تأتي هذه المحاولة كخطوة في مسار عملية الجمع والتدوين والتوثيق، إنها حلقة أولى في سلسلة من عمليات التدوين للون معين من «الشعر الأمازيغي»، هو الشعر الحواري في منطقة سوس وهو إن شئنا شكل من أشكال شعر»النقائض» له خصوصياته التي تمنحه التفرد وتجعل منه تجربة مميزة. ويبقى الهدف من المحاولة هو تأسيس تراكم كمي سيشكل بدوره عبر التدوين أرضية خصبة للدراسة والتحليل لبلوغ تراكم نوعي يساير انتقال الثقافة الأمازيغية من ثقافة ذات هوية شفوية إلى ثقافة ذات هوية كتابية. عادة «سقر» لا نكاد نجد هذا التقليد إلا في بعض مناطق سوس، وهي فسحة ما بعد العمل اليومي الشاق. إذ تخرج العذارى بعد أن يتزين ويلبسن من الثياب جميلها زرافات نحو موضع معين (بين البساتين أو قرب نبع أو خارج القرية ليلتقين بالشباب بعد صلاة العصر يتبادلون أطراف الحديث وقد يتبادلون أشعار (الغزل الحكمة) حتى قبيل المغرب. وهنا أيضا تفرض التقاليد آدابا للحوار والجلوس أهمها: ألا يكون اللقاء ثنائيا، إذ تحرم التقاليد انزواء ذكر و أنثى على مسافة بعيدة من المجموعة - ألا تتأخر الفتاة إلى أن يُرفع آذان صلاة المغرب. لأن ذلك يجعلها عرضة للقيل والقال ويشار إليها بالبنان وتتحاشاها صويحباتها مستقبلا. بل كانت فيما مضى تغرّم (تافكورت/ غرامة) وكذلك كل من جلست أو وقفت في قارعة الطريق أو أتت بسلوك مشين أمام الأغراب (كأن تزيل عنها غطاء الرأس مثلا). وكما هو الشأن في لقاءات الشباب ذكورا وإناث، فقد تندلع حروب شعرية فيها من المعاني والرمزية ما يجعل الفريقين يتنافسان على الريادة. أو ما بين أنثيين تتقاذفان العبارات والكلمات في إطار صراع خفي حول شاب..أو ما بين حبيبين فرق بينهما العذال أو الحساد .. كل هذا في إطار شعري وقوالب فنية بإيقاعات وأوزان معينة في إطار ما يعرف ب (تموّاشت) وتجدر الإشارة أن عادة تمواشت في مناطق أخرى تمارس في ليالي الصيف المقمرة وقد يشارك فيها الجميع أعني عزابا و مطلقون وأرامل ، أو كل من أثار حفيظته الحوار وأراد أن يدلي بدوله في النقاش. أكوال ، أحواش ن تفرخين «أحواش ن تفرخين» ومعناه أحواش البنات أو الفتيات وهي تسمية تطلق في بعض مناطق سوس على رقصة أحواش التي تؤديها الفتيات. إلا أنه ورغم التسمية فحضور الرجل مسألة ضرورية فالرجال هم المكلفون بالإيقاع والمسيرون له. إذ يجلسون قبالة صف الراقصات ينقرون على البنادر بعد أن يحدد الرايس نوع الإيقاع الذي يجب احتذاءه بعد سماع اللازمة التي تؤديها الراقصات. والملاحظ في بعض المناطق/القبائل (ومنها تسريرت وما حولها) أن الرقص لا تمارسه إلا الفتيات العازبات. فما أن تتزوج إحداهن حتى يصبح دخولها «أسايس» كممارسة محرما، ويقتصر تدخلهن خصوصا المجيدات المبدعات منهن في التسلل خلف صف الراقصات لتعديل وزن أو اقتراح «التييت»1 أو لازمة تكون ملائمة «لتزرارت» أحد الشعراء المتدخلين، ذلك أن سمعة القرية أو القبيلة رهين بمدى إشادة الضيوف والمتلقين أو انتقادهم لهذا ال «أحواش» . 2 تجمعات ذكورية تكاد أماكن تجمعات الرجال تقتصر على الساحة أمام المسجد والمخصص أصلا لاجتماع مجلس القرية. وفي أيام الشتاء الباردة يكون «أخربيش»2 هو المكان المفضل لهذه التجمعات. حيث يعقدون اجتماعاتهم ويناقشون المشاكل اليومية وما يهم القرية أو القبيلة. إنه بمثابة دار للندوة . أما خارج فضاء المسجد فقد استحدثت أماكن أخرى بعد تخلي الساكنة على الاعتماد الكلي على الفلاحة فتجد مجموعة منهم في انتظار صلاة العصر تحت أشجار متشابكة ووارفة الظلال وسط البساتين. إلا أن التقاليد تفرض على الرجال عدم التجمع قرب طريق يمكن أن تكون مسلكا للنساء كما تحرم عليهم الجلوس بأماكن يرتدنها « قرب نبع الماء أو مكان مخصص للغسيل ..» أما لحظة الإنشاد وخارج ما يردده الرجال أثناء عملهم « البناء مثلا « أو أبعض عادات المواسم والتي يكون فيها الغناء مرتبطا بالصلاة على النبي أو أشياء من هذا القبيل ، فتكاد تنعدم بالنسبة للذكور دون حضور نسوي ،إذ كلما سمع نقر «ألون» بمناسبة أو بدونها إلا ورأيت النساء يتوافدن على المكان فرادى وجماعات يأخذن مكانهن في موضع مشرف على حلقة الراقصين يثرن حماسة الرجال بزغاريدهن. 1 : التييت يعرفها المجاهد الحسين « وحدة صوتية من مقطع واحد يتشكل منها القالب الإقاعي والعروضي الذي تقولب فيه الوحدات المعجمية المكونة للبيت « تسكلا ن تمازغا ص : 15 2 أخربش : قد يعني في بعض المناطق الكتاب حيث يتعلم الصغار . لكن في المنطقة هو أحد مرافق المسجد حيث يتم تسخين ماء الوضوء والغسل في مرجل كبير من النحاس معلق بسلسلة متينة إلى السقف ، ويحمل الماء في أواني صغيرة من النحاس أيضا إلى غرف صغيرة جانبه تسمى « تلغرسلين» . وفي فترات البرد يكون أخربيش المكان المفضل لتجمع الرجال حول النار .