صدم الكثيرون عبر العالم بنتائج الإنتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت يوم الثلاثاء 8 نوفمبر 2016 وجاءت بترامب ليكون الرئيس الخامس والأربعين، حيث أن غالبية منظمي استطلاعات الرأي والخبراء ووسائل الإعلام التقليدية كانت قد جزمت بشكل يكاد يكون نهائيا بأن هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي ستكون هي المنتصرة على دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري. فجر يوم الأربعاء 9 نوفمبر أصدرت مجلة نيوزويك عددا وفي غلافه "مدام الرئيسة"، ومعناه السيدة كلينتون الرئيسة الأمريكية. السؤال الذي طرح، هل هي من أكبر الفضائح أم من أكبر الأخطاء في تاريخ الصحافة الأمريكية؟. وكادت إدارة هذه المجلة الأمريكية العريقة التي ظهرت في الثلاثينات أن توزع العدد الورقي. وكانت نيوزويك قد تخلت عن الورق وتعتمد الإنترنت وتصدر ورقيا بين الحين والآخر عندما تكون هناك مناسبات كبيرة. واعتبرت فوز كلينتون تاريخيا لأنها أول امرأة في رئاسة الولايات المتحدة. وتسربت صور تظهر هيلاري كلينتون وهي توقع بعض أعداد نيوزويك قبل ظهور نتائج الانتخابات. وبررت إدارة نيوزويك هذا الخطأ بأن معظم الجرائد في الولايات المتحدة واستطلاعات الرأي اعتبرت كلينتون هي الفائزة. وخلف عدد نيوزويك جدلا كبيرا في شبكات التواصل، وظهرت أخبار تقول بأن طرفا في الإدارة الأمريكية حاول تزييف النتائج، وهو ما جعل دونالد ترمب يهدد بعدم الاعتراف بفوز كلينتون. كما أشارت الأخبار في الفاسبوك بأن قادة عسكريين حذورا جهات من مغبة التلاعب بالنتائج في التصويت الإلكتروني. ولا يفهم الكثيرون في الولايات المتحدة كيف أن معظم وسائل الاعلام ومراكز استطلاعات الرأي منحت الفوز لكلينتون بينما كانت مراكز مستقلة تشير الى احتمال فوز ترمب في الانتخابات. فشل الإعلام الواقع هو أن دونالد ترامب لم يكن يحظى بشعبية لدى الصحف الأمريكية، ومن بين الصحف المائة الأوسع انتشارا، لم يحظ المرشح الجمهوري سوى بتأييد اثنتين. وبينما أيدت أكثر من 200 صحيفة كلينتون، حصل ترامب على دعم أقل من 20 صحيفة. وحتى بعض هذا الدعم لترامب كان فاترا على أقل تقدير، وكان أفضل تعليق في هذا الصدد قد ورد من صحيفة "فورت واين نيوز سنتنيل" في السطور التالية: "شكرا للرب على مايك بنس (نائب الرئيس المنتخب)". وصفت صحيفة واشنطن تايمز ترامب بأنه شخص معيب وأقرت بأنه "فظ وسوقي". ما فعلته وسائل الإعلام بالفعل هو أن ترامب أصبح لديه "جميع الأعداء المتوقعين: الخبراء، علماء الاجتماع، وأفراد النخبة والأكاديميون ومروجو الأخلاق المناهضين للسياسات الفاشلة". لقد شعر الإعلام بأن صورة ترامب يمكن أن تُرسم من جانب "وسائل إعلام حزب واحد". وبعد ذلك كان انتصار ترامب ضربة قاسية لهؤلاء الخبراء المبغوضين والمطلعين ببواطن الأمور المقربين من النخبة السياسية "ومروجي الأخلاق"، لكن هذا الانتصار كان أيضا إهانة لآلاف الصحفيين الذين قضوا شهورا يحاولون تحذير الرأي العام من دونالد ترامب. حالة إنكار كتب نبيل نايلي الباحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي، والمحاضر في جامعة باريس يوم 12 نوفمبر: "سيبدأ التغيير فور يومي الأول سنبدأ عملية إعادة بناء بلدنا ونجدد الحلم الأمريكي. سنعيد لأمريكا عظمتها... سنراعي المصلحة الأمريكية أولاً، لكنّنا سنصل لأرضية مشتركة مع كل دول العالم.. أمريكا لن تقبل بعد اليوم بأقل من الأفضل، نحن من سيحدد مصير بلدنا". مقتطف من خطاب النصر لدونالد ترامب. "المازوشيون" و"المنتشون" بنتائج الإنتخابات الرئاسية الأمريكية كان عنوان لمقال كتبته منذ أبريل 2016 أيام كان الحديث عن مجرد إمكانية فوز هذا "الملياردير الأرعن"..