في الوقت الذي كان المعطلون ينتظرون من حكومة بنكيران أن «تفرج» عن ملفهم وتبشرهم بالإدماج المباشر في أسلاك الوظيفة العمومية بناء على الوعود التي تلقوها بالالتزام بما بدأته الحكومة السابقة، وجه لهم عبد الإله بنكيران «قنبلة من العيار الثقيل»، عندما صرح بإلغاء قرار التوظيف المباشر والاعتماد على إجراء المباراة كما هو معمول به ومنصوص عليه في القانون والدستور، الشيء الذي دفع كل التنسيقيات والمجموعات المعطلة إلى توحيد أصواتها والخروج إلى الشارع بقوة للمطالبة بحقها في التوظيف المباشر كحق «مشروع». وفي تصريحه ل«المساء» قال يوسف أفليفلو، عن تنسيقية الإدماج المباشر: «لا بد من التأكيد على أن الأطر العليا المعطلة لا تدافع عن المحضر الذي التزمت فيه الحكومة السابقة بتخويل حملة الشواهد الولوج إلى أسلاك الوظيفة العمومية بشكل مباشر، بقدر ما تسعى إلى فهم الظرفية التي جاء بها قرار إلغاء التوظيف المباشر». وأضاف أفليفلو أن القرار هو «سياسي» بالدرجة الأولى وإذا أخطأت الحكومة السابقة في توقيع المحضر مع الأطر المعطلة فعليها أن تتحمل مسؤوليتها لأن المعطلين ليسوا «فئران تجارب». بالنسبة للفصل 22 من القانون رقم 50-05 الذي ينص على تعديل النظام الأساسي للوظيفة العمومية بضرورة التوظيف في المناصب العمومية وفق مساطر تضمن المساواة بين جميع المترشحين لولوج نفس المنصب، لا سيما حسب مسطرة المباراة، والذي صدر في الجريدة الرسمية يوم 19 ماي 2011، تساءل أفليفلو عن خلفيات إخراج هذا القانون في هذه الظرفية، أي بعد شهر من صدور المرسوم الاستثنائي، علما أنه كان «مقبورا» في الرفوف منذ سنة 2005، أضف إلى ذلك أن هذا القانون لا يتحدث عن إلزامية المباراة. كما تساءل المتحدث نفسه عن جدوى المرسوم الوزاري 02-11-100، الذي صدر في 8 أبريل 2011، والذي ينص على أنه «يؤذن للإدارات العمومية والجماعات المحلية بشكل انتقالي أو استثنائي وإلى غاية 31 دجنبر 2011 بإدماج أصحاب الشواهد ذات الترتيب الاستدلالي المطابق لسلم الأجور 11 خلافا للمقتضيات القانونية المعمول بها، الإدماج المباشر في أسلاك الوظيفة العمومية بدون مباراة». وفيما يتعلق بتكافؤ الفرص، يوضح أفليفلو أن هذا الأمر يجب أن يطبق على الأجور والسلالم وليس فقط على المباراة، مضيفا أن المعطلين ليسوا ضد المباراة، لكنهم يرفضون الظروف التي تمر فيها المباراة، وأنهم مستعدون لاجتيازها عندما يصل المغرب إلى مستوى من الشفافية والصفاء. من جهته، اعتبر سعيد أزوكاغ، الكاتب العام لمجموعة أطر 2011 المقصية من محضر 20، أن الفصل 22 من قانون الوظيفة العمومية 1958 ينص على أن التوظيف يكون إما بإجراء المباراة أو الاعتماد على الشهادة، مضيفا أنه تم تعديل هذا الفصل بموجب القانون 50-05، لكن المصادقة على هذا القانون تزامنت مع ما يسمى بمرحلة الربيع الديمقراطي الذي شهدته الساحة العربية. ويضيف أزوكاغ أن في هذه الفترة بالذات شهدت الساحة الوطنية خروج مجموعة من الأطر العليا المعطلة للتظاهر في الشارع، مطالبة بإلغاء قانون 50-05، ونظرا لتخوف الحكومة من انضمام الأطر العليا المعطلة إلى حركة 20 فبراير، تم إصدار مرسوم استثنائي يحمل رقم 02-11-100، ويقضي بإدماج حاملي الشواهد العليا في أسلاك الوظيفة العمومية بشكل مباشر دون إجراء المباراة. ويمتد هذا المرسوم إلى غاية 31 دجنبر 2011. وتم تحديد الذين يشملهم هذا المرسوم في فئة المعطلين الحاملين لدبلومات 2010 وما قبلها، معتبرا هذا التحديد خرقا سافرا لمقتضى هذا المرسوم وكذا ما نص عليه الدستور والمواثيق الدولية، المتعلق بعدم الاعتماد على رجعية القوانين، وهو الأمر الذي يعد «التفافا» سياسيا على المقتضيات القانونية سالفة الذكر. وبالنسبة لحملة الشواهد العليا قبل تاريخ 31 دجنبر 2011، فإن المرسوم