إن المؤتمر الوطني العاشر للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، المنعقد من 19 إلى 21 أبريل 2013 ببوزنيقة، تحت شعار: "نضال مستمر ووحدوي، من أجل دستور ديمقراطي، يؤسس لسيادة قيم حقوق الإنسان الكونية"، بعد مصادقته على التقريرين الأدبي والمالي، و على القانون الأساسي المعدل والورقة حول شعار المؤتمر، وعدد من المقررات والتوصيات، وبعد مناقشته لأهم السمات التي تطبع الأوضاع الدولية والجهوية والوطنية ومختلف انعكاساتها على راهن حقوق الإنسان، على ضوء الوثيقة التحضيرية للمؤتمر، وتقارير الندوات الداخلية والعمومية، المنظمة في سياق الإعداد للمؤتمر، وبعد انكبابه على تعيين وتدقيق مستلزمات المرحلة المقبلة لمواصلة العمل من أجل حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، يسجل ما يلي: على المستوى الدولي: احتداد الأزمة الاقتصادية العالمية، الناتجة عن السياسات الليبرالية المتوحشة، وما تمخض عنها من انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان، بفعل استفحال العطالة وتدهور الأوضاع المعيشية ونهج الحكومات لسياسات قائمة على التقشف في محاولة منها لحل الأزمة على حساب شعوبها. استمرار القوى الإمبريالية في انتهاك حق الشعوب في تقرير مصيرها، وتكثيف الاستغلال لخيراتها، مع الغائها لعدد من المكتسبات في مجال الحريات والحقوق المدنية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية والبيئية، وسعيها إلى تهميش دور الأممالمتحدة في تعزيز السلم والتعاون بين الشعوب، و توظيفها عكس ذلك لخدمة مصالح الإدارة الأمريكية والدول المسيطرة على مجلس الأمن، تحت غطاءات مختلفة من بينها محاربة الإرهاب، الذي اقترفت تحت يافطته جرائم ضد الإنسانية في إفلات تام من العقاب، الأمر الذي يبرر تخوفات الحركة الحقوقية العالمية من تقويض مجلس حقوق الإنسان عبر تسييد منطق التوافقات السياسية في عمله، والتوظيف السياسي للمحكمة الجنائية الدولية، والتراجع على المستوى المعياري، في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة منها الحقوق الشغلية المتضمنة في اتفاقيات وتوصيات منظمة العمل الدولية. تنامي الوعي لدى الشعوب وقواها الديمقراطية، بأهمية حقوق الإنسان بمفهومها الكوني، وهو ما تجسد في الدور الإيجابي للمنظمات الحقوقية عبر العالم، وفي عمل الحركات المناهضة للعولمة الليبرالية المتوحشة، وللاحتلال والحروب والسباق نحو التسلح و لتدمير البيئة السليمة، وكذلك نضالات الشعوب سواء الموجهة منها ضد السياسات المهددة لمكاسبها الحقوقية، أو تلك الرافضة لدكتاتورية المؤسسات المالية العالمية والمنددة بالفساد السياسي، والمطالبة في نفس الآن باحترام حقوق الشعوب في تقرير المصير وفي الأمن والتنمية المستدامة. على المستوى الإقليمي والقاري: الانفجار المدوي لسلسلة من الثورات والانتفاضات والاحتجاجات الشعبية، في عدد من بلدان المنطقة المغاربية والعربية، ضد الأنظمة الاستبدادية، ومن أجل الكرامة والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، حيث عرفت أغلب هذه البلدان مظاهرات واعتصامات حاشدة شارك فيها الملايين يتقدم طليعتهم الشباب والنساء؛ غير أن ما آلت إليه هذه التطورات في بعض البلدان، مع التفاوت الجلي من بلد لآخر، يبرز أن إسقاط رموز الدكتاتورية لم ينجم عنه بعد تحقيق إرادة الشعوب ومطامحها وتطلعاتها الصميمية، إلا أنه أطلق سيرورة من النضال السياسي والاجتماعي لتحقيق تلك المطامح والتطلعات. مواصلة شعوب المنطقة نضالها ضد الأنظمة المناهضة لحقوق الإنسان بمفهومها الكوني والشمولي، التي وصلت إلى الحكم بعد الثورات، مؤكدة وقوفها ضد بروز دكتاتوريات جديدة؛ وفيما تستغل القوى الإمبريالية مطالب هذه الشعوب في الحرية والديمقراطية لتبرير تدخلها السافر في شؤونها وتهديد حقها في تقرير المصير والوحدة والسلم، لازالت نتائج التدخل العسكري الأجنبي، وضمنه العدوان على ليبيا، تتطلب الضغط من طرف الحركة الحقوقية العالمية للتحقيق في ما جرى، وكشف حقيقة الانتهاكات المرتكبة أثناءه. تصعيد الكيان الصهيوني من عدوانه ضد الشعب الفلسطيني، وتكثيف حصاره على غزة، فيما يجري بناء المستوطنات في الضفة والقدس، ويتزايد حجم الانتهاكات الجسيمة في حق الأسرى الفلسطينيين، وذلك في ظل خفوت الاهتمام الإعلامي بأوضاعه، لاسيما، عقب الأحداث الكبرى التي عرفتها المنطقة منذ 2011، وجراء تواطؤ الأنظمة العربية والمغاربية ومهادنتها للكيان الصهيوني. وبالرغم من هذا فقد تمكن الشعب الفلسطيني من تحقيق اعتراف جزئي من طرف الأممالمتحدة، كما سجل تنامي تعاطف القوى المدافعة عن حقوق الإنسان وحقوق الشعوب معه، وتزايد ضغط الحركة المطالبة بمقاطعة إسرائيل. تعمق معاناة الشعوب الإفريقية جراء تفشي الفقر والأمية، واستشراء الحروب، وازدياد عدد اللاجئين والمهاجرين، بسبب النهب المتزايد لخيراتها، والاستغلال الصارخ لمواردها الطبيعية، ولليد العاملة من طرف المؤسسات الاقتصادية متعددة الاستيطان، و سيادة أنظمة استبدادية لا تمكن