كان اليمين المتطرف يتطلع نحو أوروبا منذ نحو 20 عاما. والدوافع هي ذاتها في كل مكان. أولا لا علاقة للأحزاب الديمقراطية بذلك. الطبقات العاملة المكروبة بالعولمة التي تبدو مجرّدة من أمن الحدود القومية وتركت لرحمة الطبقة الثرية ذات رأس المال. وقد انتبه المواطن العادي الى أن اوروبا سرقت منه سيادته، بينما "يهدد تعدد الثقافات هويته الثقافية" في عقر داره. صعود اليمين المتطرف يغذي هذه المخاوف التي اولدتها الأزمة المالية الهائجة منذ خمسة أعوام والتي رافقها تأجج الفقر، خسارة المكانة الاجتماعية وانعدام الفرص. رسالة الديماغوغيين، الذين يمتطون موجة تلك المخاوف عبر تأجيجها، متشابهة في كل مكان: العداء للطبقات العليا "ايليت" – مصلح مبهم يعوض الزعماء وأعضاء الطبقة السياسية، اليمين واليسار على حد سواء – على حساب "الناس الصغار"، الحرب ضد الهجرة، بالأخص هجرة المسلمين، تعتبر خطرا للهوية القومية، كراهية "بروكسل" – مرادف لمن يغتصب سلطة سيادية، قرف من "الاصلاح السياسي" الذي يدعون أنه يؤجج الحقيقة ولكنه "يطلق سراح" العنصرية الريتوريكية (الكلامية). وخير مثال على ذلك – نعت وزيرة العدل الفرنسية المولودة في غينيا كرستين تاوبيرا ب"القردة" عدة مرات في عناوين الصحف، بما في ذلك "ذي مينوت" الأسبوعية. و كانت صحيفة "الجارديان" البريطانية قد نشرت تفاصيل دراسة جديدة توصلت إلى أن اليمين المتطرف آخذ في الصعود في جميع أنحاء أوروبا مع ظهور جيل جديد من الشباب على الإنترنت من المؤيدين للجماعات الوطنية المتشددة والمعادية للمهاجرين، وتشير الصحيفة إلى أن الدراسة التي أجراها مركز ديموس البحثي البريطاني تأتى نتائجها قبيل اجتماع للسياسيين والأكاديميين الأوروبيين في بروكسل لدراسة هذه الظاهرة. وتتناول هذه الدراسة اتجاهات أنصار اليمين المتشدد على الإنترنت، ورأت أنه من خلال استخدام الإعلانات على صفحات الفيس بوك الخاصة بتلك الجماعات اليمنية، تم إقناع أكثر من 10 آلاف من أتباع حوالي 14 حزب ومنظمة في 11 دولة بملء استبيانات مفصلة. وتكشف الدراسة، حسبما تقول الصحيفة، عن انتشار المشاعر القومية المتشددة بين الشباب عبر القارة الأوروبية، وخاصة الرجال ممن يستهزءون بشدة من حكومات بلادهم والاتحاد الأوروبي. وأوضحت أن الخوف العام لديهم إزاء المستقبل يركز على الهوية الثفافية والقلق من الهجرة ولاسيما انتشار ما يرون أنه نفوذاً إسلامياً. ونقلت الصحيفة عن إماين بوزكورت الذي يترأس لوبي لمناهضة العنصرية في البرلمان الأوروبي، قوله "نحن في مفترق طرق في التاريخ الأوروبي. فخلال خمس سنوات إما سنرى زيادة في قوى الكراهية وانقساماً في المجتمع يشمل القومية المتطرفة وكراهية الأجانب والإسلاموفوبيا والعداء للسامية، أو سنصبح قادرين على محاربة هذه النزعة المروعة". اليمين المتطرف من الظل إلى الأضواء خلال السنوات الاخيرة شهدت القارة الاوروبية, صعود أحزاب يمينية متطرفة, تتحد حول معارضتها للقيم والمبادئ التي تنادي بها أحزاب الوسط الحاكمة في معظم البلدان الاوروبية, وفي مقدمتها, الليبرالية والتعددية الثقافية والدينية والمساواة في الحقوق. وعلى الرغم من الفوارق القائمة بين أحزاب اليمين المتطرف الاوروبية, فان معظمها يجمع على معاداتها للمهاجرين وللاجانب خاصة المسلمين منهم في ظل إحصائيات تشير ان عدد المسلمين في اوروبا الغربية, يقدر بحوالي عشرين مليونا, او ما يشكل 5% تقريبا من مجموع سكان تلك الدول و كذلك في ظل توقعات تشير أن نسبة المسلمين في اوروبا الغربية ستبلغ بحلول عام 2050, نسبة 20%, وتستند تلك التوقعات الى انخفاض نسبة التكاثر الطبيعي لدى سكان اوروبا الاصليين, وبقاء نسبة التكاثر الطبيعي لدى سكانها المسلمين عالية, إضافة الى استمرار تدفق المهاجرين المسلمين, على الرغم من القيود التي تفرضها تلك الدول للحد من موجات الهجرة إليها. كما تعتمد هذه الأحزاب