نظم مركز الإسلام والديمقراطية بتعاون مع المركز المغربي لحقوق الإنسان ندوة دولية بالرباط حول حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم العربي وذلك يوم السبت 24 يوليوز الماضي بفندق ديوان، وقد شارك فيه العديد من الباحثين والناشطين السياسيين والحقوقيين، وقد شكلت هذه الندوة محطة أساسية لتقييم واقع الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي في العشر سنوات الأخيرة، وقد عرفت هذه الندوة عرض ست أوراق نحاول أن نقرب أهمها إلى القارئ مقتصرين على أربع أوراق أساسية: محمد مصطفى القباج: عوائق الدمقرطة والمدخل إلى ألإصلاح انطلقت ورقة الناشط الدولي في حقوق الإنسان من تقييمه للتعاطي الدولي مع حقوق الإنسان، حيث سجل بهذا الصدد عدم موضوعية التعاطي الدولي مع حقوق الإنسان، واعتبر أن دول الشمال تستخدم حقوق الإنسان كسيف مسلط على رقاب دول الجنوب، وهو أمر تبرره العلاقة بين دول الشمال ودول الجنوب والتي تتسم بالهيمنة من جهة دول الشمال والتبعية من جهة دول الجنوب. وأشار القباج إلى أن حقوق الإنسان في الأممالمتحدة أصبحت عبارة عن منتوج ورقي يضم العديد من التقارير التي لا تحظى بأي قيمة ما دامت عبارة عن أوراق ، وأن البعد التسييسي لملف حقوق الإنسان حاضر بقوة في التعاطي الدولي وأن دول الشمال تحاول أن تبحث عن كل نقط الضعف للهيمنة على دول الجنوب وفرض أفكار ومواقف وتوجهات أو ما اسماه توزيع النقط على الدول. وانتهى القباج في تقييمه لواقع التعاطي الدولي مع حقوق الإنسان إلى وجود أزمة قيمية يعيشها نظام الأممالمتحدة على مستوى مواثيقه وتوجهاته، وعلى مستوى غياب العدالة الدولية. ويلاحظ القباج أن النظام الدولي يحاول أن يخفي هذا الضعف الدولي بحرف الأمور وتصريفها إلى دول العالم الثالث في شكل قضايا حمائية، وقضايا الحصار، ومكافحة الإرهاب وغيرها من القضايا كنوع من حرف الاتجاه وتحويل النظر عن الأزمة الداخلية والأزمة القيمية التي يعيشها النظام الدولي. النظام الدولي. وذكر القباج بأن هذا التقييم ليس تقييمه الشخصي، ولكنه تقييم يتقاسمه العديد من الناشطين الدوليين في أمريكا اللاتينية وفي جنوب إفريقيا الذين يناضلون من أجل تغيير ميثاق الأممالمتحدة، وإنتاج ميثاق جديد، لأن الميثاق الحالي أصبح في نظر القباج باليا ومستهلكا ولم يعد مناسبا للتحول العام الذي يعرفه العالم في ظل العولمة. وبخصوص تقييمه لحصيلة المسار الديمقراطي في العالم العربي، يرى القباج أن الهوة الصارخة بين القاعدة الشعبية وبين النخبة الحاكمة تشكل عطبا عميقا وعائقا حقيقيا أمام الديمقراطية في الوطن العربي. ولاحظ القباج أن هناك توجها عاما يسود العالم العربي خ على مستوى الشعوب ومكونات المجتمع المدني- نحو ترسيخ ثقافة وقيم ومعايير حقوق الإنسان، وأن مسار الديمقراطية وحقوق الإنسان قطع أشواطا مهمة على مستوى مكونات المجتمع المدني، لكنه لم يصل بعد إلى درجة التأثير على درجة تحكم النخب الحاكمة في كل السلطات وإمساكها بجميع المناشط. واعتبر القباج في ورقته أن المسار الديمقراطي يسير لكن بنوع من التردد والخجل وذلك بسبب عوائق داخلية وخارجية. وأوضح القباج في ورقته على ضرورة أن تكون الديمقراطية خيارا ذاتيا للأمة الديمقراطية وإفراز داخلي يقوم على تغيير العقلية، وتمكينها من أفكار ومعارف وقناعات جديدة، وامتلاك الوعي السياسي والثقافي ، مؤكدا أنه لا يمكن فرض الديمقراطية من الخارج. وذكر في هذا الصدد بالاستعمال السياسي