شعوبها من حقها في تقرير المصير. هذا علاوة على انتشار النزاعات المسلحة، و حالات إطلاق الرصاص على المتظاهرين والإعدامات خارج نطاق القانون؛ في حين تواصل الدول القوية تدخلاتها العسكرية في العديد من البلدان الإفريقية، ولعل آخرها تدخل فرنسا في مالي تحت ذريعة محاربة الإرهاب. وعلى المستوى الوطني: التطور الكبير الذي عرفه نضال الشعب المغربي من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، متأثرا بالحراك الجماهيري في المنطقة المغاربية، إذ شكلت الدينامية التي أطلقتها حركة 20 فبراير، بقيادة شبابها، مرحلة مفصلية في تاريخ نضال الشعب المغربي من أجل الديمقراطية؛ وقد تجسدت في ما خلقته نضالاتها من أوضاع جديدة، من ضمنها التعديل الدستوري الذي تم الإعلان عنه أسبوعين بعد انطلاقها، وما واكب ذلك من مبادرات وقرارات بتشكيل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وإطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين، والاستجابة لجزء من المطالب النقابية؛ إلا أن غياب الإرادة السياسية الفعلية للدولة في إقرار الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، سيتضح من خلال مضمون التعديل الدستوري الذي أبقى على الجوهر الاستبدادي للحكم، وفي منهجية التعديل غير الديمقراطية، وفي شروط التصويت عليه التي عرفت تدخلا سافرا للسلطة واستغلالا مفضوحا للدين أثناء الحملة ويوم الاستفتاء، ثم عبر التصعيد القمعي الذي تلا ذلك ضد حركة 20 فبراير ومختلف الحركات الاحتجاجية الشعبية التي واصلت نضالها ضد الاستبداد والفساد في مناطق كثيرة، وتواتر الاعتقالات والمحاكمات غير العادلة، والتدخلات العنيفة للقوات العمومية ضد التظاهرات السلمية، وانتهاك السلطة لحقوق الإنسان في انتفاء تام لأية مساءلة، مما أسفر، في مرات عديدة، عن حالات جرى فيها انتهاك الحق في الحياة، خلال الحراك الشعبي لحركة 20 فبراير، دون إجلاء الحقيقة حولها؛ هذا فضلا، عن تزايد تدهور أوضاع السجناء، وتردي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية خاصة، نتيجة ضرب القدرة الشرائية للمواطنين والمواطنات عبر الزيادات المتتالية في الأسعار، وتشديد الخناق على الحريات النقابية. عدم اختلاف انتخابات 25 نونبر 2011 في جوهرها عن سابقاتها، من حيث الاستعمال القوي للمال وشراء الأصوات، وقمع الداعين للمقاطعة، ونسبة المشاركة الضعيفة، إضافة إلى القوانين غير الديمقراطية التي تؤطرها، وهو ما جعلها لا ترقى إلى لحظة ديمقراطية تمكن الشعب المغربي من تقرير مصيره. متابعة الدولة لسياسة الالتفاف على مطالب الحراك الشعبي، من خلال القوانين التي تم وضعها بعد الدستور، وفي مقدمتها قانون الضمانات الممنوحة للعسكريين المكرسة للحصانة وللإفلات من المساءلة، وفي قانون التعيين في المناصب العليا المعزز لسلطات الملك على حساب رئيس الحكومة، مما يتناقض ومبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة؛ أما عن العديد من الوعود، المتعلقة بتعزيز الوضع الاتفاقي للمغرب، فإنها بقيت دون تنفيذ فعلي لحد الآن. توالي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتملص الدولة من تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وإمعان المجلس الوطني لحقوق الإنسان في إنكار الواقع المتجلي في عدم تنفيذ أغلب وأهم تلك التوصيات، ومن بينها الاعتذار الرسمي والعلني للدولة، الذي لا يتطلب سوى الإرادة السياسية؛ وهو ما يشهد على أن بلادنا، وبعد أزيد من نصف قرن، لم تتمكن بعد من بناء النظام الديمقراطي المنشود، المستند إلى معايير دولة الحق والقانون والضامن لمجتمع المواطنة والكرامة. لذا، فإن اختيار شعار المؤتمر، الذي يعتبر أن احترام حقوق الإنسان رهين بإشاعة قيمها وتسييدها داخل المجتمع، يتجاوب مع متطلبات تجاوز هذا الوضع، ويقتضي مواصلة النضال من أجل دستور ديمقراطي: لا ينص فقط على الحقوق ويجرم انتهاكات حقوق الإنسان، ولكن يضمن التمتع الفعلي بالحقوق والحريات؛ وهو ما يستوجب إقرار دستور ديمقراطي، من حيث منهجية صياغته من طرف ممثلي الشعب وقواه الديمقراطية، ومضمونه الديمقراطي المتلائم مع التزامات المغرب في مجال حقوق الإنسان، وأسلوب المصادقة النهائية عليه بواسطة استفتاء ديمقراطي حر ونزيه؛ يشكل مدخلا لتشييد دولة الحق والقانون، التي تعد العلمانية إحدى مواصفاتها، ويضمن لجميع مواطناته ومواطنيه التمتع بكافة حقوق الإنسان، مع ما تشترطه من مساواة فعلية، وتستلزمه من تطهير لكل التشريعات من مفهوم المقدس والتراتبية الاجتماعية؛ يعترف بكيفية صريحة بقيم ومعايير حقوق الإنسان الكونية، ويعمل على تعزيز القيم الإنسانية الكبرى، وفي مقدمتها: الكرامة والحرية والمساواة والتضامن وقدسية الحياة، ويقر بمبدأ سمو المواثيق والاتفاقيات الدولية المصادق عليها على التشريعات الوطنية دون التفاف أو اشتراط، وبالسيادة الشعبية كأساس ومصدر لكل السلطات، ويوفر للحكومة كافة السلطات التنفيذية، وللبرلمان جميع الصلاحيات التشريعية، ويرقى بالقضاء إلى مصاف سلطة