توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    الإدارة السورية الجديدة تُعلن أحمد الشرع رئيساً للبلاد    مجلة الشرطة تسلط الضوء في عددها الجديد على الشرطة السينوتقنية (فيديو)    بسبب سوء الأحوال الجوية.. وزارة التجهيز تهيب بمستعملي الطرق توخي الحيطة والحذر    جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام 2025 تكرّم جهود بارزة في نشر المعرفة الإسلامية    رسمياً..أحمد الشرع رئيسًا لسوريا    وزارة التجهيز تحذر مستعملي الطرق من سوء الأحوال الجوية على خلفية نزول أمطار رعدية قوية    طنجة: تساقطات مطرية غزيرة وسيول جارفة تغرق عددا من الأحياء الشعبية (فيديو)    المغرب التطواني يتعاقد مع مدير رياضي تداركا لشبح السقوط    محكمة الاستئناف بطنجة: البت في 328.704 قضية خلال سنة 2024    وفاة الكاتب الصحفي والروائي المصري محمد جبريل    نادي "غلطة سراي" يودع زياش    الحموشي يجري سلسلة اجتماعات بمدريد لتوسيع مجالات التعاون الأمني مع إسبانيا وألمانيا    أخنوش يذكر بالولوج العادل للأدوية    بلجيكا تؤكد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي لقضية الصحراء.. توجه أوروبي متزايد لدعم السيادة المغربية    أونسا يؤكد إخضاع مشروبات "كوكا كولا" لمراقبة صارمة    الشبكة الكهربائية.. استثمار يفوق 27 مليار درهم خلال السنوات الخمس المقبلة    قيادة حزب الاستقلال تدعم سعي نزار بركة إلى رئاسة الحكومة المقبلة    جهة طنجة-تطوان-الحسيمة تستفيد من استثمارات استراتيجية ضمن 17,3 مليار درهم صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمارات    معهد التاريخ يبرز عالمية المغرب    حصيلة أداء اليوم ببورصة البيضاء    رسميا.. الوداد يعزز صفوفه بضم مالسا    جائزة عبد الله كنون تكرّم الإبداع الفكري في دورتها الثانية عشرة حول "اللغة العربية وتحديات العولمة"    مركز الإصلاح يواجه الحصبة بالتلقيح    انهيار الطريق بين الحسيمة والجبهة..اتخاذ عدة إجراءات لضمان استمرار حركة السير    6 أفلام مغربية ضمن 47 مشروعا فازت بمنح مؤسسة الدوحة للأفلام    حزب "النهج" يستنكر التعسف في هدم المنازل بالأحياء المهمشة    إفران تطمح إلى الحصول على العلامة الدولية لمدينة نظيفة 100 في المائة    طقس المغرب: رياح قوية وأمطار رعدية وتساقطات ثلجية بهذه المناطق    الفنان المغربي علي أبو علي في ذمة الله    مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة يطلق منصة رقمية لتعزيز الشفافية في دعم الجمعيات والتعاونيات    ساعة نهاية العالم تقترب أكثر من منتصف الليل.. 89 ثانية تفصلنا عن الكارثة    الريان يعلن إنهاء التعاقد مع المغربي أشرف بن شرقي    تقرير: 66% من أسئلة النواب دون جواب حكومي والبرلمانيات أكثر نشاطا من زملائهن    ترامب يأمر بتقييد إجراءات عمليات التحول الجنسي للقاصرين    الطيب حمضي ل"رسالة 24″: تفشي الحصبة لن يؤدي إلى حجر صحي أو إغلاق المدارس    أمراض معدية تستنفر التعليم والصحة    المؤسسة الوطنية للمتاحف وصندوق الإيداع والتدبير يوقعان اتفاقيتين استراتيجيتين لتعزيز المشهد الثقافي بالدار البيضاء    ليفاندوفسكي:" أرغب في إثبات أن العمر مجرد رقم"    دلالات ‬الموقف ‬المغربي ‬المتزن ‬و ‬المتفرد ‬من ‬رؤية ‬الرئيس ‬ترامب    توقيف مروج للبوفا مبحوث عنه بموجب مذكرات بحث وطنية    توقيف شخص بتهمة التخطيط لقتل وزير في الولايات المتحدة    المَطْرْقة.. وباء بوحمرون / الحوز / المراحيض العمومية (فيديو)    نجم كرة القدم الإسباني المعجزة لامين يامال إشترى لجدته وأمه وأبيه ثلاثة منازل في عمره 16 سنة    إجلاء 176 شخصًا بعد اندلاع النيران في طائرة بكوريا الجنوبية    التعاونيات كقوة دافعة للتنمية: نحو نظم زراعية وغذائية أكثر استدامة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا    "كاف" يقرر رفع عدد المنتخبات المشاركة في "كان" تحت 17 سنة المقرر في المغرب إلى 16 منتخبا    الرجاء الرياضي يفك ارتباطه رسميا بالمدافع ياسر بالدي خلال فترة الإنتقالات الشتوية الحالية.    المغرب يتصدر قائمة الوجهات السياحية الموصى بها لعام 2025 من قبل كبار منظمي الرحلات البرازيليين    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون متعلق بنظام الضمان الاجتماعي    الذهب يصل إلى هذا المستوى    علاج غريب وغير متوقع لمرض "ألزهايمر"    عائلة الشاب حسني والشاب عقيل تمنع حفلهما بالمغرب    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول التعدد السياسي إشكالات ديمقراطية
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 21 - 06 - 2011

التعدد السياسي أفضل الممكنات التي يمكن أن يعيش في ظلها مجتمع ويتعايش فيه الناس رغم اختلاف تصوراتهم وتوجهاتهم الفكرية. نرى في التعدد السياسي في كل مجتمع وفي جميع حالاته الممكنة معيارا على وضعية الديمقراطية في ذلك المجتمع: يرمز التعدد السياسي في وجوده وعدمه، وفي ضعفه أو قوته على مدى تقدم المجتمع أو تخلفه
في تشكيل ذاته على أساس ديمقراطي. وانطبق هذا المعيار على المجتمعات الإنسانية في كل جهة من العالم.
- 1 -
كانت غايتنا عندما تحدثنا في السابق عن القيم الديمقراطية أن نعمل من خلال ذلك على إبراز القيم الإنسانية التي يسمح بها تأسيس المجتمع على أساس النظام الديمقراطي. وقد كان علينا منهجيا من أجل رصد تلك القيم أن نترك جانبا بعض الجوانب ضمن المجتمع الديمقراطي نفسه، وذلك حتى نتعرف على القيم التي تبرز الجوانب الإيجابية في النظام الديمقراطي. ولم نكن، ونحن نرصد القيم، غافلين وجود مشكلات تعترض التأسيس الديمقراطي للمجتمع أو تقوم داخل هذا النظام نفسه مرتبطة بطريقة تنفيذ مقتضياته وشروط ذلك التنفيذ. وهذه الإشكالات هي ما نخصص له دراستنا الحالية. وحتى يكون موضوعنا، كما نريد له، متكاملا مع دراستنا السابقة للقيم، ف?ن تفكيرنا في الإشكالات الديمقراطية سيكون بصفة أساسية من خلال نفس النموذجين اللذين أبرزنا من خلالهما القيم، أي الديمقراطية الفرنسية والديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية.وكما أضفينا في نهاية دراستنا السابقة النسبية على النتائج التي توصلنا إليها معتبرين أن تحليل الموضوع من خلال نماذج أخرى من شأنه إبراز قيم أخرى، فإننا نضفي منذ بداية هذه الدراسة النسبية على النتائج التي سنتوصل إليها واعين بأن تحليل نماذج أخرى من شأنه إبراز مشكلات جديدة اعترضت الديمقراطية أو عاقت مسارها الطبيعي في بعض المجتمعات.