لحقوق الإنسان من قبل الغرب لفرض منظومته القيمية مؤكدا أن التعاطي مع حقوق الإنسان وفق المنظومة الغربية قد يضر المجتمعات في كيانها وأمنها وسلامة نسيجها الاجتماعي. واعتبر أن أكبر حق من حقوق الإنسان والمجتمع هو حق السلم، وأنه إذا كان المجتمع يعارض هذه الحقوق، فمعنى ذلك أن هناك خللا في التوازن بين دول الشمال والجنوب، وأن هناك إرادة للهيمنة تريد أن تفرض نمطا خاصا من الفهم لحقوق الإنسان ولو حساب تهديد الأمن والسلم الاجتماعي. وبخصوص عوائق الديمقراطية في الوطن العربي، فقد حصرها القباج في أربع عوائق داخلية وعائق خارجي، فأما العوائق الداخلية فلخصها في طبيعة الأنظمة السياسية في الوطن العربي وعدم قبولها وسماحها بالدمقرطة، ثم الأمية، وانتشار العقلية الذكورية، وغياب مواطنة حقيقية تقوم على الشعور بالانتماء للكيان السياسي ، مؤكدا أنه لا يمكن أن تقوم ديمقراطية في الوطن العربي ما لم تصبح العلاقات القائمة بين الأفراد والسلطة علاقات قانونية تعاقدية بالأساس، هذه كلها عوائق داخلية تمنع من التمكين للمسار الديمقراطي، أما العائق الخارجي فيتمثل خ حسب القباج- في علاقة دول الشمال والجنوب ونزعات الهيمنة. وخيم ورقته بالحديث عن المدخل للإصلاح والدمقرطة مركزا على أولوية إصلاح النظام التربوي وتحقيق التماسك الأسري وضرورة رفع مستوى الوعي الثقافي للمجتمع، ودعا إلى ضرورة وإلحاحية فتح حوار عمومي للتفكير في هذه القضايا وتغييب الاعتبارات الحزبية والإيديولوجية عن هذا الحوار حتى تتوفر شروط نجاحه. سعد الدين العثماني :آفاق الحوار بين الإسلاميين والعلمانيين يرى الدكتور سعد الدين العثماني في ورقته أن الواقع يشهد أن تجارب الحوار والتقارب بين الإسلاميين والعلمانيين قديمة وكثيرة ومتواصلة ، لكن التعريف بها وإبرازها ضعيف جدا في كثير من الأحيان. ويرجع العثماني سبب ذلك إلى دور بعض أجهزة الإعلام التي تضخم الخلاف وتنقل أجواء التوتر بين الطرفين ولا تعير اهتماما كبيرا للتقارب بين الطرفين، على أساس أن كل ما يتسم بالهدوء والرزانة لا يستحق النشر ولا يعطي مادة إعلامية مثيرة وذات حيوية. ويعتبر العثماني أن الادعاء بوجود تناقض مطلق بين الإسلاميين والعلمانيين لدرجة تعذر الحوار وتعذر التلاقي والتعاون في أمور مشتركة أضحى اليوم متجاوزا بفعل الواقع وبفعل التجارب الغنية التي تسير في الاتجاه المعاكس لهذا الادعاء. فالفئات الأوسع- حسب الدكتور سعد الدين العثماني- من الفريقين منخرطة فيه، وهم الذين يشغلون منطقة الوسط في كليهما، بعيدا عن الغلو والتشدد والإقصاء. فيقترب مسمى العلمانية من كونها تدبيرا إجرائيا لشؤون المجتمع والدولة وتدبيرا سلميا للخلاف بين الفرقاء السياسيين والمدنيين، وتتبنى الإسلامية مرجعية جامعة للأمة تحافظ على الحريات العامة والخاصة وتعتبر الاختلاف إثراء للفكر والتدافع السلمي والديمقراطي أساس العلاقة بين الفرقاء داخل المجتمع. ويرى العثماني أنه لا يمكن تعداد كل التجارب المهمة والغنية من الحوار والتقارب بين التيارين، إن على المستوى الإقليمي أو على المستوى المحلي لكنه يشير إلى بعض هذه التجارب، فعلى المستوى الإقليمي يسجل أن هناك العديد من التجارب التي جمعت بين الطرفين إما في مبادرات حوار وتبادل الرأي وإنضاج الأفكار المشتركة، أو في مبادرات من العمل الميداني المشترك في قضايا الديمقراطية والحريات والدفاع عن قضايا الأمة ضد التبعية أو الاحتلال أو الصهيونية، وغيرها من القضايا. وكان