لا توجد ظاهرة في العالم اليوم يمكن أن تفوق، من حيث التأثير، ما تفعله كرة القدم في نفوس وعقول الناس، إنها تجعل السياسة والحروب وكل الأحداث الخطيرة تنسحب إلى الهامش، مفسحة المجال أو منسحبة رغما عنها لصالح هذا «الدين الجديد»، السلطات في البلدان المتخلفة توظف هذه اللعبة في التنفيس وتخدير المواطنين، وتعويض انتصاراتها لهزائم الدولة المتتالية، إلا أنها تفاجأ في أحيان كثيرة بوحش صنعته بنفسها ولم تعد قادرة على التحكم فيه. في أوربا تحولت هذه الرياضة إلى صناعة مربحة، تفوق مداخيلها الناتج الوطني لكثير من الدول، وهناك أندية تحولت إلى إمبراطوريات مالية تؤثر على القرار السياسي. يقولون إنها مجرد كرة مملوءة بالهواء، لكنها وهي تدور تسرق اهتمام الجميع، وتثير حروبا بين المشجعين وتخلف موتى، وآلافا من الحشود يعبدون أبطال الأزمنة الجديدة الخارقين. في سنة 1996 شارك إغناسيو راموني بمقال في أحد الملفات التي أعدتها مجلة فرنسية حول موضوع محدد هو «الرياضة والنزعة الوطنية»، وبدأ رئيس تحرير «لوموند ديبلوماتيك» بالإشارة إلى حدث عرفته الجزائر عام 1990 بمناسبة إجراء المقابلة النهائية للكأس، حين أخذ الجمهور الحاضر إلى الملعب يردد شعارا يقول: «الجيش والشعب مع عباس مدني». لم تكن جبهة الإنقاذ الإسلامية قد نظمت مسيرتها الشهيرة بعد، وكانت وسائل الإعلام الرسمية تحاول في ذلك الوقت التقليل من الشعبية التي يتمتع بها الزعيم الإسلامي. كتب راموني أن «الرياضات الشعبية، وخاصة كرة القدم، تسمح في البلدان التي يخضع فيها الإعلام إلى رقابة السلطة بحشد المناصرين للتعبير بشكل جماعي عن موقف سياسي، وتمنحهم فرصة إجبار التلفزيون، الحاضر بالضرورة، على البث المباشر لرسالتهم..»، مضيفا أنه في الجزائر، كما في بلدان عدة، هناك ارتباط قوي بين كرة القدم والسياسة، «فقد كانت فكرة إنشاء فريق وطني تراود جبهة التحرير منذ ما قبل الاستقلال مستعينة بلاعبين فروا من أنديتهم الفرنسية... وفي تيزي وزو عاصمة القبائل، مثل فريق شبيبة القبائل النزعة القومية الأمازيغية،حيث كانت مساندة هذا النادي تعني التفافا حول الممنوع، ونتيجة للمظاهرات ذات الطبيعة السياسية التي كانت تعرفها نهاية المقابلات ووصلت ذروتها سنوات الثمانينات فرضت السلطات على الفريق تغيير اسمه... وفي ماي 1990 وأثناء حملة الانتخابات المحلية قام المناضلون الأمازيغ المناوئون لجبهة الإنقاذ الإسلامية بنشر لافتة كبيرة في ملعب وهران خلال مباراة ينقلها التلفزيون، وكان مكتوبا عليها «عاش اتحاد المغرب القبائلي» بالفرنسية والعربية والأمازيغية، لهذا السبب دون شك راجت إشاعة تقول إن جبهة الإنقاذ ضد كرة القدم وأن أول القرارات التي سيتخذها حزب عباس مدني هو منع ممارستها». بعد ذلك تطرق الكاتب للثورة الإسلامية في إيران حين أعلن الخميني عام 1979 أن «اللعب محظور ولو كان بغرض التسلية»، مع ما ترتب عن ذلك من منع لممارسة الملاكمة والشطرنج، وفرض رقابة في التلفزيون على مجموعة رياضات مثل السباحة بدعوى العري، كما تشكلت لجنة ثورية يتمثل دورها في فرض ارتداء السراويل على اللاعبين بدل الشورتات القصيرة»، إلا أن النظام الذي منع دخول النساء إلى الملاعب سرعان ما أذعن لشعبية كرة القدم الكبيرة