قال عضو المكتب السياسي للإتحاد الإشتراكي حبيب المالكي: إن استكمال الوحدة الترابية بالنسبة للمغرب خيار استراتيجي لا محيد عنه لكونه يحظى بشرعية تاريخية لاينازعه فيها أحد من الجيران غير الجزائر من خلال ما تقوم إما بشكل صريح أومقنع، بعد استرجاع المغرب لصحرائه سنة 1975 وبعد المسيرة الخضراء التي كانت منعطفا تاريخيا ساهمت في خلق أوضاع جديدة بالمنطقة، وهذا ما دفع بالمغرب إلى خوض مواجهات ميدانية وسياسية ودبلوماسية لتحصين وحدته الترابية. اعتبر المالكي في عرضه الذي ألقاه في موضوع «الوحدة الترابية ورهان الإصلاح» مساء يوم الأحد 6 مارس 2011، بدار الثقافة بمدينة زاكَورة، في سياق لقاء تواصلي نظمته الكتابة الإقليمية للإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية بزاكَورة...أن الإتحاد الإشتراكي في منتصف السبعينيات كانت له رؤية سديدة فيما يتعلق بالقضية الوطنية حين ربط مسألة استكمال الوحدة الترابية وتحرير الأرض بتحريرالإنسان لأنهما خياران مترابطان يميّزان الإختيارات السياسية التي ينبغي أن تقوم على أسس ديمقراطية. ولأن الربط بين تحرير الأرض وتحرير الإنسان، من أسس الديمقراطية التي يتيح الفرصة للمشاركة الجماهيرية إلى جانب الدولة في التعبئة الشاملة لإستكمال الوحدة الترابية والدفاع عنها، زيادة على تأسيس مؤسسات تمثيلية وحقيقية تكون الطريق الصحيح الذي سيساهم في استكمال الوحدة هذه، وعلى ضوء هذه القناعات والخيارات التي أمن بها الإتحاد الإشتراكي انخرط في المسلسل الديمقراطي في سنة 1976 (الإنتخابات الجماعية) وفي سنة1977(الإنتخابات البرلمانية)، حيث اعتبر ذلك أول انخراطه في الإنتخابات المحلية والوطنية منذ 1965 . وقسم الحبيب المالكي الحقب التي عاشها المغرب ما بعد المسيرة الخضراء إلى ثلاث مراحل أساسية: فترة 1976و1996، تميزت بمخاض سياسي قوي على جميع الواجهات السياسية والإجتماعية، وهي فترة تاريخية من أصعب المراحل التي عاشها المغرب وعاشها الإتحاد منذ الإستقلال، لأنها مرحلة تميزت بأزمة عميقة بين الدولة والمجتمع وبين الدولة وبعض الأحزاب السياسية وبين الدولة وبعض النقابات وبين الدولة والمجتمع المدني، وهي أزمة جعلت الدولة بعيدة عن المجتمع المغربي الذي كان يتطور بكيفية طبيعية. وفي هذه الفترة أيضا عاش المغرب أحداثا أليمة وانتفاضات شعبية في سنة1981بالدارالبيضاء و1990 بفاس، وعرف كذلك اعتقال قيادة الإتحاد الإشتراكي وعلى رأسها عبد الرحيم بوعبيد لكون الحزب رفض آنذاك قبول الإستفتاء على الصحراء التي يعتبرها مغربية. كما أن البرلمان عرف صراعا قويا سنة 1990، عندما قدم الإتحاد الإشتراكي وحزب الإستقلال ملتمس الرقابة. وبالتالي فهذه النضالات و الإحتجاجات والصراعات، أدت في النهاية إلى منعطف آخر وأساسي، يقول المالكي، حيث تم في سنة 1996 تعديل الدستور، الذي صوت عليه الإتحاد الإشتراكي بنعم لأول مرة في تاريخه، وكان مبرره في ذلك أنه أخذ بعين الإعتبار أحد مطالبه الأساسية وهي إرساء الثنائية البرلمانية من خلال غرفيتين عوض غرفة واحدة، وهذا يعني أن