مما لاشك فيه أنَ دراسة ومقاربة إمكانيات وحدود، وكذا طبيعة الفعل الدبلوماسي الموازي لدى الفاعل الحزبي المغربي، أضحت من الأهمية بمكان، لاسيما بعد شروع المؤسسة الملكية في اعتماد السلوك التشاركي والاستشاري - على محدوديته- في معالجة ملف الصحراء، على الأقل منذ أن طرح العاهل المغربي الملك محمد السادس مبادرة الحكم الذاتي في نونبر2005. وذلك قبل أن يدعو صراحة - بموجب خطاب 6 نونبر2009- إلى ضرورة تحمّل الأحزاب السياسية لمسؤولياتها كاملة و الاضطلاع بدورها في الدفاع عن الوحدة الترابية للبلاد. الأمر الذي أصبح معه الفاعل الحزبي ملزما بتفعيل دبلوماسيته الحزبية لصدّ خصوم الوحدة الترابية والدفاع عن مبادرة الحكم الذاتي، في ظلَ التداعيات الراهنة للقضية الوطنية ( قضية ولد سلمى...). وذلك بغض النظر عن صعوبة الحديث بشكل علمي عن دبلوماسية ما لدى الفاعلين الفرعيين، أو الثانويين داخل نظام سياسي ما، لإقتصار تلك الوظيفة، أي الدبلوماسية على الأجهزة الدبلوماسية للدولة من رئيس، وزير أول، ووزير الخارجية. فضلا عن الهيئات الدبلوماسية القنصلية العاملة في الخارج كما يؤكَد ذلك الباحثين في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية ()... فأي دور تولته الأحزاب السياسية المغربية في ملف الصحراء مند بروزها على أجندة السياسة الخارجية المغربية في منتصف السبعينيات من القرن الماضي؟ وما هي الحدود التي ظلَت ترد على دورها ذاك؟. الأحزاب في إطار الدبلوماسية الملكية من المعلوم بالضرورة أنّ وظيفة الأحزاب في النظام السياسي المغربي لا تتجاوز دائرة الدور التنفيدي لافرق في ذلك بين السياسات العمومية الداخلية والسياسة الخارجية؛ فباستثناء الفترة الممتدة من1956 إلى1960، والتي عرفت أوج تأثير الأحزاب في صناعة القرار الخارجي للبلاد ، بقي دور الأحزاب، مند ذلك الحين وإلى حدود اللحظة الراهنة، مقصورا على المشاركة في تنفيذ بنود السياسة الخارجية الرسمية المصاغة من قبل أعلى هرم السلطة في البلاد: المؤسسة الملكية، ولاسيما تلك المرتبطة منها بالمسألة الترابية. وغالبا ما كان يتمّ ذلك ولازال بطلب من الدولة. بيد أنّ تصاعد الإحتياجات الدبلوماسية للبلاد، أصبح يدفع نحو ضرورة إيلاء الأحزاب الدور الذي تستحقه في مسلسل صناعة القرار الخارجي، عبر تمكينها من الآليات اللازمة للقيام بدورها الدبلوماسي وتطوير الدبلوماسية الموازية، لاسيما في شقّها الحزبي. ومن خلال العودة إلى التاريخ، يظهر جليا أنَ المؤسسة الملكية لجأت – أكثر من مرَة- إلى إشراك أحزاب الحركة الوطنية، عبر آليات البعثات الدبلوماسية في الدفاع عن مغربية الصحراء لدى المنتظم العربي والأفريقي والدولي، موازاة مع حصول الانفراج السياسي داخليا وانطلاق مسلسل الاصلاح الديمقراطي، حيت عمد الراحل الملك الحسن الثاني إلى إرسال البعثات الحزبية إلى العديد من العواصم العربية والدولية، بهدف الحصول على الدعم الخارجي في قضية الصحراء من جهة، ولتعزيز الإجماع الوطني والحفاظ عليه من جهة أخرى. وقد انطلقت أولى الحملات الدبلوماسية الحزبية في صيف 1974، حيث شرع أعضاء الحكومة بمعية بعض زعماء المعارضة في زيارة العواصم الأوروبية والأسيوية والإفريقية، لشرح بواعث وأحقية المغرب في استرجاع أقاليمه الصحراوية. كما شاركت الأحزاب في قمة الوحدة