نظمت مجلة «أوال»، مساء أول أمس الثلاثاء، ندوة خصصتها لمقاربة «واقع ومآل الاعتقال السياسي» على ضوء العفو الملكي الأخير عن عدد من السجناء السياسيين. وتروم هذه الندوة، التي دعي للمشاركة فيها المعتقلون السياسيون السابقون ضمن خلية بلعيرج، الإجابة عن الاعتقال السياسي كنوع من العقاب والجزاء الذي يقع نتيجة «عمل سياسي» أو «رأي» لا يتوافق وصانعي القرار. وتساءل، الزميل يوسف ججيلي، الذي أدار الندوة، هل من الممكن أن يقطع المغرب، بعد تاريخ 9 مارس الماضي، مع هذا النوع من الاعتقال، الذي ينبني أساسا على تجريم من لا يوافقون رأي أصحاب القرار؟، وهل بإمكان المغرب أن يعمل على إيجاد آلية للتعبير عن الرأي والرأي الآخر في إطار ديمقراطي؟. وكانت الندوة مناسبة رصد خلالها الضيوف، عبر محورين، ملابسات اعتقالهم وظروف العقوبة السجنية التي قضوها وراء القضبان، كما كانت فرصة تابع خلالها الحاضرون روايتهم لتفاصيل الاعتقال والسجن حتى لا يتكرر ما حدث لهم في ظل عهد جديد. ومن جانبه قال محمد الفيزازي، إن وجوده في هذه الندوة يتحدث إلى الحضور، هو نموذج على «إزهاق الباطل»، مطالبا بضرورة بدل مزيد من الجهود لأجل «أن يزهق باطل آخر يتخذ صورا أخرى يلحق سجناء آخرين لم يعرفوا للعفو طريقا». واستعاد محمد الفيزازي ظروف اعتقاله، ليلة 28 ماي 2003 بعد صلاة العشاء بمسجد الداخلة بطنجة، واعتبر ما لحقه اختطافا وليس سجنا، وأكد الفيزازي أنه إحقاقا للحق، لم يتعرض للتعذيب الجسدي، بل نال من التعذيب النفسي ألوانا وأشكالا. واستدرك محمد الفيزازي، مطالبا بفتح تحقيق في ما طاله من تفتيش مشين، حين جرد في 31 ماي 2003 بسجن الزاكي بسلا من ثيابه كما ولدته أمه، وفتش ملمتر امربعا تلو الآخر في كامل جسده. واعتبر محمد الفيزازي أن الإفراج عنه فرحة لم تكتمل، لأنه في سجون الظلم والظلام مازال يقبع العديد من السجناء، ويجب تضافر الجهود من أجل الإفراج عنهم. وقال محمد الفيزازي إن الإفراج عنه لم يكن عفوا بقدر ما هو تصحيح لخطأ فادح، مشيرا إلى أنه كاتب جلالة الملك محمد السادس، وطلب من جلالته إنصافة، قائلا «لقد أنصفني الملك»، بالإضافة إلى عوامل شتى من بينها «بعض المخلصين في الأجهزة الأمنية وكذلك الحركة التغييرية، التي يعيشها العالم العربي». وقال «كيف يكون شعوري وأنا أغادر السجن في الوقت الذي يدخله الرئيس المصري السابق حسني مبارك؟»، مؤكدا أنه مدين للبوعزيزي أيضا ولحركة 20 فبراير. وأشار إلى حوار كان قد أجراه جلالة الملك محمد السادس مع يومية «إلباييس» الإسبانبة، أوضح فيه ما مفاده أن ملف بلعيرج يعرف تجاوزات. وشدد محمد الفيزازي على أنه لم يتم تفتيش بيته والعثور على أي شيء في حوزته، واستعاد مع الحضور حواره مع يومية «الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أنه حوار كان مبنيا على ثلاثة محاور: الأول، التنديد بالعمليات الإرهابية التي عرفها المغرب سنة 16 ماي 2003، والثاني عدم التبرير والتسويغ بإلصاق الفعل بأحياء معينة، وثالثا التفسير، الذي لحقه بعض من التأخير والتقديم في عباراته والقطع في الكلام، وأنه تم التعامل مع الحوار بمبدأ الوقوف عند «ويل للمصلين». وأشار محمد الفيزازي إلى مقال في صحيفة مستقلة تقدم بالوثائق الفاعلين الحقيقيين للأحداث 16 ماي، وقال إذا ما كان كاتب هذا المقال كاذبا، فيجب محاسبة الصحفي الذي أنجزه، أما إذا ما كان ما تضمنه من معطيات حقيقية فعلى الدولة أن تفتح تحقيقا من أجل الزج بالفاعلين الحقيقيين في