نظم قطاع المهندسين الاتحاديين لقاء مفتوحا خصصه لعرض ومناقشة موضوع «أية إصلاحات سياسية واقتصادية لمحاربة الفساد بالمغرب» أطره المهندس حسن السرغيني، وذلك يوم الخميس 3 مارس 2011 بالقاعة الكبرى للمركب الثقافي بأكدال الرباط. اللقاء كان ناجحا لقيمة الحضور الكمي والنوعي ، حيث شارك فيه عدد من الفعاليات السياسية و من الفاعلين المدنيين وعدد كبير من الأطر الشابة. في بداية العرض، تم تذكير الحضور بأن هذا اللقاء يدخل في إطار برنامج للأنشطة بلوره قطاع المهندسين بهدف ضمان استمرار إسهاماته المعتادة في فتح النقاش في القضايا الكبرى للبلاد ومواكبة تطور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وطنيا وإقليميا. هكذا، وعلى إثر الاجتماع الدوري لهذا القطاع الذي انعقد يوم 21 فبراير 2011 بمقر الحزب بأكدال (المقر القديم)، وبعد الانتهاء من تقييم اللقاء الأخير الذي تم تنظيمه بالمكتبة الوطنية حول موضوع «تكوين المهندس» والذي أطره كل من أحمد رضا الشامي، وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، وعبد الحفيظ الدباغ، الكاتب العام لوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي، توج النقاش بتنظيم لقاء ثان باختيار موضوع الفساد نظرا لأهميته وراهنيتة وارتباطه بالتطورات الوطنية والإقليمية الآنية. وتضمن العرض الذي قدمه السرغيني عدة محاور ومفاهيم مرتبطة بمفهوم الفساد، منها تعريف مفهوم الرشوة وجرد كل أنواع الفساد وارتباطاتها بممارسة السلطة، والعوامل التي ساهمت في تفشيها، وتداعياتها، والمجالات والقطاعات الأكثر تضررا منها. وختم عرضه بتقديم ورقة طريق تتضمن مجموعة من التدابير والإجراءات التي بإمكانها أن تساهم في الحد من هذا السرطان الذي ينخر جسمي الدولة والمجتمع. تعريف الرشوة وأشكالها الرشوة هي استغلال سلطة عمومية سياسية كانت أو إدارية أو قضائية أو اقتصادية ، لخدمة المصالح الخاصة يكون مقابها تقديم خدمات وحقوق غير شرعية وغير قانونية، كما يمكن أن تكون طمعا في مقابل مادي أو خدماتي للإفراج عن حقوق مسلوبة بدون سند قانوني. إنها فرض مقابل غير مشروع للحصول على مصلحة، فرض أساسه تعسف في استعمال السلطة في المجالات السياسية والمؤسساتية والاقتصادية، حيث تنتج عن هذه الظاهرة امتيازات بغير حق وحقوق مشروعة مسلوبة. وتتخذ هذه الظاهرة عدة أشكال منها الرشوة المادية (تقديم أموال وهدايا مقابل خدمات أو حقوق شرعية مسلوبة أو غير شرعية) و الرشوة الخدماتية (خدمة مقابل خدمة)، والرشوة الصغرى والرشوة الكبرى، والعمولات الكبيرة التي قد يحصل عليها أشخاص نافذون والتي يتم تحويلها مباشرة إلى حساباتهم البنكية في الخارج، والرشوة المجانية، والرشوة السلبية (دع الأمور تسير بدون مبادرات فضح)، الرشوة المقننة (العطاءات، التواطؤ بين الإدارة والمقاولات في الصفقات العمومية من خلال دفع المشاركين في هذه الصفقات للتفاهم من أجل رفع الأثمنة واقتسام الأرباح بشكل من الأشكال ...)