تعيينات جديدة في المناصب الأمنية بعدد من المدن المغربية منها سلا وسيدي يحيى الغرب    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    وزارة الصحة تطلق "رعاية" لتوفير الدعم الصحي بالمناطق المتضررة من البرد    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    أشرف حكيمي يجدد عقده مع باريس سان جرمان حتى 2029    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    بتعليمات سامية من جلالة الملك ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    ولد الرشيد: رهان المساواة يستوجب اعتماد مقاربة متجددة ضامنة لالتقائية الأبعاد التنموية والحقوقية والسياسية    مواجهات نارية.. نتائج قرعة ربع نهائي دوري الأمم الأوروبية    بعد الإكوادور، بنما تدق مسمارا آخر في نعش الأطروحة الانفصالية بأميركا اللاتينية    المنتخب الليبي ينسحب من نهائيات "شان 2025"    مجلس المنافسة يغرم شركة الأدوية الأمريكية "فياتريس"    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    التنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب تدعو الزملاء الصحافيين المهنيين والمنتسبين للتوجه إلى ملعب "العربي الزاولي" لأداء واجبهم المهني    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    بتعليمات من الملك محمد السادس: ولي العهد مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء        تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    أسباب الفيتو الأمريكي ضد مشروع قرار وقف الحرب!    تفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم "داعش" بالساحل في إطار العمليات الأمنية المشتركة بين الأجهزة المغربية والاسبانية (المكتب المركزي للأبحاث القضائية)    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    أداء سلبي في تداولات بورصة البيضاء    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    زنيبر يبرز الجهود التي تبذلها الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان لإصلاح النظام الأساسي للمجلس    وهبي: مهنة المحاماة تواجهها الكثير من التحديات    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    دفاع الناصري يثير تساؤلات بشأن مصداقية رواية "اسكوبار" عن حفل زفافه مع الفنانة لطيفة رأفت    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !        تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء    أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرار المحاولة الفاشلة لاغتيال عمر سليمان

يوم واحد كان الأصعب في حياة اللواء «عمر محمود حسين سليمان،» تولى فيه رئاسة الجمهورية بعد أن نقل الرئيس المخلوع صلاحياته إليه بموجب التفويض الرئاسي الذي منحه له الدستور المصري في 10 فبراير الماضي، وقبلها عينه مبارك في 29 يناير نائبا لرئيس الجمهورية وهو المنصب الذي حرم منه سليمان بالقصد والتدبير على مدى عشرة أعوام كاملة.
وربما لا يعرف غير عدد قليل أن مبارك ناشد سليمان لدرجة الاستعطاف كي يقبل المنصب، إذ كان سليمان يشكل له طوق النجاة الأخير ولأن الرجل كان قدره دائما الوقوف أمام العواصف، فقد قبل وهو يعلم بخبرته الطويلة أن مبارك قد انتهي ومن ورائه النظام.
سجلت تقارير سليمان السرية فساد مبارك ونظامه، إلا أن هذه التقارير ربما لا يفرج عنها التاريخ إلا بعد أعوام طويلة يكون الرجل قد حرم فيها حتى من أن يشكره أو يتذكره أحد.
تلك التقارير سجلت أن سليمان كان ضد جمال مبارك على طول الخط، وتذكر واقعة شهيرة نادى فيها جمال في بداية عام 2010 على سليمان ب«سليمان» دون ألقاب فما كان من الاخير يومها غير أن التفت لجمال وقال له: «احترم نفسك يا ابني». وأضافت التقارير أن سوزان مبارك وزكريا عزمي وصفوت الشريف وجمال عبد العزيز كونوا عصابة حالت دون تعيين الرجل في منصب نائب الرئيس كما دبروا له عملية اغتيال متكاملة ذكرت في الملفات، وجاءت في قصة لقناة فوكس نيوز الأمريكية.
ففي ساعة متأخرة من مساء 29 يناير الماضي وبعد ساعات قليلة من تعيينه في منصب نائب الرئيس، أفاقت عصابة القصر ومعهم سوزان وجمال علي قرار مبارك وشعروا بالمصيبة وأدركوا بحنكة السياسة أنه قد أصبح الرئيس الفعلي لمصر وأن جمال قد انتهي وهم وراءه فقرروا قتله وإنهاء قصته .وعند تحركه في شارع الخليفة المأمون في اتجاه روكسي بموكبه الذي كان يضم ثلاث سيارات ، تعرض لكمين حقيقي قتل فيه حارسان من أبناء المخابرات ومعهما سائق العربة الأولى التي أخذت أكبر دفعات من الرشاشات الآلية بعد أن أطلقت عليهم من داخل عربة إسعاف مسروقة. ولولا القدر لكانوا قضوا على الرجل الذي أنقذه ووضع خطة للسير وضعته في سيارة بعيدة عن الموكب، ولأن الجاني معروف فلم يعلن حتى يومنا هذا عما حدث وكأنها حادثة مرور مع أن كل من كان في عربة الإسعاف قد قضي عليه.