على معارضتها في البقاء داخل الاتحاد الاوروبي, حيث تطالب باعادة دول هذا الاتحاد الى سابق عهدها. ويعزو الخبراء صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة الى الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها دول القارة الاوروبية منذ اواخر العقد الماضي, من جهة, والى ارتفاع عدد المهاجرين, ولا سيما المسلمون, في دول هذه القارة, وعدم اندماج نسبة كبيرة من هؤلاء داخل المجتمعات الاوروبية المسيحية, بالإضافة إلي أزمة الأحزاب السياسية التقليدية والكبيرة في الدول الأوروبية. ويعد صعود اليمين المتطرف في أوروبا ظاهرة متكررة، ففي الثمانينات من القرن الماضي، حقق اليمين الأوروبي المتطرف عدة اختراقات، أثبتت أنه بات يشكل قوة سياسية لافتة علي الساحة الأوروبية, كما أن اليمين الأوروبي المتطرف غرس جذوره في أعماق التاريخ, ويذكر أن محطات صعود التيار اليميني المتطرف تعود أساسا إلي عامي 1946 و 1949 ممثلة في أحزاب ألمانية وإيطالية، ثم ظهرت مجددا بين عامي 1950 و 1970 وضمت اليمين الفرنسي بقيادة بيار بوجار، واليمين الألماني الذي حاز 2 % من أصوات الناخبين في 1965 ثم كانت محطة ثالثة لصعود تيارات اليمين المتطرف في 1970 في البلدان الاسكندنافية. وقد بدأت بوادر ظهور التيار اليميني المتطرف في صورته الحديثة في أوروبا في تسعينات القرن الماضي، تزامناً مع بروز خطر جماعات اليمين المتطرف في الولاياتالمتحدة عقب تفجير أوكلاهوما سنة 1995 بشاحنة ملغومة، بعد ذلك شهد العالم ظهور جماعات النازيين الجدد أو حليقي الرؤوس في ألمانيا وبعض دول أوروبا الشرقية. ويرجع تزايد نفوذ النازيين الجدد إلى تراجع قوى اليسار الغربي التقليدية التي سادت خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وصعود قوى اليمين الثقافي والديني في الغرب, ويعتمد أنصار تلك الحركات على أخطاء الأنظمة السياسية القائمة، بهدف كسب التعاطف والتأييد الكبيرين، بالاعتماد على كثير من الشعارات الشعبوية المعروفة التي تجذب الجماهير مثل قضية المهاجرين والأقليات القومية غير المتكاملة مع المجتمع المحلي والبطالة. الأجندة المقلقة يبدو أن العديد من دول القارة الأوروبية، قد بدأت تشعر ببالغ القلق من صعود أحزاب وحركات اليمين المتطرفة في أوروبا، التي بدأت خلال الفترة الأخيرة تحقق انتصارات ملفتة سواء في الانتخابات التشريعية والبلدية أو على مستوى استطلاعات الرأي التي تجريها مراكز الدراسات والتحليل وقياسات الرأي. وهي تستقطب أصوات المشككين بجدوى بقاء الاتحاد الأوروبي على هذا الوضع، وتخلخل مرتكزاته الأساسية التي أخذت تعصف بها مؤثرات التغييرات الاقتصادية الكاسحة التي شهدتها غالبية هذه الدول منذ مطلع الأزمة المالية العالمية في العام 2008 والمناهضين للعولمة، وإلى تنامي موجات الهجرة واللجوء إلى أوروبا. و مما يزيد قلق القادة الأوربيين, النتائج الانتخابية الإيجابية لأحزاب اليمين المتطرف في فرنساوهولندا والمجر وإيطاليا وبلجيكا واليونان والسويد والدنمارك، و التي عززت الآمال في وصول الأحزاب وحركات التطرف العنصرية والشوفينية الحديثة والمعاصرة إلى الواجهة السياسية والاجتماعية، في البلدان الأوروبية الأكثر تطوراً في مجال الحريات العامة والديمقراطية الواقعية والحكم البرلماني الدستوري وحقوق الإنسان. وفي هذا الإطار أعلنت خمسة أحزاب أوروبية يمينية متطرفة عن تشكيل تحالف موحد في أوروبا لتحقيق التعاون المشترك بينها على رغم وجود بعض الخلافات الايديولوجية والفكرية، التي كانت قد عطلت كل مبادرات تشكيل التحالفات السابقة، وذلك تحت مسمى «تحالف الحركات القومية الأوروبية»، ويضم حزب الجبهة الوطنية الفرنسي الذي تتزعمه مارين لوبان، والذي حقق انتصارات انتخابية محلية جزئية في مناطق جنوبفرنسا, حزب الجبهة الوطنية البلجيكي، الذي استطاع أن يمد أذرعه في بعض المناطق