- 2 -
يمكن لملاحظ خارجي، مثلما هو حالنا، أن يضع تساؤلات نقدية على المسار الديمقراطي الفرنسي أو الأمريكي منطلقا في ذلك من سياسة البلدين الخارجية ومن مساهمتهما في الإخلال بالتوازن العالمي عبر الهيمنة التي مارساها على بلدان أخرى في الفترة الاستعمارية المباشرة أو في أشكال الهيمنة فير المباشرة بعد نهاية الحربين العالمتين. ويستطيع الباحث في هذه الحالة أن يركز على التعارض بين مايرتكز عليه المجتمع الديمقراطي من قيم وبين التوجهات الهيمنية. لكننا نفضل البداية بالمشكلات التي بدت على المسار الديمقراطي من داخله، لنعود في مرحلة لاحقة إلى ذلك التعارض.
من أهم المشكلات التي تنتقد بها الديمقراطية كنظام سياسي أنها تؤدي، وخاصة في الفترات الانتخابية، إلى انشطار المجتمع إلى اتجاهين متعارضين فيه. نلاحظ الظاهرة في المجتمع الفرنسي الذي الانشطار فيه بعد الثورة الفرنسية مباشرة إلى قوى محافظة( اليمين) وأخرى تنادي بالتقدم (اليسار)، وذلك بكيفية تكاد تكون متعادلة من حيث الكم ومن حيث تأثيرهما على مسار البلاد ،بصفة عامة، وعلى تطور الديمقراطية فيها بصفة خاصة. وقد لاحظ عالم الاجتماع الفرنسي أوغست كونت ،Auguste Comte منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر، وجود أزمة في المجتمع الفرنسي مظهرها الصراع بين فكرتي التقدم والنظام اللتين لم بصل المجتمع في ذلك الوقت إلى الشروط التي تجعله مهيئا للتأليف بينهما. وكان كونت يرى أن التأليف بين فكرتي النظام والتقدم هو المطلب الأساسي للسير بالمجتمع في إطار تطور طبيعي له. فلا يمكن لأي نظام حقيقي أن يقوم، ويضمن لذاته الدوام، إن لم يكن متوافقا مع التقدم، كما أنه لايمكن أن يتحقق بالفعل أي تقدم كبير إن لم يكن ينزع إلى تدعيم النظام.(1) ومن هذا المنظور ينتقد كونت الحالة التي كان عليها المجتمع منذ قيام الثورة الفرنسية(1789) إلى حين كتابة دروسه في الفلسفة الوضعية(1830)، إذ رأى أن الثورة لم تستطع حتى ذلك الوقت أن تجد التآلف بين فكرة التقدم التي كانت تحملها وبين فكرة النظام. نقرأ لكونت:?? لازالت الحالة الحاضرة للعالم السياسي بعيدة عن ذلك التأليف النهائي الذي لاغنى عنه. ذلك أن الآفة الأساسية لوضعيتنا المجتمعية تقوم، على العكس من ذلك، في كون أفكار التقدم وأفكار النظام توجد منعزلة عن بعضها وتبدو كما لوكانت متعارضة بالضرورة.??(2) وقد حاول كونت تفسير عدم التآلف بين الفكرتين بالتعارض الموجود في واقع المجتمع بين فئتين تحمل إحداهما، وهي الثورية، فكرة التقدم، بينما تحمل ثانيتهما، وهي المحافظة، فكرة النظام. ومن وجهة نظر كونت، فإن القوى المحافظة كانت رجعية، بينما كانت القوى الثورية فوضوية. كانت القوى المحافظة تمثل استمرارية للعهد الإقطاعي وتريد فرض القوانين القديمة على المجتمع الجديد، فتبنت فكرة النظام ضد فكرة التقدم. أما القوى الثورية في المجتمع، فإنها تبنت فكرة التقدم مع أن هذه الفكرة امتزجت لديها بنوع من رؤية فوضوية عن المجتمع، وهو ماجعلها عاجزة عن تحقيق النظام في المجتمع
كانت غايتنا من الاستناد إلى وجهة نظر كونت هي إبراز أن مسألة انشطار المجتمع الفرنسي إلى فئتين متعادلتين تقريبا تعود إلى زمن بعيد، وهي مستمرة إلى اليوم. يتميزالمجتمع الفرنسي الحالي بانقسام يكاد يكون متعادلا إلى يمين ويسار. يمثل اليمين القوى المحافظة في المجتمع، علما بأن هناك اختلافات نسبية بين الأحزاب التي يشملها ذلك اليمين. ويمثل اليسار مجموع القوى التي تطالب بالتغيير الذي يضمن تقدم المجتمع نحو حالة تقسيم عادل للثروة والسلطات وضمان تطبيق لمبادئ الثورة الفرنسية: الحرية والمساواة والإخاء.