نكتة سمجة. حاولنا تبيان -لمن يمارس حالة إنكاره- من هي هيلاري كلنتون، ولماذا لم تكن المرشّح الأفضل للحزب الديمقراطي. أخيرا، أُسدل الستار على انتخابات الرئاسة الأمريكية وأُصيب الكثير بالصدمة وسفهت عديد وكبريات مراكز استطلاعات الرأي ومحلّلون جهابذة، وكنست هذه التي وصفتها ديانا جونستون، في كتابها الذي عنونته ب"ملكة الخراب، وصفتها بأنها: "كبيرة سماسرة الأوليغارشية الحاكمة" في واشنطن! أميرة الخراب التي نجت بقدرة قادر من تبعات فضائح وجرائم رافقت مسيرتها السياسية وسجل حافل بالخروقات والجرائم القانونية والدستورية. ملفات حارقة بعضها متعلق بالأمن القومي الأمريكي كبرى المؤسسات المالية، ولوبي المجمّع الصناعي العسكري، واللوبي الصهيوني، فضلا عن "أشاوس′′ العرب- ممن قال عنهم ترامب نفسه "سواء أحببنا ذلك أم لا، أنا لا أمانع بذلك ولكننا تكبدنا الكثير من المصاريف دون أن نحصل على شيء بالمقابل.. عليهم أن يدفعوا لنا".، مولوا حملتها الإنتخابية، مقابل أن تكون حارسة معبد مصالح هذه اللوبيات قبل مصلحة الشعب الأمريكي أو حلفاء واشنطن ممن احترفوا "المازوشية" فيما شبه لهم أنها علاقة "إستراتيجية" وخاب ظنهم في أكثر من مرة وإن تغيرت وتعاقبت الإدارات دون أن يتعظوا. فاز ملياردير شعبوي متطرف يعد الأمريكيين بأن "يعيد لأمريكا عظمتها"، وهو الذي لا يملك أي خبرة سياسية في انتخابات رئاسية شهدت اسفافا وابتذالا أخلاقيا وضراوة قل نظيرهم، في ما صور على أنه "زلزال سياسي غير مسبوق أغرق الولايات المتحدة والعالم في مرحلة غموض قصوى". نعوم تشومسكي، أفضل من كتب تعليقا على انتخاب دونالد ترامب، فاعتبر الرئيس الجديد "ظاهرة فريدة من نوعها"، بل "حصيلة مجتمع متداع وماض بقوة نحو الانهيار"، موضحا –لمن لا ذاكرة له- "أن المنافسات التمهيدية لنيل بطاقة ترشيح الحزب في السنوات الأخيرة، شهدت مرشحين شعبويين أكثر خطورة من ترامب، مما دفع قواعد الحزب إلى التدخل لتصفيتها، مثل ميشيل باكمان، وريك سانتورم وهيرمان كين، لكن يبدو أن قيادات الجمهوريين لم تتمكن هذه المرة من عمل شيء". في رده على سؤال عن علاقة المشكلات، التي تواجهها الولايات المتحدة كانعدام المساواة والعنصرية والفجوات الإجتماعية والصراعات المتعلقة بالهوية الثقافية، وارتباطها بصعود نجم دونالد ترامب، أكد تشومسكي أن من أيد دونالد "ليسوا من الفقراء، بل أغلبهم من الطبقة العاملة البيضاء، الذين عانوا التهميش خلال حقبة النيوليبرالية، ولنكن أكثر دقة، بداية من عصر رونالد ريغن". هذه الشريحة من الناخبين من أوصلته إلى سدة الحكم، في حين نأى أعضاء من حزبه عنه وانفضوا من حوله. لا يحصر شومسكي الأمر بهذه الأسباب فحسب، إذ يوسع القائمة لتشمل، ما سمّاه "تنامي وتعزيز الشعبوية والقومية المتطرّفة، الذي تشهده أوروبا أيضا"، فيخلُص إلى أن "هناك ارتباطا مباشرا بين دعم الشعبويين المستبدين والتحمس