تأتي هذه المحاولة كخطوة في مسار عملية الجمع والتدوين والتوثيق، إنها حلقة أولى في سلسلة من عمليات التدوين للون معين من «الشعر الأمازيغي»، هو الشعر الحواري في منطقة سوس وهو إن شئنا شكل من أشكال شعر»النقائض» له خصوصياته التي تمنحه التفرد وتجعل منه تجربة مميزة. ويبقى الهدف من المحاولة هو تأسيس تراكم كمي سيشكل بدوره عبر التدوين أرضية خصبة للدراسة والتحليل لبلوغ تراكم نوعي يساير انتقال الثقافة الأمازيغية من ثقافة ذات هوية شفوية إلى ثقافة ذات هوية كتابية. إن تجارب التأريخ الأدبي عديدة ومتباينة، تختلف باختلاف النظريات والمناهج وكذا تصورات أصحابها لطبيعة هذا الأدب والعوامل المؤثرة فيه. لذا نجد «تاريخ الأدب» في تقاطعاته مع «النقد الأدبي» يسير في اتجاهات متعددة تجعل وظائفه ومناهجه تختلف باختلاف المنطلقات التي تحددها الرؤى الأيديولوجية. وإذا كان اختيارنا ، في محاولتنا هذه لتسليط الضوء على جنس من أجناس الأدب الأمازيغي السوسي، قائما على الإحاطة بالبيئة والظروف المحيطة بعملية إنتاجه، على اعتبار ارتباط هذا الجنس بواقعه ارتباطا وثيقا. فإن هذا لا يعدو أن يكون خيارا أملته إجرائية المنهج، رغم أن هذا يجعلنا نتموقع في إطار الرؤية النقدية التي تقول بارتباط الأدب بالبيئة والخصوصية الثقافية. لنجد أنفسنا في نفس الخندق مع الرأي القائل، بأن هذا الأدب «يشكل إحدى أهم الوثائق السوسيولوجية والتاريخية والأنثروبولوجية واللسانية»1 المجتمع الأمازيغي ،من هنا كان لزاما علينا أن نلم ببعض الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في ظل التغيرات التي طرأت على المجتمع السوسي، وذلك لنستطيع فهم البنى الفكرية المتحكمة في الرؤِية وتفسير السلوكات وردود الأفعال والمواقف التي تشكل مرجعية هذا الشعر وسنلتمس ذلك من خلال بعض المصادر والمراجع التي اهتمت بالمنطقة وكذا الرواية الشفوية انطلاقا من عينة مكانية تعكس إلى حد ما طبيعة هذا الإنسان السوسي المنتج لهذا النوع من الشعر. إن اختيارنا لمنطقة «تزركين»2 كعينة ليس لكونها عينة مثالية، أو لأنها أنتجت (إنضامن) وإنما لمعرفتنا بها انتماء أولا، ولأننا نعتبرها صورة مصغرة تعكس مجمل التحولات التي عرفها المجتمع في بادية سوس. وقرية « تزركين» تنتمي لقبيلة « تاسريرت» التابعة إداريا لدائرة تافراوت، وتنتشر القرى والمداشر التابعة لهذه القبيلة على المرتفعات الجنوبية الشرقية المطلة على مدينة تافراوت . وتتميز «تزركين» بطبيعة خاصة مقارنة مع باقي القرى الأخرى التابعة للقبيلة ذلك أنها تربض بين جبال شاهقة في عمق بداية الوادي المتجه نحو «أفلا يغير» والمنحدر نحو منبسطات تخوم الصحراء . تحديد المجال أفرز لنا التقسيم الاداري الجهوي « 1997 «الجهة المسماة « سوس ماسة درعة «و تُحد الجهة بالمحيط غربا وجهة كلميمالسمارة جنوبا، وجهة تادلة أزيلال شمالا، وجهة مكناس تافلالت والحدود الجزائرية شرقا، على مساحة تقدر ب 70880 كلم مربع ، أي ما يمثل 9.9 في المائة من مساحة المملكة وقد قسمت إلى ولاية أكادير التي تضم عمالات « أكادير إيدا وتنان « إنزكان آيت ملول « شتوكة آيت باها «و أقاليم « تزنيت ، تارودانت ، ورزازات وزاكورة « 3. هكذا نجد أن التقسيم الاداري المتبنى كان إلى حد ما ناجحا باعتبار ما تشير إليه المصادر التي تتحدث عن سوس مع زيادة أو نقصان . فهذا العلامة المختار السوسي يضيف لها أحيانا منطقة حوز مراكش كما جاء في سوس العالمة « ويظهر أنه ربما كانت سوس الشرقية منقسمة سياسيا بين أغمات وسجلماسة بعد ضعف الأدارسة « وكما جاء في هامش نفس الصفحة « نعني بسوس في كل أعمالنا التاريخية ، في هذا الكتاب وغيره ، ما يقع في سفوح درن الجنوبية إلى حدود الصحراء من وادي نول وقبائله من تكنة والركائبات وما إليها إلى حدود طاطا وسكتانة»4 ولا ضير أن تضاف ورزازات وزاكورة لكونهما تشتركان مع سوس في الشكل الفني الذي سيكون محور حديثنا بالإضافة إلى خصائص أخرى مشتركة. 1 : أقضاص « التأريخ للأدب المغربي بين الكائن والممكن « . تاريخ الأدب الأمازيغي مدخل نظري 2 : وتعني المعبر لكونها مسلك وتقع جنبات مضيق واد بين جبال شاهقة . بها ضريح الولي الصالح سيدي أحمد بن عبدالرحمان التزركيني وهو من علماء القرن العاشر الهجري له مؤلفات عدة منها» منظومة في العقائد ، مؤلف في التاريخ ، مؤلف في مسائل التصوف ، منظومة في التوحيد ، أجوبة في مسائل من الشيخ أحمد بن موسى « أنظر سوس العالمة ص 176 3 مجلة جغرافية المغرب مجلد 19 - عدد : 1 - 2001 4 « سوس العالمة « ص 16