السجن، والذين تركنا لهم مكانا فيه في سبيل الله. وحول المراجعات الفكرية، تساءل محمد الفيزازي كيف يطلب منه من بين 33 مليون نسمة في المغرب أن يراجع أفكاره، وتساءل هل الشيوعيون راجعوا أفكارهم؟. وقال محمد الفيزازي، إنه لا عيب في أن يراجع المرء أفكاره، مؤكدا أن تجربته في السجن جعلته يفعل ذلك. وقال «كنت قاسيا على علماء السعودية وتراحعت عن هذا، وكنت قاسيا على حزب العدالة والتنمية وتراجعت عن هذا، وكنت مع النيل من الاشتراكيين، وقد تراجعت عن هذا، وسأبقى قاسيا إلى يوم الدين على الاستئصال والاستئصاليين. واغتنم محمد الفيزازي الفرصة لكي يؤكد على براءة حسن الكتاني، وأبا حفص، وعمر الحدوشي، وأشار إلى أنه ثمة آلاف من السجناء في الحق العام أيضا، إسوة بسجناء الرأي، يعانون من فساد القضاء، والمحسوبية والزبونية. وقال هل حاور السلفيون أحد داخل السجون، متسائلا أين هم علماء الدولة، الذين لم يتحركوا، ولم يشاركوا في الحوار الجاري حول الإصلاحات الدستورية، كما أنه ليس هناك في هذه الدولة علماء. ومن جانبه اعتبر مصطفى المعتصم أن انعقاد هذه الندوة هو خطوة في مسار الانخراط في الحوار الوطني القائم الآن في المغرب. وقال إن الإفراج عنه هو تصحيح ملكي لحماقة ارتكبها مسؤولون لم يكونوا في مستوى مسؤوليتهم، وقال كلما ارتكبت حماقات إلا وأتى ملك البلاد لتصحيحها، وتساءل في الآن ذاته، كيف لمغربي متهم بالإرهاب وإدخال السلاح إلى البلاد يجلس الآن في فندق بخمسة نجوم يتحدث عن تجربته، واصفا الأمر بكونه كما «انتقال من السجن إلى القصر». وقال مصطفى المعتصم إن الإفراج عنه يعود الفضل فيه إلى الحراك الذي يعيشه المغرب والساحة العربية، وكذلك شباب 20 فبراير. وأكد مصطفى المعتصم أنه لو كان من حملة السلاح، فلم يكن من قبل الدولة إلا أن تفعل ما تريد به في إطار حقوق الإنسان، وهي الدولة التي من حقها ممارسة العنف المشروع. واعتبر مصطفى المعتصم، الذي اعتذر عن ذكر أسماء متورطة في قضيتهم أساؤوا لهم، مؤكدا أن فعل هذا هو إدانة مسبقة لهم، غير أنه طالب بفتح تحقيق في الذي جرى بخصوص قضية بلعيرج. وأشار مصطفى المعتصم إلى أن ماحدث كان مرتبا سياسيا، من قبل البعض من الذين يرون أن الأخذ بزمام الأمور لا يمر إلا عبر التحكم في الإعلام أو تصفية الليبيرايين النظفاء ومحاربة كل ماهو إسلامي، وكان «البديل الحضاري» الحلقة الأضعف في هذه الصراعات، كما حدث مع بعض جمعيات المجتمع المدني وبعض الأحزاب. وقال مصطفى المعتصم إنه حين الحديث عن المراجعة الفكرية سوف يطالب علماء الدولة بمراجعة فكرهم، لأنهم ليسوا علماء زماننا. وأشار في السياق ذاته، إلى أن «البديل الحضاري» أتى بأسلوب جديد للتأقلم مع المجتمع وبخطاب ديني جديد، معتبرا أن الفكرة كانت خلق حزب لإسلاميين ديمقراطيين، يتقاسمون المشترك من المبادئ والقيم مع العديد من الأحزاب. وقدم نماذج أمريكا اللاتينية من قبيل «لاهوت التحرير» المزاوجة بين الديمقراطية وتحرير الإنسان المسيحي. وقال مصطفى المعتصم إنه كمواطن مغربي يحب بلده، يريد أن يجنب بلده أي خطر، مما جعله يخبر حينها أحمد حرزني سنة 2000 بوجود سلاح. أما عبد الحفيظ السريتي، فقال إن ما حدث وما تم تداوله الآن كان رواية رسمية لقضية بلعيرج ولأحداثها، وطلب من الصحفيين تصديقها، مؤكدا أنها رواية سقطت «صحتها» في اليوم الأول. وأشار إلى أن العفو هو تنقية للأجواء، وأن الإفراج عنه هو انتصار للمغرب. وكشف أنه لم يكن ثمة اتصال في ما بينهم كمعتقلين في