لازالت ذاكرة المناضل الاتحادي والنقابي محمد لمراني تحتفظ بالعديد من الأسرار الخاصة بأحداث 20 يونيو 1981، حيث كان وقتها ضمن قيادة النقابة وعضو مكتبها التنفيذي، أصدر كتابا عن الحركة النقابية المغربية هو عصارة تجربة السجن والنضال. في هذا الحوار القصير، بمناسبة ذكرى أحداث 81 الأليمة، نستعيد مع لمراني جزءا من ذكرى حدث كبير كان له ما بعد في المغرب. كيف جاء قرار إضراب 20 يونيو ومن كان وراءه؟ قرار الإضراب أملته شروط اجتماعية، خاصة الزيادات المتوالية في المواد الأولية، حيث اعتبرت النقابة هذه القرارات استفزازية، بالإضافة إلى ذلك كانت الدولة تحاول ضرب الكونفدرالية بأية صيغة وجرها للمواجهة، وكان عمر نقابنا لا يتعدى سنتين، ومع ذلكفإن الكونفدرالية (CDT) هي الأقوي من خلال الإضرابات القطاعية، حيث كان هناك آلاف المطرودين من الأطر النقابية في التعليم والصحة وغيرهما من القطاعات والأطر النقابية. اعتبرت بأن نضالها مستهدف، لذلك عمدنا إلى اتخاذ قرار الإضراب. من اتخذ قرار الإضراب؟ كان هناك قرار أصدره المكتب التنفيذي بشكل استعجالي بالدارالبيضاء بخوض الإضراب بعد فشل مساعي المفاوضات مع الحكومة من أجل التراجع عن الزيادات، لكن دون جدوى، فلا حوار ولا تراجع.. فكان قرار الإضراب. لقد شنت الدولة الحرب على القدرة الشرائية، فمثلا الزيادة وصلت 200% في الحليب، 100% السكر، 107% الزيت، 246 % الزبدة، والدقيق عرف زيادة 185%. وقبل ذلك أمهلنا الحكومة مهلة أسبوع قبل تنفيذ الاضراب. لماذا اتخذتم قرار الإضراب بشكل منفرد؟ لقد ذهبنا، أنا و الكبير البزاوي، عند المحجوب بن الصديق، واستقبلنا بباب منزله، ورفض التنسيق معنا، واتخذوا كنقابة قرار بخوض إضراب عام في 18 يونيو. وعملنا على مساندته، واعتبرناه يوما للتهييئ لإضراب 20 يونيو. ماهي علاقة الاتحاد الاشتراكي بإضراب 20 يونيو؟ الحزب كان يواكب الأحداث الاجتماعية عن قرب، والفريق الاتحادي بالبرلمان طالب بلجنة تقصي بعد الأحداث المؤلمة. والأساسي أن قيادة الحزب لم تكن بعيدة عن ما يجري ويدور داخل النقابة. عبد الرحيم بوعبيد كان على علم بكل التفاصيل وكان حليفا ومساندا قويا للحركة الاجتماعية. ما الذي وقع في 20 يونيو؟ كان اليوم يصادف السبت، وكانت الأمور تبدو عادية، لكن في العاشرة صباحا بدأنا كنقابيين، حيث كنا نتواجد بالمقرات، نسمع عن مداهمات وتدخلات .. لمصالح الأمن والجيش ومختلف القوى، بدأنا نحسن بأننا أمام مؤامرة، وأن أيادي خفية دخلت على الخط، وأنا بعد اعتقالي وداخل الكوميسارية كنا نحس بأن جهاز الأمن منتشي وكأنه حقق انتصارا كبيرا بإجهاض الإضراب وقتل الأبرياء العزل. كيف اعتقلتم كنقابيين؟ تم استدعاؤنا لإجراء حوار بمقر عمالة الدارالبيضاء. وتوجهت بمعية الكبير البزاوي والمرحوم عبد الرحمان شناف للالتحاق بالأموي، لكن فوجئنا بأنه معتقل في إحدى القاعات، وتم حجزنا نحن الثلاثة بقاعة أخرى، وتأكد فيما بعد بأنه كان يجري العمل لاختطافنا إلى جهة مجهولة. ومكثنا 15 يوما بالكوميسارية، وجربت فينا تقنيات خطيرة في التعذيب عن بعد، حيث كنا نسمع رجع صدى وأصوات أصدقائنا وهم يئنون تحت التعذيب، وحتى أفراد العائلة، ومع ذلك صمدنا. وكان المرحوم مولاي عبد الله المستغفر الذي تعرض لتعذيب وحشي أدى إلى استشهاده في ما بعد. كما جيئ بمحمد كرم والمرحوم مصطفى القرشاوي الذي مورس عليه تعذيب وحشي كبير من طرف عدة أجهزة، ومع ذلك ظل جبلا شامخا. وكان المحققون يسألون لماذا اختيار السبت 20 يونيو بالضبط. كيف مرت أطوار المحاكمة؟ مكثنا مدة بالسجن، وبدأت المحاكمات التي هي عبارة عن استنطاق، غابت فيها شروط المحاكمة، حيث شعرنا وكأننا مازلنا تحت قبضة جهاز الأمن. وظل الأمر على هذه الحال، حيث لم يصدر في حقنا أي حكم إلى أن جاء قرار العفو، وظل الأموي والقرشاوي داخل السجن مدة سنة في ظل شروط صعبة جدا. ما هي ذكريات السجن؟ السجن كان مدرسة حقيقية للقرءاة الفردية والجماعية. وفي السجن أخذت نظرة عن تاريخ المغرب، وخاصة في المجال النقابي، وهو الأمر الذي دفعني فيما بعد لإصدار كتاب في هذا الموضوع، وهناك ذكريات عديدة. أذكر مدة أن محمد كرم كان يريد غسل رأسه فطلب مني صب الماء، فما كان مني إلا أن لبيت طلبه، وكان الماء ساخنا جدا، وكان الأمر مثار غضب وضحك. كانت العلاقة حميمية بيننا، وكنا نتمتع بتغذية جماعية، وأذكر أن السيدة رابحة، أخت الأموي ، كانت تأتينا بالكسكس كل جمعة من حي اسباتة إلى سجن أغبيلة في غياب وسيلة نقل. كيف جاء قرار الإفراج عنكم؟ كنا نتابع من داخل السجن الحراك الاجتماعي، ودور عبد الرحيم بوعبيد الذي اعتقل بدوره في سجن ميسور بسبب موقفه من قضية الصحراء ورفضه للاستفتاء، وتلقينا خبر الإفراج عنا بشكل بارد. لم يكن لذلك أي داع للفرح، لأننا منخرطون في النضال الوطني بعمق، وكنا نعمل لحل الإشكالات المطروحة على بلادنا. بعد كل هذه المدة، ما الذي تحتفظ به للذكريات؟ في ذلك الحين بدأت أفكر يوميا في مستقبل الحزب والنقابة، وبدأ يظهر توجه لأشخاص مصلحيين يغلبون آناهم على مصلحة الطبقة العاملة، وكنت سباقا لطرح إشكالية سيطرة النقابة على الحزب، ومع ذلك نسجل بأن ميلاد الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تشكل قفزة نوعية في المجال الاجتماعي، وقدنا معارك عمالية كبيرة وتحققت عدة أشياء مهمة لفائدة المواطن المغربي.