مع متابعة المبادئ الديمقراطية في تنظيم المجتمع وفي تحديد من يكون في مواقع المسئولية، فإن انقسام المجتمع إلى طرفين متعادلين من حيث تأثيرهما على مسار الحياة المجتمعية أدى إلى بعض الظواهر التي يمكن النظر إليها من زاويتين مختلفتين. فمن جهة أولى، يتبين أن المجتمع الفرنسي لم يفوت السلطة فيه بصفة مطلقة لأية جهة كانت. لقد أدت الانتخابات في أكثر من حالة إلى تقاسم السلطة في مستوياتها المتعددة بين طرفين مختلفين: اليمين واليسار في نفس الوقت. وهناك حالات برز فيها هذا الأمر بوضوح. فقد أكمل الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران F. Mitterrand سنوات من حكمه إلى جانب وزير أول من اليمين هو جاك شيراكJ.Chirac، وهو مايعني حسب الاختصاصات المنسوبة لرئيس الجمهورية وللوزير الأول تقاسم السلطة بين طرفين يمثلان اتجاهين سياسيين مختلفين. إنه نوع من تشارك السلطة وفقا للنتائج الديمقراطية للانتخابات. وعادت نفس الظاهرة في عهد الرئيس اليميني شيراك، الذي لم يكمل سنوات حكمه إلا في إطار تشارك مع وزير أول اشتراكي هوليونيل جوسبان .L.Jospinويدفع هذا التشارك في السلطة إلى الحذر من كل شطط في استخدامها وأخذ تردد صوت الناخب الفرنسي بعين الاعتبار. لن ندرس هذا التردد كمسألة نفسية مجتمعية، ولكننا نهتم في الوقت الحاضر بعواقبه على مسار الديمقراطية في المجتمع.
حين دفع الناخب الفرنسي الفاعلين السياسيين إلى التشارك في السلطة رغم اختلاف توجهاتهم، فهذا أمر إيجابي من حيث إنه يدفع الجميع إلى الوعي بحدود سلطته أمام مصدرها الذي هو الشعب، ثم من حيث إنه يضع الكفاءات المختلفة التي يكون عليها من موقع السلطة أن تبحث عن السياسات التي تخدم تنمية المجتمع. ولكن، لذلك الانشطار من ناحية أخرى عواقب قد تعوق المسار المجتمعي والسياسي.
يبدو نفس الوضع غير ملائم من جهة أخرى، من حيث إنه لايمكن الطرفين المتشاركين في السلطة رغم تعارض سياستهما وتصوراتهما عن تنمية المجتمع من تنفيذ الخطط التي يكون كل طرف قد وضعها.يكون التعارض قي التوجه السياسي بين رئيس الدولة وبين الوزير الأول في بعض مظاهره عائقا أما وتيرة تنفيذ المشاريع المقترحة من الطرفين. ولذلك، فإن حالة التعايش التي عرفها المجتمع الفرنسي بوضوح في مرتين اشرنا إليهما دالة على الديمقراطية، من جهة، ومساعدة على وضعها موضع السؤال من جهة أخرى.