التعديل في حد ذاته اعتراف بمحدودية دورالبرلمان، وكذلك إقراره بمسؤولية الوزيرالأول، وبمسؤولية الحكومة أمام الملك، وهذا تحول نوعي وخطوة مهمة إلى الأمام ستساعد على جعل الحكومة مؤسسة لها مصداقية وتمثيلية ومطالبة بتقديم الحساب أمام الشعب، فضلا عن اعترافه الدستورالمعدل بحقوق الإنسان كحقوق كونية. وفي الفترة الثانية التي امتدت من سنة 1996 إلى2002، فقد تميزت بالمصالحة والتوافق بين المعارضة والقصر، وهي مرحلة مهمة في تاريخ المغرب السياسي، لأن فيها عرف المغرب حدثا تاريخيا هو الذي سميناه بحكومة التناوب التوافقي التي جاءت نتيجة تصويت الإتحاد الإشتراكي بنعم على دستور96 . وتميزت كذلك بتشكيل حكومة التناوب التوافقي بقيادة عبد الرحمن اليوسفي والتي بفضلها حقق المغرب إنجازات كبيرة في ظرف خمس سنوات استطاع من خلالها تجنيب المغرب السكتة القلبية التي كانت تهدده في الفترة السابقة، وخلق أوضاع جديدة على مستوى الحريات وحقوق الإنسان و الحكامة الجيدة في التسيير والتدبير للشأن العام بكل شفافية ونزاهة ومراقبة، وفتح حوار جدي مع المركزيات النقابية وإقرار التغطية الصحية، وفتح أوراش اقتصادية واجتماعية وثقافية كبرى و مهمة لازال المغاربة يتذكرونها... لكن هذه الفترة، للأسف الشديد، يضيف المالكي،أعقبتها مرحلة ما بعد 2002، التي أعطت فيها الإنتخابات التشريعية المرتبة الأولى للإتحاد الإشتراكي، غير أن المنهجية الديمقراطية لم تحترم بالشكل المتعارف عليه، حين تم تعيين وزير أول خارج الأحزاب السياسية، وكانت تلك مفاجأة كبرى للمغاربة، مما أدى إلى تراجعات كثيرة ومختلفة منذ 2002 إلى اليوم. وكان من نتائجها السلبية على المستوى السياسي تبخيس العمل السياسي وجعله غير نبيل وترويج أفكار مغلوطة من كون الأحزاب لم تتحمل مسؤوليتها في التأطير، ولم تعد قادرة على جعل المواطن في قلب المعارك الإنتخابية لأنها شاخت، وهذا ما أدى إلى عزوف المواطنين عن المشاركة في انتخابات 2007 . وبالمقابل تم الترويج بوسائل شيطانية وحقيرة لأفكار وسط المجتمع بأن المسارالصحيح يوجد خارج الأحزاب الحالية، مما أدى إلى أن يفقد المواطن المغربي ثقته في الأحزاب وفي العمل السياسي، حيث اعتبرها مؤسسات منتخبة لاقيمة لها، وهذا ما شكل خطرا كبيرا هدد الأحزاب والدولة والتطور الهادئ للمجتمع المغربي معا من خلال هذه الهجمة التي روجها أميون ليس لهم رصيد كفاحي وليس لهم دراية حقيقية بالمجتمع المغربي، ومما يؤسف له أننا لازلنا نؤدي ضريبة غالية عن هذه الأفكار المغلوطة والهدامة إلى يومنا هذا. وأشارالمالكي، أيضا، إلى أن الفترة الثالثة اتسعت فيها رقعة الفساد الإنتخابي في انتخابات 2007، وانتشرت رقعة الفساد الإقتصادي واقتصاد الريع بشكل فظيع في الوقت الذي أصبح فيه الإقتصاد المنتج والحقيقي ثانويا، مما جعله لايتطور بكيفية سليمة. ومن سلبياتها أن فئة جديدة من الأثرياء ظهرت للوجود بطرق مشبوهة. ولهذا نتساءل، يقول المالكي، كيف برزت هذه الفئة في عالم الأعمال في رمشة عين في الوقت الذي كانت في السابق لا تملك أي شيء، مقارنة