يستلزم كل إصلاح وكل تجديد التفكير أولا في أدوات الإصلاح والتجديد، وافتراض معادلة مظاهر التقدم في مجال التربية العريق ومظاهر التطور في ميادين الخلق والابتكار والإنتاج، هي معادلة أصبحت من الأمور الصحيحة، وقبل الخوض في المستويين السابقين يفترض بي أن أتوقف باختصار عند مفهومي الكتاب المدرسي والوسيط الالكتروني. يرى البعض أن الكتاب المدرسي وسيلة مساعدة للتعليم والتعلم، يقصد بها أن تستعمل، بجانب معينات أخرى، قد لا توصف بأنها كتب على الإطلاق. وتعرف الكتب المدرسية بأنها الكتب الموجهة لخدمة مقررات دراسية معينة حيث تشتمل هذه الكتب على الحقائق الأساسية التي استقرت في مجالاتها لتكون ما يسمى برصيد المعرفة في هذه المجالات. والهدف من هذه الكتب تعليمي في المقام الأول، ومن ثم فإنها بالإضافة إلى تفاوت مستويات المعالجة فإنها تتناسب ومستويات الدارسين تتسم بالانتقاء بحيث يركز كل كتاب على وحدات موضوعية معينة يغطيها منهج دراسي معين. أما الوسائط أو الواسطة لغويا فما يتوسط طرفين تفصل بينهما مسافة، واصطلاحا، فالواسطة (وسطاء) لفظ يستعمل لغير العاقل في حين أن الوسيط (وسطاء) لفظ يستعمل مع العاقل. والاتصال البيداغوجي بين المعلم والمتعلم يستلزم وجود واسطة، هذه الأخيرة التي يمكن أن تكون معنوية أو حسية أو حسية معنوية. أما الصفة «الكتروني» فتخص في هذا السياق في صيغ الكتاب المنهجي السمعية البصرية الخاضعة للبرمجة الالكترونية كالكاسيطات السمعية وحقائب التعلم والشرائح المسموعة وأفلام الفيديو... انطلاقا من هذه المحددات يمكن فرز مفاهيم عملية وتربوية تنطبق على الكتاب المقرر، كما تنطبق بنفس القدر على الواسطة الالكترونية، فالمادة واحدة و يقع الاختلاف بينهما في التناول والشكل لا غير. وفي المغرب تداخلت الحقوق المرجعية وتباينت الخطابات المؤطرة لقضية تجديد الخطاب والممارسة معا في المنظومة التربوية، وبرزت من ثم مسألة مراجعة الكتب المدرسية بالإعلان عن فلسفة جديدة للتأليف المدرسي بالميثاق الوطني للتربية والتكوين ، كما طرحت بالكتاب الأبيض الخاص بمراجعة المناهج التربوية. ومعنى ذلك أن تجديد المنظومة يقع في صلب اشكالية التربية والتعليم، وهما معا يصبان في صلب الرهانات الدولية التدبيرية والتنافسية. لقد أثرت الانفجارات المعرفية والتغير السريع في المجال التربوي بشكل بارز وملحوظ وظهر ذلك جليا على المناهج والمقررات الدراسية في تصوراتها وفلسفتها وأهدافها وقيمها، وتتحدد أهم نتائج الظاهرتين فيما يلي: فرضت ظاهرة تراكم المعرفة، بعد كل عشر سنوات، على الطفل الجديد، أن يستوعب كما من المعلومات التي تعادل ضعف المعرفة التي كان يستوعبها في مثل سنه قبل عشر سنوات. إن معظم الخريجين سيتعاملون قبل بلوغهم سن الثلاثين بأفكار ومفاهيم لم يتعلموها في المدرسة. صعوبة اختيار المحتوى الدراسي أمام واضعي المناهج: ما الذي ينبغي تقديمه للمتعلم؟ وما الذي ينبغي حذفه؟ زوال فكرة ثبات المعلومات (ألفن توفلر). عدم كفاية السنة الدراسية (تسعة أشهر) عن ملاحقة التطورات العلمية والفنية. ومعنى ذلك أن الكتاب المدرسي بمفهومه المادي التقليدي باعتباره يشكل دعامة رئيسية تؤسس لممارسة ديداكتيكية، وتتمم مكونات المثلث البيداغوجي، مطالب بالاستجابة الحتمية نظريا على الأقل لكل التحديات الراهنة. إن المتعلم يتخذ الكتاب المدرسي وسيطا ينبني على أساسه معرفته داخل المؤسسة وخارجها. ومن دون ذلك تصبح الكتب المقررة موضوع انتقاد وتتهم بالغباء بتعبير إليس فرينيه Elis Freinet تخدم أحيانا المقررات الرسمية بحقارة، بل بعضها يفاقمها بجنون مفرط لكن نادرا ما كانت الكتب المقررة من أجل الطفل ولو كانت الكتب المقررة جيدة لكان اختزال استعمالها ذا فائدة. لأن الكتاب المقرر يسهم، سيما المستعمل منذ الطفولة، في غرس عبادة صنم الكتابة المطبوعة. قريبا ينعزل الكتاب المقرر، هذا قدره الذي نتردد دائما في ضبط تأكيده. ويستنتج جيل جوبن Gilles Jobin في السياق ذاته الخلاصة التالية، لهذا أظن أن على عالم النشر أن يفكر في إنقاذ حياته. في الواقع لا أدري أن هذا الانقاد ممكن، وأتخيل فضلا عن ذلك مؤلفا يود أن يرتبط بمصحح متمرس ونشر مؤلفه بنفسه على الانترنيت وهو يسمح بتحميل مؤلفه مقابل بعض الدولارات. وبالمقابل، وإذا علمنا أن الكتاب المدرسي كان دائما في صلب رهان الإصلاحات فقد كان له، شأن الوسائط التعليمية، دور يلعبه في إثراء جودة التعلم، ويمكن عمليا حصر ضرورته للموقف التعليمي في منظومتنا التعليمية إزاء ضرورات متعددة، في أنه يعتبر تجسيدا لفكرة كثيرا ما نجهلها، وهي أن الميادين المعرفية في واقعها لا تخرج عن كونها مجالات للتطبيق اللغوي. وهو أفضل ما يقوم بالتدريب على المهارات اللغوية المختلفة وخاصة مهارة القراءة، ولا ينبغي للوسائط التعليمية الحديثة من أفلام الصور المتحركة وأفلام الصور الثابتة أو التسجيلات أو الشرائح أو النماذج... أن تطغى على دور الكتاب المدرسي في عملية التعليم... في هذا العصر الذي يوصف بأنه عصر تفجير المعلومات وانتشار التعليم، لأن الكلمة المطبوعة أشد تأثيرا وأبقى أثرا في نفس المتعلم. *قلعة السراغنة