استولى بن على على الحكم بالحيلة والقهر. وبعد ذلك نظم شرطته وقضى على منافسيه. بعد ذلك اخترع وسائله الخاصة لكسب استحقاقات مزورة؛ ثم اعتقل، وسجن، وعذب كل من ناضل من أجل الحريات، وهتك حرمة البيوت على كل من اجتمع بأصدقائه. حاول تعميم الخوف بوسائل دولة إرهابية قام ببنائها يوما بعد يوم. ارتكب جرائم متعددة ومتنوعة: سرقة، نهب، تحويل رؤوس الأموال خارج الوطن، تعذيب، انتهاكات جسيمة للحقوق الإنسانية، وجرائم ضد هذه الأخيرة. انتهاكات لكل الحريات بما فيها حرية التدين... انتفض شعبه وقضى على حكمه. لاذ الديكتاتور بالفرار وتبعته عقيلته وعشيرته. ولكن إلى أين؟ الجواب: المملكة العربية السعودية. قبل هذا بسنين، كانت مآسي أوغندا المفجعة؛ اكتنفها اليوم النسيان، ولكنها في مستوى المآسي الإفريقية الأخرى المسكوت عنها اليوم: كونغو، روندا، جنوب وشمال السودان، ...الخ. طبعا، هناك فروقات واضحة بين الوضعيات: بين ما حصل في تونس وما حصل في روندا مثلا. بين ضحايا نزاعات جهوية وضحايا الإبادة في أوغندا ورواندا مثلا. ففي الحالتين الأخيرتين ظاهرة خاصة: هي أن طرفا، دولة أو مكونا كبيرا من الساكنة، حاول إبادة شريحة بكاملها، أو طالها بالعنف الهادف والمستمر. وهذه الحالة الأخيرة كانت هي حالة أوغندا. بطل تراجيدية أوغندا معروف: اسمه إدي أمين دادا. طبعا كان له أعوان وأنصار. ولكن الأهم هو استنتاج العبرة. أطلق العنان لوسائل القمع، فعانت البلاد: قُتِلت، اغتُصِبت، نُهِبت، أُرهِبت... لم يسلط زين الدين بن علي على الشعب التونسي بوليسه بنفس الطريقة، ولا كانت جرائم قوات قمعه بنفس الحجم أو الفظاعة. ولكنه سلطها على ذلك الشعب، ومن المحقق أن جرائم فضيعة ارتكبت. أطلق أيدي أمين دادا أيادي أبنائه، فأدلوا وغصبوا لإشباع نزواتهم لا غير. في هذه النقطة يجب أن لا ننسى الفروق الشاسعة، بين هذه الوضعية ووضعيات أخرى. لكن من المعروف أن صدام حسين أطلق أيادي قُصي وعُدي فتصرفا حسب أهوائهما في شؤون العراق، وها هم أبناء القذافي وبناته يتصرفون بنفس الطرق الدنيئة؛ وتصرفات عشيرة بن علي وعقيلته يعرفها العام والخاص، وهي من نفس القبيل. ونفس الشيء عرف عن حسني مبارك وعائلته. وإذا بحثنا قليلا سنعثر على تصرفات مماثلة، في بلدان الخليج وربما غيرها. على كل حال فالسؤال الذي يهمنا بالخصوص هو الآتي: أين ذهب إدي أمين دادا بعد فراره من أوغندا على إثر الإطاحة بنظامه؟ الجواب هو: إلى المملكة العربية السعودية. مثالان لمجرمين كبيرين ارتكبا أخطر الجرائم ثم احتضنتهما تلك المملكة التي تبنت المذهب الوهابي، وتتباهى بحماية الحرمين الشريفين. فهل من الحماية في شيء أن يسمح للمجرمين من العيار الدولي بجوار الحرمين؟ وهل يسمح بأن تصبح بحبحة الإسلام مقاما آمنا للمجرمين من رؤوساء الدول، لا لشيء إلا لكونهم يدينون بالإسلام؟ يتعين على علماء الإسلام والمفكرين المنتمين إلى البلاد الإسلامية أن يجيبوا بوضوح على هذا السؤال. ورأيي الشخصي أن سياسة المملكة العربية السعودية في هذا الشأن غير مقبولة. والمسطرة الناجعة هي أن يسلم المجرمون من رؤساء الدول الإسلامية إلى محكمة العدل الدولية. وإن قيل إن تلك المحكمة تخضع عمليا لتأثير قوي من طرف الكيانات الغربية، فذاك رأي صائب. ولكن الأصوب والحالة هاته، قد يكون في تسليم المجرمين إلى محاكم الشعوب المجني عليها، أو أن تقوم تلك الشعوب بتنظيم محكمة ذات مصداقية دولية، وتنصيبها لمحاكمتهم استنادا إلى مسطرة عادلة.