سليمان هو من أقنع مبارك بالتنحي يوم 11 فبراير ،إذ أعلن لمبارك طبقا لما سجلته أوراق التاريخ أنه من مساء يوم 10 فبراير الماضي قد رفع يده من مساندته بعد أن سالت دماء الشعب على حد تعبير سليمان يومها وهو أيضا من سلم السلطة طواعية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة مع أنه كان وقتها الرئيس، ومثبت أنه سلم لمبارك وكشف له طيلة أيام الثورة جميع الصور والأفلام والمعلومات التي أفادت بأن العادلي قد طغى بالبلاد وراح يقتل الشعب، وهو أيضا من شهد عليهم في تحقيقات قضية مقتل الثوار التي ستنظر في 3 غشت القادم، إذ سيكون شاهدا رئيسيا فيها ضد المخلوع ونظامه.
وثائق «ويكيليكس» لو كان لديها على سليمان معلومة لكانت فضحته دون تأخير ومنها نجد لقاءه في 30 أبريل 2009 مع الأدميرال «ميخائيل مولين» رئيس قيادة الأركان المشتركة الأمريكية، وفي الجلسة تسجل السفيرة مارجريت سكوبي سفيرة الولايات المتحدة بمصر أن سليمان رفض بشدة مخطط تقسيم السودان وأن مبارك وافق، وأن الأول رفض أيضا مخطط التوريث في مصر وحذر الولايات المتحدة منه وأنه رفض العدوان على غزة من قبل إسرائيل.
أما مستند ويكيليكس في تاريخ 12 نونبر 2009 فقد أثبت أن سليمان كان مع ملف التقارب الافريقي بقوة، وهو ما تؤكده جلسته مع نائب مستشار الرئاسة الأمريكية للشؤون الافريقية «جوني كارسون» وفي اللقاء شرح سليمان خطة جهازه لمساعدة الصومال وإثيوبيا، وهو عكس ما قيل عن أنه من ساهم في ضرب ملف العلاقات المصرية الافريقية حيث كان المسؤول عنها هو أحمد أبو الغيط وزير الخارجية ومبارك نفسه.
أما الادعاء بأنه تورط في تعذيب معتقلي غوانتانامو، فهو موجود في الوثيقة بتاريخ 1 غشت 2005 وفيها نكتشف جانبا مهما. فقد كان الدور الوحيد للمخابرات المصرية هو تسلم الذين تلقي الولايات المتحدة القبض عليهم من المصريين في افغانستان وباكستان وبعدها كان ينقل المعتقل لولاية حبيب العادلي، ومن بعد ذلك كان يضرب المعتقلين بأمر العادلي، الرجل الذي جعل التعذيب حرفة في مصر وليس سليمان الذي زج باسمه في القضية دون أن يدرك القارئ أن له صلاحيات محددة في القانون وهي أن يتسلم المصريين المتهمين في قضايا أمنية وإرهابية دولية من الاجهزة الأجنبية، ومن ثم ينقلهم للجهة المختصة بالتحقيق الفعلي معهم في وزارة الداخلية.
سليمان من مواليد 2 يوليوز 1936 متزوج ،وله ثلاث بنات. رجل من محافظة قنا بصعيد مصر. في عام 1954 انتقل مع أسرته إلى القاهرة ليحقق حلم والده أن يكون ضابطا مثل عبد الناصر. وقد التحق بالكلية الحربية مع أن مجموعه الدراسي كان 96% في القسم العلمي، وفي الأكاديمية العسكرية تخرج وكان من الأوائل. وكرمه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في حفل التخرج ويومها بكي والده كثيرا حيث تحقق حلمه.