مع فئات الأعمال بالدول المتقدمة التي تمتلك ثقافة الإقتصاد والرأسمال وأنها لا يمكن أن تراكم الثروة إلا بعد عقود من العمل النظيف. وعلى ضوء هذه التراجعات وانتشارالفساد، فالمغرب اليوم في حاجة إلى نفس جديد وأفق سياسي مغاير وإلى جيل من الإصلاحات الكبرى والحقيقية، لأنه يعيش اختناقا كبيرا على كافة المستويات الدستورية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية. ومبررنا في ذلك هو أنه لا يمكن لبلدنا أن يستمر على ما هو عليه الآن، لأن المرحلة الإنتقالية من 96 إلى اليوم استنفدت مهامها، ولأن هناك تطورات وتحولات حدثت بمحيطنا حتى ولوكان وضع المغرب الحالي يختلف عن تونس ومصر واليمن وليبيا، لكونه يتميزبملكية عريقة في حين أنظمة تلك الشعوب فرضت وجودها من خلال الإنقلابات العسكرية. كما أن مبررنا في ضرورة إجراء إصلاحات كبرى، هو كون الإنتقال الديمقراطي ورغم توقفه سنة2002، قد تم داخل المؤسسات عكس الإنتقال، لكن شتان بين ما وقع لدينا وبين ما وقع بواسطة الجماهيرالعربية التي نزلت إلى الشوارع والساحات، ولذلك علينا أن نستخلص الدروس من ربيع هذه الشعوب العربية المتميز سنة 2011 بالحركات الإجتماعية والإنتفاضات العارمة التي نشاهدها اليوم بهذه الأقطار العربية التي أشرنا إليها. وفي معرض حديثه عن الإحتجاجات الشعبية، وقف المالكي في عرضه السياسي أيضا عند حركة 20 فبرايرالتي اعتبرها صدى وامتدادا لما تعيشه هذه البلدان والشعوب من أزمات واختناقات لهذا يجب علينا الإنصات بشكل جدي لشبابنا بألا نجعل منها مسألة عابرة، لأن الأمر يهم الدولة بالدرجة الأولى والأحزاب والمجتمع المدني والشعب المغربي برمته. وقال في هذا الصدد: إن الإتحاد الإشتراكي وجد نفسه في تلك الشعارات التي رفعها شباب 20 فبراير، لأنها جزء من مطالبه التي كان يلح عليها منذ عقود، بحيث لن يعر اهتماما للفظة «الإستثناء» التي يروج لها البعض، ومن ثمة أصبح مطلوبا اليوم، أن يحافظ المغرب على السبق العربي في تحقيق الحريات وكل ما له علاقة بالديمقراطية، لكن هذا كذلك رهين بإدخال إصلاحات عميقة وكبرى للحفاظ على هذه الريادة التي ساهمنا في صنعها. فكل شعارات 20 فبراير، وما تعيشه بعض الشعوب العربية تؤكد أن هناك تحولا عميقا وصورة جديدة أعطتها هذه الشعوب لنفسها وللعالم الخارجي بحيث نشاهد ميلاد عالم عربي جديد، وبالتالي سيشكل بالنسبة للمستقبل هذا نموذجا جديدا للتغييرالذي تم لأول مرة بالشعارات والحركات الإجتماعية وليس عبرالدبابات والإنقلابات، وتم بدون قيادة كارزمية وبدون مشروع. فالشعوب عندما تنتفض، فإنها تعرف كيف تصنع تغييرها وتاريخها بنفسها، وتحقق ما كان مستحيلا بالأمس، لهذا تمثل الشعوب العربية اليوم نموذجا جديدا للثورات مخالفة لتلك التي عرفتها أروبا التي كانت إلى الأمس القريب تعد مرجعا ومدرسة في هذا المجال. وذكر عضو المكتب السياسي أن الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية أكد بوضوح في مؤتمره الأخير على ضرورة البدء بالإصلاحات العميقة والكبرى، ولاسيما على المستوى الدستوري، لأن