لم تكن أحداث 20 يونيو 1981 معزولة عن السياق السياسي الذي كانت تعيشه البلاد آنذاك. إذ اختارت الدولة التهميش المطلق للحركة الوطنية والأحزاب الوطنية عموما، واختارت سياسة الخلط بخلق أحزاب إدارية، حيث أعطيت الأوامر للاصطفاف داخلها، حيث استطاع أحد الاحزاب الادارية أن يحصد أغلبية المقاعد في الانتخابات التشريعية في زمن قياسي. في هذه الأجواء المشحونة سياسيا واجتماعيا، وبعد الزيادات المتكررة في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، من خبز وزيت وزبدة وسكر... تمت الدعوة الى الإضراب الشهير سنة 1979، حيث عرف هذا الإضراب نجاحا كبيرا، بالمقابل أقدمت الدولة على طرد 2000 إطار نقابي، خاصة في قطاعي التعليم والصحة على وجه الخصوص، وكذلك في قطاعات الفوسفاط، الجماعات المحلية، البريد. هذه الأطر النقابية هي التي كانت تؤطر العمل النقابي في المغرب، والغاية من ذلك هو التخلص منها، بالإضافة الى استعمال الشطط الزائد في السلطة. في هذا الإطار، يقول عبد الهادي خيرات، الذي كان آنذاك الكاتب العام للشبيبة الاتحادية، وأحد الفاعلين الأساسيين في الحقل النقابي والاجتماعي، كانت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، قد طلبت لقاء عاجلا مع وزير الداخلية، وكان من المقرر أن يتم اللقاء بمقر وزارة الداخلية، إلا أن هذه النقطة وتداعياتها، ستكون حاسمة في اتخاذ قرار إضراب 20 يونيو 1981، حيث تعرض الكاتب العام للمركزية نوبير الأموي لإهانة كبيرة، إذ بقي ينتظر في قاعة الاستقبال لمدة طويلة، دون أن يستقبله أي مسؤول. أمام هذا الوضع، غادر نوبير الأموي مقر وزارة الداخلية، وتوجه مباشرة الى بيت عبد الرحيم بوعبيد، حيث حكى له الأمر. إلا أن عبد الرحيم بوعبيد عاتبه فيما معناه: «تعجبونا بالغوت في المقرات، ملي ما لقيت حتى واحد، اخرج فحالك». على إثر ذلك وقع التداول في شأن الدعوة الى الإضراب العام، وهو الإضراب الذي اتخذ القرار بشأنه عبد الرحيم بوعبيد، يقول عبد الهادي خيرات، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. هذا المعطى يضيف خيرات، تأكدت منه، بعدما كتبت مقالا من أجل النشر بجريدة «المحرر»، حول الوضعية الاجتماعية المتأزمة في المغرب. وقد بعث به عبر الفاكس الى مقر الكونفدرالية بدرب عمر بالدارالبيضاء. وبعد الاتصال مجددا بالأخ الأموي عبر الهاتف، رد علي الأموي بأن المقال سيتم استعماله كبيان للدعوة الى الاضراب بالعام. كنت آنذاك بمقر الحزب بالرباط. وبعد الانتهاء من المكالمة، دخل الى مقر الحزب الأخ محمد الحبابي، والذي أخبرته بما ينوي الأموي القيام به. وأنه سيدعو الى إضراب عام، ففاجأني الأخ الحبابي بأن القرار اتخذ مع السي عبد الرحيم بوعبيد بحضور نوبير الأموي. إذ ذاك اتصلت بمحمد الأشعري، وبحضور محمد الخو، حيث أدخلنا بعض التعديلات الطفيفة على المقال السالف الذكر، والذي اتخذ كبيان للدعوة الى الإضراب. وكان من بين الحضور أيضا داخل مقر الحزب بالرباط أحمد أظرضور. في