الأفريقية المنعقدة بنيروبي في نونبر 1984 والتي أعلن فيها المغرب انسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية بعد انضمام «جبهة البوليساريو» إليها، وضمّت كلا من السيد محمد العربي المساري والمهدي العلوي وإسماعيل العلوي، ممثلين عن حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية تباعا. وفيما يلي أسماء بعض الزعماء الحزبيين الذين شاركوا في البعثات الملكية ذات الطابع الحزبي خلال سنة 1974 والمناطق التي زاروها: - زيارة السيد المحجوبي أحرضان، الأمين العام للحركة الشعبية لأفريقيا جنوب الصحراء (أوكندا، كينيا، زامبيا...)؛ - زيارة كلا من السيد عبد الكريم الخطيب، الأمين العام للحركة الوطنية الشعبية الديمقراطية الدستورية والسيد أمحمد بوستة، الأمين العام لحزب الاستقلال، للدول العربية ( لبنان، الأردن، العراق، الكويت...)؛ - زيارة السيد عبد الرحيم بوعبيد، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي لآسيا (الصين الهند،باكستان...)؛ - زيارة الراحل علي يعتة، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، لدول المعسكر الشرقي (الاتحاد السوفياتي، رومانيا...)؛ ولاشك أن التقارب الإيديولوجي للأحزاب مع الأنظمة المستهدفة، اعتبر محددا أساسيا في توجيه تلك البعثات. كما أن العلاقات الشخصية للمسؤولين الحزبين مع مسؤولي الأحزاب الأجنبية، كانت تحدّد بشكل كبير نوعية المهمة التي يقوم بها كل زعيم حزبي، ونوع الدولة التي يمكن توجيهه إليها؛ فبالنسبة للاتحاد الاشتراكي، وتبعا للعلاقة الجيدة التي كان يحضى بها زعيمه الراحل عبد الرحيم بوعبيد بالمسؤولين اليساريين الفرنسيين، أرسله الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1976 ليشرح لمسؤولي الحزب الشيوعي الفرنسي والحزب الاشتراكي الفرنسي أحقية المغرب في استرداد صحرائه. ونفس الأمر كان يحصل مع حزب الإستقلال وحزب التقدم والإشتراكية وباقي الأحزاب، لافرق في ذلك بين أحزاب الكتلة وأحزاب الوفاق باستثناء السيد عبد الله إبراهيم زعيم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي لم يكن من بين زعماء المعارضة الذين شاركوا في البعثات الدبلوماسية الملكية في موضوع الصحراء. ويظهر أنه على خلاف سياسة الملك الراحل الحسن الثاني لم تحضى البعثات الدبلوماسية الحزبية بأية أهمية مماثلة في الإستراتيجية الترابية لخلفه الملك محمد السادس؛ فمهمة الترويج لمقترح الحكم الذاتي ثمّ قصرها على الأجهزة الرسمية للدولة. وقد ظهر ذلك واضحا من تركيبة الوفد المكلف بذلك، والذي كان يضم غالبا كلا من وزير الداخلية السابق السيد شكيب بنموسى، والسيد الطيب الفاسي الفهري الوزير المنتدب سابقا في الشؤون الخارجية والتعاون ووزير الخارجية راهنا، والسيد فؤاد عالي الهمة الوزير المنتدب سابقا في الداخلية، والسيد محمد ياسين المنصوري المدير العام للإدارة العامة للدراسات والمستندات، وبعض أعضاء المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية. وذلك سواء من خلال الجولات التي قام بها في العواصم العالمية لكسب تأييدها لمقترح المغرب، أو من خلال مشاركتها في المفاوضات التي أجراها المغرب مع جبهة «البوليساريو» بالولاياتالمتحدةالأمريكية مع استثناءات لاتكاد تذكر. بيد أنه مع تعثر المفاوضات بين المغرب