، التواطؤ مع بعض جمعيات المجتمع المدني في برامج دعم المشاريع المدرة للدخل ... إلخ. الفساد.. وخطورته الفساد ظاهرة أكثر خطورة وأشد فتكا بالدولة والمجتمع. فهو خروج عن القانون والنظام، وهو كذلك سلوك يخالف الواجبات الرسمية للمنصب العام وتطلع إلى تحقيق مكاسب خاصة مادية أو معنوية. فإضافة إلى الرشوة، يشمل الفساد المحسوبية (تنفيذ أعمال لفرد أو جهة لا تستحقها)، والمحاباة (تفضيل جهة على أخرى في الخدمة بغير حق والحصول على مصالح معينة)، والواسطة (التدخل لصالح فرد ما أو جماعة دون الالتزام بأصول العمل والكفاءة اللازمة مثل تعيين شخص في منصب معين لأسباب خارجة عن مبدأ تساوي الفرص)، ونهب المال العام (الحصول على أموال الدولة والتصرف فيها من غير حق تحت مسميات مختلفة)، والابتزاز (الحصول على أموال من طرف فرد معين أو جماعة مقابل تنفيذ مصالح مرتبطة بوظيفة)، والحصول على امتياز خاص واحتكارات متعلقة بالخدمات العامة ومشاريع البنية التحتية والوكالات التجارية أو تفويتها إلى الغير مقابل عمولات كبيرة، وإحالة عطاءات عمومية في غياب الشفافية والنزاهة والمنافسة وضمان تكافؤ الفرص، وتبذير المال العام من خلال منح تراخيص أو إعفاءات ضريبية أو جمركية للأشخاص أو شركات بدون وجه حق (مقالع الرمال والأحجار، أعالي البحار، تفويت الملك العمومي، إنجاز مشاريع غير قابلة للاستعمال والاستغلال بمبالغ كبيرة كإنجاز بعض السدود فوق أراض مالحة، المشاريع الوهمية، المشاريع بدون وقع على التنمية،....) وحرمان الخزينة العامة من أهم مواردها، واستغلال المنصب العام لتحقيق مصالح سياسية مثل تزوير الانتخابات أو شراء أصوات الناخبين أو التمويل غير المشروع للحملات الانتخابية، أو التأثير على قرارات المحاكم أو شراء ولاء الأفراد والجماعات. إن هدف رواد الفساد هو تحقيق منفعة مادية أو مكسب سياسي أو اجتماعي. ويمكن أن يمارس الفساد بمبادرات شخصية فردية ودون تنسيق مع أفراد أو جهات أخرى، وقد تمارسه مجموعة بشكل منظم ومنسق (منظومة الفساد) حيث يعمل رواد هذه المنظومة على إيجاد الصيغ الضرورية لحماية كل المشاركين في عمليات الفساد. وحسب السرغيني، يعد هذا النوع الأخير من أكثر الأنواع تداولا وأخطرهم لكونه يتغلغل في كافة بنيان المجتمع ويمس بمصداقية العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي. أسباب الظاهرة: الأسباب العميقة مرتبطة بالمنطق السياسي وطبيعة ممارسة السلطة وما ارتبط بهما من بدع تبريرية يحاول المفسدون إلصاقها بالجانب الثقافي. إن الثقافة الإسلامية تذم وتلعن الراشي والمرتشي. إن الرشوة بالمغرب مرتبطة بالتاريخ السياسي حيث كان السلطان يعين رجال السلطة والمسؤولين بالمقابل المالي. أما في المغرب المستقل، فقد تفشت الرشوة في تزوير الانتخابات منذ 1977 وتشجيع شراء الأصوات للنيل من قوة المؤسسات ومن السلطات المضادة التي بإمكانها أن تواجه الفساد بكل أشكاله وبالتالي تحويل الممارسات المرتبطة به إلى بدع ثقافية عادية بمصطلحات تدعم هذا المنطق (الافتخار بحضور الولائم في الانتخابات، وظهور بعض المصطلحات «القهوة»، «الحلاوة»، «دهن السر إيسير»، تأجيل العقاب إلى الآخرة («بني أعلي وسير أخلي»،...). وبهذا يصبح المجتمع ضحية لضعف وعيه المفتعل حيث تبتعد ممارساته عن الوطنية والسلوكات الإنسانية الحضارية لترتمي في أحضان الانتماءات العشائرية والقبلية والولاءات الضيقة وعلاقات القربى والدم، والجشع، والرغبة في الوصول لتحقيق غايات لا يستطيع المرء الوصول إليها بالوسائل المشروعة أو بالطرق التنافسية السليمة والمتعارف عليها، وتطبيع الوضعيات غير المتكافئة «المصطنعة» بين أفراد المجتمع... إلخ. الوضع بالمغرب أكد السرغيني، كما جاء في الورقة الأرضية