فعلية مستقلة عن كافة السلطات التنفيذية، ويقر بفصل السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية، وبين الدين والدولة. كما يجب أن يؤسس للجهوية الديمقراطية المبنية على المميزات الثقافية والتاريخية، وعلى التضامن بين الجهات، ويرفع وصاية وزارة الداخلية على الإدارات الترابية المحلية والإقليمية والجهوية. والمؤتمر، وهو يؤكد على ضرورة احترام حق الشعب المغربي في تقرير مصيره، يعتبر أن ذلك يتطلب أيضا دمقرطة مدونة الانتخابات وكافة القوانين المرتبطة بالعملية الانتخابية، واتخاذ سائر الإجراءات التنظيمية والإدارية والعملية لضمان انتخابات حرة ونزيهة، تعبر نتائجها عن الإرادة الشعبية، وتتجاوز ما عرفته الانتخابات في السنوات الثلاث الأخيرة من غياب الديمقراطية الحقة، واستمرار تدخل السلطات وطغيان المال، مما جعل بلادنا لم تخط بعد خطوات حاسمة نحو الديمقراطية. وفي ما يهم النزاع حول الصحراء، فإنه يجدد التعبير عن استيائه من استمرار هذا النزاع، منذ عشرات السنين، مع ما نتج عنه من ضحايا ومآسي إنسانية، وإهدار للطاقات الاقتصادية، وعرقلة لبناء الوحدة المغاربية المنشودة، مؤكدا في نفس الوقت على موقف الجمعية بشأن الحل الديمقراطي والفوري للنزاع، والتصدي لكافة الانتهاكات الناتجة عن النزاع مهما كان مصدرها. أما بالنسبة لسبتة ومليلية والجزر الشمالية المحتلة من طرف إسبانيا، فإنه يستنكر تهاون الدولة في المطالبة باسترجاعها وسكوتها على استمرار احتلالها، ويشدد على ضرورة العمل على تحريرها وإرجاعها للمغرب، وبالنسبة لمخلفات الفترة الاستعمارية التي عاشها المغرب في القرن الماضي إن المؤتمر يطالب بجبر الضرر الناتج عن الاستعمار الإسباني والفرنسي وحروبهما الاستعمارية. وبخصوص علاقة المغرب، من موقع الضعف والتبعية، مع القوى الإمبريالية، باعتبارها عدوا أساسيا لحق الشعوب في تقرير مصيرها، فإنه يندد بالإجراءات المؤدية إلى دمج المغرب، أكثر فأكثر، في إطار استراتيجية الإدارة الأمريكية، كما تجلى ذلك بالخصوص في تعميق التعاون الأمني والمخابراتي المباشر مع الأجهزة الأمريكية، مع ما ينجم عنه من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وفي تعزيز التواجد العسكري للولايات المتحدةالأمريكية بالمغرب، وتنظيم مناورات عسكرية فوق التراب المغربي، وتمكين هيآت حلف الناتو من الاجتماع بالمغرب عدة مرات، وإقحام بلادنا في المخططات الأمريكية والصهيونية والأطلسية، وما تشكله من تهديد للسلم وكذا لحق شعوب ما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا في تقرير المصير والغد الأفضل. وبارتباط مع ما سبق يدعو المؤتمر الدولة المغربية إلى التراجع عن اتفاقية التبادل الحر مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وعن كل الاتفاقيات غير العادلة مع استحضار التزاماته في مجال حقوق الإنسان في العلاقات التجارية الدولية وفي مختلف الاتفاقات والشراكات التي يعقدها. كما أن التزام المغرب الدستوري بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، وبالتعهدات المقدمة كشرط للالتحاق بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وبالتوصيات الصادرة عن هذا الأخير بمناسبة مناقشة التقرير الدوري للمغرب، تفرض عليه المصادقة على كافة الاتفاقيات الدولية في هذا المجال ورفع التحفظات وملاءمة التشريعات المحلية مع الاتفاقيات المصادق عليها واحترام حقوق الإنسان في الواقع. وهذا ما يستدعي بالخصوص، من جهة أولى، المصادقة على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي حول الحقوق السياسية والمدنية بشأن إلغاء عقوبة الإعدام، واتفاقية روما بشأن الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، والتوقيع على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية رقم 87 الصادرة عن منظمة العمل الدولية والمتعلقة بالحريات النقابية، ورفع جميع التحفظات والإعلانات، بما فيها تلك المتصلة باتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتنفيذ توصيات لجان حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والمقررين الخاصين الذين يزورون المغرب؛ ومن جهة ثانية، تفعيل قرار التصديق على الاتفاقية الدولية بشأن حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والبروتوكول الأول الملحق بالعهد الدولي حول الحقوق السياسية والمدنية، والبروتوكول الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والبروتوكول الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب وكل ضروب المعاملة القاسية والمهينة والحاطة بالكرامة، وتفعيل مبدإ استقلالية الآلية المكلفة بزيارة أماكن الاحتجاز. وتفرض الالتزامات المذكورة ملاءمة التشريعات المغربية مع معايير حقوق الإنسان الكونية، بدءا بإلغاء قانون مكافحة الإرهاب، والمقتضيات القانونية الماسة بالحريات النقابية، وكل مظاهر التمييز في مدونة الأسرة، مع دمقرطة قوانين الحريات العامة، ومدونة الشغل، واستحضار كل تلك الالتزامات خلال تنفيذ المخطط التشريعي الذي وضعته الحكومة؛ الشيء الذي يستدعي إشراكا فعليا للحركة الحقوقية والمجتمع المدني ومختلف الهيآت الممثلة للفئات المعنية بتلك التشريعات. إضافة إلى ما سبق، فإن التزامات المغرب توجب عليه أيضا: احترام سيادة القانون في الممارسة وعلى كافة المستويات، ونهج أسلوب المساءلة وعدم الإفلات من العقاب للمنتهكين، كيفما كان مركزهم ونفوذهم أو مبرراتهم. مراجعة الإطار القانوني للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بما يعالج النواقص التي ما زالت تعتري الظهير المحدث له، ومن ضمنها افتقاره للاستقلالية المطلوبة في المؤسسات المماثلة، المنصوص عليها في معايير باريس، واعتماده على المرجعية الوطنية إلى جانب المرجعية الكونية. إعمال "الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان" تحت مسؤولية الحكومة، ووضع خطة وطنية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، تكون منسجمة مع المرجعية الحقوقية الكونية ومع معايير الأممالمتحدة في هذا المجال. القطع مع سياسة التعتيم على أوضاع حقوق الإنسان، سواء في الإعلام الرسمي أو على مستوى المؤسسات الرسمية المعنية بحقوق الإنسان. وبالنسبة لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتبطة بالقمع السياسي، يجدد المؤتمر تأكيده على أن الحل العادل والشامل لهذا الملف لا يمكن أن يتم إلا على أساس إعمال المعايير الدولية ذات الصلة والمرتكزة على الحقيقة الشاملة بشأن الكشف عن كافة الانتهاكات وبشأن تحديد المسؤوليات عنها وعدم الإفلات من العقاب، والإنصاف بمختلف جوانبه (جبر الضرر الفردي والجماعي، حفظ الذاكرة، الاعتذار الرسمي والعلني للدولة)، وتأمين متطلبات بناء دولة الحق والقانون كأساس لعدم تكرار الانتهاكات الجسيمة مستقبلا، وفي مقدمتها الإصلاحات السياسية والدستورية والتشريعية والقانونية والتربوية، ووضع استراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب. والمؤتمر إذ يعتبر أن بعض التصريحات الأخيرة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، حول متابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والعزم على إنهاء هذا الملف، ما هي إلا تعبير آخر عن محاولات الدولة التخلي بشكل رسمي وعلني عن التزاماتها بخصوص هذه التوصيات؛ لهذا فإنه يجدد: مطالبته الدولة المغربية بتحمل مسؤوليتها في تنفيذ تلك التوصيات، باعتبارها حدا أدنى، بالمقارنة مع المطالب الدنيا للحركة الحقوقية، المتجسدة في توصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المنعقدة في نونبر 2001، وبالاستجابة لمختلف فئات ضحايا سنوات الرصاص، الذين لازالوا يطالبون بتنفيذ مقررات التحكيم التي توصلوا بها، والاستجابة لمطالبهم كضحايا لازالت أوضاعهم لم تسو بعد بشكل كامل. نداءه إلى الحركة الحقوقية لمواصلة عملها الوحدوي، بشأن ملف الانتهاكات الجسيمة، وتحسين أداء هيئة المتابعة المنبثقة عن المناظرة الوطنية؛ لفرض تطبيق توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة من ناحية، وللعمل على تفعيل توصيات المناظرة الوطنية، وانجاح المناظرة الوطنية الثانية من ناحية أخرى. توصيته للأجهزة القيادية للجمعية بمتابعة النضال، في إطار مقاربة الجمعية الخاصة لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مع العمل على تحيين لائحة المتورطين في تلك الانتهاكات. وفي ما يتعلق بقضايا الإرهاب ومكافحة الإرهاب ببلادنا، فإن المؤتمر يؤكد موقف الجمعية الثابت من الإرهاب والمتجسد في الإدانة المطلقة لأي عمل إرهابي، والتضامن والتعاطف مع الضحايا، ويحث الدولة على عدم الاقتصار على المعالجة الأمنية والقضائية لهذه الظاهرة، وعلى وضع المخططات واتخاذ الإجراءات الكفيلة باجتثاث جذور الإرهاب، وهي نفس الإجراءات التي مافتئت الجمعية تناضل من أجلها : احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها، ومناهضة الإمبريالية، وإقرار الديمقراطية، وضمان الكرامة وحقوق الإنسان السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية للجميع، وإقرار سياسة تعليمية وثقافية وإعلامية تعيد الاعتبار للعقل وللفكر العلمي، وتحارب الفكر الخرافي ونزعات اللاتسامح الديني والتطرف والتكفير والتي كان للدولة نفسها دور كبير في إذكائها. والمؤتمر وهو يلح على ضرورة احترام حقوق الإنسان عند المعالجة الأمنية والقضائية لملف الإرهاب، يطالب بإطلاق سراح ما تبقى من المعتقلين السياسيين، وبالإفراج أو إعادة المحاكمة لمعتقلي ما سمي بالسلفية الجهادية ،الذين تعرضوا للاعتقال والمحاكمات غير العادلة، معربا عن إدانته الثابتة لاستمرار جرائم الاختطاف والتعذيب والمحاكمات غير العادلة. وفي ما يتصل بالاعتقال السياسي، فإن المؤتمر، وهو يستنكر تزايد عدد المعتقلين السياسيين بعد الحراك الشعبي لحركة 20 فبراير، يعلن عن: مواصلة النضال ضد تصاعد الاعتقال السياسي وقمع الحريات، ومسلسل تلفيق التهم، وتزوير المحاضر، وتواتر المحاكمات غير العادلة، والتوظيف السياسي للقضاء