والجبهة في2009، رأت المؤسسة الملكية أهمية إشراك أحزاب الأغلبية الحكومية (الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، التقدم والاشتراكية، التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة)، سواء في الترويج لمبادرة الحكم الذاتي لدى العواصم الدولية، أو لتسوية بعض الخلافات الناشئة حول ملف الصحراء كما حصل مع ليبيا لدى إشراكها جبهة «البوليساريو» في احتفالات الفاتح لسنة 2009، إذ تم إرسال كلا من السيد مصطفى المنصوري عن حزب التجمع الوطني للأحرار والسيد بيد الله عن حزب الأصالة والمعاصرة، فضلا عن وزير الدولة بدون حقيبة السيد محمد اليازغي إلى طرابلس لرأب الصدع. ونفس الأمر لوحظ فيما يخص إشراك أحزاب الأغلبية والمعارضة في تدبير تداعيات ملف أمنتو حيدر. لاتقتصر تحركات الأحزاب في ملف الصحراء على البعثات الملكية، بل تتجاوزها إلى تلك المتعلقة بالعلاقات الخارجية للأحزاب الوطنية مع الأحزاب السياسية الأجنبية، سواء في صيغتها الثنائية، أو الجماعية (المؤتمرات والاتحادات الحزبية الإقليمية والعالمية..). علاقات الأحزاب الخارجية تجد الدبلوماسية الحزبية راهنيتها من طبيعة المرحلة الدبلوماسية التي يجتازها المغرب، في إرتباط وثيق بالمساعي التي تبدلها الدولة لإستثمار شهادة الواقعية والعقلانية وكذا القابلية للتطبيق التي منحها المنتظم الأممي والعديد من القوى الكبرى، وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية، للمبادرة المغربية المنصبة على منح الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية في إطار السيادة الوطنية... وقد ربطت الأحزاب السياسية، لاسيما فيما يتعلّق بطائفة أحزاب الحركة الوطنية، مجموعة من العلاقات المتميزة مع أحزاب عربية وأوربية، نذكر من بينها علاقات حزب الاستقلال مع حزب الاتحاد الاشتراكي التونسي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، واللقاءات التي كان يعقدها معهم من أجل التفاهم وتقريب وجهات النظر حول المسائل الترابية التي تستمر في تعطيل مسيرة المغرب العربي، لاسيما قضية الصحراء، إذ شكّل اللقاء الذي شهدته مدينة طنجة بتاريخ 25 أبريل1983 بمشاركة الأحزاب المذكورة، محاولة لإحياء المبادرات المغاربية الوحدوية التي انطلقت منذ سنة 1958 من نفس المدينة قبل أن تعقبها ندوة تونس في 27 و28 أبريل 1984. وكذا ندوة الجزائر في27 و 28 أبريل 1986 التي شارك فيها إلى جانبها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ثم ندوة طنجة في أبريل2003. دون اغفال تلك التي عقدت في أواخر سنة 2007 تخليدا للذكرى الخمسينية لمؤتمر طنجة، والتي دعا من خلالها السيد محمد اليازغي الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى دعم المقترح المتعلق بالحكم الذاتي، من أجل إخراج قضية الصحراء والمشروع المغاربي من المأزق الذي يعيشانه. بيد أنه اصطدم برد السيد عبد العزيز بلخادم وزير الخارجية الجازائري الذي رفض الدعوة، مبرَرا موقف الجزائر ب«الدفاع عن القضايا العادلة وحركات التحرير الوطني». وما فتئت أحزاب الكتلة تربط علاقات جيدة واتصالات دائمة مع بعض الدول العربية والإسلامية ذات الطابع الحزبي التعددي، حيت لعب كلا من حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي دورا متميزا في إقناع