يرى أستاذ العلوم السياسية وعضو المعهد الجامعي الفرنسي,جيل كيبل, أن تخلي زعماء القبائل الكبرى على القذافي هو السبيل الوحيد لضمان نجاح العملية العسكرية التي تقوم بها قوات التحالف ضد قوات القذافي. كما اعتبر أن الثورات العربية في هذه المرحلة ليست سوى البداية، إذ أن العواقب التي يمكن أن تخلفها هذه الثورات العربية قد تنعكس على محيطها من قبيل تأثر إمدادات النفط والهجرة والعلاقات مع اسرائيل، وهو الأمر الذي لم يتم تسجيله بعد. ويضيف الخبير الفرنسي في الشؤون العربية أن الجانب المظلم من هذه الثورات هي أنها جاءت في أعقاب عقود من القمع، مما حال دون تشكيل نخبة بديلة. إذ ليس هناك منشقون خارجون من السجن، كما كان عليه الحال في أوربا الشرقية. وفي ما يلي الترجمة الكاملة للحوار: } ألا تعتقدون أن التدخل الغربي في ليبيا يغير من معطى «الربيع العربي»؟ تدخل التحالف العسكري في ليبيا يروم تحييد قدرات التحرك العسكري لجيش القذافي، والعمل في نفس الآن على جعل هياكل السلطة الليبية تساهم في ذلك بنفسها، كما كان عليه الحال في تونس ومصر. لكن المشكل يكمن في أن ليبيا، على عكس تونس ومصر، ليست بلدا مؤسساتيا بشكل كبير، كما أنه ليس ثمة رئيس للقيادة العامة للجيش، بحيث يمكن الاعتماد عليه من أجل دفع الجنود إلى الوقوف في صف الشعب ضد الرئيس. وتخلي زعماء القبائل الكبرى على القذافي هو السبيل الوحيد لضمان نجاح هذه العملية، لذلك ينبغي أن يقتنع أولئك الزعماء بأن القذافي وعائلته غير مرغوب فيهم في العالم. } ما هو البلد الذي تعتقون أنه سيكون التالي ضمن قائمة الدول العربية التي تشهد ثورة شعبية ناجحة؟ اليمن أم سوريا؟ اليمن هو مزيج من الحضارة المدنية والشبكات القبلية، وهو في منزلة بين النموذجين المصري والليبي، إن صح التعبير. الاحتجاجات في صنعاء وعدن تأخذ أشكالا متعددة لميدان التحرير (لا يزال ثمة شيء من هذا الاسم في صنعاء) ، ولكن مفتاح التوازن العسكري لا يزال في أيدي زعماء القبائل الذين لم يتغيروا بعد. ويشكل الوضع في اليمن، كما هو الحال في البحرين، مصدر قلق للمملكة العربية السعودية التي تجاور البلدين، والتي تظل هشة رغم كونها أحد عمالقة النفط في العالم- وهو ما قد يفسر إسراع الدول المستوردة للنفط لدعم التحولات التي يمكن أن تهدد توصلها بحاجياتها اليومية من النفط. نحن هنا في قلب التناقضات التي تعرفها الثورات العربية في ارتباطها مع عائدات النفط، مما قد يشكل خطرا على المستقبل. بالنسبة لسوريا، والتي تعتقد أنها محمية بحكم دورها البطولي في المقاومة العربية ضد إسرائيل، فإن الأحداث التي شهدتها درعا وتداعياتها اللاحقة مؤشرات على أن التطلعات من أجل التغيير قد تخرج عن إطارها وتأخذ لباس المقدس في إطار الصراع مع الدولة العبرية. أما في ايران وحلفائها، بما في ذلك حماس، والذين يجدون أنفسهم في موقف غير مريح أمام المطالب الديمقراطية التي ترتفع الأصوات المنادية بها، فإنها تجد في استمرار الجبهة السورية مصلحة لها. أما الصقور الإسرائيليون، فإنهم يحاولون تجنب مواجهة احتمال قيام دولة فلسطينية معترف بها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة شهر شتنبر المقبل، وذلك من خلال تصوير الفلسطينيين كشركاء غير موثوق بهم ويحرضون دوما على العنف. إن إحياء الصراع المسلح، واستئناف الأنشطة الإرهابية لا يخدم مصالح الأنظمة الصديقة، بل ويعادي تطلعات المجتمعات المدنية. } ما هي الدروس الأولية التي يمكن استخلاصها من الأسابيع التي مرت من «الربيع العربي»؟ الثورات العربية في هذه المرحلة ليست سوى البداية. ومن بين العواقب التي يمكن أن تنعكس على بيئتها من قبيل تأثر إمدادات النفط والهجرة والعلاقات مع اسرائيل لم تحدث بعد. ومع ذلك ، فقد بات من الممكن القول إننا ندخل فعلا مرحلة جديدة، والتي تنتهي في عملية بدأت بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر. فالحركة الإسلامية التي تتخذ مسارا أكثر راديكالية وتوجد على الهامش تخسر اللعبة، على عكس تلك التي حولت «المشاركة» في الحياة السياسية والاندماج في المجتمع، حيث أصبحت قادرة على التأقلم مع الواقع الديمقراطي، كحركة الإخوان المسلمين في مصر، والتي أصبحت قوة سياسية أكثر تنظيما وتعتمد على شبكة واسعة من الجمعيات. (على العكس من أولئك الذين يعملون في المقاومة المسلحة أو بعض الجماعات الإسلامية المسلحة كتنظيم القاعدة]. لكن المثير للاهتمام ما نلاحظه في الآونة الأخيرة، حيث أن هناك من يتكلم عن «الثورة الشعبية»، في حين أنهم يسعون فقط وراء جني ثمار مبادرة لم يكونوا سباقين للمشاركة فيها. والواضح أن هذين التوجهين هما اللذان قسما الحركة الاسلامية في العالم العربي منذ خوض الإسلاميين في الجزائر لصراعهم مع الحكومة الجزائرية خلال سنوات التسعينات من القرن الماضي. ولقد أعطت هجمات الحادي عشر من شتنبر دفعة قوية للمتطرفين الذين ظلوا على قمة الأجندات الدولية طيلة عقد من الزمن. غير أن الواقع أثبت أن نموذج الشهيد لم يكن وسيلة كافية لتعبئة الجماهير من أجل دعم تلك الحركات. ومع ذلك، فإن الأجواء التي سادت في العالم في أعقاب أحداث الحادي عشر من شتنبر منحت مهلة أطول للأنظمة الاستبدادية التي قدمت نفسها على أنها الحصن الوحيد ضد تنظيم القاعدة. لقد أضحت ذريعة القاعدة قديمة ومتهالكة، وحان وقت تجربة اختبارات أخرى. } ما هي العوامل التي أيقظت تلك الرغبة في الديمقراطية في هذه البلدان؟ الوضعية التركية هي أحد تلك العوامل. فالبرجوازية الصغيرة التقية، التي تشكل الأساس الاجتماعي لحزب العدالة والتنمية في هذا البلد أظهرت أنها نجحت في إبعاد الجيش. النظام في أنقرة نتاج لتحالف بين الطبقة الوسطى، والتي تنمو بشكل متزايد، والطبقة البرجوازية في اسطنبول. ولكن علينا أن نكون حذرين من أن يتم استقطاب هذا الحزب الإسلامي من طرف إيران. التهديد النووي الايراني لا يزال محدقا بتركيا هي الأخرى، وحزب العدالة والتنمية يوجد في مفترق الطرق بين اتجاهات متضاربة أو الراديكالية العلمانية. وباختصار، فالوضع التركي يكشف أن لمسيرة الديمقراطية منطقها، والذي قد تتعارض مع فكر الإخوان المسلمين المعتاد. وبوجه أعم، فنحن أمام تحول للبرنامج السياسي للمجتمعات العربية. فالإسلاميون فشلوا في السيطرة على الشعارات التي تم ترديدها من الانتفاضة الحالية. وهذا اختلاف مهم مقارنة مع الثورة الإيرانية قبل ثلاثين عاما. في ذلك الوقت، نجح آية