التي أعدها لهذا اللقاء، أن الرشوة بالمغرب من أشد أنواع الفساد خطورة. لقد اجتاحت هذه الظاهرة في بداية الأمر الميدان الاقتصادي، لتنتقل بحدة أكبر إلى المجال الإداري، ولتشمل بعد ذلك الميدان السياسي. إن تفشي الظاهرة واكتساحها لكل الميادين بحدة كبيرة في السنوات الأخيرة أعطى انطباعا سيئا عن صورة المغرب دوليا حيث مس في العمق مصداقية المجهودات الرامية لتخليق الحياة العامة وتنمية البلاد. لقد تدهور ترتيبه الدولي نتيجة تفاقم هذه الآفة وغزوها لكل المجالات. فبعدما كان مصنفا في الرتبة 37 سنة 2000 نتيجة المجهودات المبذولة من طرف حكومة عبد الرحمان اليوسفي في مواجهة الرشوة الكبيرة ومحاربة الامتيازات، ارتفعت الرتبة إلى 72 دوليا سنة 2007، ثم إلى 80 سنة 2008، لتبلغ 85 سنة 2010 . لقد تأكد للجميع أن هذا السرطان هو الداء الخطير الأشد فتكا بكل جوانب الحياة المجتمعية والعامة. فإضافة إلى تداعياته الخطيرة على حاضر ومستقبل البلاد، فإنه يمس بمصداقية سمعتها ويعيق مردودية ونجاعة فعل مختلف مؤسساتها السياسية منها والإدارية. كما يشكل تفاقم حجم هذا المرض الفتاك وارتفاع وتيرة انتشاره تهديدا حقيقيا لاستقرار البلاد حيث يعرقل بقوة كل المجهودات الرامية إلى الرفع من نسبة النمو وتحقيق التنمية المستدامة. إن العرقلة التي تعاني منها كل المساعي لتخليق الحياة السياسية وتنشيطها ليست مرتبطة فقط بطبيعة منطق تدبير الانتقال الديمقراطي، بل مرتبطة كذلك باستفحال حدة الفساد وغزوه لكل المؤسسات بدون استثناء. واستشهد في هذا الصدد بتقارير المنظمات الدولية وعلى رأسها البنك الدولي التي أكدت أن المغرب لن يكتب له السير قدما إلى المستقبل وتحقيق التغيير المنشود ما لم يتخذ التدابير والإجراءات اللازمة القادرة على وضع حد لتدهور وضعه ومكانته الدولية بسبب الفساد. إن التماهي مع هذه الظاهرة والتأخر في اتخاذ إجراءات ملموسة للحد منها سيساهم بلا شك في تحويل المغرب إلى وجهة منبوذة بالنسبة للإستثمارات الخارجية. كما من شأن هذا التماهي أن يتسبب في تصنيف المغرب ضمن اللائحة السوداء للدول التي تحرض على هجرة رؤوس الأموال المستثمرة فوق ترابها إلى دول أخرى أكثر تقدما في محاربتها للرشوة. أما على المستوى الداخلي، فثقة المواطنين في المنظومة السياسية تبقى إلى حد بعيد مرتبطة بمدى قدرة الدولة والمجتمع على محاربة هذه الظاهرة. ولإعطاء لمحة عن تفاعل الدولة مع هذه الآفة الخطيرة منذ الاستقلال، أشار السرغيني إلى أن الدولة عبرت عن الإرادة السياسية لمحاربة الظاهرة منذ 1970، لكن بدون جدوى. لقد توالت عمليات تقديم بعض الوزراء وبعض الموظفين السامين إلى القضاء، وتم خلق محكمة العدل الخاصة، وتعددت عمليات المراقبة قبل وبعد عمليات رصد الالتزامات المالية للدولة من طرف مؤسسات تم خلقها لهذا الشأن (مصلحة مراقبة التزامات ونفقات الدولة، ومؤسسة الخزينة العامة للدولةّ، واللجن البرلمانية،....)