مانسجله هو أن ظاهرة انشطار المجتمع إلى توجهين كبيرين يهيمنان على الحياة السياسية لم يمنع ، مع ذلك، من تطوير الديمقراطية لأن الانشطار كان مؤطرا بالاختيار الديمقراطي الراسخ لدى كل القوى الفاعلة في الحياة السياسية وتوافقها على أنه لارجوع بالنسبة للمجتمع عن ذلك الاختيار. فالتنافس والصراع السياسيان أصبحا يجريان ضمن الاختيار الديمقراطي، وليس خارجه أو ضد تطوره. وهذا التطور هو الجواب الفعلي على النقد الخارجي للتنظيم الديمقراطي باعتباره تنظيما يجعل المجتمع منقسما. الانقسام مظهر طبيعي في النظام الديمقراطي لأن هذا النظام قائم أساسا على التعدد السياسي. ولذلك اعتبرناه إشكالا ديمقراطيا، أي محايثا للنظام، وليس إشكالا يضع ذلك النظام بكامله موضوعا لسؤال. الديمقراطية هي أفضل الممكنات التي ظهرت حتى الآنفي النظام المجتمعي، ولكنها إمكان لايخلو من مشكلات تظهر بداخله.
لاحظنا، خارج ما سلف ذكره، محاولات أخرى لتجاوز الانقسام المتكافئ الذي أشرنا إليه للمجتمع الفرنسي. من هذه المحاولات نذكر العمل من أجل تأسيس وسط سياسي يتقاسم التأثير في المجتمع إلى جانب اليمين واليسار السياسيين. ظهرهذا الاتجاه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية سنة2007 لدى السيد فرانسوا بايروF.Bayrou ، وكانت وجهة نظره أنه قد آن الأوان للخروج من الحلقة المفرغة التي تجعل الصراع السياسي خول مواقع السلطة منحصرا بين يسار ويمين. وفي نظره، فإن فرنسا لم تعد في حاجة إلى البقاء دائما ضمن القيم التي يدعو إليها اليمين أو التي يدعو إليها اليسار متمثلا بصفة خاصة في الحزب الاشتراكي. لابد، إذن، من العمل على تأسيس قيم جديدة تستند إلى تيار وسط يكون قادراعلى أن يقول نعم ولا في نفس الوقت وحسب تصوره لمصلحة المجتمع،أي أن هناك أساسا جديدا للتصويت وللتأييد والامتناع عن ذلك، وهذا في حد ذاته قيمة جديدة.(4) وليس من شأن دراستنا هذه البحث في نجاح هذا الاتجاه أو عدم نجاحه. لكن الموقع الذي أخذه بايرو ضمن الانتخابات الرئاسية يؤشر إلى تطورات ممكنة قادمة في تشكل المجتمع الفرنسي.
- 3 -
كل نقد للنظام الديمقراطي بكونه يقود إلى انشطار المجتمع إلى قوى متصارعة حول السيادة وبلوغ موقع السلطة يتضمن خلطا بين الانشطار الذي له عواقب وخيمة على المجتمع، وبين التعدد السياسي المطلوب من أجل صيرورة طبيعية للحياة المجتمعية وضمنها الحياة السياسية بصقة خاصة. يظهر التعدد السياسي بوصفه قيمة ديمقراطية، لأن وجوده الحق لايكون إلا داخل هذا النظام المجتمعي. أما النظام المجتمعي الذي يغيب عنه التعدد السياسي، فإنه يكون من طبيعة استبدادية تهيمن فيه قيمة، بل وشخصية سياسية على الحياة المجتمعية. التعدد السياسي أفضل الممكنات التي يمكن أن يعيش في ظلها مجتمع ويتعايش فيه الناس رغم اختلاف تصوراتهم وتوجهاتهم الفكرية. نرى في التعدد السياسي في كل مجتمع وفي جميع حالاته الممكنة معيارا على وضعية الديمقراطية في ذلك المجتمع: يرمز التعدد السياسي في وجوده وعدمه، وفي ضعفه أو قوته على مدى تقدم المجتمع أو تخلفه في تشكيل ذاته على أساس ديمقراطي. وانطبق هذا المعيار على المجتمعات الإنسانية في كل جهة من العالم.