من طرف الدولة لتصفية الحسابات السياسية، والزج بالمناضلين والمعارضين والنشطاء في السجون بسبب آرائهم ونشاطهم ومواقفهم واختياراتهم السياسية والإيديولوجية؛ مطالبته بوضع حد للاعتقال السياسي وبإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، من نشطاء حركة 20 فبراير والمدافعين عن حقوق الإنسان، ومناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، والنشطاء الصحراويين ومعتقلي الحركات الاحتجاجية الشعبية، وعدد كبير من معتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية؛ انشغاله بوضعية المعتقلين السياسيين، مناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وعدد من المعتقلين الإسلاميين، الذين يخوضون إضرابات طويلة عن الطعام، في عدد من السجون، واستنكاره للتجاهل التام للسلطات لوضعهم، رغم ما يتهددهم من انتهاك لسلامتهم البدنية بل ولحقهم في الحياة، مطالبا الدولة بتحمل مسؤوليتها في إنقاد حياتهم وضمان سلامتهم البدنية. دعوته كافة القوى المناضلة من أجل الحقوق والحريات، توفير الدعم والمساندة لكافة المعتقلين السياسيين، وفضح ما يتعرضون له من انتهاك لحقوقهم، والضغط من أجل فتح حوار معهم وإطلاق سراحهم فورا ودون قيد أو شرط. وبالنسبة للحق في الحياة والسلامة البدنية والأمان الشخصي، فإن المؤتمر، إذ يدين الانتهاكات المتواصلة في هذا المجال، يطالب بكشف الحقيقة في قضية شهداء حركة 20 فبراير، الذين لم يتم فتح أي تحقيق بشأنهم، أو لم يستكمل، مستنكرا سيادة الإفلات من العقاب للمتورطين في انتهاك حقهم في الحياة. كما يستنكر تمادي المحاكم في إصدار عقوبات جديدة بالإعدام، وامتناع المغرب عن التصويت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتوقيف تنفيذ عقوبة الإعدام في أفق إلغائها، مؤكدا مطالبة الجمعية الدولة ب: التصويت الإيجابي في الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة على التوصية المتعلقة بوقف تنفيذ عقوبة الإعدام. تمشيط المناطق المزروعة بالألغام، التي تودي بحياة العديد من الضحايا في الصحراء، وتنتهك حقهم في السلامة البدنية والحياة، مع جبر أضرار الضحايا وعائلاتهم. وضع استراتيجية فعالة للحد من الأعداد المهولة لضحايا حوادث السير، متلائمة مع متطلبات دولة الحق والقانون. وفي موضوع التعذيب: يثمن المؤتمر عمل اللجنة المغربية لمناهضة التعذيب، بخصوص دورها في وضع تقرير مواز للتقرير المغربي حول تطبيق اتفاقية مناهضة التعذيب؛ وهو يدعو إلى تقويتها وتعزيز عملها مع مطالبة الدولة المغربية ب: تنفيذ التوصيات الصادرة عن اللجنة الأممية المعنية بالاتفاقية المنبثقة عن مناقشتها للتقرير الحكومي، وجعل حد للتعذيب والعنف الممارس خاصة من طرف قوات الأمن والدرك وحراس السجون ومختلف أجهزة السلطة الأخرى في خرق سافر لقانون زجر التعذيب، وفتح تحقيق في حالات الوفيات الناتجة عنه وجعل حد للإفلات من العقاب للمسؤولين عنه سواء المباشرين أوغير المباشرين، وملاءمة القانون المغربي مع الاتفاقية الدولية بشأن مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية والمهينة والحاطة من الكرامة. الإسراع باستكمال مسطرة التصديق على البروتوكول الملحق باتفاقية التعذيب، ووضع الآلية المستقلة لزيارة أماكن الاحتجاز التي ينص عليها في احترام تام لكافة صلاحياتها ولاستقلاليتها عن كافة المؤسسات الرسمية، مع تعديل قانون المسطرة الجنائية قصد مراجعة ظروف الحراسة النظرية لضمان سلامة الخاضعين لها،بتمكينهم منذ البداية من زيارة المحامي، وتأمين مراقبة حقيقية لأماكن الحراسة النظرية وتقليص مدتها واحترامها. التراجع عن قرار تمكين مديرية مراقبة التراب الوطني من الصفة الضبطية، وفتح تحقيق موضوعي ومستقل حول الانتهاكات التي عرفها مقرها بتمارة انطلاقا من الشهادات الشفوية والمكتوبة لضحاياه، وتمكين الحكومة والبرلمان من مراقبة ومحاسبة كافة الأجهزة الأمنية والمخابراتية التابعة للأمن الوطني والدرك والجيش الملكي، مع توضيح مهامها وصلاحياتها. وفي ما يخص احترام الحقوق والحريات الفردية والجماعية، فإن المؤتمر إذ يستنكر الانتهاكات اليومية التي تطالها، يدعو إلى احترامها ورفع القيود القانونية والعملية التي تكبلها، وخاصة منها الحقوق المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والتنقل والصحافة والتجمع والتظاهر وتأسيس الأحزاب والجمعيات وحرية العقيدة والوجدان والضمير، وكافة الحريات الفردية الأخرى المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان؛ ويطالب بشكل خاص ب: تسهيل مسطرة تسليم جوازات السفر لجميع المواطنين والمواطنات، وجعل حد للمراقبة التعسفية على الحدود والعمل على تسهيل مسطرة تسليم تأشيرات السفر (الفيزا). جعل حد لسياسة الخطوط الحمراء المضادة لحرية الرأي والتعبير والعقيدة وإشهار سيف المس بالمقدسات في وجه عدد من المواطنين بسبب ممارستهم لحقهم في هذا المجال، ويستنكر المؤتمر بشدة الرأي الصادر في 15 أبريل الحالي، عن المجلس العلمي الأعلى بخصوص تغيير العقيدة، والذي اعتبر أن كل من ازداد من أب مسلم يفرض عليه اعتناق الدين الإسلامي تحت طائلة تطبيق حد القتل، مما يعتبر انتهاكا سافرا وخطيرا لحرية العقيدة ودعوة صريحة للقتل وتحريضا على العنف وتمييزا بسبب الدين، مطالبا بالتراجع عن تلك الفتوى، وإحترام حرية المعتقد كما تنص عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان المصادق عليها من طرف المغرب. رفع العراقيل القانونية والعملية أمام ممارسة الحق في التنظيم والنشاط السياسي والجمعوي (حزب البديل الحضاري، الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، حزب الأمة، تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان، والجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وجمعية أطاك-المغرب، وفروع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالسمارة وطانطان وتاونات، وبعض فروع العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان... )، وجعل حد لسياسة التماطل في تسليم وصول الإيداع القانونية بصفة عامة؛ كما يطالب بالمراجعة الشاملة لقانون الأحزاب في اتجاه دمقرطته. وقف انتهاك الحق في التجمع والتظاهر السلمي، ورفع الحصار عن الجامعات المغربية، وخلق الشروط لتسترجع الجامعة دورها التنويري والديموقراطي بعيدا عن العنف والتعصب الفكري والعقائدي. رفع الحواجز القانونية والعملية أمام ممارسة الحق في الإعلام وحرية الصحافة بدءا بإلغاء العقوبات السالبة للحرية من قانون الصحافة ونهج سياسة إعلامية عمومية ديموقراطية أساسها "الإعلام العمومي للجميع"، مع تسخير وسائل الإعلام الرسمية لخدمة حقوق الإنسان وضمان حق الاختلاف والتعبير الحر للأشخاص والتنظيمات وكافة فعاليات المجتمع المدني، وتوقيف المضايقات والمتابعات التعسفية ضد الصحفيين، وتمكين الصحافيين المحرومين تعسفا من بطائق الاعتماد، والكف عن الاعتداءات الجسدية والإهانات اللفظية ضد الصحافيين أثناء مزاولة مهامهم، خاصة عند تغطيتهم للتدخلات العنيفة للقوات العمومية ضد الاحتجاجات، وكذلك وضع حد للتمييز الممارس من طرف الدولة في توزيع جزء من المالية العامة على بعض الصحف، واستثناء غيرها من هذا الدعم عن طريق اعتماد معايير شفافة واحترامها. أما بالنسبة لملف القضاء، فإن المؤتمر يعبر عن انشغاله من استمرار الدستور في وضع القضاء تحت مسؤولية السلطة التنفيذية، الأمر الذي يعرقل استقلاله ويحول دون جعله آلية لحماية الحقوق والحريات وملجأ للانتصاف، معتبرا أن الحوار الوطني حول إصلاح العدالة يظل محكوما بهذا السقف، ومفتقرا للمصداقية بوجود مسؤولين عن فساد القضاء وتوظيفه ضمن الهيأة المكلفة بذلك الإصلاح. ويعبر المؤتمر عن عميق استيائه من افتقار القضاء للنزاهة والحياد، وهو ما اتضح، مرة أخرى، من خلال عشرات المحاكمات التي تعرض لها المناضلون والمناضلات من حركة 20 فبراير والطلبة والنقابيون والمدافعون عن حقوق الإنسان والمتابعون في ملفات ما يسمى بمكافحة الإرهاب، وما يمارسه القضاء من أدوار في تصفية حسابات السلطة مع عدد من المعارضين والنشطاء، كما هو الحال في محاكمة معتقلي اكديم إزيك في فبراير الماضي؛ ويعرب المؤتمر عن تثمينه للجهود الناتجة عن العمل الوحدوي للحركة الحقوقية المغربية المتجسدة في مذكرة الجمعيات العشر حول إصلاح القضاء، التي تتضمن الحد الأدنى للمطالب المشتركة والتي شكلت منطلقا للدينامية الجديدة للحركة الحقوقية في هذا المجال، ويدعو إلى التحرك النضالي من أجل فرض الاستجابة لها من طرف الدولة؛ ويطالب بما يلي: اتخاذ التدابير الدستورية والتشريعية والإجرائية لإقرار القضاء كسلطة مستقلة ولتطهيره من الفساد وضمان استقلاليته ونزاهته وكفاءته وتنفيذ جميع أحكامه، بما فيها تلك الصادرة ضد الدولة والإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية وذوي النفوذ، وضمان حق المواطن (ة) في الولوج إلى القضاء والمحاكمة العادلة والمساواة أمام القضاء، وفي النظر في شكاوى الاختطاف والتعذيب، مما يفرض بالخصوص مجانية التقاضي، وإلغاء المحاكم الاستثنائية المتبقية، وتوحيد القضاء، وملاءمة التشريع المحلي مع التزامات المغرب الدولية. تمكين القضاة من الحق في التنظيم المستقل والحق النقابي، بما يعزز الدفاع عن مبدأ استقلالية القضاء، انسجاما مع مقتضيات اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 حول الحريات النقابية. وفي الجانب المتعلق بأوضاع السجون، يسجل المؤتمر: التدهور المريع في أوضاع السجون، خاصة منذ فصلها عن وزارة العدل، وتشكيل المندوبية العامة للسجون، ووضعها تحت مسؤولية أحد المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان خلال سنوات الرصاص، مما يشكل اختيارا واضحا للمقاربة الأمنية في تدبير السجون. عدم تجاوب المندوبية العامة مع طلبات الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لزيارة السجون، وعدم تفعيل عمال الأقاليم للجان الإقليمية لمراقبة السجون. أن إجراءات العفو المتخذة في عدد من المناسبات تتسم، رغم إيجابيتها بالنسبة