..فلنتذكر جميعا أن المشكلة عقب استحقاقات 2009 هي ابتعاد الناس عن السياسة في وجهها المتعلق بالمشاركة في التصويت، تلك كانت قضيتنا ودهشتنا جميعا، فاعلين سياسيين، مناضلين، ملاحظين وإعلاميين رجالا ونساء وشبابا. يومها، تساءلنا وسعينا بكل الصيغ لتفسير الأسباب التي تقف وراء ذلك الابتعاد الذي أفضى إلى « تبخيس» السياسة والسياسيين.. كأن قدرنا في مملكةّ « النمل السعيدة» أن ننسى أو نتناسى جوهر القضية، وكالعادة نضيع الموعد. والقضية كما يفترض هي تأهيل البلاد كي تتقدم وتتطور نحو الأفضل، تأهيل الحقلين السياسي والمجتمعي بما يضمن حق المواطنين كل المواطنين بكل فئاتهم الاجتماعية والجنسية والعمرية و الطبقية حتى .. للعيش والتعايش في دولة الحق والقانون. اليوم؛ وبعد الدستور، وبعد الحراك، وبعد 20 فبراير، وبعد.. وبعد. طفا على السطح نقاش فئوي وجنسوي يتعلق أساسا بتمثيلية النساء والشباب في المؤسسات المنتخبة ، وهذا الأخير هو مطلب لاجدال فيه. وحتى لايلبس رداء المصادرة ويزيغ عن غاياته، تعالوا لنناقش الأمور بهدوء. لقد دفع عبد الرحمان اليوسفي ومن خلاله الاتحاد الاشتراكي، بمبدإ التمييز الايجابي لصالح المرأة في الحقل الانتخابي والتنظيمي مند بداية التسعينيات، وكان الوازع الأساسي هو الالتفاف على عناصر الإعاقة والمحافظة الثقافية والاجتماعية والتاريخية التي تحول دون بلوغ المرأة مواقع تسمح بمساهمتها في دعم دينامية التحول الاجتماعي نحو التحديث و الديمقراطية . بحس نضالي رفيع، كان اليوسفي يستحضر كل المسار النضالي للحركة النسائية التقدمية سياسيا حقوقيا واجتماعيا . ذلك أن التمييز الايجابي ليس غاية في حد ذاته، بل هو آلية وسعي حثيث لاستدماج نصف المجتمع ، في الأفق الذي يمكن من اختراق حواجز المحافظة والتخلف، وتبويئ السيدات المغربيات مواقع تسمح باقترابهن من مساحات الحرية على نحو أفضل، وهو المفعول الذي لمسناه على مستوى المؤسسات المنتخبة وحقول الإنتاج من أعمال ووظائف إدارية و اقتصادية واجتماعية ومدنية... إنه مؤشر على مستويات التمدن الذي يعيشه مجتمعنا بهدوء مميز، وهو مايجعل المغرب في مسافة عن البداوة التي تكاد تكون السمة الغالبة لجل المجتمعات العربية. اليوم، يتابع الناس هذا النقاش المفتعل حول تمثيلية النساء كما لو كان اكتشافا خارقا. لقد نسينا كذلك ومرة أخرى ، أن الحركة التقدمية هي صاحبة المطلب، وان الاتحاد كان هو الداعم الاساسي لهذا الخيار. فانقذونا من هذا الخلط، لأن الذين شاركوا في مسيرة ضد المدونة لايمكنهم الانتماء إلى هذا الخيار. نقاش آخر مغلوط نعيشه في سياق مفارق لمتطلبات المرحلة والتي قلنا إن محورها هو العودة بالسياسي إلى المجتمع، هو ذلك الذي يراد له أن يتخذ طابعا فئويا من خلال الدعوة إلى إمداد الشباب بكوطا خاصة به، أو بتمكينه من اقتسام تلك التي صارت مكسبا نسائيا، مايغذي هذا الخلط، هو انصهار المرجعيات وذوبان الهويات الفكرية والأيديولوجية والسياسة في وتحت غطاء النزعة الفئوية، وبات البعض يتحدث عن النساء و الشباب كمكونات معزولة عن مجتمعها و عن أحزابها، و بدأنا نلحظ تدافعا بل صراعا غير مشروع أو مبرر بين أخواتنا وشبابنا كما لو تعلق الأمر بكيانين مفصولين عن بعضهما البعض. هو نقاش مغلوط إذن، لأن الأمر جزء من السياسة وليس السياسة كلها. وهنا وجب التساؤل: من يريد أن يدفع بالفعل السياسي نحو التبخيس من جديد..؟ ثم لماذا يتحدث البعض عن الشباب باعتباره قضية مفصولة عن المجتمع ؟ ولمصلحة من يتم الترويج لمنطق صراع الأجيال..؟ إن هذا الجدل العقيم، لن يرجع الناس إلى السياسة، إن لم يترتب عنه العكس. لأن السياسة بكل بساطة هي التنافس بين خيارات تدبيرية وسياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وإعلامية وغيرها، خيارات تحكمها خلفيات ومرجعيات فكرية وأيديولوجية وسياسية، تتسامى على التمييز الجنسي أو الفئوي ، وتروم إصلاح البناء الاجتماعي في شموليته . لايتعلق الأمر ولا يجب أن يتعلق بريع سياسي، لأن انطباعا هو قيد التشكل لدى المتتبعين ولدى المجتمع، الأمر الذي يسائل الأحزاب والتنظيمات السياسية نسائية كانت أم شبيبية بحدة، حول مصداقية نزوع الإصلاح والتغيير ..، فحذار من الخلط ! ذلك أن على الجهة الأخرى من طاولة النقاش يقف المتربصون من اعداء الإصلاح والتغيير، لوأد لبناته الأولى والالتفاف على نتائج الحراك السياسي والاجتماعي. أنقدونا من هذا النقاش كي نتمكن من إنقاذ البلاد. إن اليوسفي وبنسعيد وبنعمرو واليازغي والراضي والحبيب الشرقاوي وغيرهم كثير لايزالون يطفحون شبابا.. بالمعنى العميق للكلمة. في انتقاده للسفسطائيين» الذين يعلمون الناس الجدل والخطابة مقابل اجر» اعتبر سقراط انه لاخير يرجى من فلاسفة يقبضون اجر عملهم، لأنه يرى أن الفلاسفة إذا حصلوا على اجر مقابل عملهم فسوف يميلون إلى إنتاج الأفكار والآراء التي يشعرون أنها ستلقى التقدير من دافعي الأجر، ومن ثم تتضاءل لدى هؤلاء الفلاسفة القدرة على أن يحلقوا في الآفاق الكلية للفلسفة حسب مايرغبون، ولن يجسروا على التعبير عن الآراء التي يريدون التعبير عنها أيا كانت. (*) عضو المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي