أكد رئيس الاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة، عبد الله السعيدي، أنه آن الأوان لفتح نقاش حقيقي حول وضعية المهندس المغربي التي باتت متدهورة، إن على مستوى الأجر الذي يتقاضاه المهندس إسوة بمهن أطر مشابهة، وإن على مستوى تكوين المهندسين الذي دعا بشأنه السعيدي، في حواره مع «المساء»، إلى ضرورة احترام أخلاقيات المهنة التي باتت مهددة بسبب وجود مؤسسات غير مؤهلة لتكوين المهندسين، وملوحا في نفس الوقت بالتصعيد من احتجاجاتهم ضد تماطل الحكومة في الرد على مذكرتهم المطلبية. - يخوض الاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة منذ أسبوعين عددا من «التجمعات التعبوية» بعدد من المدن. في أي سياق تأتي هذه الخطوات الاحتجاجية؟ < هي احتجاجات تأتي كرد على ما آل إليه الحوار بين الحكومة والاتحاد، الذي قدم للحكومة مذكرة مطلبية منذ ما يقرب من سنة، وأجرى عددا من اللقاءات مع عدة وزراء عينهم الوزير الأول لهذا الغرض، وهي اللقاءات التي كانت فقط فرصة لتفسير المذكرة المطلبية أكثر منها حوارا حقيقيا حول ملفنا المطلبي، بحيث قابلنا وزراء عدة قطاعات، إلا أن وزير المالية وحده من أعرض عن لقائنا لأسباب نجهلها رغم الرسائل العديدة التي وجهناها إليه من أجل استقبالنا. وبعد هذه الجولة من اللقاءات وتقييم الحوار مع مختلف الوزراء، اعتبرنا أن الملف بات جاهزا ، كما اعتبرنا أن الوقت أصبح ملائما من أجل مناقشة كافة المطالب في إطار حوار منظم ومهيكل برئاسة الوزير الأول أو من يعينه، بعدما كاتبنا الوزارة الأولى، قبل حوالي شهرين في هذا الصدد، مطالبين إياها بتكوين لجنة حكومية تشرف على الحوار معنا حول ملفنا المطلبي، لكن لم نتلق أي جواب إلى حد الآن، في ظل تدهور أوضاع المهندسين المادية والمعنوية، حيث لم تعرف أي تحسن منذ ما يقرب من عشر سنوات خلافا لباقي الفئات المهنية الأخرى المماثلة للمهندسين، ومن ثم فقد اعتبرت أطر الاتحاد الوطني للمهندسين أنه، في ظل هذه الوضعية، لم يعد مسموحا بمزيد من البطء في معالجة ملفها المطلبي الملح، وهذا ما خلصت إليه اللجنة الإدارية (أعلى هيئة مقررة بالاتحاد) وقررت هذه الخطوات النضالية التي سنشرع في تنفيذها بداية من 17 أكتوبر الجاري. - بالإضافة إلى المشكل المادي، هل هناك مشاكل أخرى يتضمنها ملفكم المطلبي؟ < طبعا هنالك مطالب أخرى لا تقل أهمية عن المطلب المادي ومسألة الأجور، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المذكرة المطلبية، التي تتضمن 18 صفحة، جاءت شاملة لمختلف المشاكل والقضايا التي تؤثر سلبا على عمل المهندسين ولا تقتصر فقط على تحسين الوضعية المادية أو المهنية، بل تتضمن المطالب، كذلك، كل ما يتعلق بمجال ومستقبل الهندسة بالمغرب، بدءا بالتعليم أو التكوين الهندسي، والذي تميز سنة 2005 بإطلاق مبادرة تكوين 10 آلاف مهندس في أفق سنة 2010، وهو ما جعلنا ندعو إلى ضرورة الانتباه إلى أمرين أساسيين؛ أولا ألا يكون اعتبار الكم أولوية دون اعتبار لمسألة الكيف، مع العلم أننا مع فكرة الرفع من نسبة تكوين المهندسين، لأن المغرب متأخر مقارنة بدول أخرى ومنها بلدان عربية، في ما يتعلق بمعدل تواجد المهندسين في وسط السكان، حيث في الوقت الذي لا يتوفر فيه 1000 مواطن إلا على مهندس واحد، فإن بتونس مثلا تتوفر كل 500 