أسئلة قلقة كثيرة يطرحها الشارع المغربي عشية انتخابات السابع من أكتوبر القادم، حول جدوى الذهاب إلى مخادع الاقتراع من أجل أداء الواجب الوطني لاختيار «ممثلي الشعب» في مجلس البرلمان. أسئلة ملحة وحارقة تختزل توجسا شعبيا مشروعا، إن كانت مغامرة هذا الاقتراع القادم سوف تعود برعب «البيجيدي» مرة ثانية إلى تدبير شؤوننا السياسية اليومية بالعقلية الاستبدادية التي دبر بها الولاية الحالية، وكأن ممثلي هذا الحزب الإسلامي قد نزلوا بمظلاتهم للعب أدوار في مسرحية فاشلة قد لا نستبعد أن سيناريو نسختها الثانية يحبك خلسة في الكواليس بهدف تمديد سياسة الإمعان في التقشف وتنحيف الشعب وضرب (الطم) عن النبش في الملفات الساخنة والعالقة من قبيل المأذونيات والمقالع وإفلاس صندوق التقاعد وخوصصة بعض القطاعات الاجتماعية الحساسة والرخص بمختلف كنوزها وعوالم استغلالها سواء في البر أو في البحر ... والسؤال المحوري والمشروع ليس هو كيف تسلق حزب «البيجيدي» سلالم السياسة إلى لحظة جرجرة الائتلاف الحكومي السوريالي الحالي بل السؤال هو : أحقا كانت صناديق الاقتراع سنة 2011 شفافة والروح الرياضية في الملعب الديمقراطي هي التي فتحت علينا مع الأسف باب (جهنم) في وقت كانت الطبقة الشعبية المقهورة تطمع في بحبوحة «الجنة» التي وعدها بها الإخوان «البيجيديون» في دار الدنيا قبل الآخرة !؟ فهل أفيون (الربيع العربي) هو من صنع هؤلاء الإطفائيين مشعلي الحرائق عن طريق فذلكة سياسية شرق أوسطية وبتوجيه من قوى خارجية غربية وعربية ذات مصالح استراتجية آنية ومستقبلية من أجل «خونجة» الفضاء السياسي العربي من المحيط إلى الخليج بهدف كبح تعاظم دور التيارات العربية التقدمية العقلانية والعلمانية على الخصوص، في ظل انتشار وعي شبكي يساير لغة العصر في تكريس قيم التحرر الإنساني وتقاسم غلل العلوم المتاحة لكل الطبقات الاجتماعية عبر دمقرطة تكنولوجيات التواصل والمعرفة ؟ أم هناك ما هناك من الأسرار مما ليس بمقدورنا كفضوليين بل «كأقزام» سياسيين أن نفهمه من أجل تفكيك دينامية المحرك السياسي التي لا يتقن تفكيكه وتركيبه غير فقهاء وأدمغة وخبراء السياسة والمال والأعمال وتدبير الاقتصاد الكبار في هذا البلد . ومن دون شك أن نتائج أي اقتراع انتخابي لن تكون سوى المائدة التي أفرزها المطبخ المغلق على نفسه والذي لا يرى الشعب أدواته ومعداته الخاصة بالتقطيع ولا أنواع بهاراته ولا درجة حرارة فرنه الملائمة للطبخ ولا لائحة الطباخين الدهاة والمهرة (الماسترشاف) ما يعني أن الوصفة «البئيسة» التي جاءت برئيس الحكومة بنكيران ومن معه من الإخوان كانت هي التشكيلة الضرورية لتطويع خروج 20 فبراير وحراك المرحلة سنة 2011 التي كانت تغلي فوق بركان الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية خصوصا بعد نجاح ثورة الياسمين في تونس وهروب الرئيس بنعلي إلى السعودية ثم انهيار أنظمة عربية استبدادية أخرى في مصر وليبيا واليمن .. إلخ لكن حمدا لله ما حدث في وطننا العزيز كان الألطف من ناحية لكن والأسوأ من ناحية أخرى أكثر مما كنا نتوقع، إذ أن المواطن استفاق فجأة على دهشة صعود حزب إسلاموي وبخطاب دعوي مفخخ بوعود الدنيا والآخرة ، ذلك الخطاب الذي بدل أن يجتهد في توزيع الأرزاق على المغاربة البسطاء عن طريق الاستحقاق كما وعدهم بذلك في حملاته الانتخابية هاهو رئيس الحكومة السيد بن كيران بعد تنصيبه بشهور قليلة فحسب يعلق خساراته وخيباته السياسية وفشله الذريع على مشجب (التماسيح والعفاريت) ومغرب (الدولتين) و(التحكم ) و(التغول) و(المظلومية ) و(حكومة الظل) و(جيوب المقاومة) و(المغرب العميق) و.. و.. إلخ ومن دون شك إنه سوف يبدع مخلوقات خرافية ومبررات واهية أخرى لو ساء حظنا الانتخابي