قال محمد اليازغي, عضو المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية «نحن الآن في مرحلة دقيقة وأنا لدي قناعة بأنه في هذه الرياح التي تجتاح بعض البلدان العربية، من المحقق أن المغرب هو الذي سيجني الثمار إذا عرف أبناؤه, وإذا عرف الذين لهم مسؤولية صياغة الدستور الجديد كيف ينظرون إلى المستقبل وكيف يضمنون للمغرب أن يحل المشكل الدستوري الذي طرح عليه منذ قرن»، مضيفا في لقاء جماهيري نظمته الكتابة الإقليمية لمدينة وجدة مساء السبت 07 ماي الجاري حول موضوع «الوضعية السياسية الراهنة»، والذي افتتح بتلاوة الفاتحة ترحما على أرواح أعضاء الشبيبة الاتحادية الناشطة في حركة 20 فبراير بمدينة وجدة, الذين وافتهم المنية إثر حادثة سير مؤلمة، أضاف بأن المغرب هو البلد الوحيد في العالم العربي الذي لديه هياكل استقبال الرياح المنادية بالحرية والديموقراطية. وبحضور عدد مهم من مناضلات ومناضلي الحزب بالجهة الشرقية وعلى رأسهم قدماء ومؤسسي الاتحاد الاشتراكي بمدينة وجدة إلى جانب ممثلي بعض الأحزاب السياسية وشباب حركة 20 فبراير... تطرق محمد اليازغي إلى المشكل الدستوري بالمغرب وقال بأنه ليس مشكلا آنيا, بل هو مشكل قديم وله أكثر من قرن من الزمن، مشيرا إلى أن «احتلال المغرب جاء نتيجة لأن الدولة المغربية لم تع في القرن 19 أنها إذا أرادت البقاء وإذا أرادت أن يستمر المغرب كأمة وكدولة وكوطن حر كان يجب أن تقوم بإصلاح نفسها». وذكر ببعض الإصلاحات (في ميدان الإدارة والجيش والمالية...) التي عرفها المغرب في عهد الحسن الأول والمولى عبد العزيز، والتي كانت إصلاحات جزئية .يقول اليازغي- لأنهم لم ينتبهوا أن ما تحتاجه البلاد آنذاك هو إصلاح عميق للدولة، قبل أن يخرج بعض المثقفين ممن تأثروا بما يرونه في الشرق, خصوصا في تركيا بصيغة دستور سنة 1908، ولكن كانت الأزمة قد استفحلت، خصوصا بعد توقيع المولى عبد الحفيظ على معاهدة الحماية التي جعلت المغرب يدخل في مرحلة أخرى، ولم يعد هناك بالنسبة للدولة الفرنسية أي إرادة لإصلاح الدولة المغربية... أيام الحماية - يقول عضو المجلس الوطني- لم يطرح المغاربة قضية هيكلة الدولة أو إصلاحها, حيث أصبح هاجسهم الوحيد هو كيفية التحرر والاستقلال، وذكر بأن هذه الفترة وقع فيها شيء مهم وأساسي «يجب أن نذكر به لأن هناك من يقول لنا بأن ما يميز المغرب هو أن له ملكية لها 12 قرنا وهذا صحيح من ناحية الشرعية التاريخية، لكن الواقع أن الملكية لم تكسب الشرعية الشعبية والنضالية إلا لما ربط محمد الخامس مصيره مع مصير الحركة الوطنية من أجل الاستقلال وانخرط في النضال ضد الاستعمار، وهذا هو الذي يعطي الشرعية للملكية المغربية وليس لكونها لها 12 قرنا» يضيف اليازغي. وأشار أيضا إلى أن المغاربة لم يطالبوا بالديموقراطية في إطار الحماية واتفقوا على أن المشكل الدستوري لن يحل إلا بعد الاستقلال لأن أي حل في إطار الحماية يمكن أن يضعف المغرب ويرجع به إلى الوراء. ولما جاء الاستقلال سنة 1956 قال اليازغي فإن الحركة الوطنية لم تطرح على محمد الخامس المشكلة الدستورية، وبقي هناك دستور شفاهي يجعل الحكومة، برئاسة رئيس الحكومة، تدرس كل الأمور في المجلس الوزاري، وهذا الأخير هو الذي يشرع. وعند بداية الاستقلال ذكر عضو المجلس الوطني للحزب بأن هذه الفترة عرفت ظهور اتجاهين قويين، اتجاه يقوده ولي العهد آنذاك (الحسن الثاني) والذي كانت له قناعة بأن ما يحتاجه المغرب هو حكم قوي ويمكن أن يكون استبداديا لمواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وداخل الحركة الوطنية كان هناك اتجاه آخر يريد دولة وطنية ديموقراطية حديثة، الشيء الذي ولد صراعا استمر طيلة سنوات بين إرادة الحكم الاستبدادي وبين إرادة بناء دولة ديموقراطية حديثة تحت مراقبة ومساهمة الشعب. وتطرق إلى التوافقات التي تخللت تلك السنوات والمتمثلة أولا في قيام المجلس الوطني الاستشاري سنة 1956 والذي ترأسه المهدي بنبركة، وكان عبارة عن برلمان معين من الأحزاب والمركزيات النقابية ومن العلماء والشباب والطائفة اليهودية، وهو المجلس الذي ناقش وأعطى ما اختاره المغرب فيما بعد, خصوصا عدم الانحياز الذي اختاره المغرب في التعامل مع الجميع بحرية مطلقة ودون التقيد مع هذا الطرف أو ذاك، لكن هذا التوافق لم يدم لأنه في سنة 1959 حل هذا المجلس وألغي نظرا لأن تطوره كان