توسّد فخذها الشهي كي لا تمل واغطس في غدير المقل تشفى وتنصبّك سلطانا للعشق كل الدروب * رويدك رويدك يا امرأة القلب أضحى مملكة بائدة تنعيها غربان الوشاية حين أتلفت مفاتيحه * خنجر المحبة مطاع أغمديه فيّ أولد ثانية ويشرق ذبولي من جديد * متصاب تحركه رذيلة المطر يوغل شوكته شوكة سمه في العدم فيموت منكفئا على أسرار الروح * مثلي أشبه بكأس لأكثر من سمكة عبثا تحاولين تقمص دور البريئة كي تربكي دمي * عند عتبة عوالمي الماء يمكر النسل ينقرض * لأول مرة تكسر زجاج قلبي امرأة تطفئ فيّ أنين الطين * أشرع قلبك على أكذوبة بيضاء ملحها الحب تساقط عن شجر رأسك بعض هموم الكون * قميص السياسة ليس على مقاس من قاموسه: دس كرامة المواطن كما تبول في رسم رملي أو تسحق حشرة * هو الآن العاطل تتمنّع عليه اللقمة يركب حماقاته فيصهل الهباء * يُسرق من دمه الوطن الواشي أنه عاش يوما سعيدا بقطف الخبء بالإمساك الطفولي بجمرة الحياة موائد الشعر العربيّّّ كموائد «حاتم الطائي» في كرمها و تعدّد أصنافها / أجناسها و مدارسها لكنّ صنفا جديدا من اقصى مشارق الارض ينضاف اليها في السنوات الاخيرة ليدهشنا بكثافة متعته باعتباره يقوم اساسا على التكثيف من جهة المعنى و الصورة الشعريّة و من جهة المبنى أيضا اذ يختصر اللغة و يكثّفها و يركّزها تركيزا شديدا يجعل منها توقيعا انفعاليا مدهشا ،انها قصيدة الهايكو اليابانية أو ما يعرف لدينا بقصيدة الومضة او التوقيعة كما يسمّيها عزّ الدين مناصرة اذ يقول هي : «قصيدة قصيرة مكثفة تتضمن حالة مفارقة شعرية إدهاشية، ولها ختام مدهش مفتوح، أو قاطع، أو حاسم، وقد تكون قصيدة طويلة إلى حد معين، وقد تكون قصيدة توقيعة إذا التزمت الكثافة، والمفارقة، والومضة، والقفلة المتقنة المدهشة.» قصيدة الومضة أو التوقيعة سميّت لدينا بهذا الاسم لانها تروم الايجاز وعمق المعنى و تسعى الى كثافة الايحاء القادر على اثارة انفعالات المتلقّي بما فيها من دهشة و تكثيف . وبباب الحديث عن الدهشة والادهاش قد تعود هذه الحالة الى «الأكسيمور» الذي تتضمنه قصيدة الهايكو في نزوعها الى التضاد والتقابل ، تلازم الاضداد هذا نراه جليّا بنصّ الشاعر المغربي أحمد الشيخاوي الموسوم بعنوان «هايكو مائيات» الذي يعتمد بهذا النص على شعريّة التضاد فيدهشنا بضدّياته الغريبة كأن يقول : خنجر المحبة مطاع أغمديه فيّ أولد ثانية ويشرق ذبولي من جديد إذ يولد المحب من خنجر ّالمحبّة القاتل هذا التقابل بين الولادة والموت مكمن الدهشة والشعرية الخالصة، يتضمن نفس المقطع الشعري تضادا ثانيا اذ يتلازم الضدّان الاشراق و الذبول فتتشكّل صورة شعرية مفارقة وجمالية الصورة في تضادها وإدهاشها وهذا ما حصل من خلال هذا المقطع الشعري الذي يجبر القارئ على التخيّل . قد يراوح الشاعر أحمد الشيخاوي مكانه برغم الانتقال من مقطع الى اخر الا ان المدارات نفسها لأنه ببساطة يتحرك بنفس الحقول الدلالية التي تتكئ عليها قصيدة الومضة منذ ظهورها عربيا وهي : الزمن ،الحزن و الموت. فلا عجب إذن أن كرّر نفس التقابل و التضاد برغم الصورة الشعرية المختلفة بهذا المقطع : متصاب تحركه رذيلة المطر يوغل شوكته شوكة سمه في العدم فيموت منكفئا على أسرار الروح مكمن التقابل والتضاد هنا المطر -باعتباره مبعثا للحياة – في مقابل الموت الذي جعله الشاعر بهذه الصورة الشعرية نتيجة لضدّه. ويتكرّر التضاد وتكررّه محمود لان الشاعر لم يغفل تشكيل صورة شعرية مغايرة في انتقاله من مقطع الى آخر و إن بقي في نفس المناخات و حافظ على نفس المدار الدلالي: عند عتبة عوالمي الماء يمكر النسل ينقرض تتشكل بنفس النص ثنائيات متضادة كثيرة منها: - (يصهل* الهباء ) - ( جمرة * الحياة ) وفي هذه الثنائيات المتقابلة شعرية واضحة لأنها لم تعتمد على مضاد حقيقي واضح بل نزعت نحو المضاد الاستعاري وهو مكمن الشعريّة . ختاما نقول نجح الشّاعر أحمد الشيخاوي في أشياء كثيرة منها الادهاش ومنها الالتزام بالحقول الدلالية دون نغفل مكمن شعريّته وهو الاكسيمور والصور الشعريّة المتخيّلة التي بدت جلّية بجميع التوقيعات / الومضات ودفعت القارئ نحو تخوم الدهشة والمتعة.