يعد نص «فنيس والظمأ» فاتحة نصوص المجموعة القصصية «العنف في الدماغ» المؤلفة من ثلاثة عشر نصا قصصيا جديدا ومدخلا بقلم الكاتب، ولعل أول ما تبديه نصوص المجموعة يبرز من خلال تمردها على قواعد الكتابة القصصية القصيرة التي ألفها القارئ المغربي قبل بداية سبعينات القرن الماضي، إذ يجدها تنصرف عن سرد الأفعال التي تقوم بها الشخصية القصصية داخل فضاء قصصي، إلى اللهاث وراء القبض على لحظة هاربة أو لقطة منفلتة. والواقع أنه إذا كان رصد وتصوير الإيقاع السريع للمرحلة الجديدة قد صار لا ينفصل عن الأزمة الوجودية للإنسان المعاصر، فقد بات، كذلك، ضرورة قصصية تستلزم تجريب بنية/ بنى سردية توقف حركة الأفعال، فتسكن السرد وتفجر بدله تصميما يسمح للنص بنمو سردي جديد. ولأن الذات الإنسانية، وفق سياقنا هذا، تعيش أزمة خانقة وجفافا يتشوق إلى ارتواء، فقد عمد السارد/ المؤلف في نص "فنيس والظمأ" إلى استقبال القارئ بتناص يحيله من خلال قوله: مطر في الخارج،()،مطر، مطر، مطر، لو عاش "السياب" في ليل البيضاء وتحت أسلاك أمطارها لزادت أبعاد أنشودته و لكان خيط الحزن الرفيع المرتعش فيها أكثر سماكة . على قول الشاعر بدر شاكر السياب : مطر... مطر... مطر... وفي العراق جوع. وإذا كان القولان معا يشيران إلى التناقض الذي صار عليه واقع الحال، فلأن التناقض يولد الحركة ويغنيها، لذلك فهو عند"" الحداثيين جسر إلى التناغم والإنسجام بل ومولد لهما". ومع أن هذه الفكرة، فيما يبدو، ليست جديدة تماما، فأرسطو يرى أنه" يمكن للأشياء المتناقضة أن تنتج أعلى درجات التناغم والإنسجام"، و" مزج الأضداد" يعد" ملمحا مكونا لجماليات الرومانتيكية"، إلا أن الحداثيين قننوا الفكرة ورسخوها، من منطلق فكري حداثي يتجاوز المنطق الحاد والعقلانية الصارمة، حتى صارت هذه الفكرة سمة شعرية تتضمن قدرة الشعر على أن يبرز، من خلال ما فيه من تناقض وتضاد، تناسبا خفيا." . إن هذه الفقرة الطويلة نسبيا، وهي تشير إلى رؤية المذاهب الأدبية لمبدأ التناقض، تترجم كذلك أهميته في قراءة واقع متناقض. لكن السارد سيذهب إلى أبعد من أن يسرد- مجازيا- في نص " فنيس والظمأ" إحدى لحظات عطشه الوجودي، ويطور قصصيا لحظات طبيعية من ظمئه الإبداعي وكأننا بها تستحيل تمثيلا لتحولات سرده الذاتي/ الغنائي، إذ سيدشن، عمليا، تحوير الخطاب السردي المغربي القصير وتحطيم شكله القصصي معا. وفي ضوء ذلك، يلاحظ القارئ أن نص "فنيس والظمأ "- ومعه بقية نصوص المجموعة- يثير جملة من أسئلة العالم القصصي من قبيل: كيف يمكننا أن نعبر قصصيا عن واقع يعادي التحديث؟ وكيف يمكننا أن نصور ونعرض ونعلل تجلياته قصصيا دون أن ننسى أن التاريخ حركة وليس سكونا، بل كيف "نوقف الزمن من خلال السرد/ الحركة؟ ففي مجتمع يفقد التوازن كيف يمكن – أو هل يمكن- أن نعبر عنه بطريقة متماسكة تعتمد التتابع والتسلسل؟ وفي مجتمع مفكك مبعثر هل يمكن التعبير عنه بطريقة مترابطة؟" . ينقسم هذا النص إلى ثلاث فقرات كبرى، تفصل بينها نجيمات مطبعية، وهذه الفقرات بقدر ما توهم القارئ بالوحدات الثلاث – البداية – الوسط – النهاية – بقدر ما تستعير، خاصة، في الفقرتين الأولى والثالثة مدخل أسلوب الرسائل البريدية، هذه الأخيرة التي تقسم عند الدارسين إلى رسائل عامة ورسائل خاصة، وفي سياقنا هذا، نجد السارد يوظف أسلوب الرسائل الخاصة التي يكتبها لصديق عزيز إليه/ القارئ كي تبين له عن ما يعتريه من حزن وظمأ واختناق،ويشكو له حالة جيله الذي يعيش بين ظهرانيه، وإذ يبدي النص صعوبته في التلخيص، فيلاحظ أنه يدور حول شخص بدون اسم في مدى زمني يحدد بليلة مطيرة وفي فضاء مكاني هادئ عبارة عن غرفة داخل فضاء مدينة البيضاء، يرمز- أي فضاء الغرفة- إلى توحد السارد مع ألمه الداخلي. " عزيزي د الليلة: مطر في الخارج، هدوء في المدينة، ليل عميق يعانق الشوارع وصمت كبير يغلف زوايا غرفتي." ، ولئن كان هذا المناخ يوحي بالعطاء والخصب وتجدد الحياة، فإنه يصادف عند " أنا البطل الغنائي" بضمير المتكلم إحساسا بالحزن والغبن والظمأ والفجيعة لا نكاد نعرف ما مصدره، فنتساءل: هل الأمر يعود إلى فراقه مع الإيطالية ماريا ؟، أم إلى صدى فاجعة دموية؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه اختناق القول وقصر الكلمة عن التعبير أمام هول الموقف؟. غير أن استثمار تقنية تبادل الرسائل اليومية، قد تذكرك وتذكرني عزيزي القارئ بأن "هناك – دائما- حكاية تروى عني و عنك". وإذا كان الأمر كذلك، فهي تبطن، في سياقنا هذا، رغبة الأنا الذاتي/ الغنائي في نقل حالته وخطابه إلى مسرود له/ قارئ، نظرا للأهمية القصوى التي أولتها السردية البنيوية للقارئ بإشراكه في صلب عملية البناء/ الكتابة، ذلك أنه، وكما نعلم، فإضافة" إلى الكاتب والقارئ هناك "أنا" البطل الغنائي، أو" أنا السارد الوهمي، وهناك " أنت" و" أنتم" المخاطب الذي تفترضه المونولوجات الدرامية والتضرعات والرسائل. إن هيمنة الوظيفة الشعرية/ الجمالية لا تطمس الإحالة، وإنما تجعلها غامضة. ويناسب الرسالة ذات المعنى المزدوج مرسل مزدوج ومتلق مزدوج وأيضا إحالة مزدوجة" . لكن السردية الغنائية وهي تسعى إلى تجسيد تعادل" مع الطابع التبادلي والكلي -أحيانا- بين الذات والموضوع" . وتطمح عبر نصوص السرد الذاتي/الغنائي إلى تحقيق جماليتها الفنية من خلال "الإمساك بأسباب الأزمة" ، معتمدة بنية سردية " تتجسد من خلال التصميم- سكونيات السرد-. وإذا كانت الحبكة تنهض على التتابع والتسلسل والترابط والتراكم، فإن التصميم ينهض من خلال التجاور والتكرار والتداخل والإنحرافات والوصف والإسترسال والتأمل والصور الافتراضية والمجازية. لذا عزيزي القارئ: تخيل كيف سينسكب في ذاتي/ ذاتك وقع الليل والمطر والصمت المطبق على غرفتي/ غرفتك، ومدينتي/ مدينتك،. ولك أن تفتش عن اللحظات والقطرات والكلمات الأوائل اللواتي سيتشكلن داخلي/ داخلك، وسيسعفنني/ يسعفنك في البوح بكلام لا يغتذي إلا من وصف المناظر