وتحرك ديبلوماسي للإقناع بالموقف المغربي الشرعي والقانوني تعد قضية الصحراء المغربية قضية إجماع وطني، رغم الاختلافات السياسية والاديولوجية التي طبعت الوجود السياسي المغربي منذ الاستقلال. وهو أمر لافت، لا يجد تفسيره سوى في الأهمية الإستراتيجية للوحدة الترابية كحق للشعوب لا يعلو عليه شيء آخر. ورغم ذلك، فإن التعاطي مع هذا النزاع لم يكن بالطريقة التي تعطي لكل موقعه ودوره بما ينسجم مع وظيفته في المجتمع. من هنا أهمية الكشف عن المقاربة التي تقترحها حركة التوحيد والإصلاح، كفاعل إسلامي أساسي، من أجل إيجاد حل نهائي يكرس الوحدة الترابية للمغرب. وهو تصور يمكن بسطه عبر ثلاث عناصر كبرى: الأساس التصوري للمقاربة، ثم الأداء الحركي في الموضوع ، وأخيرا تصور الحركة لحلّ النزاع. دعم الوحدة.. مبدأ وهدف يجد موقف حركة التوحيد والإصلاح بخصوص قضية الصحراء المغربية أساسه التصوري في هدفها ومقصدها الكبير، المتمثل في دعم الوحدة والتوحيد بين المسلمين، وهذا المقصد له أسس شرعية وواقعية وتاريخية: الأساس الشرعي: من منطلق دعم الوحدة مبدأ والتوحيد هدفا، ويستند ميثاق الحركة في ذلك إلى قول الله تعالى ''وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون''. وبمقتضى ذلك يؤكد الميثاق أن العمل من أجل ''توحيد المسلمين والتقريب بينهم فريضة شرعية وضرورة واقعية''، ويستند في ذلك إلى قول الله تعالى ''واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا''(الميثاق/ص 64). الأساس الواقعي: وذلك بالإحالة إلى نتائج الفرقة القائمة اليوم التي ضربت المسلمين، وهي من مخلفات الاستعمار. والتي تعتبر في منظور الحركة ''من أعظم المصائب والنكبات''. ويؤكد أنها هي التي ''أدت وتؤدي إلى التراجع الديني والتدهور الاجتماعي والتخلف الاقتصادي والتشرذم السياسي''. وبمقتضى ذلك ترى الحركة أن ''كل توجه وحدوي في الأمة الإسلامية على مستوى الجماعات أو الأقطار يستوجب الدعم والتأييد''(الميثاق/ص65). الأساس التاريخي: تعتبر الصحراء مغربية منذ كانت، و''لم يعرف عنها عبر التاريخ سوى أنها كانت جزء من كيان الدولة المغربية''. و''هذه حقيقة لم تنقطع حتى تحتاج إلى إعادة إثبات''. والنزاع حولها اليوم إنما هو من مخلفات سياسة التمزيق والتقطيع التي كرسها الاستعمار، والذي استهدف المغرب جنوبه كما في شماله. فهي ''لم تكن دولة ولا شبه دولة''، بل كانت عبر الزمن ''استمرار امتداد عضوي للمغرب وأرضه وسكانه وسيادته''. ربطت سكانها بالمغرب ''علاقات البيعة والولاء''، إضافة إلى ''الاشتراك والتطابق في كل شيء'' بدء بالقبائل والعوائل والأراضي واللغة واللهجات والدين والمذهب''(مذكرة الريسوني/ ص9). بناء على ذلك، تعتبر الحركة أن استرجاع الصحراء إنجاز إسلامي شرعي، وحسم النزاع حولها اليوم قضية كل الأمة العربية الإسلامية والشعب المغربي. خاصة وأن فكرة الانفصال دخيلة، القصد منها إضعاف الأمة ودولها، بدوام التمزق والتخلف والضعف فيها. حضور قضية الصحراء في عمل الحركة ثمة حضور متزايد لقضية الصحراء في انشغالات حركة التوحيد والإصلاح، منذ مؤتمرها الأول على الأقل في سنة ,1998 إن على مستوى الموقف، أو على مستوى العملياتي، أو على المستوى الدبلوماسي. أ) على مستوى الموقف: ظلت قضية الصحراء حاضرة في مواقف الحركة بشكل دائم، والتي عبرت عنها هيئاتها التنظيمية العليا الثلاث: سواء في بيانات