تشكل الرياضة متنفسا جميلا وراقيا يسمو بالفرد إلى عوالم المتعة والإحساس الفريد، فهي تربي الروح وتحافظ على القوام وتخلص الممارس من متاعب الحياة. لكنها ، وفي مقابل ذلك، قد ترافقها أحيانا الكثير من السلوكات العنيفة، والتي تغذيها العصبية والنفخ الإعلامي، لدرجة تشعل الحروب وتقطع العلاقات الديبلوماسية بين البلدان، وخاصة أمام المبالغة الإعلامية، التي تحول مباراة لكرة القدم ، مثلا ، من بساطها الأخضر، رمز السلام والمحبة، إلى ساحة للوغى، تستعمل فيها كل الوسائل لإحراز النصر. نتذكر جميعا الحرب التي قامت بين الهندوراس و السلفادور، في أواخر سنة 1969، برسم التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم 1970، والتي استمرت 100 ساعة وخلفت آلاف القتلى والجرحى والمشردين، وهي «الحالة» التي كادت أن تتكرر في نونبر 2009، بين مصر والجزائر، بعد الأحداث التي رافقت مبارتيهما برسم إقصائيات التأهل لنهائيات كأس العالم 2010. وفي المغرب كثيرا ما انتهت بعض المباريات الرياضية في أقسام المستعجلات، بفعل الإفراط في العنف، والذي كثيرا ما تغذى من «الحشد الإعلامي»، الذي يزيد من الضغط على الجمهور، فتتحول مباراة عادية إلى جبهة «للقتال». ينطلق التحرش من الألفاظ الجارحة المستعملة في التشجيع، ويتغذى بفعل خطأ من حكم أو لاعب أو مسير، بل حتى من «صحافي رياضي» وينتهى إلى تبادل التراشق بالحجارة، وبالتالي المواجهات في الشوارع. في الموسم الماضي، لم تنته مباراة شباب قصبة تادلة والرجاء البيضاوي إلا في حدود التاسعة ليلا، بعد اندلاع أعمال شغب حولت شوارع المدينة الصغيرة الهادئة إلى ساحة للعراك وال«الكر والفر» بين أبناء المدينة وقوات الأمن، التي وجدت نفسها مجبرة على استعمال الغازات المسيلة للدموع ! وبملعب ميمون العرصي، لم تعرف مباراة شباب الريف الحسيمي والوداد، سيرها العادي، لأنها توقفت بعد ثماني دقائق من انطلاقتها، واقتحم الجمهور أرضية الميدان، وفرض على اللاعبين مغادرة الملعب، أمام حدة التراشق بين جماهير الريف وأبناء الدارالبيضاء. ويحيلنا تاريخ كرة القدم الوطنية على مواجهات أخرى كانت فيها الفرق المستقبلة «تنتزع» الانتصار بقوة جماهيرها و«بطشها» بالخصوم. هذا العنف يتجسد حتى في الصحافة الرياضية، فالمعجم الحربي حاضر بقوة، ويتفنن بعض الصحافيين في تنزيل الكثير من المصطلحات العسكرية في مقالاتهم وتعليقاتهم على الأحداث الرياضية! في هذا الملف، نحاول التوقف عند بعض مظاهر هذا التزاوج بين الرياضة والحرب، ونستعرض بعض تجلياته، كما نحاول البحث عن أسباب هذا الحضور اللافت للقاموس الحربي في الرياضة عموما، وكرة القدم على وجه التحديد.