وشارك سليمان في حروب مصر كلها بداية من حرب اليمن الى حرب 1967 حتى أكتوبر 1973 وحصل على شهادة الأركان من أكاديمية فرونزي العسكرية بالاتحاد السوفيتي .كما أنه يحمل درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة ومن جامعة عين شمس ونفس الدرجة في العلوم العسكرية من كلية الأركان المصرية، وقد تولى سليمان منصب رئيس فرع التخطيط العام في هيئة عمليات القوات المسلحة ثم عين نائبا لمدير المخابرات الحربية في عام 1986 ثم مديرا للمخابرات الحربية من 1991 حتى 1993 وهو أعرق جهاز مخابرات مصري كلاسيكي، وهو الأقدم قبل المخابرات العامة. وفي 22 يناير 1993 تم تعيينه في منصب المدير ال15 لجهاز المخابرات العامة المصرية خلفا للواء «نور الدين عفيفي».
وللتاريخ فإن سليمان هو أقدم مدير من حيث أعوام الخدمة بجهاز المخابرات العامة المصرية، والمحدد فيها للمدير فترة 3 أعوام فقط. ولا يوجد ممن سبقوه من خدم أطول حتى اللواء «صلاح» نصر خدم لمدة 10 أعوام من عام 1957 حتى عام 1967 ويعد سليمان رسميا أول رئيس للمخابرات المصرية يتم الكشف عن اسمه وصورته وبياناته بداية من عام 1996 حيث برز من يومها حقيقة الدور السياسي الذي يلعبه الجهاز.
واتهم سليمان بسبب نظام مبارك باتهامات متعددة، غير أن جميع الجهات الرقابية التي حققت مع جميع التحريات الرسمية أشارت إلى أن الرجل كان شاهدا ولم يشارك. حتى إن سجلات المرور نفسها لا تسجل له ملكية عربة شخصية واحدة والسبب لا يندرج تحت بند السرية مثلما يمكن أن يفكر البعض.
وهنا كان يجب أن نعود لقانون جهاز المخابرات العامة رقم 100 لسنة 1971 ومن الرسميات نتعرف على حقيقة دور رئيس المخابرات بشكل عام حتى نعرف حقيقة الرجل، فالجهاز له دور محدد في الحصول على المعلومات السياسية والاقتصادية والعسكرية من جميع الجهات خارج الدولة، والقيام بتجميع المعلومات وتحليلها وعمل التقديرات لرفعها للقيادة السياسية المتمثلة في رئيس الدولة كما يقوم الجهاز بنشاط تجميع المعلومات عن النشاط المناهض للدولة وسلامتها، المتمثل في مكافحة الجاسوسية والنشاط الهدام ويقوم الجهاز بنشاطات سياسية غايتها تأمين مصالح مصر القومية وتحسين علاقاتها بجميع الدول.
وتشير الأوراق لتعرض سليمان للعديد من النقض في قضايا محددة أهمها علاقة مصر وإسرائيل وملف دول حوض النيل، والملف الافريقي بشكل عام، وهنا يجب أن نعرف أن مبارك كان من الذكاء ليدفع بالرجل للقاء الإسرائيليين حتى يمكنه حرق ورقته من هذا المنطلق وقتما يشاء. وفي الواقع إن سليمان لو تذكرنا كان مديرا للمخابرات بمعني أنه على رأس أرفع جهاز أمني مصري ومهمة جهازه في الأساس التعاون والاتصال بالأجهزة الموازية في كل دول العالم. ومن هنا كانت الإجابة في أنه عندما يقابل الإسرائيليين أو الأمريكيين أو مثلا وفدا من مخابرات الصين أو جزر القمر، يكون الدافع واحداً هو مصلحة مصر ويكون من أرسله وكلفه بتلك الزيارات واحداً هو رئيس الجمهورية.
لقد سجلت تقارير المخابرات المصرية الموجودة على مدى نظام مبارك كل الفساد ومن بدايته، بل رفعت تقارير الفساد حتى عن المركزي للمحاسبات نفسه لرئيس الجمهورية ويوجد بها معلومات وافية وحقائق واقعة عن فساد النظام، ولم يتصرف الرئيس المخلوع حامل الشرعية.
سألنا مستشارين وسياسيين وخبراء أمن وزملاء للرجل هل كان عمر سليمان فاسدا؟ فجاءت الإجابة التي نسجلها بأن الرجل كان أبعد ما يكون عن أن يصفه أحد بذلك، بل كان مناضلا في السر ولو كانت عليه شائبة واحدة فليكشفها من يملكها على حد تعبيرهم، غير أن الجميع أجمعوا على أن لديه مشكلة واحدة من وجهة نظرهم وهي الولاء الزائد عن الحد وهو من أنقذ الرئيس المصري يوم حادثة أديس أبابا 1995 بأن أصر طبقا لمعلومات لديه على إرسال عربة مصفحة لأديس أبابا قبل الزيارة بيوم واحد.