المؤتمرات العامة، أو بيانات مجالس الشوري في دوراتها السنوية العادية، ثم في بيانات وبلاغات المكتب التنفيذي للحركة، وهي مواقف منها ما يؤكد موقف الحركة المبدئي من القضية، ومنها مواقف تعكس تفاعل الحركة مع أحداث ظرفية وآنية. وهكذا، فبالرجوع إلى موقع الحركة الإلكتروني، نعثر على البيان الختامي للجمع العام الأول للحركة الذي انعقد أيام 6 و7 و8 نونبر ,1998 حيث يؤكد في الفقرة الرابعة منه على ''دقة المرحلة التي تمر منها قضية وحدتنا الترابية''، ويؤكد أن الجمع العام للحركة ''ينظر إلى الانفصال باعتباره مسلكا متعارضا مع مبدإ الوحدة الإسلامية ويصب في مخططات أعداء الأمة الهادفة إلى تفتيتها وشغلها عن قضاياها الكبرى''. وفي الوقت نفسه يطالب الجمع العام للحركة ب''توفير كل الشروط وتفعيل دور القوى الشعبية من أجل التصدي للمؤامرات التي تستهدف تكريس التجزئة''. و''بناء كيانات وهمية ضعيفة وتابعة، وعرقلة خطوات المغرب الهادفة إلى استكمال وحدته الترابية، وتأكيد سيادته على الصحراء المسترجعة''. ويربط البيان نفسه بين قضية الصحراء وضرورة ''إنهاء الوجود الاستعماري في سبتة ومليلية والجزر المغربية المحتلة''.وفي البيان الختامي للمؤتمر الأخير للحركة (18 يوليوز 2010)، يتحدث البيان عن تجديد الموقف ذاته، ويؤكد ''انخراط الحركة في الإجماع الوطني لتأكيد سيادة المغرب على الصحراء المغربية''. ومن نفس المنطلق يعتبر أن ''مشروع الحكم الذاتي الإطار الديمقراطي العادل والمناسب لحل هذا النزاع المفتعل''، وبوصفه كذلك، أي نزاع مفتعل، فهو ''يعيق اندماج دول وشعوب المنطقة ويهيئ فرص اختراق وتهديد استقرارها السياسي ووحدتها الدينية والمذهبية''. وينبه المؤتمر إلى ضرورة ''إيجاد حلّ عاجل للأوضاع الإنسانية المأساوية لإخواننا الصحراويين في مخيمات تندوف''. ولا تحيد مواقف مجلس الشورى عن نفس التوجه، حيث نجد أن البيان الختامي لمجلس الشورى المؤرخ في 18 يوليوز 2004 يؤكد ''رفضه لكل المخططات الرامية إلى النيل من سيادة المغرب على صحرائه''، ويجدد ''تمسك الحركة بوحدة الأراضي المغربية وحق المغرب في استرجاع كافة المناطق والجيوب المحتلة''، داعيا في الوقت نفسه إلى ''مواصلة تمتين الإجماع الوطني حول هذه القضية''. وقد تميزت بعض بيانات مجلس الشورى بتقديم اقتراحات تكررت فيما بعد، من ذلك دعوة البيان الختامي لمجلس الشورى بتاريخ 17 يوليوز ,2005 ''كافة العلماء والدعاة والحركات الإسلامية والقوى الوطنية وفعاليات المجتمع المدني والمفكرين والمثقفين للانخراط في مبادرات متواصلة لتحصين الوحدة الترابية الوطنية''. ويدعو المجلس ''إخواننا أبناء الصحراء كافة في مخيمات تندوف لاستحضار حجم الأخطار المحدقة ببلدنا ومنطقتنا وللتكتل والتوحد وتجاوز أسباب الفرقة والتجزئة''. أما البيان الختامي المؤرخ في 17 أكتوبر ,2009 فنجده يجدد التأكيد على ''التزام الحركة بثوابت البلاد ومقوماتها الأساسية وهي الإسلام والوحدة الوطنية شعبا وأرضا والملكية الدستورية القائمة على إمارة المؤمنين''، وفي الوقت نفسه يسجل ''بإيجابية بعض التقدم الذي عرفته قضية الوحدة الترابية''، ويؤكد مرة أخرى على ''ضرورة تعزيز الدينامية التي أحدثتها مبادرة المغرب الخاصة بالحكم الذاتي''. وقد انعكست هذه المواقف المبدئية على المواقف التفاعلية التي عبّر عنها المكتب التنفيذي في تعاطيه مع الوقائع والأحداث