لصعود ترامب، فالكثير منهم يشعرون بأنهم مهددون بصعود النسوية، وآخرون بأوضاع يعتبرونها مخلة بالنظام الذي يرونه ملائما. ومن هذا الخليط خرجت توليفة شديدة الخطورة". الشعب الأمريكي، الذي تعالت عليه "النخبة" و"انتخبت" قبله مراكز استطلاع الرأي، ومراكز البحوث والمحلّلون وسفّهت تطلّعاته هذه الهيلاري، كما سفّهها من قبل، سلفُها، صاحب الوعود الكاذبة، عزف وسئم نخبة حاكمة مغرورة، تعيش في برجها العاجي انفصاما وإنكارا لمشاكل الناخب الأمريكي، وتطلّعاته، وكنسها بطريقته، فاختار المحبطون الذين ملّوا استمرار الخديعة، اختاروا من احتقر "مؤسسة الحكم"، وتمرّد على الأعراف والنواميس الدبلوماسية. أُنتُخب من نُعت ب"الرعونة" والصلف وقلة الخبرة السياسية، والجنون ووصف بال"عنصري، واليميني المتطرّف، محتقر المرأة، وكاره المسلمين والإسلام، الراغب في إغلاق حدود الولايات المتحدة في وجوههم ووجوه غيرهم من المكسيكوأمريكا اللاتينية"، وأغلب تلك الأوصاف والنعوت التي استحقها المرشح الجمهوري، ولكن خطابه الشعبوي المتطرف والعنصري لاقى آذانا صاغية لدى الشريحة "الصامتة"، التي يقول عنها نعوم تشومسكي، إن "الديمقراطيين تخلوا عنهم منذ السبعينات من القرن العشرين". حالة إنكار ذاتها التي لم تتوقع فوز خيار "البريكست" في بريطانيا، وقد تنتابها نفس "الصدمة" في الإنتخابات الفرنسية القادمة! خيار الناخب الأمريكي، الذي فاجأ الجميع ممن شبهت لهم المؤسسة الرسمية ومكنة الإعلام ومراكز البحوث أن فوز كلينتون مضمون، وجب استيعاب دروسه وفك شفرة رسائله ومضامينه. يُؤاخذ البعض على ترامب قوله إنه "ينوي التخلّي عن سوريا وأنه يعتزم دعم علاقات أفضل مع روسيا ومحاربة تنظيم داعش بلا هوادة، ووقف دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة "حتى التوصل إلى طريقة يمكن معها معرفة توجّهاتهم قبل دخولهم إلى البلاد". وغيرها مما يسميه الرئيس الفرنسي تمهيدا "لمرحلة غموض"، وتنسى "جوقة النائحين" على رحيل هيلاري كلنتون من هي فعلا "أميرة الخراب"؟. وما هي برامجها السابقة والتي أعلنت بعضها خلال حملتها؟. ومن يقف وراءها؟. أليست هيلاري هي من أيدت غزو العراق واحتلاله، وساهمت في قتل الرئيس الليبي والتنكيل به، أم نسي بعضهم تبجحها ب"نجاح" العملية العسكرية في ليبيا، مستشهدة بتعبير لاتيني منسوب ليوليوس قيصر حول انتصاراته العسكرية، بمعنى "جئت، رأيت، انتصرت"؟. أليست هي من من كانت تهدد -صباح مساء بالتدخل العسكري في سوريا؟. واستكمال الخراب المنظم شرقا وغربا. نحن لا نهلل ولا نأسف لا لهيلاري ولا لترامب ولا غيرهما وما يعنينا فقط من العلاقة العربية الأمريكية هو مدى توافقها أو التقائها أو تعارضها مع مصالح هذه الأمة. وهنا وجب الختام بسؤال أخير حارق .. متى سيعي أخيرا الشاعرون بخيبة أمل رحيل أميرة الخراب والمنتشون بفوز ترامب في "مسرحية" الإنتخابية الرئاسية الأمريكية -على حد سواء- الدرس الذي جاء على لسان صاحب الكتاب الشهير بعنوان ‘العالم الذي صنعته أمريكا'، الكاتب اليميني المعروف روبرت كاغان، في ثصريحه البليغ : "إن كثيرا من الناس يخطئون إذا اعتقدوا أن هناك سياسة خارجية أمريكية خاصة بالجمهوريين والمحافظين وسياسة خارجية أخرى خاصة بالديموقراطيين. السياسة الخارجية الأمريكية، في كل الأوقات وتحت