مع أخذ الحذر منها في نفس الوقت... ففي بداية الثمانينات، كما يكشف ذلك عميد المنتخب الإيراني السابق، انتهت مباريات عدة بخروج مظاهرات، إذ كان الجمهور يستغل اختلاط الحشود صارخين بمعارضتهم للخميني». وكما أن السلطة تخاف من جمهور الكرة، فإنها توظفه أيضا للخروج من أزماتها، وللتنفيس على المجتمع المخنوق بأزماته المعيشية، ويتذكر الجميع كيف وظف وصول المنتخب المغربي إلى نهائي كأس إفريقيا بتونس في تهييج مشاعر الناس الوطنية، حيث خرج الآلاف إلى الشوارع حاملين الأعلام الوطنية التي كانت متوفرة بكثرة، للتعبير عن فرحهم واعتزازهم بهزيمة منتخبهم الوطني، فما بالك لو انتصروا. وفي هذه الأيام تناقش الصحافة المصرية نتائج استطلاع للرأي أجرته إحدى القنوات حول الحدث الأكثر تأثيرا على الناس في السنة التي ودعناها، حيث كانت النتيجة مفاجئة، بعد أن أكد أغلب الذين تم الاتصال بهم أن هزيمة الأهلي أمام نجم الساحل التونسي هي الحدث الأسوأ بالنسبة إليهم، دون أن يعطوا أدنى اعتبار لمشاكلهم الحقيقية المتمثلة في الفقر المستشري وصعوبة العيش والفساد وموت المهاجرين غير الشرعيين... وفي نفس الإطار يؤكد راموني أن كرة القدم هي مجال أمثل لتفجير النزعات القومية وتضخيمها، حيث تحكم اللاعبين قيم الولاء والفحولة والوفاء وروح التضحية وحس الواجب والدفاع عن المجال الترابي بمنع تسجيل الأهداف ثم الانتماء إلى جماعة محددة. إضافة إلى ترديد الأناشيد الوطنية وحضور زعماء الدول في المقابلات والرجوع إلى استعارات تمتح من معجم الحروب مثل الهجوم والقذف والدفاع والغزو والحارس والكابتن أو العميد والخطة والنصر، وكما يؤكد هنري كيسنجر فإن مقابلة جيدة في كرة القدم تبني على مبادىء كبرى في الاستراتيجية... فكثيرة هي المقارنات من هذا النوع، إذ منذ فرضية الرئيس الأمريكي جيرالد فورد والتي تقول إن نجاحا رياضيا يمكنه أن يقدم خدمة لأمة بمقدار ما يمكن أن يقدمه نصر عسكري، إلى تصريح اللاعب الكامروني روجي ميلا: «أنا ضابط احتياط فخور بالخدمة التي أسديها لوطني منذ عشرين سنة»، مرورا بتأملات أخرى شهيرة كتلك التي قالها خوسي نازازي لاعب الأورغواي الأسطوري الذي فاز لمرتين بكأس العالم «الفريق الوطني هو الوطن نفسه»، أو تلك التي عبر بها اللاعب الهنغاري كوشيس معلقا على مقاومة الخصم الشرسة «لم يكونوا لاعبي كرة، إنهم جنود يدافعون عن وطنهم حد الموت». تعبئة الحشود في نفس المقال يكتب إغناسيو راموني أن أول من قام بتوظيف كرة القدم كان هو النظام الفاشي لموسوليني، حين نظمت إيطاليا كأس العالم عام 1934، وهو ما منحه الفرصة السانحة لممارسة الدعاية بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ، قبل أن تقوم ألمانيا هتلر باستضافة الألعاب الأولمبية في برلين سنة 1936. ويقول الكاتب بيير ميلزا إن الفاشيين فطنوا لقدرة كرة القدم على جمع الجمهور «ففي فضاء مناسب كالملعب يمكن ممارسة ضغط كبير على الحشود وصيانة الغرائز القومية للقواعد»، وكان موسوليني أول من اعتبر أن لاعبي المنتخب الإيطالي مثل جنود في خدمة القضية الوطنية. يضيف راموني أن نظام فرانكو في إسبانيا حاول تقليد إيطاليا الفاشية في هذا المجال أيضا «لكنه اصطدم بالقوميات المحلية الباسكية