، لكن كل هذه الإجراءات والتدابير لم يترتب عنها إضعاف حجم هذه الظاهرة، بل على عكس المنتظر، ازدادت حدتها في مرحلة وزير الداخلية إدريس البصري. لقد أصبحت هذه الظاهرة في عهده ممارسة عادية وجزءا لا يتجزأ من المنظومة السياسية السائدة. أكثر من ذلك، لقد تجرأ هذا الوزير داخل المؤسسة التشريعية، التي يصوت الشعب على أعضائها، وأعلن توفره على لائحة للمنتخبين المتورطين في اختلاس المال العام! لقد أعلن ذلك أمام مرأى ومسمع الجميع بدون أن يتحدث عن أي نوع من المتابعات. لقد أكد بكلامه هذا أن الدولة تحمي المفسدين، وأن إعلانه رسميا عن هذه اللائحة ما هو إلا وسيلة لتحصين العديد من الشخصيات النافذة التابعة للنظام المخزني والمتورطة بالمكشوف في الفساد والتي كانت تشكل الشبكة السياسية والاقتصادية والإدارية المؤيدة لسياسة «الحزب السري» . أكثر من ذلك، لقد استعمل إدريس البصري الابتزاز والتهديد لإسكات الأصوات المناوئة لمنطقه وممارساته حيث حول ما سمي بالمتابعات في إطار عملية التطهير الاقتصادي سنوات التسعينات إلى وسيلة لتصفية الحسابات. وشكلت كل هذه الممارسات، بالنسبة للرجل القوي في الدولة آنذاك، آلية لردع كل من يتجرؤون على تجاوز سلطته أو يناورون على قانون اللعبة التي رسمها للتحكم في البلاد والعباد. فتحصين تجار المخدرات والمفسدين كان مشروطا بتقديم الولاء والطاعة ودعم سلطته التي كان يطمح إلى تحويلها إلى سلطة مطلقة. كما أشار السرغيني إلى فترة التحول التي ابتدأت مع إعلان تهديد السكتة القلبية وتنصيب حكومة عبد الرحمان اليوسفي سنة 1998 والمجهودات الجبارة التي قامت بها هذه الحكومة لمحاربة جيوب المقاومة ورواد الفساد (تحسين رتبة المغرب الدولية إلى 37 سنة 2000 وخفض المديونية الخارجية وتخليق الحياة العامة والحفاظ على التوازنات العامة، والحرص على الرفع من مستوى الشفافية في تدبير الصفقات العمومية والممارسات الإدارية، وتفعيل المتابعات القضائية لردع المرتشين، والحد من استعمال الشطط في السلطة، ومحاربة الزبونية وإهدار المال العام، والاستغلال غير المشروع أو الزبوني للملك العمومي، وإعفاء بعض المسؤولين بمن في ذلك بعض رجال القضاء والبعض من رجال القوات العمومية، والحرص باستمرار على إعطاء إشارات سياسية قوية تؤكد عزم الدولة على مناهضة وضع «لا عقاب» الذي كان العملة السائدة فيما قبل في الحياة العمومية، وتشكيل لجن برلمانية للتحقيق في الوضع الفاسد في مجموعة من المؤسسات العمومية الحيوية : القرض الفلاحي، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، البنك الوطني للتنمية الاقتصادية، بنك القرض العقاري والسياحي،...) . واستمرارا على نفس نهج هذه الحكومة تم خلق الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة في العهد الجديد. إنها في الحقيقة إجراءات وترتيبات مهمة تؤكد وعي الدولة بالمخاطر المرتبطة بهذه الآفة الفتاكة، مخاطر لا تهدد فقط الوضع الاقتصادي، بل تتجاوزه لتشكل تهديدا حقيقيا للاستقرار السياسي للبلاد. وباعتبار أن الوعي بخطورة الظاهرة وأهمية الحمولة السياسية لمجمل الترتيبات والإجراءات الرامية لمحاربتها واستئصالها أمر جد إيجابي في تاريخ بناء المؤسسات بالمغرب، يبقى السؤال بشأن الحصيلة مقارنة مع حجم تطور الظاهرة في السنوات الأخيرة ذا راهنية كبيرة. إن ما تم الوقوف عليه من عمليات اغتناء سريعة لبعض الشخصيات واستعمال الثروات المتراكمة في إفساد الحياة السياسية (شراء الأصوات، تمويل بعض المنابر الإعلامية، تمويل ميليشيات وتجييش الموالين للتأثير على القرارات الداخلية لبعض الأحزاب،....)