كل القيادات، انعكاس دائم ومتواصل لمبادئ المحافظين الجدد، أي أنها في الأصل الثابت: سياسة خارجية يمينية متطرفة"؟. هلا استوعبتم؟". موعد يوم 19 ديسمبر جاء في تقرير ورد من واشنطن: "منذ اللحظة التي أعلن فيها فوز دونالد ترامب بمنصب رئاسة الولايات المتحدةالأمريكية، سارعت وسائل الإعلام إلى التهجم عليه وعلى نهجه، حتى أن عدة مدن أمريكية في ولايات مختلفة اكتظت بالمحتجين على سياسته وفوزه على غريمته هيلاري كلينتون. وبعد صدمة فوز ترامب، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالدعوات إلى التظاهر والاحتجاج على النتائج . لكن هل تنجح تلك الاحتجاجات في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وإدخال كلينتون إلى البيت الأبيض؟. منذ فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية، تواصلت المظاهرات المنددة بانتخابه في عدة مدن أمريكية كبرى، إذ جيشت وسائل الإعلام آلاف المحتجين على فوزه وحشدتهم في العديد من المدن الأمريكية. فقد نشرت شبكة "إن بي سي" الإخبارية تقريرا مفاده أن ترامب فاز وألهب مشاعر الجماهير التي ثارت ضد سياسته. وعلقت صحيفة "نيويورك تايمز" في افتتاحيتها التي نشرت بعنوان "العالم ينتظر ويتساءل حول ترامب" تقول، إن فوز المرشح الجمهوري "هز الديمقراطيات الغربية التي اعتادت على النموذج الأمريكي في الديمقراطية". وأضافت الصحيفة: "لم تكن الولايات المتحدة سوى منارة للديمقراطيات في العالم الغربي والحر، واليوم على ترامب أن يأخذ هذ الأمر على محمل الجد، ويجب عليه أن لا يضيع الوقت في سبيل ذلك". ونشرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" مقالا بعنوان: "ليس رئيسي" في إشارة تحريضية من ولاية كاليفورنيا، الديمقراطية التوجه، للسكان للتظاهر والتجمهر ضد ترامب. ونشرت مجلة "ذا أتلانتيك" تقريرا يفيد بأن الأمريكيين فقدوا الثقة فيمن ينتخبون بسبب هوس الإعلام وتضليله، ما دفعهم إلى التعبير عن رفضهم لترامب بالتوجه للشارع. وعلَق موقع "جيوسترتيجيك ميديا" على المظاهرات التي تجوب شوارع عدة مدن أمريكية بالقول: "إن ما يجري ليس مفاجئا، لأن الفوز لم يكن متوقعا حتى لأكثر المتفائلين من فريق ترامب. لذلك لا بد من دور للصدمة، كما أنه لا بد من دور يلعبه الإعلام والسياسيون والمال السياسي الذي يدفع هنا وهناك ليحرك الشباب الذي يتظاهر في عدة مدن أمريكية ضد ترامب باعتباره فائزا غير متوقع، في مسعى للوصول إلى نظرية أو مفهوم "الناخب الغدار" للتأثير يوم 19 ديسمبر 2016 على أعضاء المجمع الانتخابي، حيث سيصوتون حينما يجتمعون بالنيابة عن ناخبيهم، إذ سيدلي الأعضاء بأصواتهم لاختيار مرشحهم الرئاسي". وأضاف موقع "جيوسترتايجيك ميديا" أنه حتى الآن لم يصبح دونالد ترامب الرئيس الأمريكي بعد، فهناك خطوة واحدة باقية قد تقلب موازين نتيجة الانتخابات، إذ قد يصبح المنصب من نصيب الخاسرة هيلاري كلينتون، وفقاً للقانون الانتخابي الذي يسمح بعكس نتيجة الانتخابات". وأضاف الموقع أن "ظاهرة الناخب الغدار تغذي الأمل في نفوس البعض للعدول دون تنصيب ترامب رئيسا للولايات المتحدة. رغم الاحتمال الضعيف بأن يقوم المجمع بعكس النتجية". وقال فريد زكريا، المحلل السياسي ومقدم برنامج على شبكة "سي إن إن" إن هناك عددا من التصريحات التي أدلى بها