للمعنيين بالأمر، بضعف الشفافية بشأن معايير اختيار المستفيدين، وأن مفعولها يظل محدودا في مواجهة إشكالية اكتظاظ السجون؛ وهذا ما يستوجب التفعيل المنتظم لكافة الإجراءات البديلة عن العقوبات السالبة للحرية، مع العلم أن إجراءات العفو خلال السنوات الثلاث الماضية لم تشمل العديد من المعتقلين السياسيين، الذين طالما طالبت الجمعية بإطلاق سراحهم جميعا، ولم تمس معتقلي "السلفية الجهادية" الذين عانوا من المحاكمات غير العادلة. ولهذا يطالب المؤتمر بإبعاد هذا المسؤول عن تدبير السجون، ومراجعة السياسة الجنائية التي أدت إلى الاكتظاظ، بدءا بتخفيض عدد الموضوعين رهن الاعتقال الاحتياطي، وإقرار العقوبات غير السالبة للحرية، وإعمال المعايير الدولية لمعاملة السجناء، وجعل حد للإفلات من العقاب للمتورطين في الانتهاكات الخطيرة والممنهجة لحقوق السجناء، والتي أصبحت موضوع اعتراف من المجلس الوطني لحقوق الإنسان واللجان البرلمانية من حلال تقاريرها... وبشأن التطور العام للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن المؤتمر وقد توقف عند مسألة تراجع الدستور المغربي عن المكاسب السابقة في هذا المجال، من خلال الالتفاف على مسؤولية الدولة في توفير تلك الحقوق والاكتفاء بالتزام واجب تيسير الحصول عليها فقط، يسجل أيضا في هذا الباب: استمرار وتعمق الانتهاكات بشأنها، نتيجة النظام الاقتصادي السائد، وضخامة خدمات المديونية الخارجية، وانعكاسات السياسة الليبرالية المتوحشة، خاصة بالنسبة لميزانية الدولة التي أصبحت متعارضة مع التنمية والتشغيل، والانخراط الكامل في العولمة من موقع الضعف، والنهب السافر للمال العام والثروات الوطنية، مع استمرار السلطات في نهج سياسة الإفلات من العقاب بشأن الجرائم الاقتصادية كما هو الشأن بالنسبة للانتهاكات المرتبطة بالقمع السياسي. ضعف نتائج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي انطلقت منذ 8 سنوات والتي قدمت كوصفة لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، على اعتبار أن المغرب تراجع في سلم التنمية البشرية من الدرجة 123 سنة 2005 إلى 130 سنة 2013؛ مما يبرز بأن بلادنا لازالت محتاجة إلى مقاربة جديدة في مجال التنمية تنسجم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتمكن من التوزيع العادل للدخل الوطني وفق ما ينص عليه الإعلان العالمي حول التقدم والإنماء الاجتماعي. لذلك فإن المؤتمر يؤكد: مطلب الجمعية بإقامة نظام اقتصادي يضمن حق الشعب المغربي في تقرير مصيره الاقتصادي، ويضمن التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المستدامة، لفائدة الجميع؛ واتخاذ إجراءات استعجالية مثل إلغاء المديونية الخارجية للمغرب، التي تشكل خدماتها، إلى جانب سياسة التقويم الهيكلي والخوصصة وانعكاسات العولمة الليبرالية المتوحشة، حواجز حقيقية أمام التنمية واحترام حقوق الإنسان. ضرورة إعمال مبدأ عدم الإفلات من العقاب في الجرائم الاقتصادية المرتكبة بشأن الخيرات والأموال العمومية (نهب، تبذير، سطو، فساد، اختلاس، رشوة، امتيازات غير مشروعة، تهريب الأموال للخارج، الغش الضريبي...)، والتي شكلت ومازالت تشكل إحدى الأسباب الأساسية لحرمان المواطنين والمواطنات من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية؛ وهذا ما يتطلب إجلاء كامل الحقيقة، بشأن هذه الجرائم وتقديم مرتكبيها للعدالة مهما كانت مراكزهم، وجبر الأضرار الناتجة عنها، بما في ذلك استرجاع الدولة للخيرات والأموال المنهوبة وما ارتبط بها من فوائد. وبالنسبة للحق في الشغل فإن المؤتمر ينبه إلى خطورة: استمرار الانتهاك الخطير لهذا الحق، وهو ما يتجسد بالخصوص في البطالة المكشوفة أو المقنعة لملايين المواطنين والمواطنات، بمن فيهم مئات الآلاف من حاملي الشهادات العليا. التعامل السلبي للسلطات مع مطلب الحق في الشغل، كما يتجلى من خلال ضعف الإجراءات الجادة لخلق فرص الشغل، وقمع الاحتجاجات السلمية المطالبة به، وعدم الوفاء بالالتزامات المعلنة في مجال تشغيل الأطر؛ وهو ما كان مصدرا للاحتجاجات الكثيفة والقوية التي خاضها ويخوضها بعضهم بالرباط، والتي ووجهت بالقمع التعسفي والعنف الذي نتجت عنه أضرار جسدية بليغة مست في العمق الحق في السلامة البدنية، وشكلت خرقا واضحا لاتفاقية مناهضة التعذيب؛ كما وقف على ذلك التقرير المقدم أمام مجلس حقوق الإنسان من طرف المقرر الأممي الخاص حول التعذيب، الذي أوصى أيضا بسن سياسة اقتصادية تنموية تضمن حق الشغل. أما في ما يخص حقوق الشغيلة، فإن المؤتمر يعبر عن استنكاره للانتهاكات الخطيرة التي ما انفكت تطالها، والخرق السافر لمدونة الشغل على مرأى ومسمع من السلطات العمومية، التي قلما تقوم بإجراءات ملموسة لردع المسؤولين عن تلك الخروقات، بل إنها واصلت تطبيعها مع خرق مقتضيات قوانين الشغل، التي أصبحت تتعامل معها كمجرد توصيات تسعى إلى تطبيقها تدريجيا وفقا لاستعدادات المشغلين. وفي ما يتصل بالحريات النقابية، فإن المؤتمر يستنكر التراجع الذي لحقها على