من المؤكد أن استرجاع ذكريات أحداث 20 يونيو 1981 على إثر الإضراب العام الوطني الذي قررته الكنفدرالية الديمقراطية للشغل ضدا على الارتفاع المهول للأسعار في المواد الأساسية، يمكن أن يأخذ حيزا كبيرا، لأن الحدث أسال مدادا وافرا على الصعيد الوطني والدولي. في البداية لا بد من الاشارة أنه منذ تأسيس الكنفدرالية الديمقراطية للشغل في أواخر نونبر 1978 ، عرفت الساحة الاجتماعية نضالات هامة وكبرى كانت كاستجابة لمطالب العدبد من القطاعات النقابية، ونذكر هنا اضراب 1979 الذي كان اصرابا ناجحا وتمخض عنه حملة اعتقالات واسعة وتوقيفات عن العمل في صفوف المناضلين النقابيين بقطاع الصحة والتعليم وقطاعات أخرى، ثم بعد ذلك كان الإضراب التضامني الذي نظمته الكنفدرالية الديمقراطية للشغل يوم 30 مارس 1979 بمناسبة يوم الأرض والذي عرف هو الآخر نجاحا كبيرا، مما خلق نوعا من التعبئة والحماس والثقة واكتساب القوة التنظيمية لدى المركزية النقابية وجميع تنظيماتها المحلية والإقليمية، كما أن الصف الديمقراطي في تلك الفترة كان صفا متماسكا ولا يعرف التشردم، وكان الربط مابين ما هو سياسي ونقابي في أعلى مستوياته حيث كان هناك تنسيق مابين الكنفدرالية الديمقراطية للشغل مكركزية نقابية من جهة ومكونات الصف الديمقراطي وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في احترام تام لاستقلالية القرار النقابي، لكن بريط جدلي على مستوى رفيع. ثم في تلك الفترة أي سنة 1981 كان المغرب يشهد تطبيق سياسة التقويم الهيكلي التي تم فرضها من مؤسسة النقد الدولي، حيث فرضت هذه المؤسسة الدولية على جميع الدول المدينة كالمغرب أن يتخلى على الخدمات الاجتماعية وأن ينهج سياسة تقشفية في المجال الاجتماعي، وبطبيعة الحال المتضرر الكبر من هذه السياسة هي الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة وعموم الجماهير الشعبية الكادحة. ففي هذا الإطار إجمالا كانت الفترة تتسم بأوضاع مزرية لعموم الجماهير الشعبية ، قدرة شرائية جد متدهورة بفعل زيادات صاروخية من قبل الحكومة، قمع وتعسفات من قبل السلطات لكل النضالات التي تعرفها الساحة النقابية وخاصة نضالات الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، معارضة قوية بقيادة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ذات الامتداد الجماهير في قلب المجتمع، بصفة عامة كانت كل الضروف والشلروط ملائمة ومساعدة على خوض إضراب وطني عام بالمغرب، وكانت التربة مهيئة وبإشارة محتشمة يمكن أن يقع فوران اجتماعي. تحملنا مسؤوليتنا كمركزية نقابية ونبهنا الحكومة أن الوضع الاجتماعي يعرف احتقانا كبيرا، ووجهنا الاشارات والرسائل اللازمة ، وقرعنا ناقوس الخطر لكي تتراجع الحكومة على قراراتها المتمثلة في الزيادة في الأسعار، وما كان منها الا أن قررت بشكل متأخر التراجع عن 50 في المائة من تلك الزيادة الا أننا في الكنفدرالية الديمقراطية للشغل وبتنسيق مع حلفائنا السياسيين في الصف الديمقراطي، اعتبرنا ذلك غير كافي ولا يستجيب لمطالبنا، وحاولت الحكومة لتكسير قرار الإضراب العام المعلن من قيل الكنفدرالية، فأشارت للاتحاد المغربي للشغل للقيام باضراب عام وطني، لكنه لم يلقى أي نجاح جماهيري، وما كان علينا داخل الكنفدرالية الديمقراطية للشغل الا تنفيذ قرار الإضراب العام الوطني الذي اتخذته الأجهزة المسؤولة لمركزيتنا النقابية يوم 20 يونيو 1981، فكان اضرابا ناجحا وسانده كل المغاربة، والتحقت بالإضراب كل الفئات المحرومة والمستضعفة والمهمشة، وكان ما كان من احذات دموية وقمع وزمواجهة عنيفة من قبل السلطات ازهقت فيها أرواح مواطنين بالرصاص. وتمخض عن هذا الإضراب اعتقالات واسعة في صفوف النقابيين والسياسيين وعلى رأسهم قيادة المركزية النقابية حيث تم اعتقال خمسة أعضاء من المكتب التنفيذي للكنفدرالية الديمقراطية للشغل في مقدمتهم الكاتب العام نوبير الأموي. وتزامن اعتقال القيادة النقابية في تلك الفترة باعتقال القيادة السياسية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حيث كان عبد تم اعتقال عبد الرحيم بوعبيد الكاتب الأول للحزب وأعضاء من المكتب السياسي على خلفية موقف الحزب من الاستفتاء بأقاليمنا الصحراوية، كما ان السلطات اقدمت على قرار اغلاق جميع مقرات الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بالمغرب، وا ننسى ان صحافة