ترامب خلال حملته الانتخابية هي التي دفعت بالعديد من الدول والحلفاء للقلق من دور أمريكا مستقبلا. وأضاف: "ما اقرأه وأسمعه من أشخاص خارج الولايات المتحدة يتلخص في قلق يتمثل بأن الولايات المتحدةالأمريكية هي الضامن للنظام العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية". وأضاف زكريا: "يبدو ترامب بعيدا عن هذا النظام العالمي، وهذا ما يقلق حلفاءنا في أوروبا وآسيا". وتساءل زكريا: "هل حقا يقصد أن على اليابانيين التصرف على عاتقهم والحصول على سلاح نووي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى كوريا الجنوبية؟ وهل ينبغي على السعودية الحصول على سلاح نووي؟ هذا هو الجزء الذي أجده يقلق أغلب الناس". الثورات الملونة نشرت صحيفة "إيزفيستيا" مقالا للمحلل السياسي الأمريكي أندريو كوريبكو، يتحدث فيه عمن يشرذم الولايات المتحدة بعد انتخاب ترامب، ولماذا؟ جاء في المقال: نتائج الانتخابات الرئاسية تُشرذم المجتمع الأمريكي والطبقة السياسة. فالجزء الأكبر من المؤسسة الحكومية ووسائل الاعلام والخبراء سخر كل قواه لإقناع الناخبين بأن ترامب خاسر لا محالة. ويمكن أن نعد هذه أكبر عملية غسل أدمغة للناخبين الأمريكيين. والآن لأسباب مفهومة من الصعب الاعتراف بالهزيمة. ولذا، تعيش الولايات المتحدة اليوم حالة صعبة في عملية تحول السلطة السياسية. ومن الطبيعي أن يحاول أنصار هيلاري كلينتون، الذي سيحرمون من مناصبهم المؤثرة، بالسبل والوسائل كافة، تحريف نتائج الانتخابات وتشويه سمعة الفائز. وتنظم في هذه الأيام اجتماعات حاشدة في المدن الأمريكية الكبيرة، تنتهي عادة بأعمال شغب. وهذا ليس إلا عنصرا من عناصر "الثورات الملونة" التي استخدمت بعد الانتخابات في جورجيا وفي أوكرانيا وعدد من بلدان الشرق الأوسط. ويرمي منظمو هذه الاحتجاجات إلى بلوغ هدفين. فهم من جانب يسعون لاستعراض رفضهم نتائج هذه الانتخابات، ويحاولون الضغط على السلطة، ومن جانب آخر زعزعة الأوضاع إلى درجة، بحيث يضطر ترامب عند استلامه السلطة في منتصف يناير 2017 إلى استخدام القوة ضد مواطنيه. وتكمن المسألة في أن هيلاري كلينتون نفسها والعديد من أنصارها ومن بينهم جورج سوروس، يخافون جدا من أن يتخذ مكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة العدل قرارا بالشروع بإجراء تحقيق بشأن قضايا جنائية اقترفت عندما كانت كلينتون وزيرة خارجية الولايات المتحدة. كما أن المسألة تكمن في عدم قدرة باراك أوباما، الذي سيبقى رئيسا للبلاد خلال فترة الشهرين المقبلين، على احتواء هذه الاحتجاجات المتنامية. ومن جانب آخر يسعى أنصار الحزب الديمقراطي والمحافظون الجدد العاملين في مؤسسات الدولة، القوات المسلحة، الأجهزة الأمنية، ووزارة الخارجية، إلى اثبات صحة تأكيدات أولئك الذين قالوا إنه في ظل ترامب تصبح الدولة الأمريكية "دكتاتورية فاشية". وكلما استخدم ترامب قسوة أكثر في قمع هذه الاحتجاجات وأعمال العنف، زاد اتهامه من قبل أنصار كلينتون باستخدام أساليب غير ديمقراطية. من أجل ذلك سوف يسعون في كل مدينة كبيرة لتنظيم "ميدان" وفق التكنولوجيا المعروفة. لذلك، فإن الوضع حاليا غير مريح في الولايات المتحدة. باراك أوباما لن يتدخل أو بالأحرى عاجز على التعامل مع هذه الاحتجاجات التي انتشرت في البلاد. وأكثر من