تأتي هذه المحاولة كخطوة في مسار عملية الجمع والتدوين والتوثيق، إنها حلقة أولى في سلسلة من عمليات التدوين للون معين من «الشعر الأمازيغي»، هو الشعر الحواري في منطقة سوس وهو إن شئنا شكل من أشكال شعر»النقائض» له خصوصياته التي تمنحه التفرد وتجعل منه تجربة مميزة. ويبقى الهدف من المحاولة هو تأسيس تراكم كمي سيشكل بدوره عبر التدوين أرضية خصبة للدراسة والتحليل لبلوغ تراكم نوعي يساير انتقال الثقافة الأمازيغية من ثقافة ذات هوية شفوية إلى ثقافة ذات هوية كتابية. تؤكد المصادر التي درست مكونات المغرب البشرية أن المصامدة هم أهم عنصر عمر المنطقة وقد التحق بهم العنصر اليهودي رغم صعوبة تحديد المرحلة ثم العنصر المعقلي في فترة لاحقة بموازاة مع العنصر الزنجي الذي وفد من دول جنوب الصحراء في فترات متفاوتة وفي ظروف مختلفة يبقى أهمها في إطار تجارة النخاسة، وقد امتزجت هذه القبائل واختلطت الأعراق. وتحركت المجموعات بسبب أو بآخر، فتمزغ بعضها وتعرب الآخر. ولتحديد الخصائص الديمغرافية والسوسيوانثربولوجية للمجتمع السوسي لا بد من الإشارة إلى أن هناك شيئين أساسيين لا يجب أن نغفل عنهما ونحن نتحدث عن المجتمع السوسي أولهما: أن اللغة « تشلحيت « لا يمكن لوحدها أن تكون مقياسا لتحديد هوية هذا المكون نظرا لتمزغ الوافدين عبر مراحل مختلفة على المنطقة ، وفي هذا الشأن يقول السوسي « واكتسح بنو حسان مواطن درعة إلى شواطئ المحيط «1 وغير بعيد في بداية القرن العشرين فقد استقر بتزنيت دفينها الشيخ ماء العينين وتوزع أبناؤه على قبائل الأطلس الصغير «الشيخ النعمة بآيت رخا ، الشيخ الهيبة بإيدا وسملال وابن عمهم بلخصاص» ثانيهما: أن التحديد الجغرافي ونظرا لما سبق ذكره لا يمكن أيضا أن يعتبر مقياسا، وكما أشار إلى ذلك Burlaud 1995 وقد سبقه العديدون من أمثال Jacques Berque 1978 في دراسته عن الأطلس ، فالتحركات القبلية والتمزغ أو التعريب للعناصر المعمرة للمنطقة يجعل الأمر صعبا حتى وإن اعتمدنا على التمييز بينها ب « آيت» التي تفيد أن القبيلة أمازيغية و «أولاد» المحيلة على عروبة الأصل فمن الصعب أيضا تحديد ذلك يقول السوسي: «واستقر في منطقة «تاكنا» و»كلميم» قبيلتا «آيت جْمْل» و «آيت بلا»، وهما من عرب بني هلال»2. وإذا كان هذا التمازج بين الأمازيغ والعرب رغم قرب العهد يطرح هذا فماذا يمكن أن نقول عن العناصر الأخرى المدمجة التي سبقت العرب بمئات أوآلاف السنين ، ونقصد بهذا الزنوج واليهود. لا يخفى على أحد العلاقة التي ربطت سوس بأفريقيا السوداء وخصوصا ما يسمى بالسودان الغربي.. سواء كانت هذه العلاقة ذات طبيعة تجارية أو عسكرية أو ثقافية/ دينية. مما جعل مجموعات منهم تكون جزءا مهما من نسيج المجتمع السوسي، بعد أن انتهى عهد العبودية، سواء كجنس صرف أو كجنس هجين أو ما يعرف «بالحراطين». أما اليهود، فتتحدث الدراسات عن استقرار أوائل اليهود بسوس (كدياسبورا) منذ مغادرتهم لفلسطين في حملة على أورشليم في عهد نبوخذ نصر سنة (597 ق م) بل وحتى ما قبلها من هجرات اضطرارية، ناهيك عن الثورات والقلاقل التي دفعت بالآلاف من اليهود إلى الرحيل إلى أبعد نقطة. وأغلب الظن أنهم وصلوا إلى المنطقة منذ تلك الفترة.. ثم توالت الهجرات إليه لدرجة ان البعض يتحدث عن مملكة يهودية بمنطقة درعة. وسيتعزز الوجود اليهودي بعد طردهم من الأندلس.. وقد وجدوا في سوس ظروفا مواتية للاستقرار والتجارة وممارسة بعض المهن إضافة إلى الفلاحة.. إن المنطقة بهذا تشمل عناصر متعددة وعددا كبيرا من القبائل التي تنتمي إلى نفس الحدود الجغرافية، وكان التفاعل بين كل هذه العناصر التي انصهرت في بوتقة إسمها سوس، فتوحدت التقاليد والعادات مع اختلافات نسبية وطفيفة. دون أن نغفل أن السوسي أيضا هو ذلك العنصر المرتبط أصله بالمنطقة دون أن تكون مسقط رأسه. فيكفي أن يكون الجد أو الأب منحدرا منها لتجد الشخص يفتخر بكونه سوسيا. هوامش 1 المعسول - ج 19 ص : 273 2 السوسي السابق .