والكتلانية والغاليسية، التي حولت كرة القدم لصالح أطروحاتها، فنادي أتلتيك بلباو أصبح «الفريق الوطني» للباسك، حاصرا الانتماء للنادي في اللاعبين ذوي الأصول الباسكية، ورغم كل أشكال الرقابة فقد شكل الذهاب إلى الملعب لمساندة الأتلتيك حينها بالنسبة إلى مشجع طريقة للتأكيد على انتمائه القومي، ونفس الأمر كان في كتلانيا بالنسبة إلى فريق برشلونة أو في غاليسيا بالنسبة إلى سلتا فيغو، حيث كان اللاعبون يرتدون قميصا باللون الأزرق والأبيض وهي ألوان العلم الغاليسي الممنوع، فخلف مظاهر دولة هادئة وممركزة تكمن صورة إسبانيا المتعددة القوميات، وفي كل أحد تتواجه بالملاعب مختلف القوميات المحلية هكذا «تصعد كرة القدم الأزمات بين القوميات إلى ذروتها، وشيئا فشيئا تتوسع فكرة أن أحد رموز استقلال الدولة-الأمة هو توفرها على فريق-أمة الذي يحمل في طياته استثمارا رمزيا كبيرا يتكون من أكبر الفصائل الوطنية». في إيرلندا الشمالية وكما هو الحال في الحياة السياسية في هذه الدولة فإن الانقسام العقدي بين الكاثوليك والبروتستان يجد صداه في الملاعب، مثال ذلك نادي بلفاست «لاندفيلد» حيث المسيرون واللاعبون والجمهور هم من اللاعبين البروتستان، إذ ليس من المسموح لأسباب أمنية الالتقاء بالفريق الكاثوليكي الوحيد في المدينة كليفتونفيل في ملعب هذا الأخير الموجود في التراب الكاثوليكي، لتجرى مقابلات الذهاب والإياب تحت حراسة مشددة في ملعب محايد ب«وندسور بارك». نفس الأمر في اسكتلندا حيث تنتهي غالبا المباريات بين سلتيك النادي الكاثوليكي ورونجرز البروتستانتي باصطدامات عنيفة، وفي ليفربول أيضا حين يواجه فريق ليفربول نادي إفرتون الكاثوليكي تتحول هذه المقابلة إلى ساحة وغى. ويختم إغناسيو راموني نصه بالقول إن «ربط فريق لكرة القدم بأمة أو إثنية محددة يؤدي إلى كثرة التجاوزات الناتجة عن تهييج الهذيان الشعبي والتضخيم الذي تمارسه وسائل الإعلام حد العبث، إننا لا نلعب من أجل اللعب ولكن من أجل الفوز. إن كرة القدم الجماهيرية تقوم بإشباع الرغبات المنحرفة الطامحة إلى مواجهة عدو لتتمكن من تحديد هويتها الوطنية، ليتحول الحقد والكره إلى غاية في حد ذاته دون سبب يكمن خلفه، وغالبا لاستثارة فكرة قاتلة للهوية». كرة القدم كدين جديد هل كان باسكال يتحدث عن كرة القدم عندما قال: «لما ضيع الناس الجنة، أخذوا يركضون خلف كرة»، لكن هذه الرياضة لم تكن قد ظهرت بعد في زمان هذا المفكر الفرنسي الكبير، ولعلها نبوءة من نبوءاته، حيث صار البعض الآن يتحدثون عن هذا الدين الجديد الذي اسمه كرة القدم، والذي له ملايين الأتباع، يذهبون إلى الملاعب لعبادة إلههم، ويجلسون أمام الشاشات للتبرك به، ويتشاجرون للدفاع عن تعاليمه، بل يموتون أحيانا في سبيل نصرته. وفي حوار أجرته يومية «لوموند» الفرنسية مع دنيس مولر أستاذ الأخلاق في كلية اللاهوت وعلوم الدين بجامعة لوزان السويسرية تحدث فيه عن علاقة الدين بكرة القدم من خلال الرموز التي يعلي اللاعبون من شأنها وأيضا من خلال تحول هذه اللعبة إلى دين جديد له آلاف الأتباع، وفي سؤال وجهه له الصحفي هنري تانك يخص رمز الصليب التي يرسمه اللاعب بمجرد دخوله إلى الملعب رد دنيس مولر بأن الأمر ليس جديدا ولا يتعلق بالضرورة