زاوية أسبوعية تسلّط من خلالها الدكتورة خديجة موسيار، اختصاصية الطب الباطني وأمراض الشيخوخة الضوء على مجموعة من الأمراض بتعدد أنواعها وأشكالها كنا قد تطرقنا في الأسبوع الفارط في الجزء الأول من هذا الموضوع، إلى تعريف مرض متلازمة «إهلرز – دانلوس»، وأنواعه وطبيعة تأثيره، ونتمم في هذا الجزء الثاني، تسليط الضوء على التفاصيل الأخرى المرتبطة بهذا الداء الذي يصنف ضمن خانة الأمراض النادرة، لكونه يصيب حوالي شخص واحد من بين كل 5 آلاف شخص، في جميع أنحاء العالم، ويبقى النوع «الحركي» الأكثر شيوعا ويقدر عدد المصابين بنسبة 1 من كل 10000، في حين أن نوع «الأوعية الدموية» لا يزيد عن حالة واحدة من كل 25 ألف شخص، علما أن المرض يؤثر على كل من النساء والرجال على حدّ سواء، لكن مع آلام أكثر شدة عند النساء. وتعطي معظم أنواع المرض فرطا في حركة المفاصل، مع جلد مرن جدا وأوعية دموية هشة لكن مع إمكانية أن يشمل مجموعة متنوعة من الأعراض، من ضمنها التعب المفرط، مشاكل في النوم، آلام في العضلات، والمفاصل أو البطن، آلام مزمنة ومنتشرة في جميع أنحاء الجسم مع الالتواء المتكرر للمفاصل. وتختلف شدة الأعراض من شخص لآخر وحسب شكل المرض، لكن معظم المرضى يكون لديهم فرط مرونة الجلد الذي يتمدد، مع رقة في السُمك إذ يصبح شفافا وضعيفا، يتمزق عند أدنى الصدمات مع جروح تلتئم بصعوبة وبطء شديدين، ويصبح الشفاء منها صعبا مع تشكل غير طبيعي للندوب. هذا الجلد الهش الرقيق يعجز عن تحمل غرز الخياطة بعد الإصابة بالجروح الكبيرة، مع حدوث العديد من الكدمات المتكررة العفوية بدون مشكل في تختر الدم، و تتطور علامات تمدد الجلد (les vergetures) في وقت مبكر حتى عند الأطفال. يعتبر الشكل الحركي من متلازمة «إهلرز- دانلوس» الأقل خطورة، لأنه لا يعطي مضاعفات على صعيد الأجهزة الحشوية أو الشرايين، فتكون المفاصل زائدة المرونة، وذلك لرخاوة النسيج الضام الذي يربط بين المفاصل، فتتمكن المفاصل بذلك من الحركة بمدى أكثر بكثير من الحد الطبيعي و تصاب المفاصل الصغيرة أكثر من الكبيرة. على الرغم من أن هذا النوع اقل خطورة إلا أنه يعتبر مع ذلك الأكثر تأثيرا على جودة الحياة، علما أن الالتواء المتكرر يمكن أن يحدث في أي لحظة، إما عفويا و إما لأبسط الأسباب مثل الحد الأدنى من الصدمات، هذا الشكل أيضا هو بالتأكيد الأكثر تعقيدا للتعامل معه من طرف الأطباء نظرا لعدم وجود اختبار جيني يمكن الاعتماد عليه. أما إصابة الأوعية الدموية، فيعتبر من الأنواع الأكثر خطورة، وهو يحدث عن نقص الكولاجين في جدار الوعاء الدموي الذي يفقد القدرة التصدي لضغط الدم مما يؤدي إلى تمدد الأوعية الدموية التي قد تتمزق في أي وقت، ويتسبب في حدوث نزيف. ويتسم المصابون عادة بعلامات مميزة في الوجه، تشمل أنفا مدببا، شفة علوية رقيقة، شحمة أذن صغيرة، و أعينا متبارزة كما تظهر الأوعية الدموية الأساسية للعين المجردة بشكل واضح لدى أصحاب البشرة الفاتحة. عند تمدد الأوعية الدموية، فإنه يمكن اللجوء إلى الجراحة مع سد الجزء المتسع من الشريان، ويمكن لهذا الشكل إضعاف الشريان القلبي الأكبر (aorte)، إضافة لشرايين الكلي والطحال ، حيث يمكن أن يؤدي تمزق أي من هذه الشرايين إلى الوفاة، كما يمكن لهذا الشكل إضعاف جدران الرحم أو الأمعاء الغليظة و بالتالي تمزقها. ويمكن أن يحدث المرض فشلا في الجهاز التنفسي، ينسب بشكل خاطئ إلى الربو، إضافة إلى اضطرابات معوية مع الإمساك أو الجزر المعدي المريئي، أو مشاكل في المسالك البولية، أو في القلب خصوصا على صعيد الصمامات، كما أنه من الممكن حدوث مشاكل في الرؤية مع قصر النظر، أو نزيف في الأنف، دم حيض قد تكون مؤلمة ووفيرة عند بعض النساء، وقد تصبح الحبال الصوتية حساسة للغاية ومرنة للغاية. وعند بعض المرضى، تتطور اضطرابات في الانتباه والذاكرة في النشاط الوظيفي والتنظيم في الزمان والمكان، ويكون هناك اضطراب كبير في تصور مخطط الجسم مع نوبات انقطاع «الارتباطات الحسية» تهم جزء ما من الجسم تعطي سقوطا على الأرض أو شبه شلل أو صعوبات في بعض الحركات التي تستدعي الدقة. وتجب الإشارة إلى أنه لا يوجد علاج جذري للمرض، وقد يقتصر العلاج الوحيد على تحسين الأعراض. وفي حالة حدوث جروح، ينبغي أن تكون خياطة الجروح دقيقة وأن تترك لمدة طويلة، كما لا يستحب الخوض في إجراء أي عملية جراحية إلا في الحالات الحتمية. ومن المهم للوقاية من إصابات الجلد و المفاصل تجنب الرياضات العنيفة، والتي فيها مخاطرة بالاصطدام، وبالنسبة للأطفال الصغار الذين في طور تعلم المشي لابد لهم من ارتداء ملابس حافظة لكونهم أكثر عرضة للخلع في المفاصل، إلى جانب استعمال صابون خفيف للبشرة ومرهمات واقية من الشمس لمنع الشيخوخة المبكرة للجلد.