الاستثنائي يشملهم كذلك لأنه ساري المفعول إلى حدود هذا التاريخ، وهناك قاعدة في القانون تفيد بأن النص الخاص يقيد العام، والمرسوم الوزاري هو نص خاص يقيد النص العام الذي هو قانون الوظيفة العمومية. وأشار أزوكاغ إلى أن القوانين التي تحكم التوظيف كانت تعطي الأولوية لحملة الشواهد العليا، ونظرا إلى وعي المعطلين بلجوء بعض المسؤولين إلى استغلال هذا النص القانوني في توظيف أبنائهم وأقربائهم التي تربطهم بهم إما علاقات عائلية أو علاقات حزبية وسياسية، طالب المعطلون بأن يشملهم هذا القانون إسوة ببقية حاملي الشواهد. وخوفا من أن تفضح الخروقات والتلاعبات التي شابت هذا الملف، يقول نفس المتحدث، فقد وجهت إليهم الجهات الوصية اتهامات بعدم توفرهم على الكفاءة، وأعطى مثالا على رفضهم لهذه الاتهامات يفيد أن الولوج إلى سلك الماستر يستوجب حصول الطالب على معدلات تخول له ذلك. وقال أزوكاغ إن الحكومة الحالية التي وعدت بتسوية ملف المعطلين، بدل أن تبادر إلى فتح حوار جاد ومسؤول لتسوية ملف المعطلين، فإنها لجأت إلى سياسة «العصا» وقمع مظاهراتهم، وخير دليل على ذلك ما وقع صبيحة الخميس الماضي، حينما قامت قوات الأمن بمطاردة الأطر المعطلة باستعمال سيارات الأمن لتفريق المتظاهرين. وبالعودة إلى المبررات التي لجأ إليها وزراء الدولة فيما يتعلق بمشاكل الوظيفة العمومية، اعتبر المتحدث نفسه أن تصريحاتهم بوجود ارتفاع كتلة الأجور التي يتقاضاها موظفو القطاع العام، فهذا راجع بالأساس إلى وجود موظفين يتقاضون أجورا خيالية، بمعنى أن الأمر لا يتعلق بالكم في صفوف الموظفين بقدر ما هو سوء تدبير في ميزانية، على حد تعبيره. ولحل هذا الإشكال القائم ارتأى الكاتب العام لمجموعة أطر 2011 المقصية من محضر 20 أن تبدأ الدولة في إطار الإصلاح الشامل بمحاربة الموظفين الأشباح وتعويضهم بالمعطلين من حاملي الشواهد العليا، والتقليص في أجور الموظفين الكبار مع ضرورة استرجاع الأموال المنهوبة، والمثال على هذا الأخير مصير مبلغ 115 مليار درهم الذي تم نهبه من صندوق الضمان الاجتماعي، والذي يكفي لخلق مليوني منصب شغل، حسب التقرير الذي أعدته الهيئة الوطنية لحماية المال العام. من جهة أخرى، فإن تسوية ملف المعطلين تقتضي كذلك، حسب أزوكاغ، محاربة الريع بجميع أشكاله وهيكلة القطاعات الاقتصادية غير المهيكلة، وكذا فرض ضرائب على القطاع الفلاحي، لأن المستفيد الأكبر من الإعفاء الضريبي في مجال الفلاحة هم كبار المستثمرين الأجانب الذين ينهبون الثروات المائية، وهذه الخطوة ستساهم في الرفع من ميزانية الدولة وستكون كفيلة بخلق مناصب أخرى. واعتبر الحسين أومرجيج، عضو في المكتب التنفيذي للتنسيق الميداني، أن الإدماج المباشر مكتسب تاريخي لجميع حاملي الشواهد العليا، والمرسوم الوزاري يؤكد ذلك، قبل أن يضيف «نحن كمعطلين نرفض المنحى الذي اتخذه هذا الملف ولن نقبل أن نكون ضحايا لصراعات سياسية بين الحكومة السابقة والحكومة الحالية»، موضحا أن هذا الصراع يتجلى في كون حزب الاستقلال قبل انتهاء ولايته لغّم الملف عن طريق تضخيم عدد المعطلين المسجلين في اللوائح المحصورة في 5100، و1500 من حملة الشواهد برسم سنة 2010 هو العدد الحقيقي للذين كانوا قد اقتحموا مقر حزب الاستقلال. ووجه أومرجيج اتهامات مباشرة إلى مستشار حزب الاستقلال الذي قال إنه عمد إلى رفع عدد اللوائح إلى 5100، بينما 2600 من المعطلين هم أشباح أضيفوا إلى اللوائح عن طريق الزبونية والمحسوبية، من بينهم عدد مهم من المنتمين للشبيبة الاستقلالية. وأضاف المتحدث ذاته أن الحكومة الجديدة وجدت الملف أكثر تعقيدا، لكن بالرغم من كل هذا التعقيد في الملف، كان على رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران أن يلتزم بما وعدت به الحكومة السابقة.