الفقيرة, وحزب فياماتريكولور الإيطالي العنصري الشوفيني، والحزب الديمقراطي القومي المتطرف في السويد. وتشعر بعض الحكومات الغربية بالأسف لتنامي حركات التطرف والعنصرية في أوروبا، وحصول بعض الأحزاب اليمينية القومية على مواقع متقدمة في المؤسسات التشريعية الوطنية كما هو الحال بالنسبة إلى حزب يوبيك المجري الذي يتزعمه جابور فونا، وهو يحتل المرتبة الثالثة بين أحزاب البرلمان المجري بمجموع 42 مقعداً من أصل 386 مقعداً من مقاعد البرلمان وله ثلاثة نواب في البرلمان الأوروبي. وحزب الحرية الهولندي الذي يتزعمه غريت ويلدرز وهو حزب يميني متطرف جداً ومناهض للإسلام، وقد رفع في حملته الانتخابية الأخيرة شعار وقف «أسلمة هولندا» وفرض ضريبة مالية على حجاب النساء المسلمات في البلاد، ويحظى بمجموع 24 مقعداً من أصل 150 مقعداً في البرلمان الهولندي حيث يعتبر ثالث أكبر قوة في البرلمان الهولندي بعد ست سنوات فقط على تأسيسه. وحزب الشعب الدنماركي الذي يتزعمه كريستيان توليسين، الذي حصل على نسبة 19.7 في المئة من الأصوات في استطلاع جديد للرأي العام الدنماركي أجرته مؤسسة «أوربينيون» للدراسات والتحليل، بعد أن كان قد حصل على نسبة 12.3 في المئة في الانتخابات التشريعية الدنماركية التي جرت في سبتمبر/ أيلول 2011. وحزب الفجر الذهبي المتطرف اليوناني, خامس أكبر حزب في البرلمان اليوناني و الذي يتزعمه نيكوس ميخالولياكوس، والذي استطاع أن يجمع من حوله قاعدة جماهيرية واسعة على رغم تطلعاته الفاشية، مستفيداً من عمق الأزمة المالية الخانقة، التي لاتزال تعيش على وقعها اليونان حتى اللحظة، لأنها تخشى من أن يؤدي الصعود السريع للأحزاب المتطرفة القومية، إلى تهديد انسجام وعمل الاتحاد الأوروبي بشكل خطير و ذلك في إطار توقع عدد من المحللين الأوروبيين صعود هذه التيارات في انتخابات النواب للبرلمان الأوربي في مايو/ أيار عام 2014 . وأبرز ما يكون هذا القلق في فرنسا, حيث حزب مارين لوبان الذي ورثته من والدها فاز لتوه في الانتخابات البلدية بجنوبيفرنسا، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن 24% من الناخبين الفرنسيين سيصوتون له في الانتخابات الأوروبية الربيع المقبل, وهولندا حيث تشير مصادر أوروبية إلي أن نسبة الأفراد المنتمين إلي تيارات اليمين المتطرف تصل إلي 17%، والدول الاسكندنافية، التي أخذت تغزوها مختلف مظاهر التطرف والعنف والشوفينية الجديدة، بسبب اتساع موجات الهجرة والبطالة وتردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية، وتريد في الوقت الراهن على الأقل تثبيت كياناتها السياسية والعسكرية والأمنية بقوة داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي. و من أبرز النتائج السلبية لبروز الحركات النازية الجديدة, زيادة النظرة السيئة للمسلمين، ومن ثم زيادة ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، كذلك فإن عدم ردع هذه الحركات سيؤدي إلى تزايد التطرف اليميني في شرق أوروبا، لاسيما في المجر وتشيكيا، حيث تشكلت جماعات شبه عسكرية . ففي روسيا، أفادت منظمات حقوق الإنسان بأن أعمال العنف الوحشي بلغت ذروتها، حيث دأبت جماعات اليمين المتطرف على تنظيم المظاهرات المعادية للأجانب . وقد حذر الاتحاد الأوروبي بدوره من تفشي حركات اليمين المتطرف في دوله الأعضاء، فقد كشفت نتائج استقصاء حول المهاجرين والأقليات العرقية، أجرته وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية في الشهر الماضي، أن 55% من المهاجرين والأقليات يعتبرون أن أعمال التمييز والتفرقة بسبب الأصل العرقي انتشرت بصورة واسعة في بلدان إقامتهم. وصرح 37% بأنهم وقعوا ضحية التمييز والتفرقة، فيما عانى 12% من جرائم عنصرية، لكن 80% منهم قرروا عدم اللجوء إلى الشرطة، حيث يؤمن الكثيرون بأن السلطات لن تحرك ساكناً حيال أعمال العنف التي ترتكب ضدهم.