سيؤدي إلى مراحل أخرى. التوافق الثاني يتمثل في حكومة عبد الله ابراهيم والتي اتفق بأنها ستهيئ الانتخابات القروية والبلدية، وهذه الانتخابات ستعطي التمثيلية للأحزاب، وآنذاك ستؤسس حكومة تمثيلية تأخذ بعين الاعتبار الخريطة السياسية التي ستبرزها الانتخابات المذكورة وتعد للانتخابات التشريعية التي ستعطي للبلاد برلمانا يمكن أن يقوم بصياغة دستور للبلاد، لكن ولي العهد آنذاك -يضيف محمد اليازغي- أقنع والده أن من الخطر على مشروعه (مشروع قيام حكم فردي) أن تستمر هذه الحكومة. لذلك حلت 9 أيام قبل الانتخابات البلدية والقروية وأسست حكومة أخرى. وذكر اليازغي بأن الاتحاد طرح في أبريل 1960 المجلس التأسيسي، وقال آنذاك «لا يمكن الخروج من هذه الوضعية إلا إذا اتخذنا مجلسا تأسيسيا يعطي للبلد دستورا لتبنى المؤسسات على أسس سليمة» لكن هذا المقترح - يقول عضو المجلس الوطني- لم يقبل. وأشار إلى أن أول دستور للمغرب تمت صياغته سنة 1962 من طرف أساتذة فرنسيين لجأ إليهم الملك الحسن الثاني لصياغته، وهو الدستور الذي رفضه الاتحاد واعتبره ممنوحا وقام بمقاطعته. ثم دستور سنة 1970 والذي حمل تراجعا كبيرا حتى على ما كان يعرفه دستور 1962 من إيجابيات، ودستور 1972 الذي شارك في صياغته عبد الرحيم بوعبيد إلى جانب علال الفاسي ومعهم احمد عصمان وادريس السلاوي ورضا اكديرة، وقد حمل بعض الايجابيات التي طرحت, خصوصا حول اختصاصات البرلمان والحكومة، لكن الحسن الثاني، وقبل أن تنهي اللجنة صياغة المشروع، أعلن عن الاستفتاء وبالتالي اضطر الاتحاد وحزب الاستقلال إلى التصويت بلا على هذا المشروع ورفضه» يضيف محمد اليازغي. كما ذكر بمذكرة الإصلاح الدستوري التي طرحها حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي في أكتوبر 1991 ومذكرات الكتلة الديموقراطية في سنة 1992 و1993، وهي مرحلة أدت إلى تعديلات في دستور سنة 1996 والتي -يقول محمد اليازغي- «في رأينا لم ترق إلى مستوى أن نصوت عليها، إلا أننا قررنا رغم بعض الخلافات أن نصوت بنعم على دستور 96 كإشارة قوية أن يدخل المغرب مرحلة أخرى وأن يتجاوز الوضعية التي عاشها». أما التوافق الثالث فيتعلق بقيام حكومة التناوب التوافقي سنة 1998 والتي قال عنها اليازغي بأنها «أدخلت المغرب في المرحلة التي نعيشها الآن بإيجابيات كثيرة في مجال اتساع مساحة الحريات وفي الإصلاحات الأساسية التي تمت لحد الآن في قانون الشغل وقانون الأسرة والميثاق الجديد للجماعات وقوانين مهمة تتعلق بالتجمهر والجمعيات وبالأحزاب السياسية وبالانتخابات وبالتغطية الصحية... وهي التي أدخلت المغرب في مرحلة الانتقال الديموقراطي الذي نعيشه الآن». هذا وتطرق عضو المجلس الوطني في مداخلته أيضا إلى المذكرة التي تقدم بها الاتحاد الاشتراكي للملك محمد السادس شهر ماي 2009 على أساس الإصلاح الدستوري، وقال في هذا الإطار بأن «ما عزز هذا المطلب هو ريح الحرية التي هبت على الأقطار العربية وخروج شباب 20 فبراير إلى الساحة وطرح قضايا الحرية وقضايا التغيير وقضايا الإصلاح... من خلال تظاهرات وجدت في البلد هياكل استقبال ايجابية من طرف الجميع بمن فيهم الملك». وأشار أيضا إلى خطاب 9 مارس وقال فيه بأنه «خطاب هام ربما سيجعل المغرب يدخل بكيفية جادة في إعطاء نفسه دستورا يبني الحاضر ويبني المستقبل بالخصوص» قبل أن يردف «صحيح أن الدستور ليس وثيقة سحرية ستجعلنا نعيش بشكل آخر، لكن من المحقق أنها هي التي ستبرز إصلاح الدولة الذي طالبنا به وطالب به الشباب الذي خرج يوم 20 فبراير». كما عرج في مداخلته على لجنة صياغة الدستور حيث قال انه «لأول مرة الملك يعين لجنة معروف أعضاؤها، وبالرغم من أنهم رجال القانون الدستوري وأغلبيتهم لامعين في ميدانهم إلا أنهم ليسوا على رأي واحد لأن مشاربهم مختلفة وذلك سيكون امتحانا كبيرا لهم لصياغة الوثيقة الدستورية» واسترسل قائلا: «ما أتمناه هو أن تشتغل اللجنة المعينة في أفق واعد وأن تأخذ بعين الاعتبار ضرورة أن يصبح للمغرب مؤسسات حقيقية وديموقراطية تجعل الشعب مصدر السلطات ومصدر السيادة، وتجعل من تلك المؤسسات أدوات للتطور الاقتصادي والاجتماعي، وتضمن الكرامة والعيش الكريم للمواطن وتضمن مساهمته في الاختيارات الأساسية وفي اختيار الأشخاص واختيار المناهج التي يجب أن نسير عليها، لأن في النهاية المواطن هو أساس كل بناء دستوري».