تستعد أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا لخوض الانتخابات في العام المقبل، وقد شعرت بالثقة البالغة بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة وخروج بريطانيا، قبل ذلك، من الاتحاد الأوروبي: إنه «ربيع اليمين المتطرف»، تردد بحماس وبهجة. وحتى قبل مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي منتصف العام الحالي، شهدت الانتخابات البرلمانية الأوروبية للعام 2014 صعود أحزاب اليمين المتطرف، وخصوصا في فرنسا، الدنمارك، ألمانيا، فنلندا، واليونان. ويعول اليمين الأوروبي على انتخابات العام القادم بصورة خاصة ليس فقط بسبب فوز دونالد ترامب ولكن بسبب التطورات السياسية في العامين الماضيين والتي يعتقد أنها ستحفز الناخبين على التصويت له. المقصود هنا أزمة اللاجئين السوريين التي تسببت بتدفق أعداد هائلة إلى أوروبا. وكانت أزمة اللاجئين قد بدأت منذ العام 2012، ولكنها بلغت ذروتها في عامي 2015 – 2016، وتنتظر تلك الأحزاب قطف ثمارها سياسيا. ويضاف إلى ذلك بروز تنظيم داعش وقيامه بتنفيذ هجمات إرهابية في بلدان أوروبية وخصوصا في فرنسا في عامي 2015 – 2016. سارعت أحزاب اليمين الأوروبي للترحيب بفوز دونالد ترامب، إذ عبرت ماري لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسي عن ثقتها البالغة بانتخابها لرئاسة البلاد في العام المقبل. كما أكدت أنها ستشكل مع كل من دونالد ترامب وفلاديمير بوتين "ثلاثيا" يقود العالم نحو السلام. وتعتبر لوبان حزبها جزءا من حركة عالمية صاعدة بقوة ترفض العولمة وانهيار الحدود وانتشار القيم الليبرالية المرتبطة بالتعددية الثقافية. وفي ألمانيا اعتبر حزب البديل فوز ترامب أنه "حقبة جديدة في تاريخ العالم". أما في هولندا فقد اعتبر أحد زعماء اليمين المتطرف أن الأميركيين "استعادوا أرضهم"، وأن أوروبا تشهد "ربيعا قوميا". والحال أن ذلك الحماس الأقرب للجنون يتجاهل حقيقة أن ترامب وإن كان قد أظهر فكرا محافظا، ولكنه لا ينتمي إلى تيار اليمين السياسي المتطرف. تنقل الملياردير الأمريكي خلال تاريخه بين الحزب الجمهوري والديمقراطي، وقام بتبديل انتمائه وهويته السياسية سبع مرات متتالية. وهو ما يوضح نفوره من الهوية الواضحة والثابتة، إذ يرجح أنه يراها كقيد يثقل مصالحه الشخصية. ينذر ذلك بقابليته الكبيرة للقيام بانعطافات سياسية قد تعرقل انضمامه بصورة أوتوماتيكية إلى معسكر اليمين الأوروبي المتطرف، كما تفترض لوبان وحلفاؤها. مقابلة دونالد ترامب الأولى مع الإعلام الأميركي تبعث على الشعور بأن التحول السياسي ليس ممكنا فقط ولكنه بدأ بالفعل. ظهر ترامب في المقابلة بمظهر مختلف تماما، إذ بدا متزنا، وشديد الحذر في إجاباته بصورة غير معهودة. كما أبدى رغبته في الحفاظ على جزء من خطة الرئيس باراك أوباما للرعاية الصحية التي كان يصفها بأنها كارثة قبل انتخابه. أما هيلاري كلينتون، التي وعد بمقاضاتها في حال توليه الرئاسة، فأصبحت "رائعة وذكية وقوية". بهذا المعنى، قد لا يكون انتخاب دونالد ترامب عظيم الفائدة كما تتصور أحزاب اليمين في أوروبا. هنالك إمكانية لأن يقوم النظام السياسي الأميركي ومجموعات الضغط ب»تدجين» الرئيس، وهو ما سيتسبب بانعكاسات سلبية على أحزاب اليمين في أوروبا. إن لتلك الأحزاب قيما ثابتة ورؤية للعالم مبنية على الهوية. أما ترامب فلا يبدو كذلك، وهو ما يدفع الكثيرين إلى وصفه ب»الشعبوي»، بدلا من اليميني المتطرف. الأرجح أن التحولات على صعيد الخطاب والسياسة بما يخص دونالد ترامب تجري حاليا ولكنها ليست محسومة تماما. وخصوصا بعد تعيينه لستيف بانون، اليميني المتطرف، في منصب كبير مستشاري البيت الأبيض. يمثل بانون أفضل تمثيل لليمين المتطرف بعقيدته السياسية التي ترتكز على خطاب الهوية وتروج لما يبدو كأسطورة رومانسية: أمة متجانسة من حيث العرق أو الدين، ومتفوقة عبر التاريخ. ويطرح هذا الفكر نفسه بالتضاد مع الفكر الليبرالي الديمقراطي الذي يحتفي بالتنوع الديني والعرقي وبمبدأ الفردية والعالمية. وهذا هو تماما ما يبعث بأمل "الربيع" في معسكر اليمين الأوروبي، الذي يعتقد أنه أمام فرصة تاريخية ينتظر قطف ثمارها العام المقبل. بصرف النظر عن تحولات ترامب سواء نحو اليمين أو نحو الوسط، تبدو الخيبة كمآل مرجح لذلك الربيع المنتظر. ربما يمكن تشبيه أمل اليمين الأوروبي بربيعه الخاص بالأمل الذي ساد صفوف الإسلام السياسي بعد قيام "الربيع العربي" عام 2011، ووصول الإخوان المسلمين في مصر وتونس إلى السلطة. دفع ذلك فروع الجماعة إلى التفاؤل وكأنها أمام "ربيع الإسلام السياسي"، ولكن ربيعها لم ينتج سوى الخيبة. فإذ تنتعش تلك الجماعات في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لكنها أثبتت دوما انعدام قدرتها على معالجتها.