الأشقاء العرب بدعم المطالب المغربية على الصحراء. وقد أثمرت هذه العلاقات إدانة المشاركين في أشغال الدورة(45) للأمانة العامة لمؤتمر الأحزاب العربية المنعقدة في فبراير 2008 اللاتصالح واللاتفاهم الحاصل بين الدول المغاربية، ودعت إلى ضرورة التعجيل بحل قضية الصحراء«بما يحقق المصالح العليا للشعوب المغاربية ويمنع خيار التفتيت والتجزئة الذي عانت منه الأمة ولا تزال». كما اعتبرت أن للمغرب «الحق الكامل في استرجاع سبتة ومليلية والجزر المحتلة». و قد لعب حزب الاستقلال دورا متميزا في الدود عن مصالح المغرب الترابية، بحضوره الدائم ضمن مؤتمرات الأممية الديمقراطية لأحزاب الوسط التي تضم أزيد من (103) حزبا. ولا شك أن حضور حزب التقدم والاشتراكية كمحاور متميز للمعسكر الشرقي خلال الحرب البادرة، مكّنه من إسماع صوت المغرب وحقه في استرجاع أراضيه الصحراوية لمسؤولي الاشتراكية العالمية، رغم بعض الاختلافات التي سادت بينه وبين الدول الاشتراكية، سوءا حول القضية الوطنية، أو التوجهات الخارجية للأحزاب الشيوعية والاشتراكية. ومن جانبه ربط حزب التجمع الوطني للأحرار ذو الميولات الليبرالية علاقات وطيدة مع الدول الغربية الليبرالية ومع أحزابها، وكان يستثمر تلك العلاقات في الدفاع عن القضية الوطنية. وتشمل أيضا العلاقات الخارجية للأحزاب تلك الأشكال التواصلية للدبلوماسية الشبابية، إذ تتعدّد فضاءات مشاركة الشبيبات الحزبية المغربية داخل المنظمات الشبابية الإقليمية والعالمية. وللتدليل على ذلك، نورد مشاركة كل من الشبيبة الاشتراكية، الشبيبة الاستقلالية، الشبيبة الاتحادية، الاتحاد العام لطبلة المغرب وحركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية في المؤتمر السابع عشر لإتحاد الشباب الديمقراطي العالمي الذي إحتضنته العاصمة الفيتنامية «هانوي» فيما بين 9 و14 مارس2007. وقد إستغلت المنظمات الشبابية المغربية مشاركتها فيه لتنظيم ندوة موازية في موضوع : «التحولات السياسية بالمغرب ومستجدات قضية الصحراء»، إذ حاولت من خلالها شرح الخلفيات التاريخية لنزاع الصحراء المفتعل، عبر تقديم الحجج التاريخية والقانونية لسيادة المغرب على صحرائه، وإبراز الدور الجزائري في النزاع، قبل التذكير بمختلف المبادرات الإيجابية التي قدّمها المغرب لتسوية النزاع، وآخرها مبادرة الحكم الذاتي، حيت عمل المتدخلون على توضيح خطوطه العريضة، وكذا الإمكانيات الكبيرة التي تمنحه قابلية الأجرأة والتطبيق. وتجدر الإشارة إلى أن حزب العدالة والتنمية ذو الاتجاه الإسلامي المعتدل مافتئ بدوره يتحرك للدفاع عن مغربية الصحراء سواء داخليا، أو خارجيا عبر علاقاته بالعديد من الأحزاب العربية والإسلامية والعالمية. ولاشك أن السلوك السياسي الوحيد المتبدي راهنا في زمن التوافقات حول الملفات الداخلية والخارجية، لاسيما في ما يتعلق بملف الصحراء، يبقى ذلك المرتبط بحزب النهج الديمقراطي المحسوب على منظومة أحزاب اليسار«الراديكالي»، الذي ذهب، في موقف شاد عن باقي الأحزاب، إلى الدعوة لمساندة تقرير المصير للشعب الصحراوي، في تجاوز منه للإجماع الوطني ومبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب كحل واقعي وممكن التطبيق. بيد أن موقفه ذاك، اعتبر متجاوزا وبدون تأثير يذكر على السياسة الخارجية الرسمية. حدود