وسرد الأحداث التي لا تدور إلا في رأسي. لكن القارئ وهو يحاول الإمساك بنسيج علاقات السارد بالليل والمطر والمدينة سيفاجئه السارد بإتمام الفقرة الأولى بنداء استغاثة، يعتمد من خلاله تركيبا مجازيا، يوجهه إلى كل من يقدر أن يعينه على ري بلد قفر وإرواء جيل ظمآن بأكملهما. وإذ سيستهل السارد الفقرة الثانية بتوظيف "لعبة فنية " تتمثل في التماهي والتحول بين الواقعي والمتخيل،" في عيني تتألق نداوة أصباح من فينيس ماء صاف يخترق الشوارع والأزقة والمراكب تشق استرخاء الماء على الرصيفين" ، فإنه يعيد القارئ إلى عتبة العنوان" فنيس والظمأ " وإلى التقابلات والتجاورات والتوازيات بين مدينة البندقية الإيطالية التي تسبح فوق الماء من جهة أولى، والظمأ الشديد الذي يعتري لهات السارد من جهة ثانية. "في ذلك الجانب شقراء صارخة النهدين تكوم وجهها بين ذراع حبيبها.. إنهما يحلمان بأشياء كثيرة تستطيع هذه المدينة أن تهبها لهما، لعلهما يحتفلان بشهر العسل، الظمأ يتبخر ازاءهما. فوق ذلك المقعد جلسا معا يتأملان بحنان طفلهما الذي كان يتقدم نحوهما في مشية متعثرة، وتبرعمت على مخايلهما بسمة ارتواء، تحياتي، متمنياتي لكم يا من تقتلون الظمأ في فينيس." . وتبعا لذلك، تبدو هذه الصورة السردية الوصفية تجسيدا للتركيب القائم بين صور النص، والذي يتيح، كذلك، للبنية السردية أن تشيد من خلال التقابل بصفته محورا أساسا لتوليد المعنى، فنجد البطل الغنائي يتمثل أناه يتجول في مدينة " فنيس" رفقة فتاة إيطالية تسمى ماريا، ويغرفان معا من عطاءات حضارتها التي شيدتها أنامل إنسان مبدع، وتفجرت أنفاسا مشبعة بالوهج والسعار والشبق، فتهاطلت قبلا أزهرت أعاصيرها بيادر ماريا، لكن " ... بيادره هو لم تخصب كما أراد.. لا زال يبحث" . إن هذه الصورة بقدر ما "توحي بعقم هذا البحث وبالعودة إلى لحظة البداية، أي توحي بنفي الزمن وانعدام التقدم ، بقدر ما تدل، أيضا، على أن تكرار الصور السردية والوصفية لا يزيد القارئ إلا إبهاما وحيرة وشكا. على أن السارد وهو يبتغي من خلال قناعه/صوت الأنا الغنائي، مزج آهات الحب بآهات الحزن وخرير المياه بدبيب الأرض في نبرة أليفة تبوح بلهاث"الأنا" وهي تنشد الاغتراف من النبع و تتوجه نحو غسل أجيال التصق بها الصدأ منذ قرون لتؤجج هذا اللهاث وهذه الزفرات، سينشلنا من فنيس وهي" تستفيق في عينيها و تقفز البسمات كفراشات على وجهيهما لتتعلق بصفاء المياه و أسراب الحمام . كل شئ فيها يلهث .. السعار السعار في هيجان محموم" ، لينعطف بنا إلى النداء الذي أنهى به الفقرة الأولى عندما صرخ" يا من يبل صحراء الظمأ في جيل الصدأ"، وليوهمنا، تبعا لذلك، بالترابط القائم بين الفقرتين، وبأنه وهو يبوح وينادي حبيبته، يحقق تماهيا للمدينة –البيضاء/فينيس- مع المرأة/ ماريا. غير أن استهلال الفقرة الثالثة وهي فقرة قصيرة لا تتجاوز ثمانية أسطر- بعبارة تقديم الرسائل البريدية التي افتتح بها النص: عزيزي د: هدوء في