يساق رؤساء الجماعات والبلديات إلى المحاكم مثل رجال العصابات. ويصفق الناس في المدن والقرى كلما دخل رئيس جماعة إلى القفص وينتظرون أن يتبعه أمثاله. طبعا، يكتشف المواطنون، المساكين، أنهم لم ينتخبوا رجال سياسة وعمل تطوعي، بل انتخبوا لصوصا. ولعل ذلك من حسنات الديموقراطية المغربية، إذ أنه لكي تصبح لصا محترما إلى حين، لابد أن تمر من صناديق الاقتراع. وهي ميزة ستوافقوني القول أنها لا توجد في كل المجتمعات. كل اللصوص يختبئون ليسرقوا إلا لصوص المال العام الجماعي، فإنهم يتقدمون إلى الانتخابات ويقومون بحملة شعارها المستتر «انتخبوا لصا محترما، لصا يقوم بمهمته في إطار ... الدستور.» كدت أقول لصا دستوريا محترما. لكن المثير حقا هو أن هذا السيل لا يمس الأوصياء على اللصوص! لحد الساعة لم نر أي عامل أو وال يساق مع لصوصه الأوصياء. ولا يمكن أن يكون الذي يتولى 10 %، على أكثر تقدير من الماليات العمومية، كما هو حال المنتخبين، لصا، لا يكون الذي يتولى الباقي ملاكا. كان من المفيد أن يصل التحقيق، الذي تقوم به اللجنة الداخلية المكلفة، إلى الذين يتولون الوصاية. ولا أحد يمكنه أن يتوصل إلى أن تلك اللصوصية تتم بدون مساعدة من «أطباء» الوصاية. وسنكون بالفعل في مستوى التخليق العام، إذا ما سقط وال مثلا أو عامل في قبضة العدالة، بعد أن تكون اللجن المكلفة، أو الشرطة الداخلية، كما يقال في المغرب، قد قامت بضبطه ويده في الحقيبة، أو الشاكوش. طبعا، لا نريد أن تكون العدالة جبرية، وأن يسقط إجباريا رجل سلطة. ولكن نحن نرى كيف أن رجال سلطة بعينهم يغتنون حد الفضيحة، وأنهم يغتنون حدا لا يطاق حتى من طرف اللصوص الموصى عليهم! هناك المنتخب اللص، ولكن في الوقت ذاته عون ...گاميلة ! كل ما يتم في أقصى تقدير هو .. الاقالة ... اليوم تطرح قضية الولاة والعمال على طاولة الإصلاح، ولابد أن يتم ذلك بنص دستوري وقانوني وعلني على ألا يتم التعيين بالوساطات وخلق الأتباع والزبائن الإداريين الذين يريدون النعمة على رأس كل .. انتخابات. ووقتها «في ما ضربتي الاقتراع يسيل دمو»!. ولا شك أنه عندما سيتم التعيين بناء على أساس المسؤولية السياسية لرئيس الحكومة المقبل، فإن الآلة ستشتغل جيدا، وأن الكثير من الأيادي الوسخة ستصل إلى مصبنة العدل والقضاء. ولعل هذا وحده سبب معقول لكي يتم إسناد تعيين الولاة والعمال إلى الوزير الأول ورئيس الحكومة الحزبي. نريد بالفعل ألا يقف القضاء عند عتبة أبواب الولاة والعمال. اليوم نرى في عمال بعينهم أدوات سياسية لأحزاب معينة. ليكن ذلك دستوريا ومتفقا عليه. لماذا يحرص بعض السياسيين على أن يتم ذلك من وراء حجاب وباسم الفصل 19، وفي الحقيقة أن التعيينات تتم في المكاتب السياسية لبعص الأحزاب بعينها؟ في سلك السلطة أناس شرفاء للغاية، ويلقنون دروسا لبعض السياسيين من حيث النزاهة والوطنية والصدق المغربي، يجب أن تكون لهم المكانة التي يستحقونها ولا يكونون تحت أي سيف، أو أية تقلبات سياسية مقصودة أو غير مقصودة. العمال والولاة اليوم موضوع سياسي بامتياز، لأنهم الدولة في مستوياتها المباشرة مع الناس ومع الهيئات والتعبيرات المدنية، ومع اليومي المتحرك للمغاربة، ولا يمكن أن يظلوا حكرا على القرابات السياسية مع الدولة. والمطلوب أيضا أن يوضع تحت مجهر الرقابة، وذلك بربط السلطة وممارستها بالمسؤولية السياسية، وذلك هو الكفيل بأن يجعل المغاربة سادة قراراتهم، ويواصلون الطريق التي دشنوها منذ عقد من الزمن. لقد رأينا كيف أن الأعشاب الضارة تنبت في ظل الدوحة الوارفة، ولا يمكن ألا تدخل شمس الرقابة إلى الظلال الوارفة.