السجن إلا لماما، ونفى أنهم كانوا على اتصال بأي مسؤول رسمي، اللهم يوم الإفراج، وأوضح أن اللقاءات الوحيدة كانت مع الجمعيات الحقوقية. في حين تحدث ماء العينين العبادلة، عن مكر التاريخ، مشيرا إلى تزامن تصريح وزير الداخلية السابق شكيب بنموسى بخصوص خلية بلعيرج في 20 فبراير 2008، تزامن مع حركة 20 فبراير، حيث رفع طلائع من شباب 20 فبراير صورا وشعارات تنادي بالإفراج عن المعتقلين السياسيين في قضية بلعيرج، ويطالبون بمعاقبة رموز الفساد، واعتبر أن ما حدث هو تصحيح لمسار ولاختلالات سياسية ونوع من الاستدارك وإن كان ليس بالصيغة التي نريد.. فمازال هناك معتقلون آخرون في غياهب السجون. وقال العبادلة لقد استبشرنا خيرا بالعهد الجديد، وفي الوقت الذي بدأنا نشاهد فيه انفراجا سياسيا في سماء المغرب تلبدت بغيوم ذات الطبيعة أمنية خاصة بعد أحداث 16 ماي 2003 وتحدث عن محاكمته، وقال إن أحد الضباط قد أسر له في قبو المحكمة أن قضيتهم قضية سياسية، وأن الأمر مرتبط بحزب سيرى النور قريبا. وطالب العبادلة برد الاعتبار له لما لحق والده الشخ ماء العينين من أذى لفظي من قبل المحققين، الذين مسوا، في ذات الآن، شرف والدته وعرض والده، مطالبا بفتح تحقيق في هذه النازلة. أما محمد ظريف، فقد أشار إلى أنه بناء على المعطيات المتوفرة منذ اندلاع هذه القضية تؤكد أن كل هؤلاء المعتقلين السياسيين بريئون، مؤكدا أن ملف قضية بلعيرج ملف ذو طبيعة سياسية، متسائلا في الآن ذاته، هل الاعتقال كان مقصودا أم هو نتيجة توظيف من جهة معينة في مربع صانعي القرار مما دفعهم إلى فبركته؟. وأوضح محمد ظريف أن ما عاشه المغرب غداة أحداث 09 شتنبر 2001 جعل منه نقطة بداية تشكل نخب سياسية وأمنية.. تتصارع داخل مربع القرار من أجل الهيمنة على الوضع، مضيفا أن من بين المعطيات الأمنية الحاضرة آنذاك كان التخوف من تنامي المد السلفي في ظل بروز بلادن، وأيضا ما كانت تتحدث عنه تقارير أمنية عن انتشار المد الوهابي. وأوضح أنه بخصوص، قضية بلعيرج ظل القضاء رهينة لرواية الأمن، كما أن القضية عرفت توظيفا سياسيا من قبل نخب سياسية وأخرى وصفها بالاستئصالية، وقال إنه في تلك الفترة كان المستهدف من القضية هو حزب العدالة والتنمية، كما أنه تم توظيف أنصار المهدي وحالة العود وقضية بلعيرج لأجل إيصال رسالة أنه لا ثقة في المفرج عنهم من الإسلاميين، وكذلك توجيه رسالة إلى أمريكا تؤكد أن المغرب منخرط في جهود وقف المد الشيعي القادم من إيران. وبخصوص مسألة المراجعات الفكرية، قال محمد ظريف إنها أسلوب تقدمه الأجهزة الأمنية كبديل لعدم تحمل مسؤليتها، مضيفا أن المغرب يشكل حالة خاصة، ولا يشبه النموذج المصري، أو السعودي، أو الليبي، مؤكدا أنه يجب على السلطات أن تراجع موقفها من الاسلاميين، متسائلا لماذا كما في الدول الأوربية « الإسلام يصبح دائما مطالبا بالتأقلم مع الديمقراطية». ومن جانبه أشار محمد الأمين الركالة، إلى تصريح سابق لحميد لعنيكري، المدير العام للأمن الوطني السابق، الذي أكد في حوار صحفي أنه سيعمل على التصدي لأي اكتساح إسلامي للانتخابات. واعتبر الركالة أن ذلك كانت رسالة موجهة إلى الدوائر العليا في البلاد لأجل الإيهام بأن ثمة خطر إسلامي يحدق بالمغرب وتقديم معطيات لعبت دورا في الحد من الانتقال الديمقراطي، مؤكدا في ذات الآن، أن المستهدف في الدرجة الأولى كان هو حزب العدالة والتنمية، وأيضا ظهور حزب جديد هو «البديل الحضاري» بخطاب جديد ومخالف للخطاب الديني القائم.