المدينة، مطر في الخارج، الحشرات تحوم حول المصباح الذابل... ليل عميق يعانق الشوارع.." ، يدل على أن الشكل القصصي لنص" فنيس والظمأ" يصاغ من خلال تقنية "الاستدارة" فيتخذ بناءا دائريا يتمثل في إعادة المشهد الاستهلالي من النص وتكراره" بصورة حرفية في المشهد الأخير. وهذاالتكرار يرسم دائرة أو حلقة، ويوحي بالمراوحة في الزمان والمكان، فالحركة السردية- إن كان ثمة حركة سردية- بين المشهدين الأول والأخير لا تنمو ولا تتفرع ولا تنتج لحظة جديدة فهي أشبه بالدوران في حلقة مفرغة." والواقع أن هذه الرؤية الدائرية التي يجمد فيها الزمان والمكان، وتتلاشى خلالها الحركة، ويغيب بين طياتها الفعل، ليست محاولة لنفي الزمن ومعه المكان وهجائهما، من خلال تجميدهما حينما جعلهما السارد يدوران في تلافيف دماغه،بل يبدو أنها ستساعده على كسر طوق الدائرة وخلق تحول في حركة الزمن وثباته والمكان وقصره أو عجزه قصد الخروج من الطوق المسدود الذي صار يتحرك فيه جيل المرحلة. (اللحظة استحال الصمت دويا..الغرفة لم تعد تسعفني.. هذا الضباب يكسو الغرفة وأحس بأنني أختنق في غرفة غازية. – أمد لك يدي من خصاص النافذة، ليل المدينة يغرقني في المطر..أمد ذراعي إلى السماء. أفتح فمي وكل مسامي. أتشرب القطرات) . وتأسيسا على ما سبق، فإذا كان التوزيع الأفقي لكلمات نص"فنيس والظمأ" يبتغي نقل صوت السارد إلى المتلقي،" فإن هذا البياض المتوزع على النص يدلنا على أنه يقول أيضا بالصمت، وربما كان قول الصمت أشد مضاعفة وكثافة لأنه في تحليقه فيما وراء اللغة يطمح إلى أن يلتقط حركة الروح" . بيد أن هذه الطريقة في تشعير لغة السرد القصصي من خلال إجبار القارئ على احترام البياضات واستحضار توقف خفيف قبل إتمام المعنى، ستضفي على الشعري في نص "فنيس والظمأ" مسحة "المفارقة الشعرية" التي تحققت فيه بعدما" اشتبكت بنية الزمن الدائري مع المكان الدوري وارتبط الصمت بالصوت [ف] أصبحت المفارقة لعبة النص الشعري إذ تؤدي إلى "اجتماع الأضداد" على مستوى واحد" . لكنه، إذا كانت القصة القصيرة كما يقول إيخنباوم" تبنى على قاعدة تناقض، أو انعدام تصادف، أو خطأ، أو تعارض" ، و إنه يتعين" عليها أن تلبي شرطين اثنين: الأبعاد المختصرة والتشديد على الخلاصة" ، فكيف ستتلاءم هذه المصطلحات أو ستنسجم مع بنية سردية متمردة على التحديدات ورافضة للأصول المألوفة؟ ولذلك فلما كانت الخلاصة أو لحظة التنوير، في النصوص السردية عامة والقصصية خاصة، بصفتها إشارة دالة على دنو الكاتب/ النص من هدفه، ويمكنها أن" تتجسد في لقطة أو وحدة سردية أو عبارة أو جملة أو سؤال أو مشهد كامل هو المشهد الأخير" ، فإنها في نص "فنيس والظمأ" تقوم على لازمات تقابل بين الظمأ والارتواء، وبين الحزن والوهج من جهة أولى، وتستحيل بؤرة توجه القارئ إلى تجليات المفارقة القائمة بين قتل الظمأ الذي كان يحلم بتحقيقه في فنيس وبين واقع الحال الذي هو عليه ليلتها. "الليلة: مطر في الخارج، هدوء في المدينة، ليل عميق يعانق الشوارع وصمت كبير يغلف زوايا غرفتي . مطر في الخارج، مطر، مطر، مطر . والحالة هذه، حيث يتابع القارئ أن المطر المتهاطل خارج الغرفة بقدر ما يتألق في عيني السارد" نداوة أصباح من "فنيس" ، سرعان ماسيشتعل في عينه ظمأ" يمتد أسلاكا تحاصر قوام الإيطالية" ،ليتسلل بين سطور النص حوار افتراضيا: ( قلت لها : قد تكون مثلي ظمأى إلى..