الوقت حان لتوفير الشروط الكاملة ليصبح الدستور هو القانون الأسمى على مستوى الممارسة والتدبير وعلى مستوى المرجع الوحيد في تدبيرنا لشؤون البلاد. ولذلك طالب الإتحاد الإشتراكي ولازال يطالب بتحقيق توازن حقيقي بين السلط، بين المؤسسة الملكية والحكومة والبرلمان والجهة الموسعة غدا لجعل كل مؤسسة تمارس سلطتها الحقيقية، لأن الحكومة الحالية والقضاء الحالي والبرلمان الحالي لايعتبر سلطة، بل وظيفة، وهذا ما جعل هذه السلط ضعيفة وغير موجودة أحيانا. وأضاف المالكي أن الإتحاد الإشتراكي يرى أن المدخل الحقيقي للإصلاحات الكبرى بالبلاد هو تعديل الدستور لخلق سلط حقيقية للقضاء والحكومة والبرلمان، زيادة على محاربة الفساد واقتصاد الريع، وتجنب الإصلاح بالتقسيط لكونه لايعطي النتائج المنتظرة، ولهذا اقترح منهجية خاصة للإصلاحات تعتمد نظرة شمولية أكد عليها المجلس الوطني الأخير، وسيفتح فيها المكتب السياسي مشاورات وحوارات مع حلفائه في اليسار ومكونات الأغلبية الحكومية. ودعا المالكي إلى حوار وطني حول هذه الإصلاحات تشارك فيه الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني بغية إشراك الرأي العام حتى لاتبقى الإصلاحات الكبرى مطالب فوقية للأحزاب السياسية، لأن الغاية هي التوصل إلى قواسم مشتركة وتطوير تحالفنا بشكل نوعي، وجعل المصلحة العليا هي المقياس والمرجع في صياغة مطالب موحدة ستقدم إلى جلالة الملك. فما يجري حولنا من أحداث وثورات وانتفاضات، يقول عضو المكتب السياسي، بقدرما تؤكد صواب خطوتنا في مباشرة الإنتقال الديمقراطي منذ أزيد من عقد، بقدرما يجعلنا نطالب اليوم بالإصلاح العميق لا الشكلي و الظرفي، لتدشين مرحلة جديدة ستساعد على إرجاع الثقة للمواطنين وتساهم في تطور المؤسسات ببلادنا. هذا، وتجدر الإشارة إلى أن هذا العرض القيم أعقبته تدخلات عديدة للحاضرين تميزت إجمالا بالعمق في المناقشة وطرح الأسئلة التي انصبت على الخصوص حول ضمانات هذه الإصلاحات بما في ذلك احترام المنهجية الديمقراطية في تشكيل الحكومة، وحول مشروع الجهوية الموسعة والناخبين عزوف عن المشاركة في الإنتخابات الأخيرة، ومعاناة المعطلين حامي الشهادات من البطالة والفراغ السياسي والنقابي الذي يعيشه المغرب حاليا. وحول تهميش الكفاءات داخل الأحزاب والموقف السلبي لبعض الأحزاب من حركة 20 فبراير، وارتفاع الأسعار و تبخيس العمل السياسي من طرف أعداء التغيير والديمقراطية ومستجدات المفاوضات حول الصحراء وغيرها من الأسئلة التي أجاب عليها الحبيب المالكي. كما انصبت كلمة الكاتب الإقليمي لحزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية بزاكَورة، علي خمني، على أهمية طرح موضوع الوحدة الترابية ورهانات الإصلاح للنقاش في هذه الظرفية الدقيقة التي تعرف حراكا سياسيا واحتجاجات متواصلة لشباب حركة 20 فبراير، وأهمية الحديث عن شروط الإصلاحات الكبرى التي طالب بها المجلس الوطني للحزب، والمشاورات التي فتحها المكتب السياسي مع الحلفاء ومكونات الأغلبية للوصول إلى رؤية موحدة بصدد الإصلاحات الكبرى المرتقبة.