الحوار والتعاون على هذه المستويات غنيا، وفاعلا إلى حد كبير، ويذكر في هذا الصدد تجربة المؤتمر القومي الإسلامي، الذي تعود جذوره إلى حوالي عشرين عاما، والذي خ حسب العثماني- أبلى بلاء حسنا في حشد الفريقين لنصرة المقاومة وشحذ الهمم لتحرك شعبي مساند لها. ولا يزال المؤتمر محط الأنظار وواحدا من الهيئات الفاعلة على المستوى العربي، وذكر في هذا الصدد أيضا تجربة ملتقى الحوار العربي الثوري الديمقراطي بليبيا الذي شكل إطارا حواريا استمر لحوالي عقد من الزمان. شارك فيه قيادات فكرية وسياسية من التيارات الماركسية والقومية والإسلامية كما ذكر بتأسيس مؤتمر الأحزاب العربيةسنة 1996 كإطار يهدف إلى جمع الأحزاب السياسية العربية وفق برامج نضالية مشتركة، ويضم اليوم أكثر من مئة وخمسين حزبا من مختلف الدول العربية، وهي من مشارب فكرية مختلفة، بخلفيات إسلامية أو علمانية، كما يذكر أيضا بتأسيس شبكة الديمقراطيين في العالم العربي، في الدارالبيضاء سنة ,2005 بمبادرة من مركز دراسة الإسلام والديمقراطية الذي مقره في واشنطن، حيث جمعت العشرات من الشخصيات ذات المُيول الإسلامية والعِلمانية، وانطلقت من ميثاق يجمع بينها وقررت برنامج عمل، ويرى العثماني أن أصحاب الشبكة وإن لم ينجحوا في تنزيل برنامج عملهم كاملا، إلا أن ذلك في نظر العثماني شكل دليلا على الاقتناع المشترك بالحوار والتعاون بين قطاعات واسعة من الجانبين. أما على المستوى المحلي، يرى العثماني أن أقطارا إسلامية عديدة شهدت تجارب حوار وتعاون بين التوجهين. وعقدت الكثير من الندوات وصدرت الكتابات التي تعكس ذلك التفاعل المستمر. كما كثرت مبادرات البرامج العملية المشتركة، مثل العمل لدعم الديمقراطية والتصدي للإساءة لها ومواجهة الاختلالات الانتخابية والتجاوزات في مجالات حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية وحرية الصحافة، والدفاع عن الفئات الاجتماعية الضعيفة، ومواجهة الفساد الإداري والمالي. كما برزت تجارب تحالفات في تدبير الشأن العام على المستوين الوطني والمحلي أو بناء جبهات عمل سياسي أو مدني مشترك. وأضحت مواجهة المظالم المنصبة على الشعبين الفلسطيني والعراقي عملا مشتركا لمختلف الاتجاهات المنتمية إلى الطرفين. ويقر العثماني أن الحوار والتعاون ليس بين كل العلمانيين وكل الإسلاميين، وإنما هو حوار بين فريق من الإسلاميين وفريق من العلمانيين .لكنه يرى أنه من الطبيعي أن يبقى دائما جزء من الإسلاميين وجزء من العلمانيين خارجه، وبعضهم قد يكون ضده. ويشير العثماني في هذا السياق إلى أن هذا الحوار هو على العموم بين الأطراف التي قبلت الانخراط في العملية الديمقراطية واختارت النضال السلمي وسيلتها في الوصول إلى السلطة من خلال صندوق الانتخابات. لكن في تقدير الدكتور العثماني، فإن الغلاة من الطرفين قلة قليلة، سواء منهم الذين يتسمون بنزعة استئصالية معادية للدين بشكل من الأشكال، أو أصحاب الغلو الديني، وذلك على الرغم من علو ضجيجهم، وتصدرهم للأخبار والتقارير. لكن مع كل التطور الإيجابي الذي حصل في العلاقة بين الإسلاميين والعلمانيين يرى العثماني أن هذه العلاقة لا تزال تخيم عليها العديد من المحاذير حصرها فيما يلي: - ثقافة الصراع والإقصاء والتفرق التي تجد جذورها في حالة التخلف التي تعرفها دولنا وشعوبنا، وتظهر سماتها ليس فقط في تضخيم الصراع الإسلامي العلماني، ولكن في تفجير صراعات داخل كل منظومة على أسس طائفية أو عرقية أو مذهبية أو