نعود إلى التعبير عن اتجاه تحليلنا، كما انطلقنا منه منذ البداية: حيث إننا لانذهب مع الانتقاد القائل بأن الديمقراطية تقود نحو انشطار للمجتمع،فإننا نرى أم انقسام المجتمع إلى اتجاهات سياسية تبر عنها أحزاب ليس انشطارا مخلا بتطور المجتمع، بل تعددا يخلق حركية داخل المجتمع ضمن سيره الطبيعي الذي يضمن حقوق الناس في التعبير عن تصوراتهم وآرائهم حول القضايا المطروحة على المجتمع في جميع مستويات الحياة المجتمعية. وقد تابعنا ضمن هذا المنظور تجربة ديمقراطية
أوربية هي التجربة الفرنسية، ونقترح بعد ذلك النظر من نفس المنظور إلى تجربة في أمريكا هي التي عاشتها منذ تأسيسها الولايات المتحدة الأمريكية.
تقاسم السيادة على الحياة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية حزبان هما الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري اللذين كانت نشأتهما بعد تحرر الولايات المتحدة من السيادة البريطانية وتأسيسها كدولة مستقلة مؤسسة من عدد من الولايات التي أعلنت اتحادها في شكل فيدرالي تحكمه سلطة مركزية إلى جانب السلطات المحلية لكل ولاية. تطورت الديمقراطية في الولايات المتحدة عبر الصراع بين هذين الحزبين.
نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية أحزاب أخرى ذات توجهات ليبرالية واشتراكية وشيوعية أو مرتبطة بقضايا البيئة أو محدودة في حدود بعض الولايات، ولكن أيا من هذه الأحزاب لم يستطع فرض نفسه كقوة معادلة للحزبين الرئيسيين: الجمهوري والديمقراطي. وقد رأينا أنه كانت هناك محاولة جدية في فرنسا لخلق تبار سياسي وسط بين اليمين واليسار اللذين تقاسما السيادة في السياسة الفرنسية. وحيث لم تنجح الأحزاب الأخرى في الولايات المتحدة الأمريكية في تأسيس تيار وسط، فإن هذا الأمر يشجع على انتقاد السياسة في ذلك البلد بكونها تعبيرا عن انشطار المجتمع. ثم إن عدم النجاح في تشكيل طرف ثالث قوي مثل الطرفين الآخرين من شأنه أن يقود لإلى الشعور بأن الحياة السياسية التي ارتكزت علة مايزيد عن قرن ونصف بين تيارين ظلا مهيمنين تصبح فاقدة للحركية وتوحي بالركود. وفضلا عن هذا، فإن تقارب السياستين الجمهورية والديمقراطية في عدد من المظاهر، وخاصة مايتعلق بالسياسة الخارجية والعلاقات مع البلدان والجهات المختلفة من العالم. تبدو التعددية في الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة للملاحظ الخارجي غير كافية لخلق حركية ديمقراطية في المجتمع. تحيل هيمنة حزبين عل الحياة السياسة في البلاد التعددية إلى ثنائية، وهي أمر يدعو إلى طرح التعددية نوضع سؤال مثلنا يكون ذبك بالنسبة لتعددية تزيد عن الحد بالقدر الذي تصبح يه فاقدة للتمثيلية الواجبة للتصورات حول المجتمع وحول سياساته الداخلية والخارجية على السواء.تبدو الديمقراطية في هذه الحالة، حتي في أرقى نماذجها في حاجة إلى تطوير.