الدور الحزبي في قضية الصحراء بالرغم من أهمية القنوات السالفة، فهي لاتزال ذات طابع جنيني عفوي وغير متمأسس في معظم الأحيان، تبعا لضعف الإمكانيات المرصودة لهذا النوع من الدبلوماسية والإرتجال في صياغة برامجها وتحديد جداول أعمالها. وكذا عدم امتلاك الأحزاب لمفهوم معين للدبلوماسية الموازية. فضلا عن الإهمال الذي تعانيه من لدن صانعي القرار. وفضلا عن ذلك؛ فمن بين السمات العامة التي ميّزت دبلوماسية الأحزاب في قضية الصحراء مند سنة1974، هو أنّها لم تكن - في غالب الأحيان- صاحبة المبادرة في طرح مشاريع، أو برامج فاعلة تخص المسألة الترابية، بل ظل سلوكها ذو طابع إنتظاري بامتياز ومحصور في الإستجابة للطلبات الدبلوماسية للدولة. و حتى في حالة تحركها على إحدى واجهات الدبلوماسية الحزبية ( المؤتمرات الحزبية الخارجية، العلاقات الخارجية مع باقي الأحزاب...)، كان ذلك مشروطا بمراعاة السقف المطلبي المطروح رسميا، إذ لم يكن مخوّل لها، في إطار سياسة الإجماع، تجاوزه وإلا تعرّضت للملاحقة والقمع كما حصل مع قادة الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في سنة1981 على إثر رفضهم إجراء إستفتاء تقرير المصير في الصحراء. وهذا هو ما يفسر إعتبار الأستاذ عبد الإله بلقزيز أن مواقف الأحزاب في هذا المجال، هي مواقف «إلحاقية» ليس إلاَ، ينحصر دورها في مساندة المبادرات الدبلوماسية الرسمية المطروحة من لدن الدولة، دون وجود إمكانية المزايدة عليها، أو تجاوز السقف المرسوم لها سلفا. وهكذا، يمكن القول أن دبلوماسية الأحزاب في ملف الصحراء، هي دبلوماسية تتم تحت الطلب، و يقتصر دورها فيها على إنتظار الإشارة من الدولة للإنطلاق نحو الفعل. ولتأكيد ذلك، نشير إلى أن تحركات الأحزاب مؤخرا في ملف أمنتو حيدر لم يتجاوز المنطق السالف؛ فبعد مطالبة العاهل المغربي الملك محمد السادس الأحزاب بضرورة الاضطلاع بالأدوار المنوطة بها في الدفاع عن الوحدة الترابية للبلاد في الخطاب سالف الذكر، ولاسيما بعد الاجتماع الذي أجرته وزارة الخارجية مع الأحزاب لتوضيح الخطوات اللازم اتباعها من لدن الفاعل الحزبي، لأجل تجنيد دبلوماسيتة الموازية من أجل التحرك في القضية، عمد حزب الأصالة والمعاصرة في شخص أمينه العام الشيخ بيد الله إلى زيارة مدريد، لتوضيح موقف صحروايي الداخل الداعم لمبادرة الحكم الذاتي والتأكيد لإسبانيا المعني التقليدي بقضية الصحراء أن انفصاليي الداخل لا يمثلون إلا قلَة قليلة مدعومة من طرف أطراف خارجية، وعلى رأسها الجزائر. ويظهر أنّه مقابل دبلوماسية الخارج، تجنّد حزب التجمع الوطني للأحرار للقيام بدبلوماسية الداخل من خلال الزيارة التي قام بها إلى مدينة العيون حيث التقى مجموعة من أعيان القبائل الصحراوية وأجرى تجمعات خطابية داخل المناطق الصحراوية، كما نادى بتطبيق الجهوية الموسعة لتنزيل المبادرة المغربية على أرض الواقع. فلماذا استنكفت الأحزاب عن التحرك بنفس الفاعلية مع قضية مصطفى سلمى ولد سيدي مولود؟. يبدو واضحا أن الأحزاب السياسية لم تتحرك بالشكل المطلوب منها في هذه القضية، وهو أمر لايتلائم كلية مع متطلبات الزمن الدبلوماسي المغربي واحتياجاته الراهنة كما سلف؛ فخارج لغة الشجب وبيانات الإدانة لم يلحظ أي تحرك عملي وملموس للفاعل الحزبي، في مقابل المجهودات التي مافتئت