غيرها. - التوظيف السياسي للصراع بين الطرفين من قبل أطراف خارجية أو داخلية. وهي في الغالب ليس من مصلحتها توسيع المشاركة السياسية وتطوير الديمقراطية ونشر العدالة الاجتماعية، بل يقف وراءها لوبيات تريد الحفاظ على هيمنتها السياسية واحتكارها للثروات. ومن تم فهذه اللوبيات تسعى إلى عرقلة أي عمل جبهوي في الاتجاه المذكور، وتعمل على تغذية الخلافات والصراعات. وبخصوص آفاق العلاقة بين الطرفين يسجل العثماني أنه لا بد من الانطلاق من القناعة بكون العلاقة بين الطرفين وصلت مستوى واعدا من التطور الإيجابي غير قابل للانتكاس، لكن ذلك يتطلب خ حسب العثماني- 1-الوعي براهنية التخلي عن الصراعات الجانبية، وأهمية ذلك لتحقيق استقرار دولنا وشعوبنا وتقدمها ونمائها، أمرا مستعجلا ونقطة انطلاق لبناء علاقة سليمة. 2-تجاوز ثقافة الصراع والعنف بكل أشكاله والتشبع بالثقافة الديمقراطية 3-اعتبار الحوار هو أساس العلاقة، فبه يمكن تقليل نقط الخلاف وتوسيع نقط الاتفاق، مع الحرص على الحرية للجميع في أن يعبر عن آرائه دون ضغط أو إقصاء أو إرهاب، وطرح أعقد القضايا الفكرية على طاولة البحث، ونشر ذلك على أوسع نطاق 4-تمثل الديمقراطية أفضل الطرق المتاحة اليوم لإدارة الاختلاف، فدعم تطويرها والتعاون لمواجهة اختلالاتها من أهم برامج التعاون الممكن تطويرها، مع ضرورة التخلي عن فكرة الهيمنة وفرض النموذج، إن بذريعة العلمية والتقدمية، أو بذريعة الدين. 5-إن أهم العقبات أمام نجاح طريق الحوار بين الطرفين هو انسداد الأفق السياسي، والتراجعات في مجال الحريات والحقوق الفردية والجماعية، مما يشيع أجواء من الإحباط والشك، وهي بدورها تساعد على ظهور أشكال من التشدد والتطرف والراديكالية من الطرفين. 6-من المطلوب أن يقوم كل طرف بطمأنة الطرف الآخر بخطابه وسلوكه ومواقفه معالجة لحالة الريبة والشك بينهما. فعلى الإسلاميين أن يطمئنوا على أنهم حريصون على الحقوق والحريات الفردية والجماعية. وعلى العلمانيين أن يطمئنوا على أنهم حريصون على خصوصية الأمة في علاقتها بالإسلام وبحضارتها وعلى هويتها. والهدف من ذلك هو بناء جسور من الثقة بين الطرفين. وهذا يعني الحاجة إلى قيادات فكرية جادة بإمكانها تفعيل أي تقارب أو اتفاق والدفع به إلى طريق التنفيذ. 7-دعم فرص البرامج العملية المشتركة، سواء كانت فكرية أو سياسية، لكونها التحالف والحوار بين الإسلاميين والعلمانيين، وطالب المشاركون النظام بالبحث عن مخرج للدمج السياسي والاجتماعي للإسلاميين؛ وذلك من أجل الحفاظ على أمن وسلامة المجتمع. منار السليمي: ما الذي تم إنجازه في العشرية الماضية؟ أكد الدكتور منار السليمي في مستهل مداخلته على جملة من المسلمات، حيث ذكر في مقدمتها أن مقولة الإصلاح أصبحت اليوم من أكثر المقولات ترددا، وسجل ضمن المسلمة الثانية ظاهرة التقارير في العالم العربي والتي تحاول تشخيص ظاهرة الإصلاح اعتمادا على مقاييس: كالمؤسسات، ودرجة احترامك القانون ودرجة سيادته ومقياس العدالة الاجتماعية، كما ذكر بالتصنيفات التي أصبحت تصنف بها الدول بالقياس إلى تمثلها للديمقراطية وحقوق الإنسان، ومن أشهرها التصنيف الذي يوزع الدول إلى دول تتطور وضمنها يوجد المغرب والبحرين والأردن، ودول ثابتة سلطوية، ودول فاشلة تعاني من مشكلة المقدرة التوزيعية وغير قادرة على ضبط محيطها الترابي. وأكد منار في ورقته إلى أن هذه الدول الموزعة على هذا التصنيف الثلاثي تلتقي جميعها حول نقطة إشكالية عدم الانسجام