- 4 -
نعتنا الإشكالات التي نعرضها في هذه الدراسة بالديمقراطية لكونها تقع داخل صيرورة الاختيار الديمقراطي، أي أنها ليست عوامل خارجية بالنسبة لذلك الاختيار تعوق تطوره من خارجه، يل هي مظاهر داخلية له تبرز أن هذا الاختيار لايكون صيرورة بدون إشكالات. ولايعني عرضنا لهذه الإشكالات ابتعادا عن الاختيار الديمقراطي. هذا هو الإطار التصوري الذي الذي نريد أن نتحدث ضمنه عن إشكال علاقة الديمقراطية بالمعيار الانتخابي.
هناك نقد ممكن للديمقراطية من حيث هي اختيار يرتبط في الحياة المجتمعية-السياسية بالمعيار الانتخابي. فالحكم على نجتمع ما بكونه ديمقراطيا يتم بالاستناد إلى نداء بناء حياته السياسية على الانتخاب: انتخاب حكامه، وممثليه في المجالس النيابية والاستشارية، وكذلك في المجالس الجهوية والمحلية. الشعب يمارس اهتمامه بشؤونه العامة بالإنابة عنه بوسيلة هي الانتخاب. وقد ذكر جان جاك روسو، منذ القرن الثامن عشر وهو يتحدث عن المجتمع الديمقراطي، وكتابه التعاقد المجتمعي، مبدأ الانتخاب بوصفه أساسا من أسس ذلك المجتمع. غير أن علاقة البناء الديمقراطي للمجتمع تنقلب أحيانا في الممارسة لتصبح الممارسة الانتخابية غاية مطلوبة، وعاملا يلعب دورا سلبيا في الصيرورة الديمقراطية للمجتمع. فالمجتمع الذي يبني نظامه السياسي استناد إلى الانتخابات يعود في كل واحدة منها إلى مناقشة شؤونه معتمدا على الحملات الدعائية الانتخابية، ويكون المجتمع في غالب أحواله في حالة استعداد لتلك الحالة. فالسنوات الأربعة أو الخمسة التي تفصل بين انتخابات وأخرى في جميع المستويات الرئاسية والتمثيلية والجهوية والمحلية تعرف صراعات مسبقة للانتخابات حتى قبل أوانها، وهو مايدفع إلى التساؤل عن كثير من الخطوات والتحركات والمواقف: هل هي نابعة من التفكير في شؤون المجتمع وتنميته أم هي مجرد دعاية انتخابية؟ يبدو أن هذا الإشكال مرتبط بكيفية صميمية بالانتخابات وبالتنظيم الديمقراطي للمجتمع. وهذا من الإشكالات الداخلية للديمقراطية بصفة عامة التي تحاول مجتمعات كثيرة إيجاد صياغات لتجاوزها.
- 5 -
لم يكن القصد لدينا في هذه الدراسة أن نستعرض كل الإشكالات الذاتية المحايثة للصيرورة الديمقراطية، علما منا بأن الكثير من الإشكالات المطروحة على المجتمعات الديمقراطية متعددة وتستحق دراسات منفردة ودقيقة. كان القصد في مقابل ذلك أن نعمق البحث في المجتمع الديمقراطي الذي تحدثنا في السابق عن قيمه، وأن نبرز أن انتقال كل مجتمع نحو السير في طريق الاختيار الديمقراطي لايجعله بدون مشكلات. فللتنظيم الديمقراطي للمجتمع مشاكله الخاصة بطبيعة صيرورته. لكن الاختيار الديمقراطي يظل، في نظرنا مع ذلك، اختيارا لأفضل الممكنات التي تتيح للحياة المشتركة أن تكون، من حيث هي كذلك، أكثر قابلية للتحمل وللمشاركة فيها من الجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.