هذا، لن أستغرب أن يقوم بقيادة الحركة المناهضة لترامب بعد مغادرته البيت الأبيض. ومقابل ذلك، سوف يضطر ترامب إلى استخدام الحرس الوطني لقمع هذه الاحتجاجات. أي سيضطر إلى اتخاذ القرار الذي يدفعه إليه منتقدوه. وكما لاحظنا خلال الاضطرابات التي وقعت في سانت لويس وفيرغسون وبالتيمور وغيرها من المدن الأمريكية، استخدم منظمو هذه الاضطرابات عناصر معادية للمجتمع، وهذا عنصر آخر من عناصر "الثورات الملونة". بيد أن أنصار المرشح الخاسر يجب أن يدركوا: أعجبهم الفائز أم لا، فهو فاز في المنافسة الرئاسية. وإنه فاز بصورة قانونية، واحترام القانون واجب. ممول الاحتجاجات ربما سيكون من سخريات القدر أن السلاح الذي إستخدمته بعض الأجهزة الأمريكية لنشر ما سمي بالفوضى الخلاقة في عدة مناطق من العالم وخاصة الشرق الأوسط، قد أخذ يرتد على الأوساط المؤثرة في واشنطن. وكالة أنباء رويترز ذكرت أن منظمة "موف أو أورغ" الأمريكية تقف خلف المظاهرات التي تجري في الولايات المتحدة ضد انتخاب دونالد ترامب لمنصب الرئاسة. وتدعو هذه المنظمة للتظاهر تحت شعار "الديمقراطية تعمل" وهي تحصل على تمويلها من عدة مصادر أهمها الملياردير جورج سوروس. ويرى المحلل السياسي ماركو غاسيتش أن المنظمة تسعى إلى إقناع الجمهور بأن ترامب يشكل تهديدا للمجتمع الأمريكي. ويوم السبت 12 نوفمبر انتهى تجمع حاشد في مدينة بورتلاند بوقوع اشتباكات مع الشرطة. وتفيد التقارير أن الشرطة اعتقلت في الأيام الاخيرة عدة مئات من المتظاهرين. ووفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" فإن أكثر من 70 في المئة من مؤيدي الحزب الديمقراطي تقبلوا نتائج الانتخابات الرئاسية لأن ترامب فاز في منافسة نزيهة ولكن بعض المنظمات غير الحكومية والاجتماعية تدعو علناالأمريكيين للمشاركة في الاحتجاجات. ووفقا للمواد التي نشرها موقع "ويكي ليكس"، "تحصل منظمة "موف أو أورغ" المؤيدة للحزب الديمقراطي على قسم من تمويلها من الملياردير جورج سوروس الذي يعتبر من أنشط المشاركين في جماعات الضغط السياسي في الولايات المتحدة ويعرف عنه تمويله للكثير من ما يسمى الثورات الملونة والانتفاضات الشعبية في مختلف دول العالم". وتفيد المعلومات المتوفرة بأن سورس كان قد أوعز إلى هيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة خارجية الولايات المتحدة بخصوص إثارة الاضطرابات في ألبانيا في 2011. وبفضل المعلومات التي نشرها الهاكرز في وقت سابق تبين أن صندوق "المجتمع المفتوح" الذي يموله سوروس حاول التأثير على العمليات السياسية في كل أوروبا. ووجهت للملياردير التهمة مرارا بالتورط في تمويل "الثورات" في دول أوروبا الشرقية وجورجيا. ويلفت للنظر أن رئيس جمهورية أوكرانيا بيترو بوروشينكو قام في عام 2015، بتقليد الملياردير" وسام الحرية"، مشيرا إلى أن نشاط سوروس "ساهم بشكل كبير في التحولات الديمقراطية التي تجري في أوكرانيا". ويقول الخبير ماركو غاسيتش إن سوروس يسعى دائما لتحقيق المنفعة لنفسه من تكوين الديمقراطيات التي تناسبه في مختلف الدول والآن جاء دور الولايات المتحدة. وضع خطير كتب الدكتور ديل أركر بداية من شهر سبتمبر 2013 مقالين في مجلة فوربس الامريكية المحافظة بعنوان :" فروقات الثروة: جاء في المقال الاول : " كل الكلام عن تفاوت