سليمان لم يكن يحب النميمة وكان ينسحب من جلساتها لينفذ عمله، وكان عدواً معلنا لزكريا عزمي وصفوت الشريف، وكانت سوزان مبارك تترك القصر عندما يكون سليمان فيه.
وتذكر الوثائق حدوث اشتباكات كلامية بين سوزان وسليمان لم ينهها غير مبارك، ولو كان هناك خطأ واحد لسليمان طيلة فترة خدمته لعزله مبارك دون تفكير. لقد كتب سليمان في تقاريره المطولة عن فساد ابني الرئيس وتجارتهما في أشياء كثيرة كان منها ما لا يمكن الصمت عنه.. فما كان من مبارك إلا أن أمر سليمان بالابتعاد عن أي ملف يخص الأولاد.
لقد رفض سليمان قتل الثوار وشهد ضد مبارك بأنه أوصل إليه كل المعلومات التي تؤكد صور القتل، وجعله يشاهد أفلاما تصور وتثبت قتل الثوار، وكان سليمان عضوا بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة حتى 29 يناير 2011 عندما عين نائبا للرئيس لمدة 13 يوماً.
طاقم حراسته علم بالمؤامرة.. ونجح في إحباطها
لا يزال اللواء عمر سليمان يتذكر يوم السبت 29 يناير الماضي، حيث حفر اليوم الخامس للثورة المصرية في ذاكرته ووجدانه مشاهد لن ينساها طيلة حياته، ففي ظهر هذا اليوم أدى «سليمان» اليمين الدستورية نائباً لرئيس الجمهورية..
وخلال أداء سليمان اليمين، كانت هناك أحداث أخرى تدور بالقصر الرئاسي، فسوزان مبارك وجمال وعلاء ومعهم زكريا عزمي وجمال عبدالعزيز وصفوت الشريف الذي يحادثهم على الهاتف ومعه حبيب العادلي على خط آخر، بعد أن حاصر المتظاهرون وزارة الداخلية وفي حضور أنس الفقي يعقدان في غرفة مجاورة لبهو أداء القسم اجتماعاً عاجلاً لا يسمح لموظفي الرئاسة الآخرين بدخوله..
وقد بدأ الفقي ينقل تعليمات من الجلسة لأطراف عديدة خارج القصر وعقب أداء «سليمان» كانوا قد أتموا الجلسة، ووقفوا في انتظاره فتحدث مشادة كلامية حادة بين سوزان وعمر سليمان، حيث اتهمته بأنه انتهز الفرصة ليضغط على الرئيس لتعيينه، بينما هو يشرح أنه قرر أن يخسر تاريخه من أجل المصلحة العامة، ويخبرها بأن كل شيء انتهى، وعندها يتدخل في الحديث جمال مبارك رافعاً صوته فيقاطعه سليمان بقوله: «سيشهد التاريخ أنكم فعلتم بالرجل الكثير»، ولا يطيل سليمان كعادته في الكلام ليخرج مسرعاً في طريقه إلى مقر وزارة الدفاع، حيث سيدير بعض التقديرات والاتصالات الآمنة من هناك لأن النظام قد شل اتصالات البلد كلها..
وتكشف التقارير السرية التي تنتظر الإفراج عنها، تفاصيل ذلك اليوم الغريب من تاريخ الثورة المصرية، فعندما يسير سليمان خارجاً من بهو القصر في اتجاه لسيارته، تحدث المشادة الشهيرة التي إثرها غاب «مبارك» قليلاً ولدقائق عن الوعي، فقد تطاول عليه ابنه «جمال» ورفع صوته وهو يتهمه بأنه ضيعهم وضيع النظام والأسرة للأبد بتعيينه عمر سليمان، ويهرع علاء مبارك ليسكت أخاه وهو يشاهد والده في حالة انهيار تام.
وأمام بهو القصر يلتفت «سليمان» وهو يتابع المشهد جيداً. فبخبرته علم أن تلك العائلة قد انتهت للأبد ويذهب لسيارة المرسيدس السوداء المخصصة له بين سيارتين من سيارات الدفع الرباعي خاصة بطاقم حراسته فيوقفه قائد حراسته ويهمس في أذنه بمعلومة، فيقف «سليمان» لثوان يحاول أن يستوعب ما سمعه للتو، فهو خطير لأن رئيس الحرس ينبهه بأن الأجهزة الخاصة للمخابرات المصرية قد رصدت الأمر الذي صدر وهو يؤدي اليمين للمجموعة التي من المفترض أنها ستغتاله في طريق عودته..