الاتحاد الاشتراكي جريدة المحرر تم منعها هي الأخرى من الصدور، وتدار ك هذا الأمر المناضلون السياسيون باصدار جريدة «البلاغ المغربي التي كان يديرها آنذاك المرحوم محمد بن يحيي، هذه الجريدة التي عوضت جزئيا ما كانت تقوم به صحافة الاتحاد على المستوى الاعلامي. في الحقيقة أصبح النضال سواء النقابي أو السياسي صعبا، القيادة السياسية والنقابية معتقلة، الصحافة ممنوعة، اعتقالات واسعة في صفوف المناضلين في الأقاليم، حاولنا أن نعوض ذلك بنضالات على المستوى الخارجي لكي نتعاون وتتظافر الجهود مع نما كان يقوم به الخوة في داخل المغرب، حيث هنا وجب التذكير انني كنت في فرنسا اتلقى تدريبا في مجال الطب هذا التدريب الذي كانت بدايته من يناير 1981 الى غاية يناير 1982. وهذا ما يفسر أنني لم يتم اعتقالي في تلك الفترة الا بعد أن دخلت الى المغرب وبدات النضال من أجل تفعيل واستجماع القوة الكنفدرالية، حيث أجمع الاخوة في المكتب التنفيذي ان أنوب عن الكاتب العام، في فترة الاعتقال وبعد ذلك انطلاقا من مؤتمر 1986 الى غاية 2001 وأنا أتحمل مسؤولية نائب الكاتب العام في المكتب التنفيدي للكنفدرالية. فلازلت أتذكر أن أول خطوة أقدمت عليها بمعية ما تبقى من المكتب التنفيذي هو جمع المجلس الوطني للكنفدرالية بفاس، ففي ذلك اللقاء أعلنت بشكل شخصي ودون استشارة لإخواني الكنفدراليين وحتى السياسيين ، أن الكنفدراليون يجب أن يفتحوا مقرات النقابة في القاليم وليستمروا في أنشطتهم. واعتبر كل الأخوة النقابيين ذلك قرار منطقي وصائب، ولم تبدي السلطات في الأقاليم أية معارضة أو ادنى تحرك اتجاه هذا القرار. فلازلت أتذكر أن المرحوم سي عبدالرحيم بوعبيد صرح يوما أن أهم حدث عرفتنه الساحة النضالية الوطنية في تلك الفترة هو تأسيس الكنفدرالية الديمقراطية للشغل. وبعدها بدانا نفكر في خلق حذت ما داخل الساحة النقابية، لكي نسترجع قوتنا التنظيمية، فقررنا ان نحتفل بفاتح ماي 1982 لكن يجب أن نخلق من حذثا كبيرا ونطالب من خلاله بالفراج عن القيادة النقابية وجميع المعتقلين النقابين والسياسيين على خلفية الإضراب العام الوطني، لكن السلطات العمومية قامت بالمنع وصادرت حق الكنفدرالية الديمقراطية في الاحتفال بالعيد الأممي، وفيما بعد قررنا أن ننظم ندوة صحفية في نهاية ماي 1982، بفندق شالة بالرباط، فلما كنت أقرا التصريح الصحفي باسم المكتب التنفيذي خلال الندوة الصحفية، سيتم اعتقالي من داخل القاعة أمام حضور يتكون من خمسين صحفيا ينتمون للصحافة الوطنية والدولية، وأتذكر أن صحي لجريدة لومنذ احتج على هذا السلوك، فسمعت فيما بعد أنه تم طرده من المغرب بعد يومين من تاريخ الندوة الصحفية. لقد مكتث ثلاثة أيام في مخفر الشرطة، وتم إخلاء سبيلي فيما بعد وبعد عشرة أيام كان جلسة المحاكمة في المحكمة الابتدائية بالرباط فتم الحكم على بسنة سجنا نافدة بتهمة تنظيم تجمع عام بدون ترخيص، ومباشرة بعد الحكم طبقوا على الفصل 400 لاعتقالي من المحكمة وإيداعي في السجن، بالرغم أنني لست رجلا خطيرا، ولدى وصولي لسجن لعلو الذي يضم هناك سي عبدالرحيم بوعبيد، واليازغي ، الأشعري، عبد الهادي خيرات، والطيب منشد، لم يتم قبولي من طرف مدير السجن فقال على أنه لا يجب ان يطبق في الفصل 400 في حالتي، وكلم أمامي وزارة العدل التي أمرته باعتقالي فورا. وغادرت السجن بعفو ملكي بعد 12 يوما من نهاية المدة الزمنية التي كنت محكوما بها. ولم تسترجع الكنفدرالية الديمقراطية للشغب قوتها التنظيمية بعد أحدات يونيو 1981 إلا في سنة 1987، التي تميزت ببداية ا التنسيق السياسي ما بين حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال والتنسيق النقابي ما بين الاتحاد العام للشغالين الكنفدرالية الديمقراطية للشغل هذا التنسيق الذي سيتوج بإضراب عام وطني 1990، وكذالك سيسفر على اتفاق فاتح غشت. فيمكن القول ان الإضراب العام الوطني ليونيو 1981 كان بمثابة ، درس كبير لمختلف الفاعلين استافاذوا منهم كل من موقعم لتطوير أداءه وسياسته وإستراتيجيته وتكتيكاته، ومراجعة أوراقه. هذا اليوم فهو موشوم في ذاكرة شعبنا، وصفحة مشرقة في تاريخ نضالنا النقابي، لقد دونه العديد من المبدعين والشعراء وكتب عليه الكثير، كقصائد محمد الأشعري التي طبعت خارج المغرب والنشيد الذي سيبقى خالدا لثباث علال رحمه الله «اشهد ياحزيران في يومك العشرين وطني أنار الدرب والدرب مشتعل».