تلك اللحظة دعونا المرحوم سعيد الجداوي ليأخذ لنا صورا تذكارية، حيث كنا شاعرين بخطورة القرار ودقة المرحلة، وبأن المقرات ستغلق وأن حملة القمع الشرسة آتية لامحالة. في هذا الإطار، تجندت صحافة الحزب، والمناضلون على المستوى الوطني لإنجاح تنفيذ القرار المتخذ، حيث تم طبع البيان من طرف فروع الحزب وتوزيعه. ففي الرباط مثلا تم طبع 200 ألف نسخة بمطبعة «كوثر» وتعرض صاحبها للاختطاف. وقد سبق لوزير الداخلية آنذاك أن أدلى بتقرير حول هذا البيان في ندوة صحفية. في خضم هذه الأجواء، بدأت المظاهرات بمختلف المدن المغربية، وأرغمت المتاجر على الإغلاق، ووسائل النقل على التوقف وتمت الاستعانة بالجيش والقوات المساعدة ورجال الدرك للتصدي لهذه المظاهرات، بعدما تم تجاوز الأمن، خاصة في المدن الكبرى، فاس، الدارالبيضاء، طنجة، الرباط، سلا... يتذكر عبد الهادي خيرات، أن الفقيد السي عبد الرحيم بوعبيد، سافر الى باريس قصد إجراء عملية على غشاوة العين «الجْلالة» إلا أن الأحداث داخل المغرب كانت قد خرجت على السيطرة. هذه الأحداث تم تداولها بشكل كبير عبر وسائل الاعلام خاصة الدولية، وفي هذا الباب أجرت إذاعة فرنسا الدولية حوارا مع عبد الرحيم بوعبيد حول الأحداث في المغرب، كما سألته عن مسؤولية ملك البلاد في ذلك، فأجاب بوعبيد أن الملك هو رئيس الدولة، ومن هذا الموقع فهو مسؤول عما حدث. بعد ذلك ألقى الملك الراحل خطابا قبل توجهه الى نيروبي للمشاركة في القمة الافريقية، حيث قال عن الأحداث بأنها لا يمكن أن تصدر إلا عن شعب حي. لكنه في نفس الوقت لمح الى الخونة الذين يتكلمون خارج بلدهم. عقب هذا الخطاب عاد عبد الرحيم على التو الى المغرب، وبعد إعلان المغرب قبوله للاستفتاء بمؤتمر نيروبي، اتخذ السي عبد الرحيم ،باسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ،الموقف الرافض للقرار الرسمي، وكانت تلك هي السابقة الوحيدة بخصوص قضية الصحراء التي لم يشملها الإجماع. بعد ذلك تم اعتقال عبد الرحيم بوعبيد، ومحمد منصور، محمد الحبابي، محمد اليازغي. محمد الحبيب الفرقاني. ومن أجل عدم متابعة المقاوم الكبير محمد منصور، كيفت المحكمة الأمر، واعتبرت أن القرار الذي اتخذه المكتب السياسي كان مكتوبا باللغة الفرنسية، وبالتالي تم الحكم على الأخوين منصور والفرقاني بعقوبة موقوفة التنفيذ، في حين حكم على عبد الرحيم والحبابي واليازغي بسنتين سجنا نافذة، وأودعوا سجن لعلو. وبعد ذلك تم نقلهم الى ميسور. في ذات السياق، تم اعتقال العديد من النقابيين. جزء كبير منهم من الدارالبيضاء، والرباط. كما تم اعتقال، أيضا، نوبير الأموي، لمراني، لبزاوي، شناف، محمد كرم، مصطفى القرشاوي بصفته عضوا للمكتب السياسي مكلفا بالإعلام. والكاتب العام للنقابة الوطنية للتجار الصغار والمتوسطين مولاي المستغفر، كما تم اعتقال أيضا عبد الهادي خيرات. الطيب منشد، محمد الأشعري، المالكي عبد الكبير،وعدد كبير من الأطر النقابية وأعضاء مكتب الاتحاد المحلي بالرباط.