وارتكز بكلتا يديه على المرسيدس قائلاً لقائد حرسه: «خليها على الله قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا» فيرد عليه قائد الحرس: «لكن يا أفندم إذا لم تكن تخشى على حياتك، فربما تسمح لنا أن نخشى نحن على حياتك أولاً وبالقطع نحن بشر، وبالتأكيد نحن متوترون». فيرد سليمان وقد عاد له تفكيره الثابت: «أنا سأتصرف طبقاً لتعليماتك. نفذ ما تراه يا حضرة المقدم» ،فيطلب منه قائد الحرس بشكل مبدئي أن يركب في آخر عربة وهي المخصصة للحرس الخلفي ويترك المرسيدس المعروفة بأنه يستقلها لكنه يقول له: «انتظر ثواني لنؤمن الطريق» فيسأله سليمان: «أي طريق»؟ فيرد عليه قائد الحرس قائلاً: «العيون يا افندم»، وبعدما يتأكد أن الجميع مشغولون بالداخل يستقل العربة الخلفية ثم قام قائد الحرس بعملية تمثيلية وكأنه يطمئن على سليمان في العربة المرسيدس، وتتقدم العربات الثلاث في موكب سليمان ناحية بوابة الخروج، ولأن الزجاج لا يمكن لمن بالخارج رؤية من بالداخل فلا يتمكن أحد من كشف حيلة الحرس، وتعطي البوابات التحية العسكرية لسيارة سليمان الأمامية وتنفتح الأبواب ليخرج الركب إلى مصيره المجهول..
على الجانب الآخر تتكشف حقائق أخطر، فهناك مجموعة تتبع ما يطلق عليهم «البلطجية ذوي الياقات البيضاء» أي البلطجية القادة وهؤلاء ليسوا مثل هؤلاء الذين تعودنا على أن نراهم في الشوارع حاملين الأسلحة البيضاء، بل إنهم قادة بالفعل يركبون أفخر السيارات وأحدثها ويتحدثون اللغات، فهم قادة جيوش البلطجة في مصر يفكرون بعقليات المافيا، ويتدربون في أوروبا كل عام ويجوبون دول العالم مثل أي رجل أعمال حيث تمتلئ محافظهم بالكروت الذكية لأشهر وأقوى البنوك بالعالم، وهؤلاء هم قادة جيش الحزب الوطني منفذو العمليات الخاصة جداً..
هؤلاء البلطجية تعامل معهم قادة الحزب الوطني وربوهم على مدى عشرات الأعوام، وتوجد لهم كشوف كاملة لدى وزارة الداخلية وكان العادلي يحتفظ بملفهم السري ولا ندري هل يوجد ذلك الملف أم أنه اختفى مع أغراض العادلي لدى مغادرته وزارة الداخلية لأنه أحرق وأخفى معظم ما يدينه وترك الباقي لرجاله يومها ليخفوا البقية .
في وسط البلد كان أول تحرك لهم حيث أوقفوا أول عربة إسعاف تمت سرقتها وقتلوا سائقها وفي ثوان كانوا قد تحولوا لمسعفين .
ومن الحقائق المحجوبة نتأكد أنه كانت لديهم خطة متكاملة وضعت في يوم 25 يناير لاغتيال سليمان، حيث كان من المفروض اغتياله في صباح 26 يناير لكنه أفلت من الكمائن حتى وصل لكمين يوم السبت 29 يناير الذي نكشف حقيقته.
ووضعوا كمينا لسليمان عند منطقة منشية البكري وكمينا آخر على دراجات بخارية في روكسي يسير بهدوء. والغريب أن الكمينين مراقبان من قبل مجموعة ثالثة مكلفة من قبل من أصدر أمر قتل سليمان كي تتم تصفية مجموعة العملية عقب التنفيذ أياً كان الأمر بالنجاح أو بالفشل، فالمهم كما فكرت عقلية المجرمين الأصليين هو محو أي دليل على ما سيحدث.