مستوى الدستور، من حيث حده من مجال تدخل النقابات وتقليص دورها في المجتمع وحرمان فئات مهنية منها؛ كما يندد بالخرق اليومي الذي تتعرض له على مستوى المقاولة، مما ساهم في ترهيب عاملات وعمال القطاع الخاص وابتعادهم عن العمل النقابي. وبناء على هذا فإن المؤتمر يدعو إلى احترام الحقوق العمالية، بوصفها جزءا لا يتجزأ من حقوق الإنسان، الشيء الذي يتطلب الاستجابة لمطالب الجمعية الواردة في مذكرتها المطلبية بهذا الشأن، وعلى رأسها: مصادقة المغرب على الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية وفي مقدمتها الاتفاقيات 87 و141 و151 و168. ملاءمة قوانين الشغل المحلية مع القانون الدولي للشغل، وهو ما يستلزم مراجعة تشريعات الشغل، ومن ضمنها مدونة الشغل والمراسيم التطبيقية، في اتجاه دمقرطتها، وضمان استقرار العمل، وتوفير الأجر العادل والضمانات الاجتماعية التي توفر العيش الكريم. احترام الحريات النقابية وحق الإضراب على المستوى القانوني، وذلك عبر إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي، والفصل 5 من مرسوم 5 فبراير 1958 بشأن مباشرة الموظفين للحق النقابي، وسائر المقتضيات التشريعية والتنظيمية المنافية للحق الدستوري في الإضراب وللحريات النقابية، وإعادة الاعتبار لجميع ضحايا الفصل 288 من القانون الجنائي، بإرجاعهم للعمل ومحو العقوبات المترتبة عن تطبيقه، وذلك بموجب عفو شامل. التخلي عن محاولة فرض قانون تنظيمي لممارسة حق الإضراب، يكون هدفه تكبيل الحق الدستوري في الإضراب، والإجهاز على الحريات النقابية، والتراجع عن الإجراء غير القانوني المتعلق بالاقتطاع من أجور الموظفين المضربين. جعل حد للانتهاكات الصارخة لقوانين الشغل، التي يقوم بها جل المشغلين، والناتجة بالخصوص عن عدم تحمل السلطات لمسؤولياتها في هذا الشأن، ووضع حد للإفلات من العقاب في هذا المجال. وفي ما يتصل بالحقوق الاجتماعية الأخرى، التي تشكل ركائز أساسية للحق في العيش الكريم، يسجل المؤتمر أن أوضاع هذه الحقوق مازالت متردية، وهو ما تمثل بالخصوص: بالنسبة للحق في التعليم : إخفاق السياسات التعليمية في تحقيق تعليم عمومي ذي جودة ومنفتح على مجتمع المعرفة، في غياب أية مساءلة حول الميزانيات المهولة التي بذرت في مختلف برامج الإصلاح دون جدوى، مما يفسر عدم تحقيق الأهداف التي التزم بها المغرب في إطار البرامج الأممية للقضاء على الأمية وتعميم التعليم ومحاربة الهدر المدرسي، إذ لازال المغرب يصنف في أواخر الترتيب بين الدول العربية في مجال جودة التعليم، وهو ما يشكل عائقا جوهريا أمام التنمية، ويجعل التعليم ضعيف المردودية بالنسبة للتأهيل لولوج عالم التشغيل. تفاقم مشاكل المناهج والمقررات وضعف البنيات التحتية، وتغييب دور التعليم في إشاعة ثقافة حقوق الإنسان والقيم الإنسانية، وضعف الاهتمام بالعنصر البشري، والفشل في الإشراك الحقيقي لكافة المعنيين عند وضع الخطط والاستراتيجيات، وهي عوامل ساهمت كلها في الانهيار الذي عرفته المنظومة التعليمية. بالنسبة للحق في الصحة الجسمية والعقلية : تخلي الدولة عن تحمل مسؤوليتها الأساسية في ضمان حق الجميع في الصحة، الشيء الذي أفضى إلى انتهاك الكرامة الإنسانية للمواطنات والمواطنين. التدهور المريع للمنظومة الصحية، والمتجلية في تراجع مستوى بنيات الاستقبال وجودتها والفساد المستشري في مؤسسات الصحة العمومية وضعف نظام التأمين الإجباري عن المرض (AMO ) والعراقيل أمام تطبيقه، بينما لم يقدم نظام التأمين عن المرض للمعوزين (RAMED ) الحلول المنتظرة في هذا الصدد بعد سنوات من الإعلان عنه. ضعف مراقبة الدولة لمرافق الصحة المتعلقة بالقطاع الخاص. بالنسبة للحق في السكن والعيش الكريم : تواصل الانتهاكات الصارخة للحق في السكن، بحكم تعثر سياسة السكن الاجتماعي المعلن عنها من طرف الحكومات واستحكام المضاربات العقارية، والتزايد الملموس لحملات الاخلاء القسري للسكان من مساكنهم أو أراضيهم دون تقديم بديل من طرف الدولة، ومعاناة العديد من الأحياء من انهيار المساكن فوق رؤوس قاطنيها، دون تحمل السلطات لمسؤوليتها في تفادي وقوع ذلك. انتشار الفقر المدقع بين فئات وشرائح واسعة من المواطنات والمواطنين وخاصة بالمناطق النائية والمعزولة. ولكل هذا يطالب المؤتمر باعتماد سياسات اقتصادية واجتماعية توفر لجميع المواطنين والمواطنات متطلبات العيش الضرورية لصيانة كرامتهم، وتكفل لهم حقهم في التعليم الجيد والسكن اللائق والخدمات الصحية المجانية الملائمة. وفي ما يهم الحقوق الثقافية، ولاسيما الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، فإن المؤتمر يثمن قرار دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية، مسجلا، في نفس الوقت، التعامل التمييزي المتجلي في التراتبية التي أقامها دستور 2011 بين اللغة الأمازيغية واللغة العربية، مطالبا بالإسراع بإصدار القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل ترسيمها، ورفع التهميش الذي لازالت تعاني منه اللغة والثقافة الأمازيغيتين.