بين المطالب ودرجة تدخل الدولة(المطالب وعدم استجابة السلطة السياسية) وفي هذا الصدد أوضح منار السليمي أنه يمكن التمييز بين أربع وضعيات: - دول لها درجة من الانفتاح السياسي: خط التوجه نحو الديمقراطية على الرغم من الصعوبات والإكراهات والترددات التي يكتنف مسارها نحو الديمقراطية - دول يتم فيها الخلط بين الديمقراطية والاندماج الوطني (موريتانيا) - دول مستقرة تتوفر على مستوى عال من الاقتصاد الخدماتي حيث يصعب قياس مستوى الديمقراطية فيها - دول ثابتة سلطوية أو دول فاشلة غير قادة على ضبط مجالها الترابي ويلاحظ الدكتور منار السليمي أن الدول في العالم العربي الدول في العالم العربي توجد في منطقة رمادية وتعيش جملة من المخاطر لأنها مرتبطة بمتغيرات دولية (أجندة الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد الأوربي تتغير ويتغير معها مضمون الإصلاح) كما تتأثر ايضا بمتغيرات داخلية (بناء الدولة، حسم الصراع حول السلطة، مسألة الحرية وعدم الحرية، الصراع مع التطرف، المقدرة في توزيع الثروة)، ويلاحظ منار السليمي أن هذه الدول طرحت بها عدة مداخل للإصلاح، كالإصلاح الدستوري والإصلاح الانتخابي، لكنها لم تنتبه إلى مدخل إلى إصلاح السياسات العمومية، كما لاحظ منار في ورقته أن الاستثمارات الأجنبية لم تستطع أن تؤثر في البنية السياسية للبلدان العربية وقدم نموذج تونس في هذا السياق وبخصوص وضعية المغرب، يرى منار السليمي أن المغرب يصنف ضمن الدول التي دخلت الصف الديمقراطي، وأن نظامه السياسي يتطور، لكن المغرب يصنف أنه دخل ضمن الدول التي دخلت الصف الديمقراطي. النظام السياسي يتطور، لكن مع وجود تردد وتذبذب، ولاحظ السليمي أيضا المغرب يعرف تبلور الإطار الناظم للعبته السياسية، لكن لا تزال التوازنات السياسية والصراعات المرتبطة بما أسماه بعقلية الأعلى الحزبي هي التي تغلب على العملية السياسية. لكنه يؤكد على وجود جملة من الملامح التي تبرز التطور الذي حصل في المغرب على مستوى توجهه نحو الديمقراطية ومن ذلك: - ارتفاع درجة الطلب على القانون وحجيته. - الاحتكام إلى القانون رغم الصراع حول المرجعية ورغم إشكالية التطبيق. - بروز العلاقة السببية بين تدبير الشأن العمومي والمطالب. (تجاوب التدبير مع مطالب الناس) - التعددية والتي برزت حتى على المستوى اللغوي. - تعدد القراءات في المرجعيات التاريخية. وختم منار ورقته بالتحديات والصعوبات التي تقف أمام تعميق المسار الديمقراطي في المغرب وذكر منها: - انهيار الطبقة الوسطى - المقدرة التوزيعية. - درجة تطبيق القانون وظاهرة الإفلات من العقاب - الأجندات الخارجية وتأثيراتها على الأجندة الداخلية. عبد السلام بلاجي: الأولويات التي يجب التركيز عليها في الخمس سنوات القادمة انطلقت هذه الورقة من تشخيص المشهد السياسي، حيث أشار الدكتور بلاجي إلى أن هذا المشهد تنتظمه قوتان أساسيتان: قوى اجتماعية وسياسية تتطلع إلى حياة ديمقراطية حقيقية، وقوى أخرى تقاوم أي توجه ديمقراطي حقيقي، حفاظا على مصالحها، كما اشار ضمن توصيفه للواقع السياسي إلى استمرار ظاهرة توظيف الدول لبعض العلمانيين، واليساريين السابقين لإعاقة المطالب الحقوقية والسياسية، ويرى الأستاذ بلاجي أن المشهد السياسي العربي عرف تراجعات واضحة عن المسار الديمقراطي، واعتبر أن مبررات عدة استعلمت كذريعة لتسويغ هذه التراجعات، من قبيل افتعال ثنائيات متقابلة ظاهريا بحجة تعطيل الديمقراطية، مثل أولوية السلام عن