلاد العربية ،وفي هذا الوقت الذي نشاهد فيه إسرائيل تشيد المستوطنات في القدس وفي كل المدن الفليسطينية المحتلة وتقتل أبناء فلسطين، في الوقت بالذات نشاهد المسلمين يتقاتلون فيما بينهم في شهر رمضان الكريم في سوريا وليبيا واليمن دون أي إحساس بالشعائر الدينية وباحترام قدسية هذا الشهر العظيم ، ومن الأمور التي تدعو إلى السخرية أن ( الثوار) في ليبيا يعتقدون أن دخولهم إلى طرابلس شبيه بفتح مكةالمكرمة على يد الرسول (ص) فأي تشبيه هذا ؟ الرسول (ص) كان يجاهد ضد الكفار، فهل سكان طرابلس من أهل الكفر ؟ هذا تضليل إعلامي واضح للإسلام، فلو أن هؤلاء (الثوار) دخلوا إلى القدس وحرروها لكان هذا التشبيه صحيحا، ومن مات منهم في ساحة المعركة فهو شهيد. إن الديمقراطية وحقوق الإنسان حلم يراود الشعوب العربية المتعطشة إلى الحرية، وأن هذه الشعوب لا تختلف عن غيرهم من شعوب العالم، لكن يجب عدم فرض التغيير على الدول العربية عن طريق تشجيع العنف ودعم الثورات المسلحة تحت غطاء حماية الشعوب من الطغيان لأن مسيرة الديمقراطية طويلة ولا بد من إنشاء مجتمعات مدنية والمزيد من المنظمات غير الحكومية في العالم العربي كي نتمكن من الوصول إلى هدفنا وهو الديمقراطية ، وهو شيء لا يمكن أن يتم بضغط من الدول الغربية بل لا بد أن يتأقلم عليه المجتمع العربي تدريجيا ، فالذين أطاحوا بأنظمة بلادهم بقوة السلاح وتعودوا على العنف، يستطيعون الانقلاب على الديمقراطية في يوم من الأيام إذا لم يستطيعوا الوصول إلى أهدافهم السلطوية لأن أساس الصراع في كل المجتمعات الإنسانية يدور حول استلام «السلطة» في حين أن أساس التغيير هو التنمية الاقتصادية وتضييق الفجوة بين الفقراء والأغنياء وزيادة فرص الشغل ومنح المواطنين الحريات الأساسية وإتاحة الفرص التعليمية وإصلاح وسائل الإعلام والابتعاد عن صحافة التضليل والإشاعات الكاذبة والابتزاز. كان يسود الاعتقاد بين كثير من الأمريكيين والعرب أن اعتقال صدام حسين والإطاحة بنظامه عامل حيوي لجلب التغيير إلى الدول العربية لكن هذا الاعتقاد يكذبه واقع العراق الحالي الذي يتميز بالفوضى والقتل والدمار والفتنة والتخريب والتمزق وانعدام الأمن والفقر وتشريد العائلات والهجرة خوفا من العنف والقتل وما يرافق ذلك من تعقيدات على المستوى الدولي والإقليمي ويبقى المحتل الأجنبي الذي تسبب في هذه المأساة بريئا، فقد جاءت القوات الأجنبية إلى العراق وليبيا وأفغانستان تحت غطاء تحرير شعوبها ! وكل ما يفعله هو نهب خيرات هذه الدول التي يحتلها بقوة السلاح والحفاظ على مصالحه الاقتصادية والإستراتيجية عن طريق امتلاكه للسلطة والنفوذ والجيش والمال والقدرة على الإفساد وفي النهاية فإن الشعوب هي التي تدفع فاتورات المساعدات العسكرية الباهضة الثمن، فلو كانت أمريكا وحلفاءها صادقين في نواياهم لما سكتوا عن جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الذي يناضل من أجل الحرية والاستقلال منذ أكثر من 60 عاما، بل أكثر من ذلك أن أمريكا تصنف حماس على قائمة الإرهاب في حين تعترف بشرعية «إسرائيل» في الدفاع عن وجودها رغم أنها كيان مصطنع اغتصب أرض فلسطين بقوة السلاح. إن التغيير المنشود وتحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان لا بد أن يأتي من داخل الدول العربية بطريقة سليمة متحضرة، لا عن طريق حمل السلاح بدعم من قوى أجنبية تتعامل بمعايير مختلفة مع القضايا الدولية فالدول الغربية التي تزعم أنها رائدة في مجال حقوق الإنسان هي نفسها التي تشدد قوانين الهجرة ضد الأجانب ، وهي التي لا تسمح بدخول العرب إلى أراضيها وترفض طلبات الحصول على الفيزا إذ نشاهد طوابير المواطنين العرب أمام قنصليات الدول الغربية وهم يتعرضون للإهانة والإذلال في الوقت الذي يدخل فيه رعايا هذه الدول إلى البلاد العربية دون قيود أو شروط معززين مكرمين في الفنادق السياحية الفخمة على حساب كرامة المواطن العربي. فالدول الأوربية لا تتسامح مع الاحتجاجات العنيفة، وللتذكير فقد واجهت السلطات الفرنسة والبريطانية تظاهرات الشباب المطالبين بتحسين أوضاعهم الاجتماعية باستعمال القوة والقمع. إن المحكمة الجنائية الدولية التي تطالب اليوم بتسليم زعماء ومسؤولين عرب لمحاكمتهم كان أولى بها أولا أن تطالب بتسليم المجرمين الصهاينة الذين ارتكبوا مجازر رهيبة وإبادة جماعية ضد الفلسطينيين ، لكنها غير قادرة على ذلك لأن الدول الغربية لا ترغب في ذلك فأصبح القانون الدولي مثل عش العنكبوت الذي لا تعلق به إلا الحشرات الصغيرة ، أما إسرائيل فهي تعتقد أنها قوة عسكرية ونووية لا يقدر القانون الدولي على ردعها. (*) المحامي بوجدة