إلى ماذا- سألت- إلى شيء ما. اشتعل في عينها تعبير غامض ترجمته فبدا واضحا على شفتيها مرة أخرى . قلت لها آنسة اعذريني إنني احترق- أجابتني وأصابعها تضغط على يدي..- في وهج المسيرة سترتوي . جذبتني بلطف وقالت سندخل الآن إلى الكنيسة لترى إنسانك الظامئ) . غير أن السارد لن يتأخر في الإفصاح عن أن هذا الحوار الافتراضي، وهو يتخلل صور النص القصصية والوصفية، هو تعبير عن أحاسيس تحركها في داخله الظمآن قطرات الماء المتساقط خارج الغرفة.لذلك نجده يعلق على موقفه بقوله" ولو أنها لم تلمسني فلقد أحسست بالدغدغة تسري في دمائي الساخنة . وإذا كان من الهام جدا، في ضوء هذه الأمثلة، تعيين الشخصية القصصية التي تقوم بتحديد بؤرة النص، علاوة عن" الموضوع الذي يجري تحديد بؤرته، كذلك فإن الصورة التي يقدمها المحدد للبؤرة أو يعرضها حول موضوع معين، تقول بدورها شيئا معينا حوله، أي حول القائم بتحديد البؤرة" . لذا، وبعد أن يحتار القارئ داخل النص بين ما يختزن من تناقضات واختلافات وبين ما يتوفر عليهبين مستوياته، سيرتبط عنده تحديد البؤرة بشكل مفارق من خلال التباين الحاصل ""بين الحقيقة والمظهر"، مع تأكيد أن العلاقة بين المظهر والحقيقة ليست علاقة تشابه أو لا تشابه أو تعادل، بل إنها كما يرى- شفالييه- علاقة تضاد – أو تعارض أو تناقض أو تنافر أو عدم اتساق-، ولهذا يرى"فريدريكشليغل" أن المفارقة تعني "توتر الأضداد"، ولا شك في أن هذه المعاني تدل على أن للمفارقة بنية درامية، أو صورة مزدوجة." . ولهذا كله، كيف يعقل للمرء أن يشعر بالظمأ في مدينة تسبح فوق الماء، ؟ وكيف لشخص يغرقه ليل المدينة في المطر ولا يحصل على قطرات تبتل بها لهاته.؟ وتأسيسا على ذلك، يبدو لنا، أن التوتر وهو يفجر في الإنسان، أحيانا، الإحساس بلا معقولية الأشياء التي تبدو منطقية، مثلما يمنحه فرصة عرض ذاته وإعادة اكتشافها، قد ساهم، من خلال التوترات التي عاشها جيل المرحلة، في توظيف القصاصين المغاربة للمفارقة السردية داخل نصوص القصة المغربية القصيرة، ذلك أن الأدبية- يقول شكري عزيز الماضي- حسب جاكبسون" تنطوي على مبدأ التضاد والتنافر والتوازي والتجاور وعدم التوقع. أما كلينثبروكس فيرى أن المفارقة هي جوهر الأدب. فما يجعل من العمل الأدبي عملا أدبيا هو المفارقة. وعلى صعيد جماليات التلقي فإن قوة المفارقة تتجلى من خلال المتعة التي تولدها. فالمفارقة على حد تعبير"ج. ج سجك "تستمد قوتها" من واحدة من أشد وأكثر المتع دواما في الذهن البشري المتأمل متعة مقابلة المظهر بالحقيقة»..