نسمة على مهندس، إذن نحن مع ارتفاع نسبة تخرج المهندسين، إلا أننا بالمقابل مع ارتفاع مستوى جودة التأطير والتكوين وتوفير الإمكانيات الضرورية، حتى تبقى مهنة الهندسة في المستوى اللائق بها. أما النقطة الثانية، فتتجلى في كون التطورات التي يعرفها المغرب اقتصاديا تدعو إلى تكوين المزيد النوعي من المهندسين، إذ ينبغي رفع اللبس بين مهندس حقيقي يحمل دبلوما من مؤسسة مختصة بتكوين المهندسين، وبين آخر خريج بعض المؤسسات الأخرى، التي وإن كان لها اعتبارها وشرعيتها، فإنه يجب ألا نخلط الأمور، وهذا شيء حاصل في الإدارة العمومية، حيث استُغل فصل من القانون الأساسي للمهندسين من طرف عدد من الوزراء السابقين، الذين وظفوا أعدادا هائلة من حاملي الإجازة في العلوم في إطار مهندسين، ويتوفرون اليوم على الشروط نفسها لاشتغال المهندسين، ولهم نفس ما لهؤلاء، وهو ما يتنافى مع أخلاقيات ممارسة المهنة. - هل تقصد أن هناك نوعا من الزبونية التي تتجلى في منح البعض صفة مهندس رغم أنهم ليسوا أهلا لها؟ < قد يكون هذا صحيحا وقد تكون هناك خلفيات زبونية أو خلفيات أخرى.. - سياسية مثلا؟ < في وقت من الأوقات، كانت هناك أعداد هائلة من حاملي الإجازة العاطلين، ونحن مع حق هؤلاء في الحصول على عمل، ولكن ليس بهذه الطريقة التي تم بها إقحام أناس لا يحملون دبلوم مهندس ضمن إطار المهندسين، وكما نعلم فإنه لا يمكن إقحام أي كان في إطار مهنة طبيب أو في سلك المحاماة، وهذا من بين أبرز ما يقلقنا كمهندسين، بالإضافة إلى أنه آن الأوان للقيام بعملية تقييمية للتكوين الهندسي في المغرب، ومعرفة ماهية الحاجيات وتبَني استراتيجية واضحة ترسم معالم القطاع وتنتج لنا مهندسا حقيقيا، وإن كانت الرغبة في الرفع من نسبة عدد المهندسين هي رغبتنا نحن كذلك كمهنيين، لكن ليس على حساب المبادئ المهنية وليس بخلط الأمور. - في هذا الإطار، أنتم بداخل الاتحاد تُعيبون على بعض المؤسسات أنها غير مؤهلة لتخريج المهندسين. هل يمكن توضيح هذه الفكرة وما إذا كانت هذه المؤسسات خاصة أم أنها عمومية؟ < نحن لا نقول مثل هذا الكلام، والمؤسسات التي تقوم بتكوين المهندسين هي بعض الكُليات والمدارس الخاصة بتكوين المهندسين المعروفة لدى الجميع، أما بالنسبة إلى القطاع الخاص، فهذا موضوع آخر وملف له خصوصيته وفيه نقاش. - ولكن، إن سمحت لي، في مذكرتكم المطلبية المنشورة بموقعكم الإليكتروني ورد حديث عن كون هناك مؤسسات غير مؤهلة لتكوين مهندسين، هلاَّ وضحت أكثر هذه النقطة؟ < فعلا هناك بعض المؤسسات غير المؤهلة، ويتبين من خلال البحث الذي قمنا به ومن خلال مختلف اتصالاتنا أن هناك نقصا في جانب التأطير البيداغوجي، لأن تكوين المهندسين يخضع لمقاييس خاصة، فالأمر لا يتعلق بأي تكوين، وهناك أيضا نقص في الإمكانيات المرصودة. وإذا كانت الحكومة تقول إنها أقامت تعاقدات مع هذه المؤسسات من أجل وضع كل الإمكانيات رهن إشارتها من أجل مثل هذا التكوين، فإن السؤال يطرح في مذكرتنا المطلبية، في هذا الصدد، بكل إلحاح، وعلى الحكومة أن تجيب عن ذلك، وهذا لن يتأتى إلا بالقيام بتقييم شامل يحدد ما إذا كانت المؤسسات تقدم التكوين اللازم. - إلى من تردون إذن تأخر إجراء مثل هذا التقييم، ومن هي الجهة المسؤولة عن هذا التأخير؟ < بكل تأكيد هي مسؤولية وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر، كما هي مسؤولية كل الوزارات التي تشغل المهندسين، وعموما هي مسؤولية الحكومة برمتها، لأنه عندما لا يكون التكوين في المستوى المطلوب، فإن ذلك لا يخدم مسألة التشجيع على الاستثمارات الخارجية والمشاريع الكبرى المنتظرة في الأفق، والتي تعتبر هي الخلفية الأساسية لإطلاق مبادرة تكوين 10 آلاف مهندس، وفي حال لم يكن التكوين في المستوى، فإننا سنضيع الكثير من الإمكانيات وفرص التنمية. - في إطار الاستعداد لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، هل فكرتم في حلول أخرى أو تقديم اقتراحات إلى الحكومة قبل إقدامكم على الشروع في القيام بعدد من الاحتجاجات؟ < طبعا لقد صغنا المذكرة المطلبية، وقابلنا الوزير الأول ووزير التجهيز والنقل ووزير الإسكان والتعمير والتهيئة المجالية ووزير تحديث القطاعات العامة، وكل الوزراء الذين التقيناهم اتضح لنا أن موقفهم إيجابي من المذكرة، باستثناء وزير المالية الذي لم يستقبل الاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة، رغم وجود رسالة رسمية من الوزير الأول، في هذا الصدد، تنص على ضرورة استقبالنا، وأنا شخصيا قمت بعدة محاولات مع ديوان صلاح الدين مزوار، وقيل لي إن الملف يوجد بيد الوزير الذي سيستقبلنا آجلا، بل سبق لهم أن أعطونا موعدا قبل أن يتم تأجيله لاحقا، لتظل الأمور على حالها دون أن نحظى بأي لقاء مع وزير المالية. إذن خلال كل لقاءاتنا طالبنا بضرورة إيجاد آليات فعالة للتكوين في المجال الهندسي، بل طالبنا بأكثر من ذلك عندما دعونا إلى إقامة مناظرة وطنية حول الهندسة بشراكة مع الحكومة وكل الفاعلين والمعنيين بالموضوع من أجل الوصول إلى تقييم وخلاصات وتصورات واضحة حول مستقبل التكوين الهندسي ببلادنا. لقد أكد كل الوزراء الذين التقيناهم على أن مطالب اتحادنا هي مطالب موضوعية وذات طابع وطني، وأنها مطالب لها راهنيتها وأهميتها في التطورات التي يعرفها المغرب. - أين يكمن إذن بالتحديد مشكل عدم الدفع بمطالبكم إلى الأمام في الوقت الذي رحب بذلك الوزير الأول وكل الوزراء تقريبا؟ < هذا هو ما يدعو إلى الاستغراب، حيث رغم وجود هذا الكم الهائل من التأييد لملفنا المطلبي من طرف غالبية أعضاء الحكومة، فإن هذا الملف مازال يراوح مكانه، ولاحظنا كيف أن البطء الشديد هو الذي ظل مسيطرا على التعاطي مع الملف، ومع ذلك نظل كمنظمة مهنية نفضل الحوار على وسائل أخرى رغم نيتنا الشروع في خطوات احتجاجية بعدد من المدن المغربية، ولكن وبما أننا منظمة هندسية لنا مشروعيتنا، فإننا إذا اضطررنا إلى المزيد من الاحتجاج، فإننا لن نتردد في ذلك بكل الطرق القانونية والمشروعة، ومن ذلك التجمعات التعبوية التي ستنطلق يوم السبت من مدينة الرباط من أجل حث الدولة على فتح حوار جدي حول ملفنا المطلبي، الذي تؤازرنا فيه كل المركزيات النقابية وهيئة المهندسين المعماريين وهيئة المساحين الطوبوغرافيين الذين يشتغلون أيضا في الوظيفة العمومية والجماعات المحلية. - من هذا المنطلق، إذن، هل يمكن القول إن هجرة المهندسين هي نتيجة لضعف الأجور المقدمة من طرف الحكومة؟ < بطبيعة الحال، تعتبر هذه النقطة من بين النقاط التي سطرناها في مذكرتنا الوطنية، حيث أبرزنا أننا نعاني من مشكلين كبيرين، أولهما أننا نناضل من أجل بقاء المهندس بأرض الوطن، وثانيهما أن عددا من الذين بقوا بالبلاد يفضلون العمل بالقطاع الخاص، في الوقت الذي يشهد فيه المغرب وجود عدد من الأوراش الكبرى على المستوى الوطني، وهي الأوراش التي هي في حاجة إلى مهندسين، الذين بغيابهم ستعاني الاستثمارات وكذلك المؤسسات والجماعات المحلية من مشكل غياب التأطير. وهنا أود الإشارة إلى أن إحدى الوزارات التي قررت توظيف 90 مهندسا لم يستجب لها إلا نحو عشرة مرشحين والسبب هو ضعف العرض المقترح مقارنة بالقطاع الخاص، بعكس ما كان سائدا قبل عشر سنوات، حيث كان القطاع العام لا يبتعد عن القطاع الخاص، من حيث فارق الأجر، وكان، نسبيا، منافسا للقطاع الثاني، وهذا ما كان سببا في حفاظ المهندسين على وظائفهم في القطاع العمومي والجماعات المحلية. كما أن المغادرة الطوعية أدت إلى نزيف كبير في المؤسسات، والذي تجلى بالخصوص في خروج العديد من المهندسين من هذه المؤسسات العمومية، حيث منهم من أنشأ مشروعه الخاص ومنهم من غادر إلى الخارج، لذلك أصبح سؤال: ماذا نريد؟ مطروحا بإلحاح وعلى الجميع الوقوف وقفة تأن من أجل حوار بناء كفيل بالإجابة عن مختلف الإشكاليات المطروحة، خاصة في ما يتعلق بملاءمة التكوين المكثف والصعب مع الأجر، وتشجيع المهندس على عدم مغادرة الإدارة العمومية والجماعة المحلية، وهذا طبعا لن يتأتى إلا بتحسين وضعيته المادية. لا يمكن إطلاق مبادرة لتكوين 10 آلاف مهندس دون توفير الإمكانيات الضرورية - في ظل تعليق - إن صح القول- معالجة ملفكم المطلبي، ألا ترون أن الدولة تسرعت في إطلاق مبادرة تكوين ال10 آلاف مهندس قبل إيجاد الحلول للمهندسين الحاليين؟ < نحن لسنا ضد المبادرة، سواء كانت تخص 10 آلاف أو حتى 20 ألف مهندس، إذا استطعنا ذلك، ولكننا ننبه فقط إلى أنه لا يمكن أن نطلق مبادرة دون أن نحشد لها الإمكانيات اللازمة والضرورية من تأطير وإمكانيات وتجهيزات، خاصة أن المبادرة تأتي بارتباط مع كثير من التطورات التي يشهدها السوق المغربي ووجود مشاريع كبرى، لذلك أشرنا إلى أننا إن كنا مع المبادرة، فإننا ندعو الجميع إلى الحرص على جودة التكوين وتجنب وقوع خلط في معادلات الشواهد بحشر من هو ليس مهندسا ضمن خانة المهندسين. - إذن، وبعكس ما هو رائج، فإن وضعية المهندس غير مريحة، على الأقل في الوقت الراهن، هل هذا ما تريد قوله؟ < بطبيعة الحال، فإن وضعية المهندسين في الوظيفة العمومية بمؤسسات الدولة وفي الجماعات المحلية هي وضعية متدهورة من الناحية المادية والمعنوية، والأرقام والمعطيات تشهد على ذلك، وهو ما سنسعى إلى الإدلاء به من جديد عندما نجلس إلى طاولة الحوار مع أطراف الحكومة من جديد، لأن الجميع يقر اليوم بأن المهندس المغربي يعيش مفارقة غريبة، بحيث في الوقت الذي يعتبر فيه المهندس الشريحة التي يفرض عليها تكوين خاص وذو شروط قُصوى، من ناحية الاختيار لولوج مؤسسات تكوين المهندسين، حيث تفرض على المهندسين معدلات مرتفعة في الباكالوريا شعبة الرياضيات والقبول في السنوات التحضيرية، ثم المرور عبر مباراة ولوج المدرسة، وبعد التخرج يجد المهندس نفسه في وضعية مادية تشبه ميادين تكوين عادية. وما ندعو إليه هو أن تكون الحكومة منسجمة مع نفسها، حيث في الوقت الذي تسن فيه هي نفسها قوانين وشروط ولوج مؤسسات تكوين المهندسين، فإنها لا تعمل على تحسين وضعية هؤلاء ماديا.