الثروة في السنتين الاخيرتين يستحضر السؤال : هل ستقود فروقات الثروة هذه الى ثورة ؟... ان اغنى واحد بالمئة يمتلكون 40 بالمئة من ثروة الأمة المقدرة ب 54 تريليون دولار. هذا يترك فقط 7 بالمئة لثمانين بالمئة من المواطنين. ولنضعها بشكل آخر فإن اغنى 400 امريكي يمتلكون أكثر من ما يمتلكه 150 مليون امريكي أي أكثر من نصف سكان الولايات المتحدة ...". ويضيف في مقاله الثاني بتاريخ 11 سبتمبر 2013: "يعيش 47 مليون أمريكي على اعانات الدولة للحصول على الاكل وحسب احصائيات وزارة الزراعة الاخيرة فإن 15 بالمئة من الشعب الامريكي يمكن اعتبارهم غير واثقين من أين سيحصلون على وجبة غذائهم التالية .... ولدولة من مصاف الدول المتقدمة فهذا رقم مخيف". عند اندلاع الازمة الاقتصادية سنة 2008 كتب الخبير النفطي الدولي عبد الحي يحيى زلوم في كتاب عنوانه " ازمة نظام" ما ملخصه ان ما تمر به الولايات المتحدة هو ازمة نظام باكمله لا ازمة اقتصادية وان الولايات المتحدة لن تخرج من الازمة كما دخلتها. اباطرة المال في وول ستريت وهم اصحاب النظام الرأسمالي الحقيقيون ارادوا رجلا اسود لايام سوداء كانت نتيجة ادوات مالية فاسدة ارتدت عليهم فارادوا من الرئيس القادم ان يقدم لبنوكهم وشركاتهم المنهارة من اموال دافعي الضرائب الكادحين لانقاذ مؤسساتهم. كانت حملة اوباما الرئاسية الاغلى في التاريخ وتَكَفَل بتمويل معظمها بنوك وول ستريت وشركاته. شكل اوباما لجنة انقاذ من ثلاثة كان ثلاثتهم من وول ستريت وكان ثلاثتهم يهود من أنصار اللوبي الصهيوني. فتح هؤلاء صنابير تريليونات الدولارات على وول ستريت ومؤسساته. بنك سيتي غروب مثلاً مده باكثر من 60 مليار دولار نقدا و300 مليار دولار ضمانات ادوات مالية بالرغم من أنه قد تم تعريفها بأنها فاسدة. وعلى ذلك قس. في المقابل فقد ملايين الامريكان وظائفهم واصبحوا غير قادرين على سداد اقساط بيوتهم فارسلت الدولة برجالها لقذف المتخلفين عن الدفع للشوارع وهكذا تم انقاذ من سبب الكارثة الاقتصادية ومعاقبة ضحاياها. انتخب البسطاء الأسود الذي كان شعاره " التغيير" لكن التغيير كان لوعوده فكفر البيض والسود بالنظام الظالم الذي عانوا من ويلاته. افضل وصف لهذا الظلم جاء من استاذ الاقتصاد جوزيف ستيغلز الحائز على جائزة نوبل حيث وصف ما حدث "بخصخصة الارباح واشتراكية الخسائر". ترامب وإسرائيل قيل الكثير عن مواقف الرئيس الأمريكي الجديد من إسرائيل، ولكن قلة أدركوا أن مواقف واشنطن من المساندة الكاملة للكيان الصهيوني لا تتبدل، ما يتغير هو الأساليب فقط في تقديم الدعم وبناء الوهم لدى خصوم إسرائيل. يوم الإثنين 14 نوفمبر 2016 اعتبرت أوساط سياسية وإعلامية إسرائيلية تصريح ترامب بأنه عازم على تحقيق اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، "مفاجأة من العيار الثقيل" و "تشوش على احتفالات اليمين الإسرائيلي" التي رأت في فوزه بالرئاسة الأمريكية "نهاية فكرة الدولة الفلسطينية"، معتمدة على تصريحاته في المعركة الانتخابية بأنه لن يضغط على إسرائيل لاستئناف العملية السياسية مع الفلسطينيين. واختارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عنواناً لافتاً لهذه التصريحات: "ترامب يغيّر الاتجاه"، واعتبرت تصريحاته إلى صحيفة "وول ستريت جورنال" بداية "نزول