، يؤكد، بما لا يفيد الشك، أن مكامن الضعف في الاستراتيجيات لمحاربة الرشوة تتجلى في استمرار بعض الدوائر النافذة في ممارسة سلطاتها السياسية والاقتصادية والإدارية بالرغم من الشبهات التي تحيط بها بخصوص تورطها في عمليات الفساد والرشوة. وقد جاء في أرضية اللقاء كذلك أن الوضع الحالي يفرض مساءلة المقاربات المتبعة والأسباب العميقة لفشل سياسات الدولة لمناهضة هذه الآفة. إن الأمر يستدعي تعميق البحث في التجليات وكذا في الأسباب الحقيقية لاستمرار التعاطي للرشوة بهذه الحدة. وفي نفس الاتجاه أكد السرغيني أن اللجوء إلى المراقبة الإدارية والزجر القانوني والقضائي يحتاج إلى مجهودات تحليلية مصاحبة. وأضاف أن الاستمرار في استنكار الظاهرة وحدة تفاقمها التي تزيد يوما بعد يوم ليس هو الحل، بل الحل الحقيقي يتجلى في بلورة إستراتيجية محكمة لمحاربتها، استراتيجية تركز أكثر على تشخيص الأسباب وتحليلها تحليلا موضوعيا عوض الاكتفاء بجرد أشكالها المختلفة. وفي هذا الصدد ذكر بالمواقف الدائمة لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الداعية إلى محاربة كل أشكال الفساد والتي كان آخرها تجديد هذه الدعوة في المؤتمر الأخير حيث طالب في هذا الشأن ببلورة وتفعيل إستراتيجية سياسية واضحة المعالم وشاملة تعتمد على آليات ناجعة للحد من هذه الظاهرة الفتاكة، ودعا إلى: * محاربة اقتصاد الريع والامتيازات غير المشروعة. * تقليص مجال الاقتصاد غير المهيكل. * اعتماد سياسة شفافة موضوعية أساسها الاستحقاق والخبرة والكفاءة في مجال التعيينات في مناصب المسؤولية. * الربط بين التعيين والتصريح بالممتلكات. وبخصوص النقط الأساسية التي يمكن أن تشكل انطلاقة لتعميق النقاش بشأن خطة الطريق لمحاربة هذه الظاهرة، ورد في عرض السرغيني ومداخلات الحضور عدة أفكار مهمة تحتاج إلى الإغناء. لقد كان هناك إجماع بشأن الأفكار والإجراءات التالية: * تعطيل عجلة التنمية بالبلاد، وتعطيل الكثير من الحقوق العامة، وانتشار الظلم في المجتمع، وطغيان التسلط على المجتمع من طرف أصحاب المصالح، وإجهاض الديمقراطية، وخرق حقوق الإنسان، وضعف ثقة المواطنين في السياسة والدولة،... كلها ظواهر أساسها تفشي ظاهرة الفساد التي تجعل الفاسد في موقع قوة إلى درجة لا يقبل أن يؤدي أعماله العادية وواجباته إلا بعد أن يأخذ المقابل، بل أكثر من ذلك، طالما يحتجز مصالح الناس المشروعة إلى حين توصله بالإتاوات أو تحقيق مصالح غير مشروعة. * لا يمكن مواجهة الفساد إلا من خلال استراتيجية شمولية واعتماد منهجية «سيستيمية» . فالاكتفاء بالجانب القانوني الزجري الحالي (القانون الجنائي) لم يكن له أي وقع ميداني بخصوص الحد من تفشي هذه الظاهرة. * المدخل الأول لمحاربة الآفة سياسي محض مرتبط بمنطق ممارسة السلطة. لذا وجب الإسراع بالإصلاحات الدستورية والسياسية. لقد أثبتت الأبحاث أن المنطق السياسي بالمغرب، ومنطق الفعل العمومي، وحدة تفشي الفساد، تشكل ثلاثة مكونات مرتبطة فيما بينها حيث ينتج عن منطق تفاعلاتها نوع خاص من مصادر الشرعنة السياسية والارتقاء المجتمعي، وسلط بطبيعة غير محددة، وسلط تقديرية بدون سلط مضادة، وغموض في القوانين، والزيادة من توسيع هامش القطاع غير المهيكل، وضعف نجاعة الفعل الإداري والاقتصادي، وتداخل في الإختصاصات، وخلل في المنظومة التربوية والتعليمية، وتفشي الغش في الامتحانات الدراسية وفي المنتوجات الاقتصادية وفي أداء الواجب، وفتح المجال لكل أنواع المغامرة...