في معرضها المقام حالياً برواق محمد الفاسي بالرباط، تمنح الفنانة التشكيلية ادريسية أويديدن زوار أعمالها المعروضة، نشوة العائد من رحلة سياحية زار خلالها جبالا وغابات وصحارى وبحيرات، وثلوجاً بعين ما عادت تحتفظ من كل ذلك، سوى بصور ضبابية، لكنها صور شفيفة، متلألئة بأنوار النهار، وخافتة بالظلال والعتمات الخفيفة، أعمالٌ تُخزِّن تضاريس الجغرافيا الكامنة في الروح والذاكرة، بعد أن تشربتها العين حقيقة وواقعاً، وصاغتها وشكَّلتها اليد تجريداً يكاد يفضح ويُفصح عن واقعيته. في خلفية العديد من لوحات هذا المعرض تتراءى تكاميش يشكلها أحياناً الورق المُلْصَقُ فوق القماش وأحياناً أخرى تشكلها الصباغة أو مواد كالرمل ومسحوق نجارة الخشب، وهي تكاميش مصاغة بعناية تمنح اللوحة فتوءاتٍ، تمنح هي بدوها اللوحة أشكالاً وظلالها في الوقت عينه، على اعتبار أن لكل ناتىء ضوءه وظله، والحقيقة أنه بقدر ما توجد في بعض اللوحات مناطق معتمة أو ضبابية، بلون الضباب ذاته أو بألوان الأشياء المضببة، بقدر ما تكون ثمة شمس خبيئة في جل اللوحات. والفنانة التشكيلية إدريسية تكاد لا تهتم كثيراً بأمر توزيع وتنويع الأشكال داخل نفس اللوحة، فاللوحة عندها إما تقسم إلى شكلين أو هي سطح واحد لا يخلو من أبعاد وأعماق. لكن في الحالتين معاً تمة تلك الخطوط الانسيابية، التي قد تكون أفقية أو عمودية، أو هما معاً، التي تمنح اللوحة أحياناً عمقها، وأحياناً أخرى تكون هي سطحها، أو تكون سطحها وبعض عمقها في الآن نفسه. وفي كل ذلك، هناك خفة اللمسات التي تصنع الحركية داخل العمل الفني وتمنحه موسيقاه وإيقاعه، إذ أننا أمام أعمال الفنانة إدريسية نجد دوماً شيئاً يتململ ويتحرك داخل السكون، ثم إن هذه التضاريس الناتئة داخل اللوحة لا تتوقف عن الدبيب في اتجاهات شتى لدرجة تشتيت نظر الرائي. وحتى حينما تكون الألوان الترابية هي الألوان الطاغية، فإن لاشيء خلاء في الأرض ولا في الصحاري، فالفنانة تملأ الفضاء حركة، وتؤثث الأجواء والأصداء، بالصواعد والنوازل بلمسات خاطفة تكاد لا تقول سوى الموسيقى. إنه بكل بساطة معرض يقول الأرض، التضاريس، التكاميش، هلامية الأشياء، وشفافية الضباب والضوء، وخفة اللمسة والحركة التي هي هذا الجمال.