هي ديباجة وثلاثون مادة، تمخضت عن اجتماعات مكثفة، كانت تخيم عليها مئات الآلاف من الجثث، ومساحات شاسعة من الدمار .هي محصلة ثاني حرب عالمية، كانت أوروبا بالأساس أطرافها ووقودها وضحاياها .. الديباجة والمواد، تحمل عنوان « الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» الذي صادقت عليه الجمعية العمومية للأمم المتحدة في مثل هذا اليوم العاشر من دجنبر سنة 1948. ودون شك، سيقف العالم بالمناسبة بحكوماته ومنظماته ، بمجتمعه المدني وفاعليه، من أجل أن يرسم خرائط حقوق البشرية أفرادا وجماعات،أن يضع الأصبع عن جروح لم تندمل بعدُ وأخرى انفتحت بعد مناسبة العام الماضي .. أن يرصد المكتسبات، ويسطر الأولويات، ويرافع لأجل سياسات واتفاقيات ونصوص تعزز حماية حقوق الإنسان والنهوض بها .. الإعلان العالمي، تفرعت عنه عدة اتفاقيات وبروتوكولات، فصّلت في الحقوق والالتزامات، وأنشأت آليات لاستعراض أوضاعها وتقييمها، وبنت منظومات عالمية وإقليمية، أصبحت اليوم ذات سلط معنوية بأجهزتها ولجانها ، بملاحظاتها وتوصياتها . بتقاريرها،وإجراءاتها الخاصة، ومقرريها .. ومنذ انبثاق الإعلان إلى اليوم ولدت أجيال من الحقوق شملت كل أوضاع الإنسان العامة والخاصة. المغرب الذي انخرط في المنظومة الحقوقية خاصة منذ 1979 بمصادقته على العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أصبحت لديه التزامات عدة تسائله وطنيا ودوليا . فبلادنا صادقت على جميع الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان، وتقدم تقاريرها للجان المعنية، بل إن دستورها أفرد بابا لهذه الحقوق، بعد أن تعهد بديباجته بالتزام ما تقتضيه مواثيق المنظمات الدولية من مبادئ وحقوق وواجبات، وأكد تشبثه بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا. وعلى صعيد البناء المؤسساتي، يبرز المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي اكتسب مصداقية وطنية ودولية، بفعل نجاعة مبادراته وموضوعية تقاريره، وديناميكية لجانه الجهوية، وكذلك المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، التي استطاعت أن تنظم إيقاع تقارير المغرب مع أجندة اللجان المعنية بالمنظومة العالمية من جهة، ومن جهة ثانية في تعزيز مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وحمايتها والنهوض بها ...لكن كل هذه المكتسبات، أنتجها بالخصوص نضالُ الأحزاب الوطنية، والمنظمات الحقوقية، وفعاليات المجتمع المدني، وأرواح شهداء ومعتقلين رفعوا صوتهم عاليا في سبيل الحق والكرامة وبناء دولة الحق والقانون. وبالرغم من ترسانة الاتفاقيات والقوانين ومضامين الدستور، فإن مغرب الحاضر مازال يعرف انتهاكات تتعدد مصادرها وأسبابها ،وأن مغرب اليوم والمستقبل مطالب بأن يضع حدا لهذه الانتهاكات، من خلال حكامة أمنية، تحترم كرامة المواطن، وعدالة تنصف المظلوم، وقضاء يتنفس النزاهة ... أن تتمتع النساء بالمساواة في الحقوق والحريات، والأشخاص في وضعية إعاقة، بالقيم الإنسانية المتأصلة، والمهاجرين بالإدماج والمجال مدنا وقرى بمتطلبات العيش الكريم ... في أن يتكرس الحق في التعليم بمجانيته وتعميمه و بتكافؤ الفرص والحق في الصحة للجميع ....إلى غير ذلك من شروط الكرامة ... إنها متطلبات الراهن والمستقبل . ألم تقل إليانور روزفلت التي ترأست لجنة إعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان « إنما المستقبل لأولائك الذين يؤمنون بجمال أحلامهم».