الديمقراطية، ومكافحة الإرهاب قبل الحرية، حيث أقرت قوانين استثنائية تشبه حالة الطوارئ غير المعلنة، ثم الدفع بمقولة أولوية التنمية الاقتصادية والاجتماعية على التنمية السياسية والحقوقية، وما شابه ذلك من مقولات مثل مقولة أولوية القضايا الوطنية (الوحدة خ التحرير- السلام مع إسرائيل) على قضية الديمقراطية. وقد سجل الدكتور عبد السلام بلاجي في هذا الصدد الاستغلال الذي تمارسه القوى المقاومة للديمقراطية في الوطن العربي للتعددية التي تعرفها القوى الديمقراطية، فحسب الدكتور بلاجي ، قوى المقاومة للديمقراطية داخليا وخارجيا تستغل هذا التعدد وتضرب مكونات القوى الديمقراطية ببعضها وتعيق بذلك التماسك في الصف الديمقراطي كخطوة أولى من أجل إعاقة المسار الديمقراطي برمته. وحصر بلاجي تجليات هذه التراجعات في النقاط التالية: - التضييق على الناشطين الحقوقيين والفاعلين السياسيين، اعتقالات ومحاكمات وحل أحزاب والتي زاد من حدتها لامبالاة بلدان المعسكر الديمقراطي الغربي، - إعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب، وتجاهل إجهاز الحكومات العربية على الرصيد الديمقراطي والحقوقي الضعيف أصلا في هذه البلدان، - تزايد انتعاش القوى المناهضة للديمقراطية مؤخرا، تحت شعار مواجهة الإرهاب أو الإسلاميين. وبخصوص أولويات البناء السياسي والحقوقي، اعتبر الدكتور عبد السلام بلاجي أن أمام الشعوب والنخب الفكرية والسياسية مهمة تاريخية، تتطلب وعيا بالأولويات وتساميا فوق الخلافات اللحظية، وسعيا مشتركا ومنسقا لبناء مسار ديمقراطي حقيقي، واقترح في ورقته أولويات على المدى القريب والمتوسط (خمس إلى عشر سنوات): - التنسيب الفكري والسياسي لأيديولوجيات الأطراف الفاعلة عبر آلية تواصل وتفاعل الأعضاء. - اعتبار إرساء الديمقراطية هدفا أساسيا، وتأجيل مختلف الخلافات إلى حين توفر أجواء ملائمة. - أولوية مواصلة العمل في مجال ترسيخ حقوق الإنسان والإصلاحات السياسية والديمقراطية. - صيانة المكتسبات في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، أمام التراجعات المحلية والدولية. - تعزيز دور منظمات المجتمع المدني في التنمية الاجتماعية والمعرفية والسياسية والحقوقية، نظرا لفعاليتها وقلة كلفتها وارتفاع مردوديتها قياسا للقطاعلت الحكومية والحزبية. بيد أن هذه ألأولويات في نظر الدكتور عبد السلام بلاجي لا يمكن أن تتحقق من غير اتخاذ تدابير إجرائية حصرها فيما يلي: - توحيد جهود القوى الديمقراطية بغض النظر عن توجهاتها، تحت شعار الديمقراطية أولا. - تجاوز الخلافات والصراع الأيديولوجي والتوافق حول أهداف مشتركة: حقوقية وسياسية. - تكثيف التواصل بين مكونات الصف الديمقراطي والحقوقي: أفرادا وهيئات لتقليص الخلافات. - وقف حرب القيم (اللغة، الدين، الأخلاق)، محاربة التطرف والإسلاميين فهي مجال عام. - استمرار المدافعة والمشاركة لمراكمة المكتسبات، ولو أنها بطيئة بسبب جيوب المقاومة. - الاعتماد على الذات في بناء نماذج سياسية محلية، بدل التطلع إلى نموذج أممي مثالي متوهم. - عدم الفصل بين خياري الديمقراطية والتنمية، والاغترار بتبني خيار التنمية على حساب الديمقراطية وحقوق الإنسان. - التعاون والضغط في معركة البناء الديمقراطي، مع القوى السياسية والمدنية التي تتبنى الديمقراطية مبدئيا في الغرب، خاصة بعد انكشاف الوجه المصلحي بل الانتهازي الحقيقي للحكومات الغربية في خيار الديمقراطية وحقوق الإنسان، في العالم العربي.