إلخ. هذا المنطق قد تسبب للمغرب في ضياع نقطة في نسبة النمو كل سنة من 1980 إلى سنة 2000 أي ضياع ما يقارب 1100 مليار درهم. وأمام هذه المعضلات، يبقى مطلب تحقيق الملكية البرلمانية، كمطلب وعد المغفور له محمد الخامس المغاربة في فجر الاستقلال بتحقيقه، من المطالب ذات الأولوية للدفع بعجلة الإصلاح الحقيقي إلى الأمام، وتقوية الديمقراطية بأحزاب قوية وبتقاطبات منطقية، وتوسيع حرية التعبير والإعلام والحق في المعلومة، وتشخيص شبكات الفساد والتصدي لها باستعجال، وخلق منظومة للزجر تشمل كل أشكال الفساد وليس الرشوة الفردية فقط، والحد من السلط التقديرية بخلق سلط قانونية مضادة، والحد من كل أشكال اقتصاد الريع، وإصلاح القضاء وتقوية آليات فعله، وربط ممارسة السلطة بالمسؤولية والمحاسبة والمساءلة دستوريا، والحد من الازدواجية والتقاليد العتيقة المكبلة لعمل الحكومة (كما جاء في تصريح عبد الرحمان اليوسفي في بروكسيل)، وإصلاح نظام الانتخابات، وضبط اختصاصات المؤسسات التمثيلية وعلاقتها بمختلف المؤسسات الحكومية، وتوضيح العلاقة بين الدولة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني والإعلام، وخلق أجواء المنافسة الشريفة في كل المجالات ومحاربة الاحتكار (البنوك، الشركات الكبرى المنتجة مثلا للسكر، والزيت، والاتصال الهاتفي ...)، وعقلنة القوانين الخاصة بالتعمير وتدبير العقار والقواعد المعتمدة في إعداد وتدبير المالية العمومية،...إلخ. * المدخل الثاني مؤسساتي يتعلق بعمل الإدارة والمؤسسات المختلفة للدولة. فتخليق الحياة العامة في هذا الباب يحتاج إلى تفعيل مبدأ تساوي الفرص في التوظيف وفي التعيين في مختلف مناصب المسؤولية، تعيين يجب أن يخضع بفتح المناصب للترشيح والامتحان من أصغر منصب عام (رؤساء المكاتب) إلى أكبر منصب (المدراء العامين) مع ضرورة إخضاع العلاقات التسلسلية لقوانين واضحة حيث لا يمكن إزاحة مسؤول عن منصبه إلا من خلال تقارير نزيهة وشفافة تنجزها مؤسسات مختصة معروفة بمصداقيتها تثبت عدم كفاءته أو تورطه في أمور محظورة، وتعميم عمليات الإفتحاص، وتقوية العلاقة بين الإعلام والقضاء، والحد من تضارب الإختصاصات، وإدخال شعبة «اقتصاد الرشوة» في التعليم الجامعي، وتحقيق العدالة الضريبية بإعادة النظر في كل القوانين وخاصة المقتضيات المتعلقة بإعفاء الأنشطة الفلاحية، وتطوير الضمانات لفضح المرتشين، وتطوير قانون الصفقات (إعداد دفاتر تحملات نموذجية لمختلف أنواع الصفقات، إعداد دليل للأثمنة المحينة للمواد والسلع الأكثر استعمالا، وتعميم عمليات الافتحاص لتشمل مكاتب الدراسات والمراقبة، والبحث عن مدى مشروعية استفادة المشاركين من الامتيازات والعطاءات وتفويت الملك العمومي في المستوى الترابي الذي يشتغلون فيه [ بالنسبة للمقالع كنموذج تفرض ضرورة مراقبة الكميات المستخرجة ومدى تطابقها لدفاتر التحملات الخاصة بالتفويت أو الكراء]...) ...إلخ * المدخل الثالث تربوي وتعليمي وثقافي وتحسيسي. ويتطلب الأمر في هذا الباب إعداد برنامج عمومي دائم للتحسيس والتربية على المواطنة والنزاهة والمسؤولية والمحاسبة والشفافية وتغليب المصلحة العامة والإخلاص في العمل تشارك فيه كل الفئات العمرية من آباء وأمهات وشباب وأطفال، وتشارك في تعميمه على كافة أطياف المجتمع كل الوسائل السمعية البصرية والتكنولوجيات الحديثة والمؤسسات المختصة والمجتمع المدني.