التي عرفتها القضية، من ذلك رفض الحركة في بيان مؤرخ في 11 يونيو 2005 أي ''استغلال للأوضاع الاجتماعية أو بعض التجاوزات الحقوقية للترويج لأطروحات انفصالية وشنّ حملة دعائية مغرضة ضد الوحدة الوطنية''. ومن تم تجديد الحركة لموقفها بخصوص ''الانخراط الفاعل في تعبئة وطنية شعبية من أجل الدفاع عن الوحدة الوطنية''، ودعوتها منذ ذلك الحين إلى ''معالجة مختلف مظاهر النقص أو الضعف في التعامل مع قضية الوحدة الترابية''. وبعد أحداث العيون ليوم 8 نونبر ,2010 أصدر المكتب التنفيذي بلاغا جامعا في الموضوع، مؤرخ في 11 دجنبر ,2010 اعتبر فيه أن ما وقع ''يؤذن بتحول نوعي واستراتيجي في تعاطي مختلف الأطراف مع قضيتنا الوطنية''، يتطلب في نظر الحركة ''انتهاج مقاربة ترتكز على أسس المواطنة والعدل والتنمية والثقة في التعامل مع المواطنين''، و''تقطع مع شراء الذمم واللعب على التناقضات القبلية والحزبية الضيقة''، لقد عكس البلاغ في الحقيقة تصور الحركة لحل النزاع وهو ما سنعود إليه في موضع لاحق من هذه الورقة. ب) على المستوى التنفيذي: ثمة لقاءين للمكتب التنفيذي خصصهما لمدارسة القضية الوطنية بشكل معمق، الأول أثمر مذكرة الشيخ أحمد الريسوني، عضو المكتب التنفيذي للحركة، وهي بعنوان ''مغربية الصحراء أسس شرعية وواقعية''، وقد صدرت في يناير ,2010 وهي موجهة للداخل والخارج، وشكلت أداة عملية مهمة في التواصل الإعلامي والدبلوماسي للحركة. أما اللقاء الثاني فهو الذي جاء بعد أحداث مخيم ''كديم إزيك'' وأحداث العيون كما سبقت الإشارة، يوم 11 دجنبر الماضي، وأسفر عن بلاغ يعكس تصور الحركة ومقاربتها لمعالجة النزاع. إنبنت على عرض علمي للأستاذ مصطفى الخلفي، وزيارة ميدانية للأستاذ محمد الحمداوي رئيس الحركة إلى الأقاليم الجنوبية، أسبوعا بعد تلك الأحداث. إضافة إلى ذلك، ظلت الحركة حاضرة في كل المبادرات التي تخص قضية الصحراء على المستوى الوطني، من ذلك مثلا دعوتها عبر بلاغ مؤرخ في 19 فبراير 2005 إلى الانخراط في التعبئة من أجل إنجاح مسيرة يوم 6 مارس 2005 بالرباط. كان قد دعا إليها ''ائتلاف وطننا'' وعدد من الجمعيات والهيئات المدنية والشعبية ورُفع لها شعار ''الكل من أجل إطلاق سراح المحتجزين المغاربة بتندوف''، ودعا المكتب التنفيذي أعضاء الحركة والمتعاطفين معها إلى المشاركة من أجل إنجاح تلك المسيرة، والتي اعتبرها ''مبادرة نوعية''. وفي أكتوبر ,2005 شارك أعضاء من المكتب التنفيذي وقياديين آخرين في قافلة صلة الرحم، التي نظمها عدد من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وهي المسيرة التي فقدت فيها الحركة أحد أعضائها الدكتور عبد الله برو رحمه الله، وأصيب فيها الأستاذ عبد الله بها عضو المكتب التنفيذي للحركة في حادثة سير خطيرة. ومنه كذلك مشاركة الحركة في مسيرة يوم 28 نونبر ,2010 التي نادت إليها جميع الأحزاب الوطنية، ردا على الاستهداف الذي تتعرض له وحدة المغرب الترابية من قبل خصومه، وعلى رأسهم الحزب الشعبي الإسباني والجزائر. وهي المسيرة التي اعتبرها رئيس الحركة المهندس محمد الحمداوي بمثابة رسالة إلى ''مروجي الأكاذيب وكل أعداء الوحدة الترابية'' للمغرب، ب''ألا مساومة حول ثوابت المغرب الدينية والوطنية''. وللحركة أو هيئاتها الموازية عشرات المحاضرات والندوات والأنشطة الثقافية والعلمية والدعوية حول مغربية الصحراء، يصعب حصرها. منها