يغلب ظني، أن أية وقفة حول الأدب النسائي المغربي اليوم، تقتضي منا جدلا استحضار مفهوم هذا الأدب بشكل عام . وهو مفهوم محفوف بالتعدد في المصطلح (أدب المرأة، الأدب النسائي، الأدب النسوي...) ، وفي زوايا النظر التي تتأطر في خانتين، خانة تحتوي على بحوث ودراسات تقر بوجود أدب نسائي له مواصفاته وخصائصه؛ والثانية تعتبر الأمر مفتعلا، لخلق واجهة أخرى من الشد والجذب بين الرجل والمرأة، وأحيانا وبإمعان النظر هو صراع كما تريده الإيديولوجيات والهندسات الاجتماعية. ونفس الأمر نراه في الأدب بشكل تابع أو متأثر بالرواج المفهومي والإعلامي . غير خاف، أن الأدب النسائي عربيا ظهر في مرحلة النهضة؛ ولم يتبلور كتجربة تعبير في المجتمع إلا في الخمسينات من القرن السالف، تبعا لتحولات اجتماعية وسياسية على صلة وثيقة بموضوع المرأة وتحوله المفصلي. فبدأت المرأة تلج المؤسسات والمجالات. لكن الأدب ليس سقفا أو بابا محددا ، لملئة بسرعة دون أصل الأدب ، أعني شعريته وضوابطه ... في المغرب طرح المفهوم بعد الاستقلال (بعد 1956) ، ويمكن القول إن نبرة المصطلح ظهرت مؤخرا فقط، دون فصل الأمر عن تحولات مجتمعية تعبر عن تنامي مطلب حرية المرأة. في هذا السياق، أطرح بعض التحفظات المنهجية، منها: هناك حيف سار في تاريخ الأدب العربي والمغربي ممثلا في إقصاء صوت المرأة من مناحي المجتمع، وبالتالي من الأدب نفسه. وظل الأمر يتغذى على أبيسية تمجد الرجل في الحياة والأدب نفسه كما يطرح الباحث والناقد عبد الله غذامي. أستحضر هنا ثنائية: المديح والرثاء في الشعر العربي القديم، فالأول مرتبط بالقوة والثاني بالضعف كما تقول الناقدة خالدة سعيد في موضوع ذي صلة. فكانت المرأة تكتب ضمن الرثاء كامتداد طبيعي لها . لا ينبغي في تقديري، إخضاع المفهوم لتأثيرات آتية من سياقات أخرى كحركة حقوق الإنسان ومطلب حرية المرأة المتنامي. الابتعاد عن التقليد لمفهوم النسوية بالمعنى النفسي الذي ظهر في عيادات علم النفس الذي يمارس إسقاطا على الأدب ، من بين تبعاته التمركز حول النزعة الأنثوية. وهنا الصراع والثنائية بين الرجل والمرأة تتخذ منحى وبعدا آخر .. أعود للأدب المغربي مع مبدعات تدفقن حكيا وشعرا، فتعددت الأسماء الجميلة التي نكن لها كل التقدير. هنا أسجل بعض الملاحظات من قبيل أن الأصوات النسوية تنامت ابتداءا من ثمانينات القرن الماضي في الشعر مثلما في القصة والرواية ؛ وهي ظاهرة محمودة في الأدب . وهو ما يدفع إلى التساؤل : هل هذه الحصيلة لها خصوصيتها وأساليبها وزاوية نظرها الخاصة للذات والعالم ؟ أم أننا نشطر الأدب هكذا إلى أدب رجالي وآخر نسائي ، تحت تأثيرات اجتماعية وسياسية تغذي هذه الثنائية على أصعدة عدة. قريبا في زمن الأدب المغربي ، كنا نتحدث عن تجارب نسائية دون تمركز أو افتعال ثنائيات لا تخدم الأدب في شيء مثلا الشاعرة وفاء العمراني ومساحتها الجميلة في الشعر المغربي المعاصر والعربي ،لايمكن التنكر لها كاشتغال أدبي ناضح بالشرط الجمالي والتحاور المرجعي، والشاعرة ثريا ماجدولين وغنائيتها المتشظية في هذه القصيدة نفسها كنص عام ..