بالدين، وأشار إلى تلك الحلقات أو الدوائر التي يشكلها اللاعبون بأيد متشابكة قبل بداية كل مباراة وشبه العملية بتمرين روحي يقدمون عليه. كما ذكر حالة تكدس اللاعبين حول الشخص الذي سجل الهدف والتي يعتبرها البعض، حسب قول الأستاذ الباحث، تنم عن ميولات جنسمثلية كامنة، أو تلك السلسلة التي تجمع اللاعبين بعد الفوز متقدمين على ركبهم، ويقول دنيس مولر أن هذه الممارسات كلها تدخل في طقوس جماعية صارت تحتل مكانة أكبر من الممارسات الفردية القديمة مثل رسم رمز الصليب أثناء الدخول إلى الملعب أو تقبيل عشب الملعب. مضيفا أن هناك سلوكات أخرى جديدة مثل الطقس الذي أصبح يمارسه اللاعب الذي يسجل هدفا والمتمثل في خلع قميصه أمام الجمهور والكاميرات مبرزا قميصا تحتيا يحمل رسالة موجهة إلى أقاربه أو ذات حمولة دينية، كما هو الحال بالنسبة إلى اللاعبين الذين يظهرون قمصانا عليها جملة «أحب المسيح»، أو لاعبي الكوت ديفوار الذين صلوا صلاة جماعية أثناء كأس إفريقيا للأمم السابقة والتي خسروها ضد مصر. وفي ما يخص حركة «المهد» عن طريق هز اليدين كما لو كان اللاعب يهدهد طفلا متخيلا، والتي ابتكرها اللاعب البرازيلي بيبيتو في كأس العالم بأمريكا عام 1994، بهدف بعث تحية لمولوده الجديد، وهي الحركة التي قلده فيها الكثيرون بعد ذلك، فإنها لا توحي حسب دنيس مولر بأي رمزية دينية صريحة، ولو أنها تعبر عن تمجيد للحياة وللخالق»إني أفهم هذه الحركة بالأولى كتكريم للمرأة في هذا العالم الرجولي الذي تشكله كرة القدم رغم هذا الاختلاط المتزايد بين الجنسين عند الجمهور». وحول سؤال بخصوص ما إذا كانت هذه الحركات تترجم عودة إلى «الديني» في عالم دنيوي تحمه التجارة ومنطق الربح أجاب دنيس مولر أنه ليس بالضرورة تبني هذا التأويل، فمن المحتمل حسبه أن رموز الصليب توجد بكثرة عند المنتخبات الوطنية في بلدان تتميز بتقاليدها الكاثوليكية أو الأورثدوكسية، معطيا نموذج إيطاليا وإسبانيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا في الحالة الأولى والبلدان السلافية في الحالة الثانية، أما البلدان البروتستانية فإنها لا تعرف هذه الممارسة «حيث يجب التفريق بين الممارسة الدينية الجدية والتي لا يجب نفيها عن بعض اللاعبين ثم الممارسة الافتراضية، ومن جهة أخرى فإن هذا التدين يتوفر على نصيب وافر من الخيال يعلي التلفزيون وزوايا التقاط الكاميرات من قيمته...». هناك أيضا فكرة التضرع إلى الله ليمنح الفوز لفريق دون آخر مع ما يحمله ذلك من حمولة دينية، ويؤكد دنيس مولر في هذا الإطار أن كرة القدم هي آلة كونية لكشف كل التناقضات المجتمعية والعالمية بما فيها قيم الخطيئة والنعمة، اللعب والعنف، الثروة الهائلة لنجوم الكرة المستديرة وسوق اللاعبين الذين يتم جلبهم في الغالب من بلدان فقيرة وتحويلهم إلى عبيد جدد للرياضة-الفرجة «وليس من قبيل الصدفة إذا كان أكبر الوعاظ الدينيين أمثال بيلي غراهام أو جون بول الثاني قد اختاروا ملاعب الكرة لجمع الحشود والجماعات الدينية للاحتفال وترديد الأناشيد والدعاء بالخير وإدانة الشر... وهو ما نتج عنه نوع من التنافس يصادق على أطروحة تقول إن كرة القدم هي دين آخر». وكأمثلة على هذه المماثلة يذكر نموذج جمهور نابولي الإيطالي في