حقا، كما قال عمدة قرطبة أندريس أوكانيا ربدان، فقد كانت هذه المدينة الأندلسية هذا الموروث الإنساني الثمين تفتح لنا أبوابها من خلال النظرة الصائبة التي قدمها الفنان الإسباني سانشيس مورينو في معرضه المقام بمعهد سرفانتس بمراكش بشعار جد دال هو : «قرطبة: مدينة الثقافات». يبسط هذا المعرض من خلال أربعين صورة أمام عين جمهور المعهد الإسباني بالمدينة الحمراء من مثقفين و عموم المهتمين تاريخا بكامله من الحكمة و المعرفة و الجمال حملتها أشكال معمارية و زخارف و شوارع و طرق كانت مصبا تارخيا لأحداث قوية و تماثيل لعظماء الفكر و أسوار و حدائق و قصور و غيرها. حيث نعثر على قرطبة «الحميمة، قرطبة الخالدة، مدينة النور و الجولات الصامتة، مدينة الثقافات التي تتقاسم سر ذاتها مع من يسمعها و ينظر إليها». من القنطرة الرومانية و نهر الوادي الكبير و المسجد و محرابه و بهو عبد الرحمان الثالث بالمجمع الأركيولوجي لمدينة الزهراء يلتقط معرض سانشيس مورينو النفس العميق لمدينة هي بمثابة هبة حضارية أورثها زمن الأندلس للزمن المعاصر . فينكشف التدفق الجميل للحكمة و الموسيقى و الحلم في صور أقل ما يقال عنها أن تعكس شاعرية عين فائقة الحساسية اتجاه المعاني الزاخرة لتجربة قوية برموزها التي تظهر تارة كزخارف في سقف قصر أو مسجد أو في الجريان الدائم لنهر الوادي الكبير الملك الحقيقي للمدينة عبر العصور أو في امتدادات سبل و طرق و حواري. فسانشيس مورينو كما قال زميله في يومية قرطبة أونطونيو رودريغيث خيمينيث «يقترب من كل زاوية في قرطبة حيث يلتقط الضوء خلال الليل و خلال النهار و يظهر هذه المدينة التي تبهر و تجذب. لقد قام من خلال هذه الأربعين صورة بتصوير قرطبة الحديثة و المجددة و المعاصرة مظهرا قرطبة العتيقة و زواياها و كل بصماتها التاريخية». في صلب هذا التاريخ تتجول بنا عين سانشيس مورينو بقصر بيانا و تمثال مانوليطي بجانب كنيسة سانتا مارينا وتمثال ابن رشد قرب السور و تمثال موسى بن ميمون و قنطرة الأندلس و طريق الشمال المضيئة بنافورة الماء الفريدة و أقواس المسجد و عربات جر الخيول بجانبه و مرابط الخيول الملكية و ساحة لاكورديرا و ساحة مسيح الرحمة و ساحة المهر و الكنيسة اليهودية و الباب المدور و شارع اليهود و رراق مدينة الزهراء و صرح مبنى كنائسي بلاطي لمدينة الزهراء و برج التكريم بالقصر وباب القنطرة و صومعة المسجد حدائق القصر و فناء المنزل المتوج بالأزهار و حمامات القصر الخليفي و عقبة إلباليو و ساحة تندياس و المعبد الروماني .. لا يستطيع زائر هذا المعرض بقاعة العروض بمعهد سرفانتس بمراكش أن ينكر تلك الأصوات المتدفقة من صوره كصدى لأسلوب متميز في الحياة تركز في مدينة شكلها مجرى التاريخ الذي تقاطعت فيه ثقافات متعددة كل واحد منها خلفت بصمتها الخاصة . في هذا المعرض يقول عمدة المدينة أندريس أوكانيا «تبدو قرطبة كأنبوب منبع، كرنين أجراس، كهرج و مرج من أصوات مجتمعة في فناء ما، كقيتارة، كنسيم بارد، من الزهر و البرتقال، كخفقان الطيور بضفة النهر، كخطوات مرصفة، كأغاني اليهود والمسيحيين والرومان والمسلمين..» إنها هدية جميلة لمعهد سرفانتس مراكش لساكنة المدينة و عشاق التاريخ و الفن على السواء. معرض جدير بالزيارة يتواصل إلى غاية إلى 15 أبريل 2011.