مرة أخرى وجاء به بعد السابع من أكتوبر (الأسود !!) إلى دفة الحكم . إننا حين نتحدث عن النفاق السياسي الإسلاموي والدعوي عند إخوان العدالة والتنمية فإننا لا نقصد بذلك إطلاقا الفضح والتشهير المجاني أو التحامل المؤدى عنه بالشيك مسبقا خدمة لأجندة جبهة سياسية معارضة، وإنما لأن أخطاء وفضائح حكومة بنكيران العلنية منها والسرية الشخصية والحزبية التي أوشكت بعضها أن تعصف باستقرار هذا البلد لأفصح برهان على نقاوة سريرتنا وصفاء طويتنا وصدقية نقدنا السياسي الموضوعي والمستقل الذي ينأى عن أية مزايدة انتهازية أو مغازلة مبيتة أو (لحيس كابا ) إعلامي مقيت ..إلخ ودعونا نفكر مليا وبكل هدوء ونعود مع ال»بيجيدي» في مسار هذه «النكبة» السياسية المريرة خمس سنين إلى الخلف غداة استوزارهم وركوبهم السيارات السوداء الفارهة والمصفحة والسكن في الفيلات الوظيفية الحالمة، ألم يعد جل وزراء ال»بيجيدي» خصوصا محمد بوليف ومصطفى الخلفي عبر تصريحات مسجلة في القنوات التلفزية والإذاعية الدكاترة والمهندسين المعطلين ضحايا محضر 20 يوليوز بالتوظيف المباشر تنفيذا لقرار الحكومة السابقة وعملا بقانون استمرارية المرفق العمومي مثلما عملت بذلك الحكومات في اتفاقيات والتزامات وطنية ودولية أخرى ؟ ألم يقل بنكيران وهو برفقة علبته السوداء المرحوم محمد باها في أول وآخر اجتماع مع ممثلي التنسيقيات الخمس للمعطلين (توكلو على الله ونساو المحضر) وكأن نية «التوكل» كافية لوحدها على توفير الشغل في رمشة عين لكل المعطلين !؟ إننا نعي جيدا جسامة بل استحالة التوظيف المباشر لجميع الشباب خريجي المدارس والمعاهد العليا والكليات المنتشرة في جل ربوع الوطن في كل سنة لما سيخلفه تصريف هذا القانون من استنزاف للميزانية العامة ، لكن كيفما كان الأمر فهذا ليس مبررا ولا يشفع لحكومة بنكيران للتملص من التزامات الحكومة السابقة لتنفيذ مقتضيات محضر 20 يوليوز الذي وقعت عليه مؤسساتها المتمثلة في الوزارة الأولى ووزارة تحديث القطاعات العامة ووزارة الداخلية في يوليوز من عام2011 مع مجموعة (التنسيقيات الخمس) من حملة الشواهد العليا قصد إدماجهم بطريقة مباشرة في أسلاك الوظيفة العمومية، ووفق مقتضيات قانونية ودستورية أتت في سياق التدابير المجتمعية التي اتخذتها الدولة المغربية إبان حراك الربيع العربي لكي تمتص احتجاجات هذه الفئة العريضة التي تعاني ولا تزال من البطالة والإقصاء والتهميش وغموض الآفاق . فلو وفت حكومة بنكيران بوعود حكومة عباس الفاسي السابقة وتسلحت بالشجاعة والجرأة السياسية ونفذت مقتضيات محضر 20 يوليوز»المغبون» لكانت ستجد المبررات الدستورية والقانونية القوية فيما بعد لإغلاق باب التوظيف المباشر وإلى الأبد، وستجعل من تاريخ تفعيل الاتفاق مع التنسيقيات الخمس عيدا وطنيا خالدا ومنعطفا حاسما في سياسة التشغيل بالمغرب سيكون له ما بعده من نقاط ضوء إيجابية تحسب لحكومة بنكيران التي سوف تكسب من دون شك مساندة هؤلاء المعطلين وأسرهم وأصوات الشباب بصفة عامة لسياستها خصوصا على المستوى السوسيو اقتصادي حيث أن معظم هؤلاء الأطر المعطلين هم أبناء طبقات اجتماعية كادحة تعاني من الهشاشة في مختلف تجلياتها الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية ..إلخ وليس هذا فحسب فإن انزلاقات حكومة العدالة والتنمية لا تعد ولا تحصى، وكثير منها كاد أن يثقب السفينة من القاع،بدل أن يبحث لها عن التوازنات الضرورية للحفاظ على الاستقرار الذي تنعم به المملكة في المنطقة العربية . فهاهي تقارير المؤسسات المالية الوطنية والدولية تتحدث عن أرقام ومعطيات دقيقة حول تراجع أغلب القطاعات الاقتصادية بالمغرب، وخاصة قطاعات الصناعات الغدائية والخدمات والتجهيز والبناء، بمستويات خطيرة بسبب شح السيولة وغياب أوراش جديدة، وتراجع كبير في نسبة الاستثمار العمومي، وارتفاع بعض التكاليف التي تؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين، وعلى رأسها المواد البترولية في السوق الوطنية، وارتفاع الضرائب وانكماش شبه كلي في عموم قطاعات التجارة والصناعة، مما هدد ولا يزال يهدد بلادنا بأزمة خانقة أنهكت تقريبا أغلب المقاولات الصغرى، وتعاني منها المقاولات المتوسطة ، وصارت أيضا تضرب عن قرب المقاولات الكبرى وخاصة في صناعة الحديد والمقاولات الموردة المرتبطة بعقود في مجال مشاريع الطاقات المتجددة. وفي ظل هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة المنذرة بتهديد السلم الاجتماعي بعد إغلاق باب التوظيف المباشر ورفع الدعم عن صندوق المقاصة واللجوء إلى الاقتطاعات بسبب الإضراب والتراجع عن توظيف أطر البرنامج الحكومي لتأهيل 10000 إطار تربوي وتعنيف الطلبة الممرضين بعد رفضهم مصادقة الحكومة على مرسوم خاص بالنظام الأساسي لهيئة الممرضين وإقرار قانون التشغيل بالتعاقد وإصلاحات صندوق التقاعد بالإكراه، مع رفع سن التقاعد من 60 سنة حاليا إلى 63 سنة، ابتداء من العام المقبل، وارتفاع أسعار الماء والكهرباء والتحضير لقانون يمنع تداول الجرائد والمنشورات في المقاهي والفضاءات العامة وغير هذا من القرارات اللاشعبية المخلة بوعود البيجيدي وحلفائه في الائتلاف الحكومي السوريالي ... في ظل كل هذه الانتكاسات والتراجعات نجد «سعادة» رئيس حكومتنا ، عبد الإله بنكيران ، يتقاضى أعلى راتب في شمال إفريقيا ب 70 ألف درهم، يتضمن الأجر الأساسي وكلّ التعويضات، فيما بقية الوزراء يتقاضون أجورًا تصل إلى 58 ألف درهم، تتضمن عديدا من الامتيازات المعنوية والتعويضات المالية والمادية ، في حين نجد عديدا من رؤساء الحكومات في بعض الدول الأوروبية، خصوصا بمنطقة البلقان، تقل رواتبهم بخمسة مرات عن الأجر الشهري لبنكيران، بل إن أجر رئيس وزراء صربيا، يبقى أقّل من أجر بنكيران بسبع مرات تقريبًا. وكانت مجلة «جون أفريك» «JEUNE AFRIQUE قد قالت في إحدى تقاريرها :»إن الأجر الكلي، الذي يشمل الراتب الشهري، وتعويضات السكن، وتمثيل الدولة، لرئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران يصل إلى نحو 80 ألف درهم أي ما يناهز (8 آلاف يورو)، بينما يحصل رئيس وزراء الجزائر أحمد أو يحيى على 6 آلاف يورو، ويتقاضى رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي 2500 يورو». وأوضحت المجلة ذائعة الصيت في العالم الإفريقي الفرنكفوني أن المغرب من أكثر البلدان الإفريقية التي تسودها تباينات واسعة بين رواتب الوزراء والمواطنين العاديين حيث يتقاضى الوزير في الحكومة الإسلامية الحالية حوالي 75 ألف درهم، أي ما يعادل 7.5 آلاف يورو، باحتساب تعويضات السكن وباقي الامتيازات الأخرى، فيما يكابد المواطن البسيط للحصول على الحد الأدنى للأجور الذي لا يتجاوز ألفي درهم (200 يورو)، على حد قول المجلة. وتابعت «جون أفريك» في نفس التقرير :»وتعني هذه الفوارق الكبيرة في الأجور أن الوزير بالمغرب يحصل على حوالي 40 مرة راتب الموظف الذي ينال الحد الأدنى للأجر، فيما لا يتجاوز هذا الفرق في فرنسا مثلاً 10 مرات فقط». فهل هذا سيدي بنكيران ما كان يأمله الشعب المغربي ويستشرفه مستضعفوه من حزبكم الإسلامي الذي كان إلى الأمس القريب متلفعا في جلابيب الدروشة والزهد والتقوى، أم أن الضحك على الذقون بمداعبة السبحات في الاستقبالات الرسمية وتخدير أتباعكم بالقفشات والتنكيت السياسي والخطابات الشعبوية في اللقاءات والمؤتمرات العامة وازدراد صحون «البيصارة» في الأسواق لم تكن غير أقنعة مكر ونفاق والالتفاف على الاتفاق وقطع الأرزاق؟