الفترة التي كان يلعب له مارادونا حين كان المشجعون يستحضرون رموزا دينية، كما هو الشأن بالنسبة إلى جمهور أرسنال الإنجليزي أو ليفربول الذين ينشدون أناشيد دينية طيلة فترة المقابلة داعين الرب إلى الاستجابة لهم بتحقيق الفوز. فهل العالم مقبل على ديانة جديدة لها أتباعها، وإلا ما الذي يفسر النجاح الباهر لهذه الرياضة التي تحولت إلى رياضة كونية، تتجاوز مجال الرياضة، حيث يرجع أحد الباحثين هذه الظاهرة ويربطها بتراجع دور الكنيسة وغياب المعنى في المجتمعات الحديثة، حتى أن البعض صار يعتبر هذه اللعبة بأنها تعني له الحياة، أما التخلي عنها وعدم الاهتمام بها فهو العدم أو الكفر بعينه. آلهة الكرة الكبار «هل كان بإمكان سيلفيو برلسكوني الفوز بترؤس الحكومة الإيطالية دون مساعدة نادي «أسي ميلانو» ولاعبيه فان باسطن وغوليت وريكارد الأسطوريين؟ لقد كان بالتأكيد المالك لمؤسسة إعلامية كبرى، وكان إضافة إلى ذلك يملك تلك الهيبة التي تمنحها له صورته التليجنيك والتي تتناسب مع صورة مغامري ما بعد الحداثة، إلا أن الشباب، وفي لحظة قراره التصويت على برلسكوني، انتخبوا قبل كل شيء برلسكوني الرجل الفائز في الأعمال واستراتيجي الانتصارات الباهرة لنادي ميلانو. لقد جسد على أعلى مستوى ذلك النوع من الأثرياء الذي يشتهون رئاسة ناد كبير بهدف خوض غمار تجربة سياسة، ومثل حالته هناك عدد كبير من مسيري أندية كرة القدم الذين جاؤوا من صناعة العقار واغتنوا بسرعة وبطرق مفاجئة ... فيما قبل كان رئيس النادي يأتي في مرتبة دنيا خلف السلطة السياسية والاقتصادية والدينية وحتى الجامعية...أما الآن فقد أصبح أصغر مسؤول في نادي للكرة يؤثر بشكل أكبر في أسمى سلطة، وقدرته على تعبئة الجموع أكبر بكثير. إنه لم يعد بإمكان انتشار البطالة أن يدفع الناس مرة أخرى إلى الهجوم على سجن الباستيل، وبالمقابل فإن المس بجماهير فريق لكرة القدم قد يؤدي إلى ذلك، ولا ننسى أن مجرد خلاف إثني- كروي تسبب في إشعال فتيل النزاع اليوغوسلافي، وأن تهديدا إداريا بسيطا لناد محلي وضع كل ساكنة إشبيلية على أهبة الحرب في ماي 1996. يقول أحد الأنثربولوجيين إنه من الآن فصاعدا أصبح القادة السياسيون يسيرون ما يقرره الآخرون أي الأسواق، وأصبح رئيس النادي يعرف النظام السري للفوضى وإرادة الجماهير غير المعلنة، وهو دور كانت تلعبه الأديان، إذ يمكن القول أن كرة القدم شغلت الحيز الرمزي الذي تركته السياسة والدين شاغرا. لا يبدي علماء الاجتماع اهتماما بهذا الدور، مركزين فقط على عنف بعض المشجعين الذين يتحولون بمناسبة المباريات- القداس الكبرى إلى كتيبة محاربين، والحال أن كل ناد يخلط في مكوناته بين الطبقات الاجتماعية يخصص وظيفة لكل واحدة منها، فالمنصة الرئاسية تبرمج وكتلة البرجوازية الصغيرة تدعم أما الجحافل القادمة من الضواحي فتمارس دور الاعتداء على الآخرين، وهناك بعض مسيري النوادي من يذهب إلى حد تمويل مجموعات عنيفة ويدفعها إلى التحرك كمثيرين لأدرينالين اللاعبين-المحاربين. بهذا لا يرى علماء الاجتماع إلا ذلك الجمهور القادم من الضواحي الذي يرتدي قمصان ناديه المفضل، ويغفلون أن الأمر يتعلق بتحالف حقيقي بين القديسين والأندية المبجلة مثل ميلانو وأولمبيك مرسيليا وبرشلونة.