فجأة يشاهدون عربة المرسيدس الخاصة بسليمان فيطلق سائق سيارة الإسعاف «صافرة الإسعاف» ويسير ببطء أمام المرسيدس حتى تقترب على الفور، تتناقل أجهزة الاتصال الخاصة بحرس سليمان الخبر، حيث إنهم على وشك الدخول في معركة ويطلب قائد الحراسة من «سليمان» أن يهبط في أرضية السيارة غير المصفحة ليفاجأ الجميع بأن الباب الخلفي للإسعاف قد فتح ليخرج منه رجلان شابان بيد كل منهما سلاح رشاش حديث للغاية، تستخدمه فرق العمليات الخاصة وينهمر الرصاص على راكبي العربية التي من المفروض أن سليمان بها فيقتل على الفور الحارس الذي جلس بالكرسي الأمامي اليمين ويأخذ السائق دفعة رشاش في صدره وكتفه فيسقط على عجلة القيادة وينحرف بالعربة ليصطدم بحاجز في الطريق، بينما تخفف السيارتان الخلفيتان السرعة ويسمع الحراس بوضوح في صمت المكان وهدوئه المنفذين يعلنون نجاح العملية، حيث اعتقدا أن الحارس هو سليمان.
ولا ينتهي المشهد عند ذلك الحد فالدراجة البخارية المصاحبة للجناة كانت تكمن بين الأشجار القصيرة الموجودة بالمنطقة، فتبدأ هي الأخرى بإطلاق وابل من الرصاص على العربتين الأخريين، لكن هنا يتدخل القدر فالمجموعة الموكل إليها تنظيف ما حدث، تخرج فجأة لتقتل كل المنفذين ولا ينجو منهم أحد، ولا يجدون أيضاً معهم ما يثبت هوياتهم وتنتهي عملية اغتيال فاشلة ربما ستظل في ذاكرة تاريخ الثورة المصرية، بينما يفيق سليمان على الصدمة، فلقد فقد للتو ثلاثة من أفضل العناصر التي حسبها عند الله من بين الشهداء، كانوا أولاده المخلصين من بين العشرات من الذين رباهم على مدى أعوام طويلة بجهاز المخابرات الذي أصبح رسمياً من بين أفضل الأجهزة العاملة بالعالم.
أما وزارة الدفاع فعندما علمت بالأمر كلفت على الفور فرقة من أقوى وأكثر الفرق خبرة بين مجموعات القوات الخاصة المصرية لحماية «سليمان» ،وهي الفرقة 64 قتال التي انتمى لها المقدم أركان حرب «حسين الشريف» وهو قائد إحدى مجموعات الفرقة، وهو الذي تعرض للكثير من السخافات عقب ظهوره خلف «سليمان» وهو يعلن خطاب التنحي يوم 11 فبراير الماضي، وللحقيقة لم ينم الرجل سوى ساعات معدودة على الأصابع منذ يوم 29 يناير وحتى التنحي، بل إنهم اضطروا لأخذ أدوية تنبيه حتى يتمكنوا من حماية رموز مصر على مدار الساعة، وبالتأكيد شخص مثله عندما ظهر خلف «سليمان» في الخطاب، كان يعاني شخصياً من القلق والتوتر والإرهاق على مدى أيام وهو يعلم أنهم ربما يحاولون اغتيال سليمان مرة أخرى.
لقد خرجت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية وبعدها المتحدث الرسمي للبيت الأبيض مساء 30 يناير ليعلنا رفض الإدارة الأمريكية العنف بشكل تام في مصر، وكان بين الحديث إشارة مشفرة عن عملية الاغتيال الفاشلة وجهت مباشرة لمن خططوا للعملية .
وكانت وكالة ««فوكس نيوز» «الأمريكية قد انفردت بإعلان نبأ العملية الفاشلة يوم 4 فبراير مساء، وأعادت بثه «رويترز» في 5 فبراير، ولكن بتصرف خشية أن يكون كاذباً. ومن خلال برنامج مصري على قناة خاصة، اعترف وزير الخارجية أحمد أبو الغيط في 23 فبراير بأن العملية كانت حقيقية، وأنه شاهد بنفسه السيارة المدمرة التابعة لعمر سليمان حيث مر بعده من نفس المكان في طريقه للقصر الجمهوري، وأنه شاهد طلقات الرصاص، وقد مزقت جوانب السيارة وهشمتها بالكامل.
وفي 17 أبريل عقب تسرب أول التأكيدات عن هوية من دبروا للمؤامرة، تقدم أسامة زين الدين المحامي بالنقض والإدارية العليا الذي وجدت المعلومات طريقها إليه من صديق ، بأول بلاغ رقم 6594 بلاغات النائب العام بتاريخ 17 أبريل اتهم فيه كلاً من سوزان وجمال وعزمي والشريف والعادلي بمحاولة اغتيال سليمان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.