تتولاها المنظمات المدنية داخل المغرب وخارجه للدفاع عن المعني بالأمر. دون إغفل تحركات الدبلوماسية الرسمية لإدانة الإحتجاز اللامشروع الذي تعرض له المناظل مصطفى سلمى - المفتش العام السابق لشرطة «البوليساريو»- إثر عودته إلى تندوف للدفاع عن وجهة نظره حول الحكم الذاتي لدى سكان المخيمات ( بلاغ وزارة الخارجية في الموضوع، مراسلة الاتحاد الاروبي، لجنة حقوق الإنسان...). وقد كان حريا بالاتحاد الاشتراكي أن يتدخل لدى الأممية الاشتراكية للضغط على الجزائر لإطلاق صراح المعتقل مصطفى سلمى، فضلا عن حزب الاستقلال في علاقته بأممية أحزاب الوسط، وحزبا الحركة الشعبية والإتحاد الدستوري عضوا الأممية الليبرالية... وبغض النظر عن الحملات الجارية لتبخيس مبادرات الأحزاب السياسية ومشاريعها الإصلاحية، يظهر أن ضعف الأحزاب يظهر واضحا للعيان، إذ يظل الواقع السياسي شاهدا على ذلك نتيجة الاختلالات الكبيرة والمستمرة التي تستمر الأحزاب في المعاناة منها على المستوى الداخلي (الانشقاقات، صعوبة تدبير الإختلافات الداخلية، عدم قبول معظمها بوجود تيارات داخلها، ضعف الديمقراطية الداخلية، فشل التكتلات...). وكذا نتيجة لإفتقادها السلطة السياسية الكفيلة بأجرأة تصوراتها من جهة، وغياب الرغبة والإرادة لتفعيل ذلك من جهة أخرى. ولاشك أن كل هذا يؤثر سلبا على وظيفتها ودورها فيما يتعلق بتطوير الدبلوماسية الحزبية وتنفيذ السياسة الخارجية التي تعد مجالا خاصا لرئاسة الدولة ( وهي خاصية تبقى حاضرة لدى جل الأنظمة السياسية المعاصرة، طبعا مع إختلاف في مستوى ذلك الضعف)، إذ ينكشف واضحا، كما أسلفنا، أن التحركات الدبلوماسية للأحزاب غالبا ما تبقى مرتبطة بطلبات الدولة وموسمية، أي تبقى دبلوماسية تحت الطلب كما سلف، وتغيب لديها روح المبادرة والابتكار، لخلق أشكال دبلوماسية نضالية فاعلة وقادرة على تجسيد منظور حقيقي ومتطور لمفهوم السياسة الخارجية الحزبية خاصة، ولمفهوم الدبلوماسية الموازية في صيغتها الحزبية عموما. إن اضطلاع الأحزاب السياسية بدورها كاملا في إنعاش الدبلوماسية الموازية لا يمكن أن يتم إلا من خلال إعمال آليتين سياسيتين ضروريتين هما: - آلية تنشيط العمل السياسي والدبلوماسي داخل الأحزاب، عبر تفعيل لجانها الخارجية ومأسستها بشكل صحيح واستقطاب أطر من داخل التكثلات الاقتصادية الكبرى، ومن أوساط المثقفين والجامعيين والرموز والشخصيات الوطنية المعروفة، المؤهلة والقادرة على ممارسة العمل الدبلوماسي الموازي بنجاح واقتدار. وأيضا من خلال استهداف الأندية الثقافية المغربية، سواء بالداخل أو الخارج، التي بإمكان أعضائها الانخراط في صلب الأحزاب لتولي مهمة الدبلوماسية الموازية الحزبية، لاسيما حالة تواجدها خارج أرض الوطن. - آلية توسيع دائرة صناعة القرار الخارجي الرسمي، لاسيما في حالة اقتناع الدولة بأهمية دعم الفاعل الحزبي والمدني في تولي دور الدبلوماسية الموازية، وتمكينه من الوسائل الكفيلة للقيام بذلك، عبر إقرار نوع من الديمقراطية التشاركية المرنة التي بإمكانها تمكين جل الفاعلين السياسيين، باختلاف مواقعهم داخل اللعبة السياسية من الإدلاء بأرائهم وطرح مقترحاتهم لتطوير آليات صناعة القرار في السياسة الخارجية الرسمية. ومن ثم إبتكار أشكال متقدمة في التعاطي مع الأزمات الدبلوماسية للبلاد...