تأتي هذه المحاولة كخطوة في مسار عملية الجمع والتدوين والتوثيق، إنها حلقة أولى في سلسلة من عمليات التدوين للون معين من «الشعر الأمازيغي»، هو الشعر الحواري في منطقة سوس وهو إن شئنا شكل من أشكال شعر»النقائض» له خصوصياته التي تمنحه التفرد وتجعل منه تجربة مميزة. ويبقى الهدف من المحاولة هو تأسيس تراكم كمي سيشكل بدوره عبر التدوين أرضية خصبة للدراسة والتحليل لبلوغ تراكم نوعي يساير انتقال الثقافة الأمازيغية من ثقافة ذات هوية شفوية إلى ثقافة ذات هوية كتابية. فيما سبق لم نتطرق سوى إلى بعض المظاهر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي ارتأينا أنها ستقرب القارئ من فهم طبيعة وخصوصية الإنسان السوسي ذلك المبدع أو المتلقي لأمارك على اعتبار أنها تشكل مرجعية ذاك المبدع وهذا المتلقي. إن «أمارك»1 في سوس مليء بالإحالات مما يجعل منه بنية في قلب بنية أعم تتشكل عناصرها من الثقافة الأمازيغية عامة ومن ثم فكل محاولة لملامسة هذا ال « أمارك « تجد نفسها تحلل تلك العناصر. وكما يقول الأستاذ أحمد عصيد «لا بد من النظر في العناصر الثقافية التي جعلت تلك الصور تكتسب خصائصها التي هي عليها. وهي عناصر توجد خارج قوانين اللعبة الأدبية والفنية... وتتمفصل لتمر بنا إلى الأخلاق والسلوك الاجتماعي والنفسي والمعتقدات الروحية والأسطورية إلى القاعدة المادية. والأدوات المستعملة التي تقوم عليها حياة الجماعة التي أبدعت ذلك الأدب»2 التجمعات النسائية و فضاءات الإنشاد أ المناسبات ترتبط لحظات الإنشاد « نعني بها رفع الصوت بالغناء لدى المرأة السوسية « بأمكنة وأزمنة محددة، وإن كان من الصعب تصورها في عملها اليومي داخل البيت أو خارجه بين حيواناتها أو في الحقل دون أن «تهمهم» بأبيات أو أذكار أو أمداح. إلا أننا نقصد بلحظات الإنشاد هذه تلك الفترة التي تكون فيها المرأة بعيدة عن عيون ومسامع الرجال وهي تجمع الكلأ والأعشاب أو تجني الغلال أو تحتطب إلى غير ذلك من الأعمال التي تفرضها طبيعة الحياة البدوية أو الجبلية المؤثرة في طبائع النفوس، حيث يكون الغناء نابعا من «تاسا»3 موسوما بنقاء الطبيعة وعفوية النفوس. والملاحظ أن التقاليد البدوية في سوس ( العينة المكانية ) تفرض طوقا من القيود على المرأة المتزوجة إذ لا ترفع صوتها «تازرارت» أو «تاسوغانت» إلا في «إزيض، أسنكف ، تارزيفت ، إسوي...» وهي مناسبات مرتبطة بالأفراح (تامغرا / عرس) أو (توديع واستقبال الحجاج) أو كل مناسبة يقام فيها ما يسمى «العادة» أو «الفال» وهي أغاني أقرب إلى التراتيل أو الأناشيد منها إلى الشعر. بينما نجد العذارى قد أتاحت لهن نفس التقاليد فضاء أوسع وحرية أكبر، لكن، في حدود يحكمها منطق القيم المحلية والتقاليد الصارمة. فلا غرابة إذن والحالة هذه أن نجد التقاليد تفرض سلطتها على زينة المرأة وحليها ولباسها. إذ يمكن أن نتعرف على المتزوجة من البكر من خلال «تاملحافت» وهي اللباس التقليدي في بعض قبائل سوس. فمن خلال «تينرفلت»4 وحاشيتها المطرزة والمسدلة بطريقة معينة من الحزام جهة الظهر هذا بالإضافة إلى علامات أخرى وإن بدأت تأفل رمزيتها. إذ نجد المتزوجة تضع الكحل وهو محرم على البكر وتتميز هذه الأخيرة بالشعر المنسدل على الجبهة على شكل «قصة» وهي رمز للعذرية. حتى إذا ما تزوجت أزالتها وغطت جبهتها بشريط من ثوب أسود أو أزرق يسمى «تاكوبيت». كل هذا من اجل صيانة حرمة المحصن وغض الطرف عنها وعدم مخاطبتها إلا فيما تفرضه المصلحة. إن تقاليد التجمعات النسائية حتى في الاحتفالات عدا الولائم تقتضي أن يخصص لكلا الصنفين حيز أو فترة من مدة الأفراح وذلك لارتباط تواجد الفتيات بوجود الشبان. فإذا كان اليوم الأول من العرس (إزيض) مخصص للمتزوجات فإن اليومين أو الثلاثة الموالية المسماة (ليالي الحناء) تخصص للعذارى والشباب. والتقاليد هنا تتدخل من أجل إحكام السيطرة على السلوكات. إذ لا يسمح للفتاة بحضور ليالي الحناء إلا بدعوة مباشرة، وإذن من أهلها، وبذا تكون الفتاة تحت مسؤولية الأسرة المضيفة حتى عودتها برفقة جماعية من طرف بنت أو بنات المضيف وتحت حراسة الشبان الذين يبرحون باب منزل الفتاة حتى يأذن لهم أهلها بالمغادرة، لأن سهرات ليالي الحناء لا تنتهي غالبا إلا في وقت متأخر جدا. ونفس الشيء بالنسبة ل «أسنكف» عادة مرافقة العروس لبيت الزوجية من طرف قريناتها غير المتزوجات بتأطير من امرأتين أو ثلاث من أسرة العروس وتحت حماية الشباب. 1 : أم ارك. إحدى التسميات التي تطلق على الشعر . أنظر « رموز الشعر الأمازيغي ... د عمر أمرير ص :86 2 : تاسكلا...ص144 3 : تاسا: الكبد. في الثقافة السوسية ترتبط الأحاسيس بالكبد أكثر مما ترتبط بالقلب 4 آخر ما يسدل من « تملحافت « من الخلف والنصف الأمامي ويكون مطرزا.