وأخريات في السرد كخناثة بنونة ورفقية الطبيعة التي انسحبت من الكتابة في صمت . قدمت هذه الأسماء ، لتقديم بعض الملامح العامة فقط. بعد ذلك، حصل نوع من الانسياب والاستسهال في الكتابة الأدبية، فتعددت الأسماء وأحيانا دون أدب. هنا يمكن الحديث عن الأدب الناضج مع الكثير من الأصوات النسوية . أذكر هنا أني قدمت لملف شعري يحتوي على قصائد شاعرات مغربيات لمجلة « الحركة الشعرية « التي تصدر من المكسيك، وسمح ذلك بالوقوف حول مشترك في التجربة النسائية المغربية: فكل شيء يمر عبر الذات مع اختلاف النبرة، ومشترك لهن مع التجربة الرجالية، وبالأخص في تلك العلاقة مع الواقع والعالم التي بإمكانها أن توحد على مستوى التيمات والرؤى... إن اصطلاح « الأدب النسائي « المغربي، فيه الكثير من الافتعال والمسكوت عنه الآتي من تأثيرات خارجية وأوهام سارية في الدواليب والرؤوس . ولكن دون جحود، يمكن أن يحصل الاختلاف بين الرجل والمرأة الأديبين في جوانب معينة، من حيث وصف المرأة كدواخل وأفق؛ فهي مؤهلة لذلك طبعا دون أن ننفي هنا بعض الأدباء العرب الذين برعوا في ذلك ، ربما لاهتمامهم ومهنتهم : يوسف إدريس مثلا . كما يمكن تلمس رقة في التعبير وفيضا في الاستغوار النفسي والذاتي بمعناه الواسع والإنساني الموحي ، وليس بالمعنى الذاتي الذي لا يبتعد عن الأنف . لا تفوتني اللحظة دون أن أسجل بعض النقط المضيئة في أدب المرأة في المغرب ، من ذلك : تكسير المسكوت عنه وتنسيبه مع الروائية وفاء مليح وعجز الرجل ، والروائية زهور كرام وصالون النساء، والشاعرة والروائية فاتحة مرشيد وحميمية العلاقة بالمعني الإنساني العميق .. وأخريات لصيقات بالهم الجماعي وتحويله إلى نغمات ذاتية حزينة . هنا في هذا الممر، ألتقي مع هذا الصنف من المبدعات على درج الأدب العالي. وفي المقابل نجد ذات المرأة تطغى على الكثير من الكتابات التي تليق ببيت النعاس وخرق الحيض. وهو ما يحول كتاباتهن إلى خواطر ذاتية بالمعنى البسيط والأليف. فالأدب ليس شيئا آخر أو نصا آخر. حين نستحضر شرط الأدب، أي تلك المؤسسة الرمزية التي تندغم فيها تلك الفوارق المصطنعة ؛ لكن دون نفي بعض الخصوصيات والتي هي تنويعات داخل الأدب، منها الذات وحميميتها لأن أي تنميط لها ، هو تنميط للأدب دون الوهم أن المرأة كما يلوك البعض بإمكانها التعبير بجرأة عن المسكوت عنه، أو التعبير بشكل مفارق للهم الجماعي . إن اكتشاف قارة المرأة في الأدب شيء جميل، لكن بمنطق الأدب الذي يغتني بالتنويعات والضربات التي لا تنتهي في اللغة والمتخيل. وبالتالي ،البحث عن أفق آخر يعمق الأشياء ويجذرها . وهو ما يعني، أن الكتابة النسائية في المغرب ينتظرها الكثير، بنضج أدبي، يتطلب اضطلاع المؤسسات الثقافية والصحفية...بأدوارها الحقيقية والمنصفة، للإعلاء من شأن رسالة الأدب المقيمة في الأزمنة والعابرة لها في آن. فالشرط الأدبي قد يوحد، دون نفي التنويعات، وبتدقيق الإيقاعات التي تغني هوية الكتابة المتعددة، وغير المستقرة على نمط. أتحدث هنا عن سبيل للتوحد بين الرجل والمرأة في الأدب . وبهما نظرا في المحتمل الأدبي.