إن كل من تقوده الظروف للقيام بعمل ما بالمحكمة الابتدائية بمدينة برشيد لا ينفك أن يخرج منها ساخطا على وزارة العدل كمؤسسة عمومية وليس على الوزير كشخص نظرا لما سيعاينه من استمرار لسياسة البناء / الترقاع الذي تعرفه منذ ثلاث سنوات والذي كان قد توقف لمدة تحول معها المحكمة الى خراب تغمره الرياح المحملة بالأتربة والروائح الكريهة صيفا، وبالوحل والامطار شتاء حيث تتحول أرضية المحكمة الى برك عليك الاحتياط لعدم الوقوع فيها كما حدث للبعض. فعوض أن تبني الوزارة أولا مكاتب راقية للقضاة بنوعيها وكتاب وكاتبات الضبط، فإنها تركت العنصر البشري المنتج الذي يستحق التكريم والاعتناء وتهييء ظروف مريحة للعمل، تركته في مكاتب معرضة للرياح والبرودة مكاتب على شكل حجرات صغيرة يكدس في كل واحدة منها ثلاثة بالنسبة للقضاة وأربعة وما فوق بالنسبة للموظفين، بل فيها مكاتب يصعب على الكتاب والكاتبات استقبال المحامين ومدهم بالإجراءات فبالأحرى استقبال المواطنين طيلة الاسبوع وخاصة يوم الجمعة. وقد صادفت جولتنا يوم الجمعة 2011-3-11 حيث طفنا بالمحكمة التي كان العون الذي فتحها قد جاء بالضبط مع الساعة الثامنة وخمس دقائق قبل أن يبدأ الموظفون في الوصول فرادى ومثنى وثلاث، وكان عمال البناء قد بدأوا عملهم قبل ذلك بخمس دقائق ليدخل القضاة للجلسات الجنحية بالقاعة 1 وملفات حوادث السير بالقاعة 2 والقضايا العقارية بالقاعة 3 إذ انطلقت الجلسات على الساعة التاسعة بالضبط لكن مع الأسف في قاعات لا أبواب لها تقي من البرد، وعلى جدرانها آثار البرودة ومياه الامطار، قاعات شعرت أنني وسط ثلاجة فمابالك والقضاة والمحامون وعموم المتقاضين. إضافة الى ذلك فإن الصداع الناتج عن استمرار الترقاع بجنبات القاعات والدروج المؤدية لمدخل المحكمة كانت تعرقل عمل القضاة بالجلسات الثلاثة حيث يضطر الرئيس لرفع صوته عند الإعلان عن رقم الملف وأسماء الاطراف، والدفاع الذي ينوب عنهم. لا أشك أن الوزارة قد تكون توصلت بتقارير عن وضعية المحكمة الابتدائية جناح النيابة العامة وجناح الرئاسة يجعل المتقاضين وذويهم لا يشعرون أنهم فعلا داخل محكمة بما يليق لها ولطاقهما القضائي والاداري من احترام وتقدير، وهذا منطلق بعض التصرفات وبعض الإشاعات التي تسيء للسلطة القضائية الحامية للحريات والحافظة للحقوق والحاكمة بالمستحقات طبقا للقانون وتحت رقابة الله سبحانه وتعالى وراحة الضمير. لقد جلسنا وقتا أكثر بالقاعة رقم 3 حيث عاينا معاناة الهيئة القضائية التي يترأسها الاستاذ أخديم، المحرومة من عون الجلسة إذ كان أعضاؤها يمررون الملفات فيما بينهم للرئيس، وكان أحدهم الأقرب لكاتب الضبط الذي اقترب منهم أكثر من اللازم يمدهاه لكاتب الجلسة وفي حالات كثيرة نظرا لكبر حجم الملف المتضمن لوثائق كثيرة، كان الرئيس يطلب من أحد المحامين (كلهم شبان متفهوم لظروف عمل الهيئة). حمل الملف من أمامه ووضعه بالقرب من كاتب الجلسة. وقد سير الاستاذ أخديم الجلسة التي كان بها حوالي الى مائة 100 ملف بكل أريحية، متعاملا مع المحامين بروح رياضية (أرجنتينية) عالية وفي آخر الجلسة تطوعت شخصيا وشابين آخرين كنا آخر من بقي بالجلسة لحمل الملفات حوالي 100 حتى المكتب العقاري لكون كاتب الجلسة كان يعاني من ألم في رجله ولعدم توفر الهيئة على عون وبمجرد وصوله للمكتب شرع كاتب الجلسة في استقبال بعض المتقاضين لمعرفة مآل ملفاتهم. عند انتهاء جولتنا انصرفنا دون أن نسجل أي سوء معاملة مع المتقاضين بالقسمين التابع للرئاسة وللنيابة العامة.