الله الخميني في فرض إطاره البلاغي واللغوي للثورة ضد الشاه من أجل الإطاحة به. في المقابل، فشل الإسلاميون «التشاركيون» المصريون في دعم مواقفهم الخاصة في خضم الأحداث الجارية، رغم أن الشيعة في البحرين رفعوا شعارات «حقوق الإنسان» والديمقراطية. وإذا كان هناك فشل في الدبلوماسية لدينا، فذلك يعود لفشلنا في إدراك الجانب المستقل والكوني لتلك الحركات الثورية في البلدان العربية. حتى أن البعض لم يدرك بعد أن ثورة من ذلك القبيل قد تقوم في بلد عربي أو مسلم. } هل يشكل هذا «التغيير في البرامج» ميزة لكل الثورات القائمة في الدول العربية؟ بالطبع، يجب أن نأخذ في الاعتبار أيضا الأوضاع المحلية. ومما لا شك فيه أيضا أن الكلمات المرددة في تلك البلدان متشابهة، رغم أن تركيبتها تتغير من بلد لآخر. فهذه الحركة رأت النور في تونس، في مجتمع مختلط ثقافيا ويتميز بالتقارب بين الطبقات التي تعيش في المدن والشباب الفقير. وإن كان ثمة تدخل للدول الغربية في ليبيا، فإن مرد ذلك لوجود فارق كبير بين مناطق ليبيا، وعدم وجود توزيع متكافئ لعائدات النفط بينها. وفي المقابل، فإن الظاهرة الشائعة في جميع هذه البلدان هو انتشار الاستخبارات الأمنية. وفي هذا الصدد، يتساءل المرء كيف أن النظم الاستبدادية والبوليسية تراجعت على حين غرة قبل الانتفاضة. الجواب بسيط. فتلك الأنظمة لم تر جيل التغيير وهو قادم عبر مواقع إلكترونية ك «تويتر. } هل يمكن أن نتخوف من وقوع انتكاسات في ليبيا، أم أن الأمر سيسفر عن تسجيل بعض التقدم؟ وهل تكفي التعبئة الجماهيرية عبر مواقع كفيسبوك وتويتر من أجل وضع أسس الديمقراطية؟ الجانب المظلم من هذه الثورات هي أنها جاءت في أعقاب عقود من القمع، مما حال دون تشكيل نخبة بديلة. ليس هناك منشقون خارجون من السجن، كما كان عليه الحال في أوربا الشرقية. ويجب علينا تجنب منح اهتمام عظيم للشبكات الاجتماعية التي تشكلت عبر الإنترنت. أما بالنسبة للقنوات التلفزيونية، والتي قد تصرفت كما نعلم، فلديها قيود تحد من دورها. ولقد تم انتقاد قناة الجزيرة لموقفها من الأحداث التي شهدتها البحرين والمملكة العربية السعودية وموقفها من حماس على المحك. وهاهي تواجه منافسة شديدة أمام ظهور قنوات جديدة في مصر، كما أن تحرر وسائل الإعلام المصرية بدأ في التخفيف من ذلك الضغط الذي كانت تفرضه القناة القطرية. أما المعارضون في المنفى فهم يفتقدون في الغالب للخبرة السياسية. فالمجلس الأعلى للقوات المسلحة هو الذي حل بديلا في مصر بعد رحيل حسني مبارك، على عكس ما حدث منذ عهد عبد الناصر والسادات. كما أن القوى الجديدة لا تحظى بدعم من طرف أية مؤسسة. ينبغي على النخب السياسية الناشئة أن تخرج من العالم الافتراضي إلى الواقع. } ما هي العواقب التي يمكن أن تترتب عن تلك الأحداث على مستوى الصراع العربي? الإسرائيلي؟ لقد ظل الرأي السائد في إسرائيل يقول إن من مصلحة الدولة العبرية أن تتعامل مع أنظمة مستبدة، بدلا من الأنظمة الديمقراطية. لكن أمام النتائج المسجلة في الوقت الراهن، يمكن التشكيك في تلك الأطروحة. فالتعامل مع الأنظمة المستبدة لم يفد سوى في جعل تلك الدولة تعيش خلف سور وبشكل منقطع مع باقي دول المنطقة. عن «لوموند»