مثلا محاضرة للأستاذ المقريء الإدريسي أبو زيد. ثم آخرها، على سبيل المثال فقط، الزيارة التي قام بها رئيس الحركة إلى مدن العيون والسمارة وبوجدور بُعيد أحداث العيون، حيث ألقى محاضرات بها، أكد فيها على المدخل التربوي والقيمي في معالجة النزاع، وذلك بترسيخ قيم الوحدة والانتماء، والصلح والتصالح. ونبذ قيم الفرقة والتجزئة. ج) على المستوى الدبلوماسي: فيما يخص هذا المستوى وجب التأكيد أولا أن الحركات الإسلامية في مجملها تعلي من قيمة الوحدة على التجزئة والانفصال، انسجاما مع الأصول الشرعية الدينية، ولذلك فهي مع وحدة الأوطان والشعوب الإسلامية أولا، اللهم بعض الاستثناءات القليلة جدا التي تتحكم فيها ظروف سياسية معينة. ومنه يمكن القول أن هناك تنامي متزايد فيما يخص حضور القضية الوطنية في علاقات الحركة الخارجية، ويمكن الإشارة بهذا الخصوص إلى ما يلي: - استثمار الحركة وقيادييها للملتقيات الدولية التي تحضر فيها، حيث يتم توزيع مذكرة الشيخ أحمد الريسوني السابقة الذكر، من ذلك مثلا توزيعها في ملتقى الوسطية بموريتانيا، أيام 25 و26 مارس ,2010 والذي أعلن فيه عن تأسيس ''منتدى الوسطية بغرب إفريقيا''، بمشاركة رئيس الحركة محمد الحمداوي وعضو مكتبها التنفيذي محمد بولوز، وقد تم توزيعها على العلماء والمفكرين والدعاة من أقطار إسلامية مختلفة. وكذلك في ملتقى ''النُصرة'' بالكويت في أبريل .2010 كما تم نشرها عبر عدد من المنابر الإعلامية الوازنة. - ومن ثمرات ذلك، المقالات والمحاضرات التي ألقاها الداعية والطبيب راغب السرجاني، وهو رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، منشور بعضها على الموقع الإلكتروني ''إسلام ستوري''، ويذهب فيها إلى رفض الاستفتاء كحل للنزاع حول الصحراء. وكان السرجاني قد ألقى محاضرة بالرباط يوم 20 شتنبر ,2010 ودعا بالمقابل إلى حوار بين المغرب والجزائر يشرف عليه وسيط محايد، وأكد على دور العلماء والدعاة في حسم النزاع. - كما يمكن الإشارة كذلك إلى البيان الختامي للمؤتمر القومي الإسلامي في دورته السادسة، بتاريخ 23 دجنبر ,2006 والذي ترأس لجنته التحضيرية الشيخ يوسف القرضاوي، الذي أعلن عن تخصيص لجنة لمدارسة موضوع الصحراء المغربية حسب قوله، خلال الندوة الصحافية للمؤتمر، وقد كان للشيخ عباس مدني رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية، دور حاسم في مواجهة فريق قوي من القوميين الجزائريين الذين اعتكفوا في اللجنة واضطروا للانسحاب كأداة للضغط حتى لا تصدر توصية، وصدرت التوصية صريحة في رفض كل تجزئة أو تقسيم في الساحة المغاربية وبحسب نص البيان الختامي في الفقرة التي جاءت تحت عنوان الساحة المغاربية ''إن المؤتمر القومي- الإسلامي الذي يعتبر الوحدة ركنا أساسياً في المشروع النهضوي للأمة يؤكد على رفض كل مشاريع التجزئة والتقسيم بالنسبة لأي بلد عربي أو إسلامي، كما يؤكد على ضرورة حل كل النزاعات البينية بالحوار والاحتكام إلى مبادئ التحرير والوحدة وحقوق الانسان والشعوب، وعليه، يطالب المؤتمر بضرورة استكمال المغرب لتحرير سبتة ومليلة والجزر المحتلة. كما يطالب المؤتمر الأطراف المعنية والمهتمة بقضية الصحراء الغربية على إيجاد حل يضمن مبدأ وحدة المغرب العربي ويتجاوز واقع التجزئة الحالي''. وهو المؤتمر الذي حضره محمد طلابي عضو المكتب التنفيذي للحركة، ومصطفى الرميد، ورموز مغربية أخرى.