ترامب عن شجرة وعوده الصارمة والحادة والخيالية أحياناً في حملته الانتخابية". وأضافت أن حديث الرئيس المنتخب عن عزمه حل الصراع لم يكن التغيير الوحيد في مواقف "ترامب الجديد" إنما أيضاً وعده في حملته الانتخابية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ونقلت "يديعوت" عن مستشار الرئيس وليد فارس قوله في هذه الشأن "رؤساء كثيرون أطلقوا مثل هذا الوعد… أيضاً ترامب وعد بذلك، لكن عليه أن يوفر إجماعا لتحقيق ذلك"، وهو تصريح اعتبرته الصحيفة تمهيداً لتراجع ترامب عن وعده. وطالب رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو وزراءه ونواب الكنيست بالانتظار حتى تتسلم الإدارة الأمريكيةالجديدة مهماتها "لنبلور معا السياسة عبر القنوات المتبعة والهادئة، وليس من خلال مقابلات إعلامية". وحاول الوزير تساحي هنغبي التقليل من حجم المفاجأة من تصريح الرئيس المنتخب في شأن حل الصراع، فقال إن الأهم هو أن انتخابه يضع حداً لأمل الفلسطينيين باحتمال فرض حل دولي على إسرائيل. وأضاف أن الإدارة الجديدة ستوضح للفلسطينيين أن عليهم استئناف المفاوضات المباشرة مع إسرائيل. ونصح زعيم حزب "يش عتيد" "هناك مستقبل" الوسطي المعارض يائير لبيد نواب اليمين بعدم التسرع في إطلاق مشاريع بناء في مستوطنات الضفة الغربية، و"عليهم تجنب إنتاج عناوين صاخبة، والعض على النواجذ والانتظار حتى نبلور علاقاتنا مع الإدارة الجديدة". واقترح النائب من تحالف "المعسكر الصهيوني" المعارض ايال بن رؤوفين على زملائه من اليمين الكف عن الاحتفالات "لأن انتخاب ترامب لا يعني أبداً انتهاء حل الدولتين، إنما هذا هو الحل الوحيد المطروح". وتهكم المعلق السياسي المخضرم ايتان هابر في "يديعوت أحرونوت" على أقطاب اليمين وقادة المستوطنين على احتفالهم بفوز ترامب لتوقعهم أنه سينفذ وعوده الكثيرة خلال حملته الانتخابية لإسرائيل، متناسين حقيقة أن السياسيين ينأون بنفسهم عن وعود أطلقوها قبل وصولهم إلى سدة الحكم، و"هو ما حصل في إسرائيل مع انتخاب مناحيم بيغين رئيساً للحكومة عام 1977 الذي وعد الناخبين بعدم الانسحاب حتى من شبر واحد في سيناء ثم انسحب حتى الشبر الأخير، ثم آريئل شارون، بلدوزر الاستيطان، الذي هدم المستوطنات في سيناء كوزير للدفاع في حكومة بيغين ثم في قطاع غزة عام 2005 كرئيس للحكومة". وأضاف أن السياسيين طالما برروا التغيير في مواقفهم بالمقولة الشهيرة "أن ما نراه من هنا من موقع المسؤول الأول لم نرهُ من هناك"، و"في حالتنا ما يرونه من هنا داخل البيت الأبيض لا يرونه من هناك منصة انتخابية في نيو همبشير". واختتم: "هذا سيكون الحال مع ترامب… لن يقول إنه لم يعرف… لكنه سيقول إن الوضع تغير والمعطيات تغيرت والظروف تغيرت". واتفق معه في تحليله زميله من "معاريف" بن كسبيت الذي دعا أقطاب اليمين إلى أن يصحوا من نشوتهم. وكتب أنه ليس مصادفة أن نتانياهو لم يشارك المحتفلين في انتشائهم لإدراكه أن الرئيس المنتخب غير متوقع. وأضاف أن الرئيس الجديد لا يحمل أي أيديولوجية، و"هو لا يدعم إسرائيل لأسباب دينية، إذ إنه لم يترعرع على دعم إسرائيل، وعلاقته الحقيقية باليهود باردة في أحسن الأحوال، وتلامس اللا سامية في حالات أخرى… وأنصح كل المحتفلين متابعة انتعاش العداء للسامية الذي جاء به انتخاب ترامب".